مقالاتمقالات مختارة

اليسار في أمريكا… الفكر والهياكل والإستراتيجيات

اليسار في أمريكا… الفكر والهياكل والإستراتيجيات

بقلم حسن الرشيدي

منذ أن بدأت المظاهرات تشتعل في الولايات المتحدة بعد مقتل الأمريكي ذي الأصول الإفريقية من قِبَل الشرطة الأمريكية؛ دأب الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) على وصف مَن يؤجج مشاعر الجماهير ضد النظام السياسي الأمريكي بأنهم ينتمون إلى الجماعات اليسارية الأمريكية وعلى رأسهم منظمة (أنتيفا) التي ذكرها ترامب بالاسم عدة مرات.

وهنا تثور تساؤلات: من هو اليسار الأمريكي؟ وما هي أفكاره؟ وما هي تجلياته الحركية؟ والأهم من ذلك ما مدى تأثيره اجتماعياً وسياسياً؟

إن الإجابات عن تلك الأسئلة ستكشف جزئياً إلى أي مدى يمكن أن يصل الحَراك الجاري الآن في الشارع الأمريكي، وهل يقدر هذا الحراك على إحداث تغييرات جذرية في المجتمع والسياسة الأمريكية؟

الفكر اليساري:

مصطلح (اليسار) عموماً هو مصطلحٌ سياسيٌّ ذو أبعاد عديدة يبدأ بالفكر الاشتراكي الذي جرى تعديله في الغرب فأصبح يُعرَف بالديمقراطية الاشتراكية، مروراً بالليبـرالية الاجتماعية وانتهاءً باللاسلطوية أو الأناركية التي يمكـن اعتبـارها أقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية.

حاول الاشتراكيون أو الشيوعيون في الغرب الأوروبي والأمريكي الذي تطغى فيه الرأسمالية والديمقراطية التشاركية؛ أن ينشروا فكراً يجمع بين الاشتراكية الماركسية وبين الرأسمالية الغربية، وأن يوفِّقوا بين رفض الاضطهاد والفقر والتفاوت الناجم عن السوق الحرة والرأسمالية الغربية، وبين رفض الاقتصـادات المخططة مركزياً وتأميم كل شيء، ومصادرة الأملاك الخاصة كمـا كانت في الدول الشيوعية، ومن هنا ظهر ما يُعـرَف بتيار الاشتراكية الديمقـراطية أو تيار الاشتراكيين الجدد على وزن تيار المحافظين الجدد الذي كان له تأثير كبير على السياسة الأمريكية عندما نفذ إلى صناعة القرار السياسي الأمريكي في فترتي رئاسة بوش الابن منذ بداية الألفية الثانية.

أما الليبرالية الاجتماعية فهي فرع من الليبرالية ولكنها ليست حرية مطلقة للأفراد؛ بل للدولة دور في توفير حرية إيجابية. وترفض الليبراليةُ الاجتماعية النماذجَ المتشددة من الرأسمالية والبُعد الثوري من الديمقراطية الاشتراكية، وإن كلاً من الليبرالية الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية مزيج من الرأسمالية والاشتراكية ولكن الفرق بينهما هو أن الليبـرالية الاجتمـاعيه تؤمـن بالأفكـار الرأسمالية وتقـوم عليهـا وقامـت بإدخـال بعـض الإصـلاحات عليهـا فجعلتهـا أقرب بعـض الشيء إلى الاشتراكية. أما الديمقراطية الاشتركية فمنبعها الاشتراكية إلا أنها قررت الاقتراب من الرأسمالية بعض الشيء للحدِّ من تطرف الاشتراكية.

والبُعد الثالث للفكر اليساري ما اصطلح على تسميته بـ (اللاسلطوي أو اللاحكم) أي الكاره لأي سلطة تمارَس عليه سواء كانت دولة أو مجتمعاً أو حتى أسرة… على عكس السلطوي أي المحب للسلطة والدولة.

اللاسلطوي: هو ترجمة لمصطلح إنجليزي هو (الأناركية) ويبرر بعضُ منظريها فيقول بأن «الحكومة بطبيعتها معارضة ومعاكسة لأي تطور للعقل البشري»، ولذا فإن التحرر من سلطتها هو تحرير للعقـول قبل الأجساد، وإذا كان بعضهم يترجمها بأنها الفوضوية فإن أصحاب هذا المذهب الفكري يرفضون الفوضى بالرغم من أن فكرهم يؤول إليها في النهاية.

وسوف نتناول تأثير هذا التيار (اللاسلطوي) وتيار الاشتراكيين الديمقراطيين وتجلياتهما الحركية باعتبارهما تيارين لهما أبعاد سياسية في الحياة الأمريكية.

اليسار وأمريكا:

تأسست أمريكا في بدايتها على يد البروتستانت البيض الذين فروا من أوروبا هرباً من الاضطهاد الكاثوليكي وكوَّنوا مجتمعاً قام على الرأسمالية والاقتصاد الحر، وتدريجياً أصبحت أمريكا معقلاً للرأسمالية العالمية وأضفت عليها مسحة بروتستانتية صهيونية متدينة ميَّزتها عن الرأسمالية الأوروبية، لذلك كان من الصعب على اليسار – بأبعاده الثلاثة – أن ينتشـر فيهـا، وبالرغـم مـن أنه تم تأسيس الحزب الاشتراكي الأمريكي عام 1905م، وحزب العمال الأمريكي بعده، فإن هذه الأحزاب نُبذَت جماهيريّاً، ولكن الفكر اليساري بدأ يتوغل في المجتمع الأمريكي تدريجياً مرة أخرى معتمداً على عدة عوامل، منها:

أولاً: مآسي الرأسمالية:

الأزمات والانهيارات لازمت الرأسمالية مثل أزمة الكساد الكبير أو الانهيار الكبير وهي أزمة اقتصادية حـدثت في عام 1929م مروراً بعقد الثـلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، وتعتبر أكبرَ وأشهرَ الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وقد أعقبها ارتفاع نسبة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى وصلت إلى 25%، أما بالنسبة لمن احتفظوا بوظائفهم فقد انخفضت أجورهم بنسبة 42%، وتراجع الناتج القومي للاقتصاد الأمريكي من 103 مليارات إلى 55 ملياراً، ثم حدثت الأزمة المالية في عام 2008م في أمريكا، وشملت مجمل النظام الرأسمالي، وفجَّرت الوضع العالمي الذي أرادت أمريكا فرضه، باعتبار أنها (القطب الوحيد) المسيطر والمقرِّر، ويشار إليها أنها أسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد العظيم، وأدت أزمة عام 2008م إلى ما يعرف بالركود الكبير، الذي أدى إلى انخفاض أسعار المساكن والزيادات الحادة في معدلات البطالة، وظلت التداعيات المرتبطة بها هائلة وما زالت تؤثر على الأنظمة المالية اليوم، وقد أدت هذه الأزمة إلى فقد أكثر من ثمانية ملايين مواطن أمريكي وظائفهم، وتم تدمير ما يقرب من 2.5 مليون فرصة عمل، وتم الحجز على ما يقرب من أربعة ملايين منزل في أقل من عامين، ونتج عنها كذلك انعدام الأمن الغذائي وعدم المساواة في الدخل وفقد العديد من المواطنين الثقة في النظام.

ثانياً: التمييز العنصري:

كان العامل الثاني المهم في بروز اليسار الأمريكي؛ هو التمييز العنصري ضد الأقليات عموماً وضد السود بصفة خاصة.

يشكل المنحدرون من أصول أوروبية أو (البيض) غالبية الشعب الذي يعيش في الولايات المتحدة، بنسبة 72.4 % من السكان وَفْقاً لكتاب الحقائق العالمي الصادر عن المخابرات الأمريكية، أما الأمريكان والمقيمون من أصول إفريقية فوفقاً لهذا الكتاب تبلغ نسبتهم 12.6 % من الشعب الأمريكي.

في حين تبلغ نسبة الفقر بين السود 24.3%، بينما تبلغ تلك النسبة بين بقية مواطني أمريكا 12.3%، ويبلغ متوسط دخل الأسرة السوداء السنوي 32 ألف دولار، في حين يبلغ 48 ألفاً لدى بقية الأسر.

هذا التمييز العنصري موجود في أمريكا منذ نشـأتها، ويمتـد إلـى أعـراق أخـرى مـن غيـر البيض ولا يقتصر على السود فقط ولكنه يتجلى بشكل أكبر بينهم، كما أنه يمتد إلى الديانات الأخرى وخاصة الإسلام؛ ولكن بزيادة الوعي المتراكم بين الأجناس الأخرى يزداد الشعور به في المجتمع الأمريكي مع الوقت؛ وخاصة أن الحركات التي تطالب بإلغاء التمييز لم تنجح إلا بمقدار ضئيل في تقليل هذا التمييز.

ثالثاً: انتشار اليمين المتطرف:

وعلى رأس هؤلاء: الإنجيليون، وكلمة (إنجيلي) ترجمة عربية شائعة لمصطلح (إيفانجيليكل) ويُقصَد بها في الولايات المتحدة كل الطـوائف النصرانية البروتستانتية التي تميزت عن البروتستانت التقليديين بعدد من المعتقدات، أبرزها: إيمانها بمفهوم (الولادة الثانية) أو (ولادة الروح)، كما يؤمنون بعودة اليهود إلى فلسطين وإقامتهم دولة هناك، ويشكلون ما يقرب من 25% من الناخبين الأمريكيين، بعدد يقترب من 64 مليون أمريكي حسب ما يقول موقع أكسيوس، والذين صوَّت أغلبهم، وبنسبة ساحقة ناهزت 81%، لصالح ترامب في انتخابات عام 2016م.

وقد كشف استطلاع رأي حديث أجراه (المعهد العام لأبحاث الديانة) أن 77% من الجمهوريين الإنجيليين البيض راضون عن أداء ترامب في البيت الأبيض، ويبدو هؤلاء الإنجيليون أكثر وحدة عندما يتعلق الأمر بالاتهامات الموجهة إلى ترامب باستغلال صلاحياته، وتؤكد أغلبية ساحقة بنسبة تقترب من 98% من هؤلاء أنها تعارض عزله.

ولكي نكشف عن مدى تأييد هذه الطائفة لترامب يجب معرفة حجم تأييد تلك الطائفة للرؤساء السابقين، ففي حين حصل (جورج بوش الابن) على 78% من أصوات أتباع الطائفة، في انتخـابات عـام 2004م، و (جون ماكين) على 74% في انتخابات عام 2008م، و (ميت رومني) على 78% في عام 2012م؛ فإن ترامب حصل على 81%.

هذه العوامل الثلاثة وعوامل أخرى دفعت كثيراً من المواطنين الأمريكيين ليس من السود فقط ولكن من بين البيض المستائين من توغل الرأسمالية والتمييز العنصري ومن تصـرفات اليمين المتطرف إلى البحث عن هيكلية جديدة أو أفكار أخرى يمكن أن تؤسس لأمريكا جديدة، فكان الانتمـاء إلى الأفكار اليسارية طريقاً لهؤلاء.

ولذلك فإن بروز الحـركات اليسارية في المجتمع الأمريكي مرتبط بصورة أو أخرى بهذه العوامل؛ فالشيوعيون الأمريكيون برزوا بعد انهيار عام 1929م وانتشار الفكر الماركسي في العالم؛ حتى أن الشيوعية أصبحت تهمة يُتَّهَم بها كل صاحب فكر يساري في أمريكا، وأُجريت المحـاكمات في فتـرة الخمسينيات من القرن الماضي لكل من يُتَّهَم أو يُشتَبَه في حمله لهذا الفكر، ومن هنا برزت ما عُرِفَـت في الأدبيات الأمريكية بالمكارثية السياسية (نسبةً إلى السيناتور جوزيف مكـارثي، الذي ساعد الإدارة الأمريكية في قمع الشيوعيين خلال الخمسينيات من القرن الماضي) فأصبحت حينذاك ذريعة للإجهاز على تلك الحركات العمالية والمثقفين اليساريين داخل الولايات المتحدة.

واتُّهمت أيضاً باليسارية حركةُُ الحقوق المدنية في أمريكا ضد التمييز العنصري في الستينيات من القرن الماضي، التي قادها لوثر كينغ ومالكوم إكس، وعن طريق المظاهرات وتنظيم حملات المقاطعة وضم البيض والأعراق الأخرى المتعاطفة، زلزلت هذه الحركة المجتمع، مع العلم أن مارتن لوثر كنج لم يدعُ فقط لإنهاء الفصل العنصري والتمييز؛ وإنما للمساواة الاقتصادية.

جماعات اليسار الأمريكي:

انتظم اليسار في أمريكا في جماعات وتيارات، وكان له تأثير على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأمريكية، وبعض هذه التيارات ارتبطت بقضـايا معينة في وقـت معيَّن، وعندما عجزت عن تحقيق أهدافها لم تلبث أن تلاشت أو ضعف تأثيرها مثل حركة (احتلوا وول ستريت) التي انطلقت في سبتمبر 2011م من حي المال والأعمال في نيويورك وول ستريت، هادفةً إلى التصدي لغياب العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة فسادِ فاحشي الثراء، وإيقاف سيطرة الشركات الكبرى على الحكومات، وتبنَّت الحركة شعار (نحن نسبة الـ 99%)، في إشارة إلى عدم عدالة توزيع ثروة العالم بين قسمين: نسبة 1% من فاحشي الثراء، ونسبة 99% يعانون من مشكلات اقتصادية واجتماعية، واستمرت الاحتجاجات نحو ثلاثة أشهر، لكنها لم تنجح.

من رحم تيار (احتلوا وول ستريت) خرج تيار الاشتراكية الديمقراطية الأمريكية كحركة مستقلة حاولت الدفع بأعضائها إلى الأحزاب الأمريكية وبالذات الحزب الديمقراطي، واستطاعت توفير الدعم المالي والإعلامي لهؤلاء المرشحين. ويوجد حالياً ثلاثة نواب داخل الكونغرس يُعرِّفون أنفسهم بأنهم اشتراكيون: (بيرني ساندرز) سيناتور فيرومونت والمرشح السابق عن الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة عامي 2016 و 2020م، و (ألكسندرا كورتي) عضو الكونغرس عن نيويورك، و (رشيدة طالب) عضو الكونغرس عن ميتشغان وهي من أصل فلسطيني.

وبحسب موقع حركة الاشتراكيين الديمقراطيين على شبكة الإنترنت، تعمل الحركة على تقنيات الحملات وحشد كل المؤمنين بالاشتراكية الديمقراطية، وتدعي الحركة أنها دعمت كثيراً من أعضاء الحركة للوصول إلى الكونغرس الفيدرالي أو المجالس التشريعية في الولايات المختلفة، ورغم أنها بدأت نشاطها السياسي الانتخابي في عام 2016م فقط، فقد بلغ عدد أعضائها في عام 2018 نحو 50 ألف عضو فعال، ويرجع الإقبال المتزايد على الانضمام لهذا التيار إلى طلاب الجامعات حديثي التخرج بسبب إرهاقهم بالديون الدراسية، كما نجحت الحركة في استغلال المزاج الشعبي العام بعد انتخاب دونالد ترامب وحالة الاستقطاب الحاد الذي يعيشه المجتمع الأمريكي، واتجاه الإعلام الليبرالي ناحية اليسار بسبب خطاب الرئيس اليميني.

وقد أعلنت الحركة عن جملة من الأهداف أهمها: إعادة توزيع الثروة عبر سياسات ضريبية جديدة وذلك من خلال إستراتيجية إعادة تشكيل المناخ السياسي في الولايات المتحدة بإصلاح الرأسمالية، وبدأت في التغلغل داخل الحزب الديمقراطي لتجد لأفكارها مخرجاً ومجالاً للتطبيق.

ولكن الحزب الديمقراطي بالرغم من أنه يصنَّف حزباً يسارياً بصفة عامة إلا أن هذا التصنيف تصنيف مبسط لأن الأمر معقد بالفعل داخل الحزب؛ فكثير من أعضـائه يمكن تصنيفهم يمينيين ومنهم من يتبنى موقفاً وسطاً بين اليسار واليمين، لذلك فإن مواقفه الخارجية ربما تتشابه مع الحزب الجمهوري الذي يمكن وصفه بأنه يميني، وفي الانتخابات التمهـيدية الأخيرة برز الانقسام داخل الحزب بين يمين الحزب أو التقليديين بقيادة نائب الرئيس السابق (جو بايدن) وبين يسار الحزب ممثَّلاً بــ (بيرني ساندرز) الذي مثَّل فشله في الانتخابات التمهيدية فشلاً لتيار الاشتراكيين الديمقراطيين.

أما التيار الفكري اليساري الثاني وهو التيار اللاسلطوي فتمثله حركة (أنتيفا)، وهي التي هاجمها ترامب في تغريدة له وقال إنه سيصنِّفها منظمةً إرهابية وذلك بعد ساعات قليلة من اتهام وزير العدل ويليام بار لأعضاء أنتيفا بإثارة الفوضى، محمِّلًا إياهم مسؤولية تفاقم الوضع عقب وفاة فلويد في أثناء اعتقاله في مينيابوليس بولاية مينيسوتا، كما هاجمها أيضاً مستشار الأمن القومي روبرت أوبرايان؛ إذ حمَّلها مسؤولية ما يحدث في المدن والشوارع الأمريكية من أعمال فوضى وسرقة ونهب وقال عنهم: «إنهم مسلحون يأتون ويحرقون مدننا، وسنصل إلى الحقيقة»، داعياً مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى ملاحقة أعضائها.

ومصطلح (أنتيفا) هو اختصار لعبارة ألمانية (مناهضة الفاشية)، وبدأت الحركة بتنظيم كوادرها ضد النـازيين الجدد في الولايات المتحدة، أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة في منطقة الغرب الأوسط، ومرت بحالة ركود منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي ثم ظهرت مرة أخرى بعد انتخاب ترامب عام 2017م.

ويقوم فكر الحركة على معارضة الحركات العنصرية والنازية والفاشية الجـديدة، والفاشية بصفة عامة تنتمي فكرياً إلى الحركات اللاسلطوية أو الأناركية التي تحدثنا عنها سابقاً.

وتقوم إستراتيجية الحركة على رفض اللجوء إلى الشرطة أو الدولة لوقف زحف فكرة تفوُّق البيض، وبدلًا من ذلك يدعون إلى المعارضة الشعبية للفاشية كما يقول مارك براي، المؤرخ بكلية دارتموث، ومؤلف كتاب (أنتيفا: دليل مناهضة الفاشية).

وتدعو الحركة الجماهير إلى النزول للشوارع وتنظيم احتجاجات ضد الحركات التي تصفها باليمين أو العنصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم أن خطاب أنتيفا الرسمي يشدد على مناهضة العنف، إلا أن أعضاء في الحركة يقولون إنهم يعتبرون العنف والأسلحة ضروريين للدفاع عن النفس، بحسب أحاديث لهم مع وسائل إعلام، منها (سي إن إن) و (بي بي سي).

وعادة ما يظهر أعضاء الحركة بملابس سوداء، ويتردد أن الحركة تعقد اجتماعات في دول معيَّنة من وقت إلى آخر، رغم أنها لا تمتلك – وَفْقَ المعلَن – مقراً وزعيماً محدَّدين، كما لا توجد لها إدارة مركزية معروفة؛ فهي لا تملك تسلسلاً قيادياً، ولا أعضاء مسجَّلين، وعادة ما ينظمون تحركاتهم بشكل عفوي، وبعيداً عن أعين رجال الأمن والشرطة.

ولكن هل تنجح الاشتراكية الديمقراطية أو التيار اللاسلطوي الممثل بحركة (أنتيفا) في تغيير النظام السياسي؟

هناك ثمة مؤشرات أولية:

المؤشر الأول: نتائج الانتخـابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي لم تدفع الرمز الاشتراكي الديمقراطي بيرني ساندروز للواجهة بل خسر المعركة.

المؤشر الثاني: المظاهرات الضخمة التي استغلت فيها الحركتان (الاشتراكية الديمقراطية، وأنتيفا) قَتْل الشاب الأمريكي الأسود على يد الشرطة للدفع بالآلاف من الشباب الأمريكي للمطالبة بالتغيير، وهذه أيضاً غير قادرة على ما يبدو حتى الآن على إحداث تغيُّرٍ في نظامٍ سياسي متجذرٍ في الأرض.

والخلاصة: أن اليسار الأمريكي يحتاج مزيداً من الوقت، وإستراتيجيةً جديدة لكي يصل بطريقة أسرع وأجدى إلى أعماق ووجدان المجتمع الأمريكي لكي يستطيع أن يغيِّر نظامه السياسي.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى