انقسام بين اتحادات مسلمي فرنسا بسبب خطط ماكرون ضدهم
وقعت خلافات وانقسامات بين الاتحادات المعبرة عن مسلمي فرنسا بسبب مشروعي الرئيس الفرنسي المتعلقين بالسعي لفرض “ميثاق” يلتزم به المسلمون، يتبرؤون فيه من السياسة ويلتزمون بمبادئ الجمهورية العلمانية، إضافة إلى تشكيل “مجلس للأئمة” يستبعد الأئمة “المتشددين” من وجهة النظر الفرنسية.
الانقسام أو الانشقاق وقع داخل “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”، الممثل الرسمي لمسلمي فرنسا، والمشكَّل من 9 اتحادات تمثل توجهات مختلفة (غالبيته من الجزائر والمغرب وتركيا وأفريقيا)، حيث انفصلت عنه 4 اتحادات وتسعى لتشكيل كيان جديد معبر عن المسلمين.
واتسعت رقعة الانقسام بعد إعلان هذه الاتحادات الأربعة تشكيل مجلس للأئمة، يوم 21 نوفمبر الماضي، يشرف على أئمة المساجد الفرنسية، ثم أعلنت بقية الاتحادات الموجودة داخل “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” تشكيل مجلس آخر للأئمة، نهاية ديسمبر الجاري.
وتخشى أوساط الجالية المسلمة أن يؤثر ذلك على تضارب الاختصاصات بين الكيانين المعبرين عن مسلمي فرنسا بعدما كانوا كياناً واحداً، ويحملون الرئيس الفرنسي وحكومته المتطرفة المسؤولية عن ذلك بسبب الضغوط على المسلمين والسعي لتشكيل ما يسميه الفرنسيون “إسلاماً فرنسياً” يقبل بالقوانين العلمانية.
سبب الانشقاق
سبب الانشقاق هو إعلان ماكرون الحرب ضد ما أسماه “الانعزالية الإسلامية” وسعيه لوضع قيود على مسلمي فرنسا، أخطرها ميثاق يقبل به المسلمون يجعلهم ينعزلون عن بقية مسلمي العالم، ولا يستقدمون أئمة من الجزائر أو المغرب أو تركيا، ويعتمدون على أئمة فرنسيين تدربهم فرنسا على قوانينها العلمانية.
هذه الخطط الفرنسية دفعت المجلس الفرنسي للديانة (الرسمي) لقبول بعض الشروط الفرنسية الرسمية، في حين رفضها مجلس مسجد باريس و3 اتحادات إسلامية أخرى بعضها تتهمه السلطات الفرنسية بأنه مقرب من جماعة الإخوان وحزب العدالة والتنمية المغرب الإسلامي.
حيث رفضت الاتحادات الإسلامية المنشقة عن المجلس الفرنسي الرسمي خطط ماكرون للدفاع عما يسميها “القيم العلمانية”، ومحاربة ما زعم أنه “مجتمع (إسلامي) مضاد” في مواجهة مسلمي فرنسا، وفرض رقابة صارمة على التعليم، والسيطرة على تبرعات وتمويل المساجد، ومراقبة الأئمة.
هذه الاتحادات الأربعة التي أعلنت انسحابها النهائي من المجلس الفرنسي الإسلامي، في 22 مارس الماضي، أعلنت نيتها إنشاء “تنسيقية جديدة” تمثل المسلمين في البلاد.
وهذه الاتحادات الأربعة، وهي: الجامع الكبير بباريس، و”اتحاد المنظمات الإسلامية”، و”اتحاد تجمع مسلمي فرنسا”، و”الاتحاد الفرنسي للجمعيات الإسلامية لأفريقيا”.
وطالب ماكرون المسلمين، في 18 نوفمبر 2020، بوضع “ميثاق للقيم الجمهورية” يلتزمون به عبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية كمعبر عنهم، ووافق “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”، في 16 يناير الماضي، على ميثاق ماكرون.
وينص هذا الميثاق على “توافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، ورفض توظيف الإسلام لغايات سياسية، ومنع تدخل دول خارجية في شعائر المسلمين في فرنسا”، و”الإقرار بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ورفض بعض الممارسات العرفية” التي يزعم أنها إسلامية.
وهو ما رفضه عميد مسجد باريس، المحامي الجزائري شمس الدين حفيظ، وانسحب من النقاشات حوله، كما اعترض على فكرة “المجلس الوطني للأئمة”، وانضمت له 3 هيئات منضوية في المجلس الفرنسي، وأعلنت، في 21 يناير الماضي، رفضها توقيع “ميثاق” مبادئ تنظيم شؤون مسلمي فرنسا، معتبرة أن بعض بنوده تظهر المسلمين ضمناً كإرهابيين.
وأصدرت الهيئات الثلاث؛ وهي “اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا”، و”الاتحاد الإسلامي مللي غوروش”، وحركة “إيمان وممارسة” بياناً مشتركاً نددت فيه بفقرات وصياغات هذا الميثاق.
واعتبرتها “تمس شرف المسلمين ولها طابع اتهامي وتهميشي”، وأبدت اعتراضها على تعريفي “التدخلات الخارجية”، و”الإسلام السياسي”.
فعلى سبيل المثال، ورد في المادة السادسة من “ميثاق مبادئ الإسلام والجمهورية” نص يشير إلى “مكافحة أي شكل من أشكال استعمال الإسلام لأغراض سياسية أو أيديولوجية، ورفض المشاركة في أي نهج يروج للإسلام السياسي”، وإدانة استخدام أماكن العبادة لنشر الخطاب السياسي أو الصراعات الخارجية، وهو ما رفضته الاتحادات الأربعة المنسحبة.
مجلسان للأئمة!
المشكلة أن هذا الخلاف في وجهات نظر الاتحادات الإسلامية أدى لتشكيل مجلسين مختلفين لأئمة المساجد الفرنسية التي تقدر بما بين 3 و5 آلاف مسجد.
ففي فبراير الماضي، بدأ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ترتيبات إعلان “المجلس الوطني للأئمة”، وأعلنه أنه سيدشنه رسمياً نهاية ديسمبر (الجاري)، لكن الاتحادات الأربعة المنقسمة أعلنت تشكيل مجلس فعلي في نوفمبر الماضي.
وهدف مجلس الأئمة منح الاعتماد للأئمة والخطباء والدعاة، وتدريب الأئمة في فرنسا على التوافق مع واقع المسلمين في البيئة الفرنسية واحترام قوانين الدولة، ومنع التطرف، بحسب “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”.
لكن “مجلس الأئمة”، وفق تصور الاتحادات الأربعة المنشقة، سيكون له سلطة تعيين وإجازة الأئمة دون أن تتدخل السلطات الفرنسية في توجيه الأئمة.
وسلط إنشاء “المجلس الوطني للأئمة” الضوء أكثر على الانقسامات بين مسجد باريس الكبير والجمعيات الداعمة لموقفه، و”المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” الذي ينظم شؤون عبادة المسلمين في فرنسا.
ويسعى الرئيس الفرنسي لمنع استقدام أئمة من خارج فرنسا، وطالب وزير داخليته بإنهاء برنامج “الأئمة المستقدمين” عام 2024.
وتشير بيانات وزارة الداخلية الفرنسية لعام 2012، إلى أن عدد المساجد في فرنسا حوالي 2500 مسجد، بينما قدرها مجلس الشيوخ الفرنسي عام 2016 بما يقترب من 3000، لكن هيئات ومنظمات إسلامية تؤكد أن العدد أكبر وهناك أماكن عبادة أخرى في الطوابق السفلية للعمارات السكنية.
وبحسب تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي، يوجد في فرنسا حوالي 2000 إمام، بينهم قرابة 150 من تركيا، و120 من الجزائر، و30 من المغرب، لكن المسلمين يؤكدون أنه ليس كل المساجد بها أئمة، ويقوم أي مسلم بإمامة المسلمين.
وتسعى باريس للإشراف على تكوين مجلس الأئمة، بما يتفق مع قيمها العلمانية، بدلاً من أن تتولى الدول ذات الجاليات المسلمة الكبيرة مثل الجزائر والمغرب وتركيا وتونس إرسال أئمتها إلى فرنسا خاصة في شهر رمضان.
وتقول الاتحادات والقوى الإسلامية التي عارضت مبادئ “ميثاق ماكرون” وسيطرته علي اتحاد أئمة على مقاس باريس: إن الهدف هو مصادرة حرية المسلمين في المعتقد و”شرعنة” العنصرية ضدهم.
وكان الرئيس الفرنسي أعلن، في 22 أكتوبر 2020، بطريقة فجة تأييده الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: “لن نتخلى عنها”؛ ما أظهر عداءه للمسلمين، وهو ما يسير عليه كافة مرشحي انتخابات الرئاسة الفرنسية ويتنافسون في تصريحاتهم المعادية للمسلمين.
المصدر: مجلة المجتمع