مقالاتمقالات مختارة

اليهود وجذور التسميات

اليهود وجذور التسميات

بقلم عيسى القدومي

تعددت الأسماء وتنوعت تلك التي تطلق على يهود اليوم، والتي من أشهرها مسميات “يهود” و”إسرائيليين” و”عبرانيين” و”صهاينة“…

ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد بعضهم لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، وبعضٌ آخرُ يجمعُ معها الثانية، وثالثٌ: الثالثةَ، والرابعة…

 ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبون لأرض فلسطين مسمى “إسرائيل”؟! وما الأسماء الأخرى التي تم طرحها؟ ولماذا استبعدت؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى إسرائيل” دون غيره؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها؟

وقبل أن أبدأ بالإجابة أود أن أفرد لكل مسمى مساراً مستقلاً لعله يقرب الصورة ويوضح المعنى، وسأبدأ بكلمة “اليهود” و”اليهودية

أولا: اليهود

اختلفت آراء اللغويين والمفسرين في أصل الكلمة التي اشتقت منها كلمة يهود وسبب تسمية اليهود بهذا الاسم؛ فمن قائل: إنها من -هاد- بمعنى رجع، سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل، وقالوا إنا هُدنا إليك أي تبنا ورجعنا.

 وقيل إنها مشتقة من هاد، يهود؛ فالهود: الميل والرجوع؛ لأن اليهود كانوا كلما جاءهم نبي أو رسول هادوا إلى ملكهم ودلوه عليه ليقتلوه.

ومن قائل: إن أصل كلمة يهود من -التهوّد- وهو الصوت الضعيف اللين الفاتر، وسموا بذلك لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة.

وقال بعضهم: إنما سمي اليهود يهودا نسبة إلى -يهوذا- ؛ وهو رابع أولاد يعقوب عليه السلام ؛ فعرب هذا الاسم بقلب الذال دالاً فقيل يهود، وأدخلت الألف واللام على إرادة النسب فقيل “اليهود“.

 وجاء في “مفصل العرب واليهود في التاريخ”صفحة/ 925: “إنهم يرجعون إلى بقايا جماعة يهوذا الذين سباهم نبوخذ نصّر إلى بابل في القرن السادس (ق.م)، وهؤلاء سموا كذلك نسبة إلى مملكة ومنطقة يهوذا 139-685 ق.م، ولم تستعمل هذه التسمية إلا في عهد مملكة يهوذا، لذلك فهي تسمية متأخرة ولا صلة لها بيهوذا ويعقوب، اللذين عاشا في القرن السابع عشر قبل الميلاد، ولعل -يهوذا- كانت اسم مدينة في فلسطين منذ عهد الكنعانيين، فبعد أن نزحت جماعة موسى عليه السلام إلى فلسطين تكونت مملكة يهوذا بعد عصر يعقوب وابنه -يهوذا- بحوالي ألف عام في منطقة يهوذا الكنعانية، فسميت باسمها، – كما فصلنا في الباب الأول – ثم انتشر استعمال اسم اليهود بعد السبي البابلي منذ القرن السادس للميلاد“.

وقد ذكروا في القرآن بعبارات عدة، كما في قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى..}، وقوله تعالى: {وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا}، والآيات في ذكرهم باسم اليهود كثيرة.

قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (20/64) في الآية الأولى: “فالذين آمنوا هم أهل شريعة القرآن، وهو الدين الشرعي بما فيه من الملي والعقلي، والذين هادوا والنصارى أهل دين ملي بشريعة التوراة والإنجيل بما فيه من ملي وعقلي..”.

وذكر أيضاً في مجموع الفتاوى (21/91): ” أن هؤلاء المذكورين في الآية، الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله؛ فاليهود والنصارى صاروا كفاراً من جهة تبديلهم لما أنزل الله، ومن جهة كفرهم بما أنزل على محمد..”.

وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم “الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل” – وفيها تحقيق بالغ- أن “يهود” انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آزر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه، ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء، ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين “إسرائيل” وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

  ولهذا يرى بعضهم أن لفظ اليهود هو اسم خاص بالمنحرفين من بني إسرائيل… وهو لفظ أعم من لفظة “عبرانيين” و”بني إسرائيل” وذلك لأن لفظة يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخل في دين اليهود وهو ليس منهم.

 وفي الحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بتحديد التاريخ الذي أطلقت فيه هذه التسمية على بني إسرائيل وسبب إطلاقها، لعدم وجود دليل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة، وإنما بنيت الاجتهادات  السابقة على تخمينات لغوية لا تقوم بها حجة؛ غير أننا نستطيع أن نستنتج من الاستعمال القرآني لكلمة “يهود” أن هذه التسمية إنما أطلقت عليهم بعد انحرافهم عن عبادة الله وعن الدين الصحيح، وذلك لأنه لم يرد في القرآن الكريم إطلاق اليهود على سبيل المدح، بل لم تذكر عنهم إلا في معرض الذم والتحقير، وإظهار صفاتهم وأخلاقهم الذميمة، والتنديد بكفرهم.

 ولهذا نفى الله تعالى مزاعم اليهود في انتسابهم إلى إبراهيم وأبنائه الصالحين قال تعالى: {أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل ءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون} سورة البقرة /041.

 وجاء التحذير منهم واضحاً جلياً في كتاب الله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} سورة المائدة /28.

من اليهودي؟!

 كما لا يملك الكيان اليهودي إلى الآن دستوراً متكاملاً مكتوباً، يعين حدود الكيان جغرافياً وبشرياً، بل حتى سياسياً ؛ فإنه لا يملك أيضاً تعريفاً دقيقاً يحدد من اليهودي من غيره؟ حتى ظهرت ظاهرة حديثة جداً وهي “ادعاء اليهودية” للاستفادة من التسهيلات المادية والعينية التي قدمتها لهم الحركة الصهيونية ومؤسساتها لترغيبهم الهجرة إلى فلسطين، وتفاقمت الظاهرة بانضمام أعداد متزايدة ممن ادعى الهوية اليهودية المزعومة، حتى قيل إن ما بين ثلث أو نصف المهاجرين اليهود السوفييت في التسعينات غير يهود، وكذلك يهود الفلاشا المشكوك في يهوديتهم، لذلك تعالت الأصوات في الكيان اليهودي والمؤسسات الصهيونية بإلغاء قانون عودة اليهود إلى فلسطين والتثبت من حقيقة يهوديتهم.. هذا من جانب، ومن جانب آخر قامت المحكمة الإسرائيلية العليا لتجاوز الجدال والخلاف في تعريف اليهودي، أن تنهي الجدال بقولها: إن اليهودي هو من يرى نفسه كذلك!! وذلك يعنى أنه يهودي وإن لم يعتقد باعتقاداتهم ولم يتعبد بطقوسهم ولم يتقيد بشريعتهم…وللشرع اليهودي تعريف آخر لليهودي وهو: من ولد لأم يهودية.

اليهــود وإشكالية الدلالة

رغم بساطة تلك الكلمة إلا أنها من أكثر الكلمات إشكالية لاختلاف مدلولها؛ لأنها تستخدم للإشارة إلى اليهود الحاخاميين والقرائين والسامريين ويهود الصين وأثيوبيا، وتمتد إلى السفارد والأشكناز والصابرا، لتصل للإشارة إلى يهود العالم، والمغتصبين الصهاينة في فلسطين المحتلة.

جاء في موسوعة اليهود واليهودية للدكتور عبد الوهاب المسيري:”يفضل الكثير من الصهاينة مسمى “اليهود” و”الشعب اليهودي” للإشارة بأن اليهود كتلة بشرية متماسكة في العالم أجمع، لتجاوز الواقع الذي فرضه تشتيتهم وعيشهم في “الجيتو”- الشارع أو الحي الذي يسكنه اليهود- وتعدد معتقداتهم وتفسيراتهم للنصوص، وكذلك انتماءاتهم العرقية والثقافية والحضارية واختلاف طموحاتهم وتصوراتهم“.

 ويرى المسيري: “الأصح أن يطلق عليهم الجماعات اليهودية لأن مسمى يهود أو الشعب اليهودي كلمات مطلقة تؤكد التماسك والتجانس والوحدة، حيث لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك، وأرى الأدق والأفضل كذلك أن يطلق عليهم مصطلح “شتات اليهود”؛ لأنهم جماعات مختلفة متفرقة غير متجانسة، ومن أعراق شتى كالعرق الفلاشي الأفريقي، والعرق القوقازي السوفياتي، والعرق الأشكنازي الأوروبي وكذلك الأمريكي، وعرق دول حوض البحر المتوسط، والعرق الشرقي العربي“.

ثانياً: إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليين

تم إطلاق مصطلح إسرائيليين على شتات اليهود القادمين إلى فلسطين بعد إعلان اليهود قيام دولة أسموها “إسرائيل” في 51 مايو 8491م؛ فأصبح كل من يعيش على أرض فلسطين من اليهود يأخذ مُسَمى “إسرائيلي”، وجنسية “إسرائيلية”، ومجموع شتاتهم على أرض فلسطين المغتصبة “إسرائيليين“!!

وشاعت تلك التسميات على ألسن الناس عموماً وفي بلاد المسلمين أيضاً، حيث أطلق على الكيان اليهودي والصهيوني “إسرائيل” واليهودي “بالإسرائيلي”، وشاع مصطلح “إسرائيليون” على اليهود الذين أتوا إلى فلسطين غزاة

من هو إسرائيل؟!

إسرائيل كلمة عبرانية مركبة من “إسرا” بمعنى: عبد، ومن “إيل” وهو الله، فيكون معنى الكلمة: عبد الله، وإسرائيل اسم لنبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام، وجاء في تسمية بني إسرائيل بهذا الاسم نسبة إلى أبيهم يعقوب عليه الصلاة والسلام، ويهود اليوم التصقوا بهذا الاسم، ليلبسوا على العامة بأنهم من نسل “إسرائيل” يعقوب عليه الصلاة السلام، ولإثبات عدم اختلاطهم بالشعوب الأخرى ليتحقق لهم الزعم بنقاء الجنس اليهودي، وأن يهود اليوم هم النسل المباشر ليهود التوراة، وذلك لتبرير العودة إلى أرض الميعاد!!

 لذا فهذه التسمية منكرة، لما شاع على الألسن القول في سياق الذم فعلت إسرائيل كذا، وستفعل كذا ؛ وإسرائيل هو رسول كريم من رسل الله تعالى، وهو “يعقوب” عليه الصلاة والسلام، وهو بريء من الكيان اليهودي الخبيث الماكر، إذ لا توارث بين الأنبياء والرسل وبين أعدائهم من الكافرين.

يهود وليسوا إسرائيليين

والأصح أن يطلق عليهم -يهود- بدلاً من إسرائيليين للأسباب التالية:

• إسرائيل عليه الصلاة والسلام يبرأ إلى الله تعالى منهم في الدنيا والآخرة؛ لأنه نبي مسلم، وعبدٌ لله، فأين هم من العبودية لله؟! فادعاؤُهم بأنهم من سلالة “إسرائيل” عليه الصلاة والسلام كذب وافتراء لأن “يعقوب” عليه السلام نبي مسلم،قال تعالى: }ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون|، فهل اليهود مسلمون؟!!

• وأثبت العديد من الدارسين والباحثين أن أكثر من 29% من يهود اليوم والذين يستوطن الكثيرون منهم الآن في الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا والكيان اليهودي ليسوا من الوجهة التاريخية من سلالة الذين عُرِفُوا بـ “يهود الأرض المقدسة” في تاريخ “العهد القديم”، وأن الحقائق المقررة في كتب التاريخ أن “الخزر” قد تحولوا عن وثنيتهم ليسموا أنفسهم “يهوداً”، ولم يسمهم أحدٌ “يهوداً” قبل نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تحول في نهاية ذلك القرن ملك الخزر ونُبلاؤُه وعددٌ كبير من شعبه إلى الديانة اليهودية، وفي هذا دلالة واضحة على كذب مزاعمهم وافتراءاتهم.

• ولهذا فإنه من الخطأ إطلاق اسم “إسرائيل” على الكيان اليهودي المغتصب لأرض فلسطين، ولإبقاء الاسم “إسرائيل” على نقائه وحُسنه، وعدم تلويثه بإطلاقه على الشعب اليهودي الحاقد، ورَدًّا لمزاعم اليهود فلنطلق عليهم الاسم الجدير بهم، وهو “اليهود” و”يهود”، والكيان اليهودي، ونبطل بذلك استغلالهم اسم: “إسرائيل “؛ والعجيب أننا نسميهم بغير اسمهم؛ فاليهود أصبحوا إسرائيليين، والمعتدون صاروا “أصحاب الأرض”! والمغتصبون صاروا “مستوطنين”، وأهل الحرب صاروا “دعاة السلام”! ومقاومتهم أصبحت “عنفاً وإرهاباً”! وما ذاك إلا دلالة على نجاح الإعلام اليهودي في نشر المصطلحات التي يريدها!!

هكذا أسمت نفسها إسرائيل!!

 مازال الجدال والسجال سواء من المؤرخين الجدد أم من أناس شاركوا في صنع الأحداث، حول أول من أطلق اسم”دولة إسرائيل”على الكيان اليهودي… وأغرب تلك الآراء أن ذلك المسمى لم يقر إلا قبل أيام فقط من إعلان “دافيد بن غوريون” – أول رئيس وزراء في الكيان اليهودي – عن قيامها في 51 مايو 8491، وقد يتعاظم الاستغراب عند معرفة أن سجالاً لا يزال يدور بين المؤرخين اليهود حول شخصية المبادر لإطلاق هذه التسمية.

كتب “أهرون  رؤبيني” مقالة في صحيفة “هآرتس” العبرية، استعرض فيها السجالات التي دارت في الكيان الصهيوني طوال عقود حول أول شخص استخدم علناً اسم “دولة إسرائيل” السؤال الذي ظل يحير الجمهور، وأوضح الكاتب أن الكثيرين في “إسرائيل” يعزون الفضل في اختيار الاسم إلى “بن غوريون”، وأضاف أن زوجة أحد قادة الحركة الصهيونية “يهودا أليتسور” كتبت حينها في “هآرتس”و”جيروزليم بوست” أن زوجها كان أول من اقترح الاسم ونشره في “بلستاين بوست” باللغة الإنكليزية في الثاني عشر من مايو 8491م، ولكن تبين أنه في ذلك اليوم تحديداً كانت “الإدارة القومية” التي كانت بمثابة حكومة اليهود قد قررت اعتماد هذا الاسم.

ونشر أحد الصحفيين اليهود بمناسبة الذكرى الأولى لإعلان قيام “إسرائيل” في عام 9491 م أن اختيار الاسم تم في الثاني عشر من أيار العام 8491 في اجتماع عقدته “الإدارة القومية” التي تحولت بعد ذلك إلى حكومة مؤقتة ؛ وأشار إلى أنه بعد أن قررت هذه الإدارة إعلان الدولة أثير موضوع الاسم الذي ستتخذه، وكان الميل الغالب في الاجتماع هو تسمية الدولة الجديدة بـ”دولة يهودا“.

واستبعدت تلك التسمية لكون القسم الذي منحه مشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة  لليهود لا يحوي أيا من أراضي “دولة يهودا التاريخية”، كما أن الدولة اليهودية الجديدة لم تكن تشمل القدس التي كانت “عاصمة يهودا”، ولذلك تم إهمال اسم يهودا وبدأ النقاش في تسمية الدولة بــ “صهيون” أو “تسبار” أو “أرض إسرائيل”، ولكن كل هذه التسميات لم ترق للحاضرين لأسباب عديدة ؛ فصهيون اسم جبل في القدس التي كان من المقرر أن تخضع لنظام دولي خاص ؛ واسم “تسبار” لا يعني من الوجهة التاريخية شيئاً، كما أن اسم “أرض إسرائيل” لا يصح إطلاقه على قسم فيما يبقى القسم الأكبر من هذه الأرض خارجه.

وفعلاً قصر الصهاينة استخدام كلمة “يهود” و”دولة يهودية” على فكرتهم وكيانهم وتجمعهم، ولم يذكروا كلمة “إسرائيل” إلا قبيل إعلان دولة العدوان – على الرغم أنها كانت تستخدم في بعض كتاباتهم إلا أنها لم تصل إلى حد إطلاقها على الكيان اليهودي – والدلالة على ذلك كثيرة.

 فأول رابطة أسست لتسهيل هجرة اليهود أطلق عليها “رابطة الاستعمار اليهودي” في 1981 م، التي قام بتأسيسها البارون موريس دي هيرش المليونير اليهودي الألماني، وتحت عنوان “الدولة اليهودية” صدر كتاب في عام 6981م للزعيم اليهودي الصهيوني تيودر هيرتسل، وفيه يدعو إلى إقامة “دولة يهودية” في فلسطين، ومن أهم قرارات المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 7981م، تشجيع “الاستيطان اليهودي” في فلسطين، وتأسيس “الصندوق القومي اليهودي”، ونص الوعد الجائر والمسمى بوعد بلفور في عام 7191م على إيجاد وطن قومي “لليهود” في فلسطين، وفي عام 5491م مجلس النواب الأمريكي طلب من الحكومة الأمريكية تسهيل “الهجرة اليهودية” غير المحدودة إلى فلسطين، بهدف تحويل فلسطين إلى “كومنولث يهودي”، وأعلنت القيادة الصهيونية في 6491م أن إقامة “دولة يهودية” هي الطريقة الوحيدة لحل مشكلة “الشعب اليهودي”، وأوصت بريطانيا الأمم المتحدة في عام 7491م بإلغاء الانتداب على فلسطين في 51 أيار  مايو 8491، على أن يعقب ذلك إقامة “دولة يهودية مستقلة” و”دولة فلسطين مستقلة“.

وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 92 نوفمبر 7491 م وجوب إقامة دولتين في فلسطين: دولة يهودية – هكذا أسموها – ودولة عربية، وأن قيام دولة يهودية هي حق طبيعي للشعب اليهودي!!

وجاء كذلك في إعلان الاستقلال الصادر في يوم انتهاء الانتداب البريطاني وتسليم القيادة للعصابات اليهودية 41مايو 8491م: نجتمع لنعلن بهذا قيام دولة يهودية على أرض إسرائيل، تدعى إسرائيل، ومضى البيان معلناً فتح أبواب الهجرة اليهودية وجمع الشتات اليهودي.

 وبحسب الصحافي نفسه فإن بن غوريون كان أول من عرض اسم “إسرائيل” على أعضاء الإدارة القومية الذين أقروه بغالبية سبعة ضد ثلاثة، ومنذ ذلك الحين شاع الانطباع بأن بن غوريون هو من اقترح التسمية.

ثالثاً: العبريون… أسباب التسمية وأبعادها

اختلفت الآراء في سبب تسميتهم بـ”العبريين” أو “العبرانيين”، قيل: إنهم سموا بذلك نسبة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام نفسه، فقد ذكر في سفر التكوين باسم: “إبراهيم العبراني”، لأنه عبر نهر الفرات وأنهاراً أخرى، وقيل إنهم: سموا بالعبرانيين نسبة إلى “عِبْر “، و هو الجد الخامس لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، و الرأي الثالث يقول: إن سبب التسمية يرجع إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل، ذلك أنهم في الأصل كانوا من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان، بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها و ماشيتها للبحث عن الماء و المرعى.

وغالب المؤرخين أجمعوا على أن التسمية ناتجة عن عبور إبراهيم عليه الصلاة والسلام نهر الفرات، ويؤكد هذا الرأي ما جاء في سفر يسوع: “وهكذا قال الرب إله إسرائيل في عبر النهر سكن آباؤكم منذ الدهر “.

 ويرى البعض أن هذه اللفظة لم تظهر إلا بعد اجتياز إبراهيم نهر الفرات”، فضلا ً عن أن الأخذ بهذا الرأي أقرب إلى الصحة والصواب من الآراء الأخرى.

  قال الأستاذ شراب في كتابه العرب واليهود في التاريخ  ص/ 36: لفظ “العبري” أطلق تاريخياً على شراذم من الغجر الرحل كانوا يعيثون  في الأرض فسادا، ويتبعون الجيوش الغازية، بوصفهم مرتزقة يستعان بهم في الأعمال الدنية، ووصفهم إبراهيم بأنه “عبري” غير صحيح، إلا إذا أخذنا من لفظ عبري معنى: الترحال والتنقل، وقد ألصق اليهود بإبراهيم وصف “العبري” ليصلوا إلى وصف لغتهم بأنها “العبرية” قديمة ترجع إلى زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا كلام باطل لأن اللغة العبرية جاءت متأخرة جداً عن زمن إبراهيم، و هي لهجة آرامية عربية، ظهرت بعد عصر موسى بحوالي ست مئة سنة و لأن التوراة نزلت باللغة الهيروغلوفية، حيث تخاطب قوما في مصر أو أخرجوا من مصر.

 وأرى أن الذي ذكره هو الصواب؛ فاللغة العبرية لغة متأخرة جداً عن زمن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام .

عبري.. عبراني

 لفظ “عبري”هي أقدم التسميات التي تطلق على الجماعات اليهودية ويقال أيضاً: “عبراني” وجمعها “عبرانيون”، ومن الآراء المطروحة أيضاً أن كلمة “عبري” مشتقة من “العبور”من عبارة “عبر النهار”: “فهرب هو وكل ما كان له وقام وعبر النهر وجعل وجهه نحو جبل جلعاد” ( تكوين 13/12).

ويرى د. عبد الوهاب المسيري في موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية: أن كلمة “عبري” ترد أحياناً مرادفة لكلمة “يهودي” على نحو ما جاء في سفر إرميا -43/9-: “أن يطلق كل واحد عبده وكل واحد أمته العبراني والعبرانية، حُرين حتى لا يستعبدهما أحد”، كما كانت الكلمة مرادفة لكلمة “يسرائيلي” خروج 9/1 -4 -: “هكذا يقول الرب إله العبرانيين… ويميز الرب بين مواشي يسرائيل ومواشي المصريين” ..

وفي صمويل الأول (4/9) يقول أحد الفلستيين: “تشددوا.. وكونوا رجالاً لئلا تستعبدوا للعبرانيين”وهو يتحدث عن جماعة يسرائيل.

ويضيف المسيري:”ويفضل بعض الصهاينة العلمانيين أن يستخدموا كلمة “عبري” أو “عبراني” على استخدام كلمة “يسرائيلي” أو “يهود” باعتبار أن الكلمة تشير إلى العبرانيين قبل اعتناقهم اليهودية، أي أن مصطلح “عبري” يؤكد الجانب العرقي على حساب الجانب الديني فيما يسمى “القومية اليهودية” بل إن بعض أصحاب الاتجاهات الإصلاحية والاندماجية، في مرحلة من المراحل، كانوا يفضلون كلمة “عبري” على كلمة “يهودي” بسبب الإيحاءات القدحية للكلمة الأخيرة.

ويقول الدكتور ظاظا:”بعد العودة من بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، اقتصر استخدام مصطلح” عبرانيين “على الإشارة إلى الرعيل الأول من اليهود حتى عصر التهجير البابلي واستخدمت كلمة “يهود” أو “يسرائيلي” للإشارة إلى الأجيال التي أتت بعد ذلك، والتي لم تعد تستخدم اللغة العبرية وإنما تتحدث الآرامية وتكتب بها“.

  ورغم هذا نجد أن معظم الدراسات لا تفرق بين تاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرة في ذلك بالرؤية الإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدساً حافظ على تماسكه وهي رؤية تخلط التاريخ الدنيوي بالتاريخ المقدس.

اللغة العبرية

 العبرية إحدى اللغات السامية من المجموعة الكنعانية، كما أن بدايتها يلفها الغموض فهي مجرد لهجة من لغة أكبر – اللغة الكنعانية – ؛ لهجة لم تكن قد نضجت أو تبلورت بعد كان يتحدث بها الكنعانيون ثم اتخذها العبرانيون لغة لهم بعد تسللهم إلى أرض كنعان وسميت هذه اللغة “عبرية” في وقت متأخر من العصور الوسطى فلا يوجد في صحف العهد القديم ما يدل على أنهم كانوا يسمونها بهذا الاسم، إذ كان يشار إليها بمصطلح “يهوديت” يهودي و”لسان كنعان” ولم يظهر مصطلح “لاشون عفريت”، أي “اللسان العبري”، إلا مع المشناه.

 وفي العصر الحديث ظهرت أول مجلة عبرية في عام 6581 م، وقد حاول المفكر الصهيوني إليعازر بن يهودا إحياء العبرية، وقوبلت محاولته بعداء شديد في بادئ الأمر من قبل اليهود المتدينين الذين كانوا يرون أن العبرية لغة مقدسة يجب ألا تمتهن باستخدامها في الحديث اليومي.

وقام صراع حول استخدام العبرية في الصلوات. وكان ذلك من المسائل الأساسية التي ناقشتها الفرق اليهودية المختلفة في العصر الحديث؛ فحاول الإصلاحيون استبعادها لتأكيد عدم ازدواج ولاء اليهود ولتشجيع اندماجهم الحضاري واللغوي مع الأمم التي يعيشون بين ظهرانيها، في حين حاول المحافظون والأرثوذكس -بدرجات متفاوتة- الإبقاء عليها ونشبت حرب اللغة بين دعاة استخدام العبرية ودعاة استخدام الألمانية. وانتصرت العبرية في نهاية الأمر.

أي لغة يتحدث بها اليهود ؟!

  بحسب قانون الكيان اليهودي اللغة العبرية لغة رسمية للدولة، ويضاف لها اللغة العربية وتكتب معظم اللافتات باللغتين العبرية والعربية، وتختفي اللغة العربية من لافتات الجهات الرسمية للدولة وفي أغلب الأحياء التي يقطن فيها اليهود، كما أن المؤسسات والشركات الخاصة لا تستعمل العربية.

وتؤكد حكومة الاحتلال لمواطنيها أن الرباط اللغوي يكاد يكون الرباط القومي الوحيد بينهم وليس التوراة، وذلك على اعتبار أن التراث الحضاري للجماعات اليهودية متنوع، كما أن الكتب اليهودية متنوعة وبعضها مكتوب بالآرامية ولا يؤمن به كثير من اليهود وتحاول الحكومة استخدام اللغة أداة لتذويب الفوارق القومية الدينية فالعبرية أحد أسس أسطورة “بوتقة الصهر” الإسرائيلية.كما أن الجيش “الإسرائيلي” يدرس العبرية للمجندين القادمين من أطراف العالم ليصبغهم بالصبغة القومية المرجوة، كما أنه يتعين على كبار موظفي الحكومة أن يعبرنوا أسماءهم.

ورغم كل هذه المحاولات، يبدو أن عملية الدمج لم تنجح بعد تماماً، ويتضح هذا من عدد الصحف التي تظهر بلغة البلاد الأصلية التي هاجر منها اليهود، كما أن الإذاعة الصهيونية تذيع برامج بلغات عديدة: مثل اليديشية والفرنسية والإنجليزية والرومانية والتركية والفارسية والعربية والروسية والإسبانية،ولكن معظم الإسرائيليين يتحدثون العبرية خارج منازلهم، أما داخلها، فإنهم يتحدثون إما لغة الموطن الذي جاؤوا منه وإما العبرية باللهجة التي يعرفونها، ولكن (الصابرا) يتحدثون العبرية داخل المنازل وخارجها فهي اللغة الأم بالنسبة إليهم.

ومع ذلك فلا تزال العبرية لغة القلة من اليهود إذ يتحدث أعضاء الجماعات اليهودية لغة أوطانهم بما في ذلك ما يكتبونه عن أنفسهم وعن اليهودية، فيتحدث أكثر من عشرة ملايين يهودي الإنجليزية ويتحدث مليونان الروسية وعدة آلاف تتحدث اليديشية – لكن عددهم آخذ في التناقض بسرعة -، وأكثر من مليون ونصف المليون يتحدثون لغات أخرى مثل الفرنسية أو الإسبانية أو البرتغالية لغة يهود أمريكا اللاتينية وغيرها ولا يتحدث العبرية سوى 38 % من الصهاينة في فلسطين، وهم لا يتحدثونها طوال الوقت، ويفضل كثير من العلماء اليهود نشر أبحاثهم بالإنجليزية حتى يكون لهم جمهور واسع من القراء.

رابعاً: الصهيونية والصهاينة والحركة الصهيونية

  جاء في الموسوعة الفلسطينية تعريف الصهيونية بأنها: كلمة أخذها المفكر اليهودي “ناثان برنباوم” من كلمة “صهيون”؛ لتدل على الحركة الهادفة إلى تجميع “الشعب اليهودي” في أرض فلسطين، ويعتقد اليهود أن المسيح المخلص سيأتي في آخر الأيام ليعود بشعبه إلى أرض الميعاد، ويحكم العالم من جبل صهيون.

وقد حول الصهيونيون هذا المعتقد الديني إلى برنامج سياسي، كما حولوا الشعارات والرموز الدينية إلى شعارات ورموز دنيوية سياسية، ورغم تنوع الاتجاهات الصهيونية -يمينية ويسارية، ومتدينة وملحدة، واشتراكية ورأسمالية- ظلت المقولة الأساسية التي تستند إليها كل من التيارات الصهيونية هي مقولة “الشعب اليهودي”، أي الإيمان بأن الأقليات اليهودية في العالم لا تشكل أقليات دينية ذات انتماءات عرقية وقومية مختلفة، إنما تشكل أمة متكاملة توجد في الشتات أو المنفى بعيدة عن وطنها الحقيقي: “أرض الميعاد أو صهيون، أي فلسطين“.

ويعتقد الصهيونيون أنه لما كان الشعب اليهودي لا يوجد في وطنه، بل هو مشتت في الخارج، فإنه يعاني من صنوف التفرقة العنصرية، ويمارس إحساساً عميقاً بالاغتراب عن الذات اليهودية الحقيقية، وبالتالي لا يمكن حل المسألة اليهودية ببعديها، الاجتماعي والنفسي، إلا عن طريق الاستيطان في فلسطين.

كما يرى الصهيونيون أن جذور الحركة الصهيونية،  أو القومية اليهودية كما يسمونها  تعود إلى الدين اليهودي ذاته، وأن التاريخ اليهودي بعد تحطيم الهيكل على يد الرومان، هو تاريخ شعب مختار منفي، مرتبط بأرضه، ينتظر دائماً لحظة الخلاص والنجاة.

والارتباط اليهودي بالعودة إلى الأرض المقدسة هو ارتباط توراتي مشروط، إذ إن الدين اليهودي يحرم العودة إلى أرض الميعاد، ويعد مثل هذه المحاولة من قبيل التجديف والهرطقة؛ لأن عودة اليهود حسب المعتقد الديني لا يمكنها أن تتم إلا على يد مبعوث من الله، هو المسيح المخلص، وليس على يد حركة سياسية مثل المنظمة الصهيونية العالمية؛ ولذا حينما ظهرت الحركة الصهيونية عارضتها المنظمات اليهودية في العالم، وما تزال أقلية من هذه الجماعات تنادي بهذا المفهوم مثل جماعة “ناطوري كارتا” اليهودية المتدينة والتي تتمركز في الولايات المتحدة.

الصهيونيون

الصهيونيون، جمع صهيوني: نسبة إلى “صهيون”: اسم عبري معناه “الحصن”، فأطلق على إحدى روابي القدس، التي كان عليها حصنٌ يدعى “حصن يبوسي”، وقد جاء في العهد القديم عند أهل الكتاب أن داود احتل هذا الحصن وسماه “مدينة داود”، ونقل إليها التابوت المقدس، فمنذ ذلك الحين صارت تلك الرابية مقدسة، وصار اسم “صهيون”رمزاً لمدينة داود تلك.

وفي “المعجم الوسيط”:”الصهيونية: حركة تدعو إلى إقامة مجتمع يهوديٍّ مستقلٍّ في فلسطين َ، وهي نسبةٌ إلى جبل قربَ أورشليم يسمَّى صهيون“.

(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج نقلاً موقع أقصى أون لاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى