باحث في الحركات الإسلامية لـ”الحقيقة بوست”: طالبان تخوض معركةً أشرس من السابقة
أجرى الحوار: عبد الحميد قطب
أكّد “محمد خير موسى” الكاتب والباحث المختص في الحركات الإسلاميّة، أنّ حركة طالبان بدأتْ معركةً أشرس من السابقة، هي معركة بناء الدولة، واقناع دول العالم بالاعتراف بها، لافتاً إلى أنّ طالبان أحدثتْ قدرًا كبيراً من التحوّل في بنيتها الفكريّة وسلوكها.
وتوقّع في حواره مع “الحقيقة بوست” أن يعزز انتصار طالبان الروحَ القتاليّة للحركات الجهاديّة، مُشيراً إلى أنّ القاعدة وداعش ينظران إلى طالبان بناءً على عقيدتهم كحركة مبتدعةٌ.
وإلى نصّ الحوار..
-: بعد هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان والانهيار المفاجئ لحكومة “غني” .. كيف تقرأ المشهد الأفغاني حالياً؟
ـ في الواقع، ما جرى في أفغانستان من انتصار طالبان وهزيمة الولايات المتحدة كان متوقعاً، فعلى مدار 20 عامًا حاربتْ طالبان الأمريكان، وألحقتْ بهم الهزيمة، مما جعل “بايدن” يصف أفغانستان بأنّها “مقبرة الغزاة”.
فمن المعروف أنّ العديد من الامبراطوريات دُفنت في أفغانستان، آخرها الامبراطوريّة السوفيتيّة.
لكن اللافت في المشهد أنّ الحكومة العميلة بقيادة “أشرف غني” انهارتْ بسرعة، وهي بذلك أكّدتْ أنّ مصير الحكومات العميلة التي تعتمد على الخارج إلى زوال مهما طال الزمن وبعُدتْ المسافات.
رسائل طالبان للعالم
-: ما تقييمك للإجراءات التي قامتْ بها الحركة كالعفو عن جميع أعدائها السابقين والانفتاح على وسائل الإعلام الغربية؟
ـ لا يخفى على أحد أنّ طالبان على مدار السنوات الماضية كانت تبعث برسائل للعالم أنّها تغيرتْ، وقد زادتْ الرسائل بشكل أكبر بعد سيطرتها على كابل، من خلال العفو عن المتعاونين مع الأمريكان، والذين قتلوا عناصرها في السابق، واتصلتْ بالمخالفين معها للمشاورة وأخذ الرأي حول المرحلة المقبلة، وغيرها من الإجراءات التي تخصّ المرأة وحقوق الإنسان، بما يعني أنّ طالبان في 2001 تختلف عن طالبان 2021.
فهذه المواقف لطالبان تبيّن أنّ الحركة أحدثتْ قدرًا كبيراً من التحوّل في بنيتها الفكريّة وسلوكها المنبثق من هذه البنية، قد لا تكون هذه التطورات والتحولات كافية بنظر البعض، وقد تكون المخاوف من تكرار التجربة السابقة حاضرة بقوّة عند الكثيرين، وهذا طبيعي جدًا، لكن ما ينبغي في هذه الحالة هو التريّث وعدم استعجال الحكم على التجربة قبل بدايتها مع وجود مؤشّرات على التغير والتحوّل والتطور ولو كان يسيراً.
-: هل تمثّل دول الجوار قلقاً لطالبان؟
ـ لا شكّ أنّ الدول المجاورة لأفغانستان والمعادية لطالبان ربما تمثّل قلقاً للحركة، لكن أيضاً طالبان لها ارتباط وتحالف قوي مع باكستان المجاورة لأفغانستان، بل إنّ العلاقة بينهما أكثر من تحالف.
لكن من الملاحظ أنّ طالبان تحاول تبريد الجبهات الخارجيّة حالياً، لا سيما مع الصين وإيران. فزيارتها لإيران في يناير الماضي كانت تهدف لتلطيف الأجواء، وكذلك اتصالاتها مع الصين تصبّ في نفس الاتجاه، بل إنّ الحركة أبدتْ استعدادها لفتح المجال الأفغاني للاستثمارات الصينيّة وهو في تقديري ربما يُجنّبها المواجهة معها.
-: كيف انتصرتْ طالبان على أكبر قوة في العالم؟
هناك عدّة عوامل أدتْ إلى انتصار طالبان، أهمّها البُنية الصلبة للحركة، وعقيدتها القتاليّة وشراستها في القتال، وأيضاً وحدة القرار والسيطرة داخل الحركة.
كما أنّ لطالبان ظهيراً قوياً هو باكستان، والحركة جزء من المجتمع الأفغاني ولها حاضنة شعبيّة، ولو لم تكن لها هذه الحاضنة ما استطاعتْ أن تنتصرَ على الولايات المتحدة.
النموذج الطالباني
-: ما أبرز التحدّيات التي يمكن أن تواجه طالبان في المرحلة المقبلة؟
ـ هناك تحديان أساسيان: التحدّ الأول داخلي ويتمثّل في مدى قدرتها على احتضان الشعب، خاصّة مع وجود قلق لدى الشارع الأفغاني من تكرار النموذج الطالباني السابق، إضافة إلى الأوضاع الاقتصاديّة في بلد غارق في الديون، وليس لديه موارد، وتشكيل حكومة تمثّل كافة أطياف الشعب، واحتواء العرقيّات والإثنيّات.
أمّا التحدّ الآخر فهو: استطاعتْ طالبان اقناع دول العالم بالاعتراف بها، خاصّة أنّ أغلب الدول أعلنتْ أنّها ستراقب سلوكها، وفي رأيي أنّ الدول الغربيّة لن تعترف بطالبان، وهذا ما سيعرّض الحركة لعمليات تضييق وإفشال ومحاولة إسقاط، وهذا ما يعني أنّ طالبان انتهتْ من الحرب الميدانيّة وانتصرتْ على عدوها، لكنّها بدأتْ المعركة الأشرس وهي المحافظة على نصرها واستمرارها.
-: هل تعتقد أنّ الانسحاب الأمريكي توريط للحركة في ملفات إقليميّة؟
ـ في الحقيقة، الانسحاب الأمريكي هزيمة مُنكرة لها. والمعروف أنّ واشنطن كانت تحاول الخروج من المستنقع الأفغاني منذ سنوات، لكن هذا لا يعني أنّها لن تعمل على استثمار هزيمتها في توريط طالبان في معارك جانبية وجديدة، والرِهان على قدرة طالبان في تفويت الفرصة على الأمريكان.
-: هل ممكن أن يتمدد الانتصار الطالباني إلى ساحات عربية أخرى كسوريا والعراق؟
ـ ربما يحدث ذلك بشكل غير مباشر، بمعنى أنّ انتصار طالبان سيُعزز الروح القتاليّة في الحركات والتنظيمات الجهادية، ويمنحها الأمل من جديد، بعد أن أُصيبتْ باليأس والإحباط، لكنّه في الوقت ذاته لن يبعث الروح في الحالة الثورية الشعبيّة.
طالبان الحركات الجهادية
-: ما أوجه الخلاف بين طالبان والحركات الثورية الأخرى في المنطقة؟
ـ طالبان حركة تحرر وطني، ولدتْ في بيئة قتاليّة مسلحة، وتختلف عن الحركات الجهادية السلفيّة في البنية والمرجعيّة الفكرية. فهي حركة مذهبيّة تقليديّة، تتبع المذهب الحنفي فقهياً، والماتريديّة عقائدياً، وهذا مخالف للحركات الأخرى خاصّة حركات الإسلام السياسي.
كما أنّ طالبان حركة محليّة وطنيّة، عكس الحركات الأخرى التي تتبنّى الفكر الجهادي ولديها خطابا أُممياً.
فحركة طالبان ليستْ حركة سلفيّة جهاديّة، ولا سلفيّة علميّة، ولا سلفيّة حركيّة، فمن يحاول نسبة طالبان إلى داعش أو القاعدة فقد وقع في خللٍ منهجيّ وعلميّ، بل إنّ القاعدة وداعش ينظران إلى طالبان بناءً على عقيدتهم على أنّهم مبتدعةٌ منحرفون في الاعتقاد، لكنّهم كانوا يتعاملون معهما من باب الحاجة إلى التّحالف والواقعيّة السياسيّة التي تكْفرُ بها داعش والقاعدة حيثُ لا تكون لهما حاجةٌ إليها.
-: هل تختلف “الإمارة الإسلاميّة الجديدة” التي تعتزم طالبان إعلانها قريباً عن الإمارة السابقة؟
ـ لقد أعلنتْ الحركة في 2006 عندما حكمتْ أفغانستان قيام “الإمارة الإسلاميّة” وعندما أُسقطتْ هذه الإمارة لم تعترف الحركة بسقوطها، وظلتْ تقاتل تحت راية “إمارة أفغانستان الإسلاميّة” حتى أنّ جميع بياناتها كانت تصدر بهذا العنوان كتأكيدٍ على استمرار الإمارة.
وبالتالي الإمارة مازالت قائمة، ولم تختلف عن المعلن عليها بعد عودة طالبان.
-: لماذا أَحرج الانتصارُ الطالباني الأنظمةَ العربيّة وخاصّة السعوديّة؟
ـ الانتصار الطالباني مثّل إحراجاً لكلّ الأنظمة العربيّة “المتغطّية” بأمريكا، وأكّد العبارة التي تقول أنّ “المتغطّي بها عريان” لأنّه بمجرد رفع الغطاء عن هذه الأنظمة ستسقط كما سقطتْ الأفغانيّة السابقة بقيادة “أشرف غني”.
أمّا بالنسبة للسعوديّة فإنّ انتصار طالبان أحرجها أمام العالم، خاصّة أنّها كانت تُعادي الحركة ومازالتْ، وهو ما نستشعره في قنواتها التي ظهرتْ في حالة من الحزن والغضب، وكأنّها هي التي هُزمت وليست الولايات المتحدة.
القاعدة وطالبان
-: هل تنصح الحركات الثوريّة الإسلاميّة في الدول العربيّة بالاقتداء بطالبان؟
ـ بالطبع لا، لأنّ التجربة الطالبانيّة لها خصوصيتها، وبالتالي لا يصحّ إسقاطها على أيّ واقع آخر، لأنّ لكلّ تجربة خصوصيتها، والتجربة الأفغانيّة غير قابلة للاستنساخ في أماكن أخرى. لكن هناك دروس يمكن استفادة الحركات الجهاديّة والثوريّة منها، على سبيل المثال: ثبات الحركة وصمودها.
-: ما مستقبل تنظيم القاعدة بعد انتصار طالبان؟
ـ أعتقد أنّ انتصار طالبان سيبثّ في “القاعدة” روحاً قتاليّة جديدة، لكن في المقابل طالبان ستنأى بنفسها عن التنظيم، ولن تتواصل أو تتحالف معه.
فطالبان تعلمتْ الدرس السابق جيداً، وهو ما أعلنتْ عنه في جميع المناسبات، أنّها لن تسمح لأيّة جهة أن تتخذ من الأراضي الأفغانيّة مُنطلقاً لمهاجمة الدول الأخرى.
المصدر: الحقيقة بوست