اندبندنت: الجالية اليهودية بالإمارات تخرج للعلن بعد التطبيع
إعداد باسل درويش
وبالرغم من كونها وجهة مفضلة منذ زمن طويل لحفلات الزفاف الفاخرة وعطلات الشتاء، إلا أن الإمارات لم تكن مكانا سهلا للزوار اليهود الملتزمين.
حتى وقت قريب، ظل ما يقارب الألف فرد من الجالية اليهودية المقيمة بعيدين عن الأنظار. على الرغم من وجود 45 كنيسة رسمية على الأقل تخدم 800000 جالية مسيحية في الإمارات، لا يوجد حتى الآن كنيس يهودي دائم في أي من الإمارات. كانت خيارات طعام الكوشر منعدمة لدرجة أن زوار دبي على المدى الطويل تحدثوا عن إحضار إمدادات الكوشر الخاصة بهم، وحتى الأواني معهم.
أليكس، العريس الفرنسي المغربي، درس في الإمارات قبل عقد من الزمان، ويقول إنه في تلك الأيام أخفى أنه كان يهوديا متدينا، خوفا من أن ذلك لن يكون آمنا.
لكن الزمن تغير، فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، كانت هناك طفرة في السياحة اليهودية الدولية إلى الإمارات، ومعها ارتفاع في أعمال الكوشر، وهذا أحد الآثار الجانبية لصفقة دبلوماسية مثيرة للخلاف بين الإمارات وإسرائيل في آب/ أغسطس. ازدهرت صناعات الزفاف والعطلات اليهودية، خاصة مع عيد الفصح هذا الأسبوع.
قال أليكس لصحيفة الإندبندنت: “بصراحة قبل 10 سنوات لم يكن بإمكاننا التفكير في إقامة حفل زفافنا في الإمارات. كان من الممكن أن تكون أوروبا أو إسرائيل، أو بسبب حنّا [العروس] أمريكا”.
تغير كل هذا عندما اضطر الزوجان إلى إلغاء حفل زفافهما في فرنسا في اللحظة الأخيرة بسبب إغلاقات فيروس كورونا.
اتضح أن دبي، التي ظلت مفتوحة للسياح، كانت إلى حد كبير المكان الوحيد على وجه الأرض حيث يمكنهم إقامة مراسم أرثوذكسية يمكن لعائلاتهم المنتشرة جغرافيا حضورها.
تقول العروس حنّا، وهي أمريكية، “لقد كان الأمر سلسا”، واصفة العدد المذهل من الخيارات المتاحة لديهم.
وقالت: “كانت جميع الفنادق تقدم (خدمات) كوشر. لقد كانوا جميعا متحمسين حقا لحضور حفل زفافنا هناك، لقد أرادوا حقا الدخول في صناعة الزفاف اليهود”.
يصف الزوجان تجربتهما بأنها فريدة متعددة الثقافات. كان مخطّط زفافهما فلسطينيا. الحاخام إيلي عبادي، الذي عقد لهما الزواج، هو في الأصل من لبنان وهو الآن حاخام مقيم بارز في الإمارات.
بعد لحظات من زواجهما بالقرب من الشاطئ، بدأ صوت الأذان.
يقول الحاخام عبادي، الذي يخطط ابنه للزواج في دبي، إن هناك العديد من الاحتفالات اليهودية الأخرى في طور الإعداد حيث أدرك منظمو حفلات الزفاف والفنادق إمكانات هذا السوق الجديد.
وقال لصحيفة “اندبندنت”: “هناك تغيير كبير في الوقت الحالي.. إنها ليست فقط حفلات الزفاف. ولكن بمناسبة عيد الفصح هذا الأسبوع، يحتفل السياح اليهود هنا”.
يقول إنه بغض النظر عن خيارات الكوشر، يشعر السكان اليهود والزوار بالأمان، وهي وجهة نظر عبرت عنها آخرون لصحيفة “إندبندنت”.
ويضيف: “أمشي وعلى رأسي الكيباه (قبعة الرأس الصغيرة) ولا أنظر إلى الوراء، ولا حتى ثانية واحدة. أشعر بالأمان والحماية للغاية”.
إنه بعيد كل البعد عما كان عليه الأمر قبل 25 عاما عندما لم يكن من الممكن الترحيب بكونك يهوديا في الإمارات. في عام 1999، تعرضت جامعة بريطانية لانتقادات بعد اتهامها بحظر المؤلفين اليهود لحماية امتيازاتها في الإمارات بسبب القوانين المحلية.
في ذلك الوقت، أكدت جامعتا لينكولنشاير وهامبرسايد أن كتب المؤلفين اليهود وأولئك الذين لديهم ببليوغرافيات تشير إلى اليهود تم حظرها من قبل الكليات التابعة لها في الإمارات.
أثار المجلس الثقافي البريطاني أيضا ضجة عندما اعترف في عام 1999 بأنه تسامح مع الرقابة الإماراتية على الأعمال اليهودية، وفقا “لقوانين النشر السياسية أو الدينية أو الأخلاقية المحلية”.
في حين أن هذه المواقف والقيود قد تغيرت على مر السنين، كان هناك تحول هائل في الآونة الأخيرة. المحفز للتغيير الأخير هو بلا شك الاتفاق الدبلوماسي المثير للجدل بين الإمارات وإسرائيل، والذي تم توقيعه في آب/ أغسطس.
تمثل ما يسمى اتفاقيات إبراهيم المرة الأولى التي تعترف فيها دول الخليج رسميا بإسرائيل، وهو ما لم تفعله في الماضي بسبب المواقف الإقليمية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ سبعة عقود.
وهذا يعني أن إسرائيل والإمارات تبادلتا السفراء وفتحتا علاقات دبلوماسية وتجارية. هناك الآن رحلات جوية مباشرة بين الدولتين، وخطط للأمن والاتصالات والطاقة والرعاية الصحية.
لكن الصفقة لم تخلو من إثارة الجدل.
فقد رفضتها القيادة الفلسطينية بشدة، وتوحد أعضاؤها بشكل غير عادي في إدانتهم للصفقة، التي وصفوها بأنها “طعنة في الظهر” و “خيانة” لأنها جاءت دون اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي على أساس حل الدولتين.
ولكن أينما كان موقفك بشأن الصفقة، فإن الحقيقة التي لا مفر منها هي أنه كان لها تأثير عميق على الأعمال التجارية في الإمارات.
بمجرد بدء تشغيل الرحلات الجوية المباشرة بين إسرائيل والإمارات، زار حوالي 135000 إسرائيليا الإمارات بين كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير، مما خلق طلبا فوريا على الخدمات لاستيعاب المسافرين اليهود.
يقول أصحاب الأعمال إن تأثير هذا الارتداد يتجاوز المنطقة. مع اندفاع الشركات لتقديم الخدمات (تم افتتاح أول مطعم كوشر على الإطلاق في أيلول/ سبتمبر في برج خليفة الشاهق)، وبدأ الزوار اليهود من خارج إسرائيل في اعتبار الإمارات مكانا لقضاء عطلاتهم.
ويتضح هذا عند مشاهدة وجبة عيد الفصح في فندق V الفاخر على زاوية خور دبي، حيث تمتزج العائلات الفرنسية والسويسرية والأمريكية، هنا لقضاء عطلة لمدة أسبوع، في مطعم كوشر مؤقت نظمته إيلي كرييل، وهي أستاذة علم اجتماع من جنوب إفريقيا تحولت إلى متعهد طهي الطعام الكوشر، وهي من بين الجالية الصغيرة من المقيمين اليهود الدائمين في دبي.
وتقول: “عندما أتيت إلى هنا لأول مرة، أحضرت معي جميع الإمدادات، خاصة لعيد الفصح. لا يمكنك الحصول على أشياء أساسية مثل الماتزا هنا” في إشارة إلى الخبز التقليدي الخالي من الخميرة.
وهكذا في شباط / فبراير 2019، بدأت عملها في مجال أطعمة الكوشر – مطبخ إيلي – بدافع الضرورة. وقالت: “في الأساس، كان هناك انعدام للأمن الغذائي. لقد بدأ الأمر من الحاجة إلى إطعام أنفسنا وعائلات الكوشر الأخرى هنا”.
ازداد الطلب على طلباتها الفردية خمسة أضعاف بعد الاتفاقات، عندما بدأ الزوار اليهود في الوصول من جميع أنحاء العالم، كما تقول.
علاوة على ذلك، طُلب منها تلبية احتياجات المجموعات السياحية المكونة من 100 شخص. كما اتصلت بها الفنادق تطلب مساعدتها في تعديل مطابخ خاصة بالكوشر.
لقد أنشأت مطاعم مؤقتة، مثل تلك التي نستخدمها لوجبات عيد الفصح التي تقدم خدماتها في فندقV . اضطرت إلى نقل أعمالها من منزلها ودخلت في شراكة مع سلاسل الفنادق الكبرى، بما في ذلك هيلتون، وتولت مسؤولية المطابخ التجارية المحترفة وتقديم المشورة لهم حول كيفية جعل مطابخهم كوشر بشكل كامل.
في الوقت الحالي، حتى مع تقييد السفر بسبب فيروس كورونا، فإن الطلب مرتفع للغاية لدرجة أن إيلي دربت فريقا من طهاة الكوشر الذين يديرون إنتاج الطعام المعتمد من الاتحاد الأرثوذكسي في مطبخ مُعد خصيصا في ماريوت في أبو ظبي.
“الإمكانات هائلة”، كما تقول، متوقعة أنه بمجرد أن يتلاشى الوباء وانتعاش السفر، سيكون هناك ارتفاع هائل في السياحة خلال الأعياد اليهودية في عيد العرش اليهودي، الذي يبدأ في أيلول/ سبتمبر، وعطلة هانوكا، التي تبدأ في كانون الثاني/ ديسمبر.
إنها وجهة نظر يشاركها الضيوف في عشاء عيد الفصح، الذين يقولون إن هذه هي المرة الأولى التي يقضي فيها الكثير منهم عطلة في الإمارات، حيث كانت الخدمات اللوجستية في الماضي تمثل صداعا.
تقول إحدى المجموعات، وهي عائلة أرثوذكسية مكونة من خمسة أفراد من فرنسا، إنهم يفكرون في الانتقال إلى للعيش في الإمارات بشكل دائم.
يقول الأب: “بصراحة، لم تكن دبي مكانا شعرنا فيه بهذا الترحيب، أو كان من الممكن أن يكون خيارا لعيد الفصح”. “لكن لم لا؟ نشعر بالترحيب الآن”.
وأوضح يهودا سارنا، المواطن الأمريكي والحاخام الرئيسي للجالية اليهودية في الإمارات بأنه لا يزال هناك الكثير للقيام به، حيث لا يوجد حتى الآن كنيس يهودي دائم في الإمارات، على الرغم من وجود خطط لبناء واحد ومركز مجتمعي مصاحب في دبي.
في أبو ظبي، يتم أيضا بناء منطقة متكاملة بين الأديان تستضيف كنيسا وكنيسة ومسجدا.
ويقول سارنا إن التغيير كان عميقا، “كان حوالي 1000 يهودي مقيم في الإمارات يعيشون دون إعلان عن أنفسهم مسبقا. لم يكونوا معتادين على سماع العبرية في ردهات الفنادق أو رؤية لباس يهودي يمكن التعرف عليه .. لقد غيرت الخريطة اليهودية للعالم. إنه مركز ثقل جديد “.