مقالاتمقالات المنتدى

اهتمام الفاروق رضي الله عنه بفريضة الصلاة

اهتمام الفاروق رضي الله عنه بفريضة الصلاة

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بالصَّلاة، ويبالغ في الإِنكار على من يتخلَّف عن الجماعة، ويشتدُّ نكيره على تاركها، وسار الصِّدِّيق على هديه، ولما تولَّى الفاروق الخلافة؛ اهتمَّ بأمر الصَّلاة، وحمل النَّاس عليها، وتعقَّب تاركها، وكتب إِلى عماله: إِنَّ أهمَّ أمركم عندي الصَّلاة، فمن حفظها، وحافظ عليها؛ حفظ دينه، ومن ضيَّعها؛ فهو لما سواها أضيع. وكان رضي الله عنه شديد الحرص على الخشوع في الصَّلاة، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: صلَّيت خلف عمر، فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوفٍ.(الصلابي،2001، ص181)
وجاء في روايةٍ: أنَّه قرأ في صلاة الفجر: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وبكى حتّى سُمِع نشيجُه من اخر الصُّفوف.(ابن تيمية، 1995، ج10، ص249)
وقد قال رضي الله عنه لمن يعبث في صلاته: لو خشع قلب هذا؛ لخشعت جوارحه.
وكان رضي الله عنه إذا أبطأ عليه خبر الجيوش قنت.
وكان يدعو للمجاهدين في صلاته، ويقنت لذلك، فعندما قاتل أهل الكتاب؛ قنت عليهم في الصَّلاة المكتوبة، وكان رضي الله عنه يربي النَّاس، ونفسه على الاهتمام بأمر الصَّلاة: فرائضها، وسننها، ويرشد النّاس إِلى السُّنَّة، وينهاهم عن البدع، فعندما تأخَّر رضي الله عنه في صلاة المغرب حتّى طلع نجمان بسبب شغله ببعض الأمور؛ أعتق رقبتين بعد الصَّلاة، وكان يرى الجمع بين صلاتين من غير عذرٍ من الكبائر، وكان ينهى من يصلِّي بعد العصر، وكان يؤنِّب من تأخَّر عن التقدُّم لصلاة الجمعة، فعن سالم بن عبد الله، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهم ـ: أنَّ عمر بن الخطاب بينما هو قائمٌ في الخطبة يوم الجمعة؛ إِذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر: أيَّة ساعةٍ هذه ؟ قال: إِنِّي شغلت، فلم أنقلب إِلى أهلي حتى سمعت التَّأذين، فلم أزد أن توضَّأت، فقال: والوضوء أيضاً ؟! وقد علمتَ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغُسل.(الحميدي،1998،ج19، ص42)
وكان رضي الله عنه يمنع رفع الأصوات في المسجد، فعن السَّائب بن يزيد، قال: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجلٌ، فنظرت فإِذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أنتما ؟ أو: من أين أنتما ؟ قالا: من أهل الطَّائف، قال: لو كنتما من أهل البلد؛ لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .(ابن تيمية،1995،ج21، ص98)
وكان رضي الله عنه يعظِّم توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا استأذنت أحدكم امرأتُه أن تأتي المسجد فلا يمنعها » قال: وكانت امرأة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تصلِّي في المسجد، فقال لها: إِنَّك لتعلمين ما أحبُّ. فقالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني! قال: فطُعِنَ عمر، وإِنَّها لفي المسجد.(اليحيى،1989،ص294)
فهذا الخبر يدلُّ على تعظيم أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ لأمور الشَّريعة ووقوفه عند كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قدَّم تنفيذ ذلك على ما تحبُّه نفسه.
وكان رضي الله عنه يحبُّ الصَّلاة في كبد الليل ـ يعني: وسط اللَّيل ـ وكان يصلِّي ما شاء الله حتّى إِذا كان من اخر اللَّيل؛ أيقظ أهله، ويقول: الصَّلاة ! الصَّلاة ! ويتلو هذه الآية {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى *} [طه: 132] ، وقد قام ذات ليلةٍ، فغشيه همٌّ عظيمٌ من تفكيره في أمور النَّاس، فما استطاع أن يصلِّي، وما استطاع أن يرقد، فقد قال: فواللهِ ما أستطيع أن أصلِّي، ولا أستطيع أن أرقد ! وإِنِّي لأفتتح السُّورة فما أدري أفي أوَّلها أنا، أم في اخرها، فلمَّا سئل: ولم يا أمير المؤمنين ؟ قال: من همِّي بالنَّاس.(الحميدي،1998،ج19،ص40)
وكان يعوِّض ما فاته من قيام باللَّيل بالنَّهار، فقد روى رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ نام عن حزبه، أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظُّهر؛ كتب له كأنَّما قرأه من اللَّيل ». وكان رضي الله عنه يتمنّى أن يكون مؤذِّناً، فقد قال: لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة؛ لأذَّنت.(الشرقاوي،1988،ص214) وكان كثير الدُّعاء، والتَّضرُّع لله ـ عزَّ وجلَّ ـ ومن أدعيته، وأقواله في شأن الدُّعاء: اللَّهُمَّ اجعل عملي كلَّه صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً! ومن دعائه أيضاً: اللَّهُمَّ إِن كنت كتبتني شقيّاً فامحني، واكتبني سعيداً ! فإِنَّك تمحو ما تشاء، وتثبت.(البلاذري،1997،ص225)
وكان يقول: إِنِّي لا أحمل همَّ الإِجابة، وإِنما أحمل همَّ الدُّعاء، فإِذا أُلهِمت الدُّعاء؛ فإِنَّ الإِجابة معه، وكان يحثُّ النَّاس على الاقتراب من المطيعين، ويقول: اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإِنَّهم تتجلّى لهم أمورٌ صادقةٌ.
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يحبُّ التذكير بالله، فقد كان يقول لأبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ: يا أبا موسى ! ذكِّرنا ربَّنا. فيقرأ، ويستمع عمر، ومن معه، فيبكون.(ابن تيمية،1995،ج8، ص118)
وكان يحبُّ الجلوس مع أهل الذِّكر، فعن أبي سعيدٍ مولى أبي أسيد قال: كان عمر يعسُّ في المسجد بعد العشاء، فلا يرى فيه أحداً إِلا أخرجه، إِلا رجلاً قائماً يصلِّي، فمرَّ بنفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي بن كعب، فقال: مَنْ هؤلاء ؟ قال: نفرٌ من أهلك يا أمير المؤمنين ! قال: ما خلَّفكم بعد الصَّلاة ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. فجلس معهم، ثمَّ قال لأدناهم: خذ في الدُّعاء، فدعا، فاستقر أهم رجلاً رجلاً حتَّى انتهى إِليَّ، وأنا بجانبه، فقال: هات ! فَحُصِرْتُ، وأخذني أَفْكَلُ، فقال: قل، ولو أن تقول: اللَّهمَّ اغفر لنا ! اللَّهُمَّ ارحمنا ! قال: ثمَّ أخذ عمر في الدعاء، فما كان أحدٌ أكثر دمعةً، ولا أشدَّ بكاءً منه، ثمَّ قال: تفرَّقوا الان.(ابن تيمية،1995،ج10،ص51)

 

_______________________________
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، عمر ابن الخطاب، شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه-2003صص189-192
الشَّيخان أبو بكر، وعمر برواية البلاذري في أنساب الأشراف، تحقيق د. إِحسان صدقي العمد، المؤتمن للنَّشر، السُّعوديَّة ـ الطَّبعة الثَّالثة 1418 هـ 1997 م.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد القاسم.1416ه-1995
عبد العزيز عبد الله الحميدي، التَّاريخ الإِسلامي مواقف وعبر، دار الدَّعوة، الإِسكندريَّة، دار الأندلس الخضراء، جدَّة، الطَّبعة الأولى 1418 هـ 1998 م.
عبد الرَّحمن الشَّرقاوي، الفاروق عمر، دار الكتاب العربي، الطَّبعة الأولى 1408 هـ 1988 م.
يحيى إِبراهيم اليحيى، مرويَّات أبي مخنف في تاريخ الطَّبري، عصر الخلافة الرَّاشدة، دار العاصمة بالرِّياض، الطَّبعة الأولى 1410 هـ.-1989م
علي محمَّد الصَّلابي، فقه التَّمكين في القران الكريم، دار البيارق، عمان، الطَّبعة الأولى1419ه 1999 م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى