انفلات الدعاء
بقلم أ. د. فؤاد البنا “أستاذ الفكر السياسي الإسلامي – جامعة تعز”
كتبت فجر اليوم تغريدة هذا نصها:
“من يدعو الله دون أن تتوافر فيه شروط الاستقامة وتنتفي لديه موانع الاستجابة؛ كمن يدعو الله بأن يوصله إلى مصر وهو يسلك طريق العراق!”
وجاءتني ردود ومداخلات كثيرة تؤكد أن الفهم الخاطئ للدعاء من أعراض الأمية الفكرية التي تعاني منها قطاعات عريضة في مجتمعاتنا!
فيا للعجب، كيف يعتقد هؤلاء أن الله يستجيب لكل أحد دعاءه ما دام مسلما، ولو لم تتوافر لديه شروط الاستجابة؟!
ألم يطلب الله الاستجابة له بعد تقرير قربه من عباده وإجابته لدعائهم فقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}؟! ألم يأتِ خال النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ليطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يدعو الله له بأن يجعله مستجاب الدعوة، فلم يقل له: كل مسلم مستجاب الدعوة، وسعد مؤمن وليس مجرد مسلم، وإنما قال له: “أطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة”؟ ألم يوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل قد يقف أشعث أغبر يرفع أكف الضراعة إلى الله، لكن الله لا يمكن أن يستجيب له لأن مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام؟!
وهذا شرط واحد من شروط إجابة الدعاء، فكيف ببقية الشروط، وأهمها الأخذ بالأسباب؟!
فكم رأيتم من الدعوات قد استجيبت من مليارات الدعوات التي يطلقها مسلمون كل يوم في الشؤون الشخصية والعامة؟
ولو كان الله يجيب دعوة كل مسلم، هل كان، على سبيل المثال، سيبقى لإسرائيل أثر بعد أكثر من سبعة عقود من قهرها وقتلها وقمعها لشعب أعزل، وبعد ترليونات الدعوات التي أطلقها مسلمون خلال هذه الفترة الطويلة؟!
ألا تلاحظون أن واقع المسلمين يزداد تخلفا ومشاكلهم لا تكف عن التوالد والنمو، رغم ازدياد عدد الذين يرتادون المساجد ويرفعون أكفهم بالدعاء؟!
ألا ينال هذا الفهم الخاطئ للدعاء من المنهج السببي الذي كرسه القرآن وحث على الالتزام به؟ أو لا ينتقص هذا التواكل الدعائي من فاعلية المسلم، ويدفع بكثيرين نحو معاقرة الأماني، رغم أن الله تعالى قال: {ليس بأمانيّكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجزَ به}؟!
فمتى سيقترن الدعاء بالعمل ومتى سنوقن بأن الله لا يستجيب لمن لا يستجيب لتعاليمه؟ وكيف ينبغي أن يكون الدعاء حافزا إضافيا على تجويد الأسباب والتحلي بقيم الإسلام عامة؟