هل يطلق سابع استفتاء شعبي عبر تاريخ تركيا “الرصاصة الأخيرة”، على “العلمانية الأتاتوركية”؟، هل ينهي الاستفتاء الجديد الميراث البغيض من التغريب الذي شهدته تركيا على يد “مصطفى كمال أتاتورك”، ودفع الشعب التركي ثمنه غاليا من محاولات سلخه عن دينه وعقيدته، بسن النظم والقوانين التي حاولت تكرس التغريب ؟
الاستفتاء الشعبي في تركيا الذي سيجري في 16 أبريل/نيسان المقبل، ليس هدفه فقط الانتقال بنظام الحكم في تركيا من “الحكم البرلماني”، الى “الرئاسي”، تكون فيه الصلاحيات الأوسع لرئيس الجمهورية، ليقود دفة البلاد، بصفته منتخب من القاعدة الشعبية.
صور “أتاتورك” وأصنامه
بل ستكون التعديلات الدستورية الجديدة، في حالة إقرارها، انطلاقة جديدة لتركيا، تنهي حقبة “العلمانية الأتاتوركية”، التي فرضت على الشعب التركي أكثر من تسعة عقود، وتحولت صور “أتاتورك” وأصنامه التي تملأ المصالح الحكومية والميادين، الى أصنام شبه مقدسة من قبل غلاة العلمانية الأتاتوركية، رغم الهزائم السياسية التي مني بها حزب أتاتورك “حزب الشعب الجمهوري”، في الانتخابات البرلمانية والمحلية، ولم يستطع ينافس – في تحالف مع غيره من الأحزاب العلمانية والقومية – في أول انتخابات رئاسية، حسمها “رجب طيب أردوغان”، مرشح حزب العدالة والتنمية، من الجولة الأولى.
توسيع قاعدة مشاركة الشباب
رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، “سعدي غوفن”، أعلن أن الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، -تشمل 18 مادة-، سيجري في 16 أبريل/نيسان المقبل، وتشمل التعديلات الدستورية، قانون الانتخابات الرئاسية، وصلاحيات الرئيس، وصلاحية البرلمان في الرقابة والتفتيش، وآلية عمل السلطة التنفيذية، كما تنص على رفع عدد نواب البرلمان التركي من 550 إلى 600 نائبًا، وخفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاما، وهو ما يعني إفساح المجال أمام أكبر شريحة من الشباب للترشح في الانتخابات العامة.
وكان البرلمان التركي، أقر في 21 يناير/ كانون الثاني المنصرم، مشروع التعديل الدستوري الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم، وصادقت الرئاسة عليه وأحالته إلى رئاسة الوزراء لنشره وطرحه للاستفتاء الشعبي خلال 60 يومًا، اعتبارًا من تاريخ نشره.
ومن أجل إقرار التعديلات الدستورية في البلاد ينبغي أن يكون عدد المصوتين في الاستفتاء الشعبي بـ (نعم) أكثر من 50% من الأصوات (50+1)، وطبقا لنتائج الانتخابات البرلمانية السابقة – الأولى والمعادة – تجاوزت نسبة المشاركة في الانتخابات نسبة الـ 87%.
سلاسل وأغلال تقيد المسيرة
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، شبّه النظام البرلماني (القائم حالياً) بـ”سلاسل وأغلال تقيد مسيرة تركيا في النمو والتقدم”، مشيراً أن البلاد قطعت أشواطًا كبيرة في تغيير نظام حكمه، ودعا أردوغان مواطني بلاده على التصويت بـ”نعم” في الاستفتاء المزمع إجراؤه، وذكّر الرئيس التركي بأن “الشعب جعل من نفسه درعًا أمام دبابات ومقاتلات الانقلابيين ليلة 15 تموز (يوليو) الماضي، وأن الشعب سيسطر ملحمته مرة ثانية في الاستفتاء المقبل عبر التصويت لصالح التعديلات الدستورية”، وشدد على أن النظام الرئاسي، سيحافظ على اللحمة الوطنية بين أفراد الشعب التركي، ويعزز خطى تركيا في تحقيق أهدافها.
من البرلماني إلى الرئاسي
قال “أردوغان”، إن الدافع الرئيس لسعي تركيا نحو تعديل الدستور والانتقال بنظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، هو أن “النظام الحالي غير قادر على تحقيق أهداف تركيا وحل مشاكلها العالقة”، وأشار الرئيس التركي إلى أن بعض الجهات (لم يسمها) توجه انتقادات له وللحكومة لتبنيهم فكرة الانتقال للنظام الرئاسي في ظل ما تشهده البلاد من أزمات، واستدرك قائلاً: “ولعل هذه الأزمات هي السبب الحقيقي لتبنينا النظام الرئاسي، فهدفنا هو إيجاد حلول لها”.
تحقيق مصالح الشعب
وأشار الرئيس التركي، الى أن “النظام البرلماني ليس بمقدوره تلبية احتياجات تركيا، والاستمرار فيه سيدفع البلاد لمزيد من الأزمات والاضطرابات”، وأكده على أن “الغاية الوحيدة للانتقال إلى النظام الرئاسي، هو إيصال تركيا إلى أهدافها بأقصر الطرق، وتحقيق مصالح شعبها”.
الاستفتاء المقبل يعد سابع استفتاء في تاريخ تركيا، فقد شهدت البلاد بعد انقلاب 27 مايو/ أيار 1960 العسكري، أول استفتاء شعبي، للتصويت على الدستور الجديد الذي وضعته “لجنة الوحدة الوطنية” التي تم اختيار أعضائها من قبل العسكريين الانقلابيين، جرى التصويت في 9 يوليو/ تموز 1961. صوت في الاستفتاء 61.7 بالمائة لصالح ما عرف بـ “دستور 1961″، فيما صوت 38.3 في المائة بـ “لا”.
الانقلابيون وغلاة العلمانية
أما الاستفتاء الثاني جاء مرة أخرى بعد انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980 العسكري، وأشرف “مجلس الشورى”، الذي تم تعيين أعضائه من قبل الانقلابيين على صياغة الدستور الجديد، وجرى التصويت عليه في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1982. صوت في الاستفتاء 91.4 بالمائة لصالح ما عرف بـ “دستور 1982” ، فيما صوت 8.6 في المائة بـ “لا”.
والاستفتاء الثالث جاء للتصويت على المادة الرابعة المؤقتة من دستور عام 1982 والمتعلقة بحظر النشاط السياسي لبعض الزعماء السياسيين، وأجري الاستفتاء الثالث في 6 سبتمبر/ أيلول 1987. وصوت 50.2 بالمائة من المشاركين لصالح رفع الحظر عن نشاط السياسيين، فيما صوت 49.8 بالمائة بـ “لا”، وهكذا عاد رؤساء أحزاب وشخصيات سياسية مثل سليمان ديميريل، وبولند أجاويد، ونجم الدين أربكان، إلى ممارسة العمل السياسي، بعد إتمام رفع الحظر.
أربكان وديميريل وأجاويد
وعودة شخصيات مثل ديميريل، وأجاويد وأربكان إلى العمل السياسي، أنعش السياسة التركية، وشهدت تركيا في تلك الفترة نقاشات حول إجراء انتخابات محلية مبكرة، ذهبت البلاد في 25 سبتمبر/ أيلول 1988 إلى استفتاء شعبي، كان الرابع في تاريخها، للبت في موضوع الانتخابات المبكرة، وصوت لصالح إجراء انتخابات مبكرة 35 بالمائة من المشاركين في الاستفتاء، فيما صوت 65 بالمائة بـ “لا”.
والاستفتاء الخامس في تاريخ الجمهورية التركية، جاء من أجل مقترح تعديل دستوري متعلق بانتخاب الشعب لرئيس الجمهورية بشكل مباشر، خلافًا لما كان معمولًا به سابقًا، وهو انتخاب رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، وتوجهت البلاد إلى الاستفتاء في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2007. وصوت لصالح التعديل الدستوري 68.9 بالمائة من المشاركين، فيما صوت 31.1 بالمائة بـ “لا”.
الأتاتوركيون والقوميون
الاستفتاء (السادس) كان في 12 سبتمبر/ أيلول 2010، وصوت لصالح التعديلات الدستورية 57.9 بالمائة من المشاركين، فيما صوت 42.1 بالمائة بـ “لا”، وعادت مسألة التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي تطفو على سطح السياسة التركية، بعد تصريحاتٍ لرئيس حزب الحركة القومية التركية، دولت باهجه لي، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، قال فيها: “إذا كان حزب العدالة والتنمية ما زال مصرًا على قضية التعديلات الدستورية المتعلقة بالنظام الرئاسي، ينبغي عليه تقديم مشروعه بهذا الخصوص للبرلمان”.
وقدم رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم إلى رئاسة البرلمان، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2016، مقترح تعديل دستوري يحمل توقيع 316 نائبًا من حزب العدالة والتنمية. استمرت المداولات الخاصة بالتعديلات في اللجنة الدستورية 10 أيام، لتنتهي في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016.
رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجيش
المتابع للشأن التركي بعد الانقلاب الفاشل في يوليو الماضي، يلاحظ أن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم ، خطى خطوات كبيرة في تجاه حسم مسألة هوية الشعب التركي، ومعارك العلمانيين المتطرفين، وأنهى مسألة حظر الحجاب في الجيش والشرطة، كما حسمها في الوظائف العامة والحكومية والبرلمان ، فقد سمحت وزارة الدفاع التركية، للضباط وضباط الصف النساء العاملات في صفوف القوات المسلحة بارتداء الحجاب خلال أدائهن وظائفهن في وحداتهن العسكرية، وكانت وزارة الداخلية التركية اتخذت قد قرارًا مماثلًا في أغسطس الماضي، وأقرَّت السلطات التركية قرار رفع الحظر عن ارتداء الحجاب بالنسبة للموظفات في المؤسسات العامة في عام 2013، وأصدره رجب طيب أردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء، ولكن القرار كان يستثني الموظفين الملتزمين بالزي الرسمي مثل الجيش والشرطة والقضاء.
وكانت تركيا قد رفعت حظرا لارتداء الحجاب في الحرم الجامعي عام 2010، وسمحت بارتدائه في المؤسسات الحكومية منذ عام 2013، وفي المدارس الثانوية منذ عام 2014.وكانت الحكومة سابقا قد رفعت الحظر على ارتداء الحجاب للعاملات في أجهزة الأمن والشرطة.
نحو “تركيا الجديدة”
ومن ثم فان إقرار التعديلات الدستورية يعد انطلاقة جديدة نحو “تركيا الجديدة”، وهو الشعار الذي رفعه حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحظي بموافقة شعبية ونتيجة مكنته من تشكيل حكومة منفردا بعيدا عن مناورات الأحزاب العلمانية والأتاتوركية، فهل يطلق الشعب التركي “الرصاصة” الأخيرة على “العلمانية الأتاتوركية”؟