بقلم عبد الله بن عبد اللطيف الحميدي
اعتنى الإسلام بالجانب الصحي للمسلم لذا كانت المحافظة على النفس وعدم الإلقاء بها إلى التهلكة من ضروريات دين الإسلام، كما اهتم الإسلام بغذاء المسلم وشرابه وعلاجه وتواترت النصوص الشرعية التي تحضّ المسلم على ذلك وجماع ذلك في قوله سبحانه : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١] قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: جَمَعَ اللهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ}([1]).
واستجابة لذلك فقد اهتم المسلمون بالصحة العامة اهتماماً عظيماً وتمثل ذلك فيما وقفوه من الأموال لإنشاء المستشفيات والدّور الصحية لعلاج الإنسان بل والحيوان.
وفي الوقت الذي كان للمسلمين من خلال الأوقاف مستشفيات وأطباء وأدوية كانت أوروبا لا تعرف النظافة ولا الصحة – كما يحدثنا التاريخ وعقلاء الغرب أنفسهم – وفيما يلي سنختار بعض الأمثلة التي تبرز الدور العظيم الذي قامت به مؤسسة الأوقاف في رعاية الصّحة من خلال إنشاء المستشفيات التي عرفت بـ «المارستانات» ([2]) في الحضارة الإسلامية والتي تعني «بيت المرضى» وهذا ما يعنيه مصطلح المستشفى في الوقت الحاضر.
روى المقريزي أن أول دار أسست لمداواة المرضى في الإسلام بناها في دمشق الخليفة عبدالملك الأموي عام 88هـ، وجعل فيها الأطباء وأجرى عليهم الأرزاق عن طريق الأوقاف، في حين أعطى كل مُقعد خادماً يهتم بأمره، وكل ضرير قائداً يسهر على راحته. ([3])
كما أن أول مستشفى كبير في تاريخ الحضارة الإسلامية هو المارستان الذي أمر ببنائه هارون الرشيد في بغداد، وبلغ من عناية المسلمين بالرعاية الصحية وتطوير خدماتها أن خصصت أوقاف لبناء أحياء طبّية متكاملة([4])، حدّث ابن جبير في رحلته : أنه وجد في بغداد حيّا كاملا من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة، كان يسمى بسوق المارستان، يتوسطه قصر فخم جميل وتحيط به الغياض([5])والرياض([6])والمقاصير([7])والبيوت المتعددة، وكلها أوقاف وقفت على المرضى، وكان يؤمُّه الأطباء والصيادلة وطلبة الطب، إذ كانت النفقات جارية عليهم من الأموال الوقفية المنتشرة ببغداد.
وتحدثت كتب التاريخ عن المستشفيات التي أنشئت في مصر بأموال الوقف فذكروا منها مستشفى أنشأه الفتح ابن خاقان وزير المتوكل على الله العباسي، ومستشفى آخر أسسه أمير مصر أحمد بن طولون، سمي باسمه، وحُبس له من الأوقاف ما يلزم للإنفاق عليه، وبنى فيه الحمامات للرجال والنساء.
وكان من أشهر المستشفيات في العصر الأيوبيّ والمملوكيّ تلك التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي/([8]).
وتحدّث المؤرخون والرّحالة عن المستشفى الذي أنشأه الملك قلاوون بمصر، وجعله وقفا لعلاج مرضى المسلمين، قال عنه ابن بطوطة: «يعجز الوصف عن محاسنه، وقد أعدّ فيه من الأدوية والمرافق الخدمية ما لا يحصى»([9]).
ويضيف: وقد أقام أحمد بن طولون أول مستشفى في مصر عام 259هـ، ومن أنظمته أن العليل إذا دخله تنزع ثيابه وتوضع عند الأمين ثم يلبس الثياب الخاصة بالمرضى ويفرش له فرش خاص به ويعالج حتى يبرأ.. أما علامة شفائه فهي أن يأكل فَرُّوجاً ([10]) ورغيفاً، فإذا فعل ذلك واستقر الطعام في جوفه دون ألم أو ردّة فعل أُعطي ماله وثيابه وسمح له بالانصراف.. وفي حالة وفاة المريض فإنه يجهز ويكفن على نفقة المستشفى الذي يتوفر على صندوق وقفي.
إن العلاج النفسي في المستشفى لا يقل عن العلاج البدني لذا اهتمت المستشفيات التي قامت على الأوقاف في الحضارة الإسلامية برعاية ذوي النفوس المريضة عن طريق تلاوة القرآن الكريم.. والتسلية البريئة.
لقد أدرك علماء المسلمين خطورة الأمراض النفسية ووضعوا لها علاجاً وطباً، ولعل من أهمّ الرعاية التي لقيها المرضى والمعتوهون أنه خضع لكل واحد منهم مُرافق يأخذه باللين والرفق، يصحبه في الحدائق بين الخضرة والزهور ويسمعه ترتيلاً هادئاً من كتاب الله تعالى تطمئن به القلوب وتهدأ النفوس([11]).
ومما ذكر أيضا في أساليب العلاج النفسي : أن يقف اثنان بمسمع من المريض وبدون أن يلحظ أن ذلك جار منهما عمداً، يسأل أحدهما الآخر عن حقيقة علّة ذلك المريض، فيجاوبه رفيقه بأنه لا يوجد في علّته ما يشغل البال وأن الطبيب رتّب له كذا وكذا من الدواء ولا يظن أنه يحتاج إلى أكثر من كذا من الوقت حتى ينقه، وغير ذلك من الحديث الذي إذا تهامس به اثنان على مسمع عليل ثقيل الحال – وظنه صحيحاً – زاد نشاطه ونهض([12]).
وهكذا ينشر الإسلام نوره في الشرق والغرب ومع النور الرعاية العامة والخاصة لكل فرد من أفراد المجتمع المسلم في كل شأن من شؤونه.
ومما يحسن الإشارة إليه:
* أهمية الأوقاف الصحية والطبية وما لها من دور كبير في سد احتياجات المسلمين وعلاجهم.
* المساهمة في الجمعيات الخيرية المهتمة بالجوانب الصحية وإعانتها على أداء رسالتها ([13]).
* من المقترح إنشاء جمعيات صحية تعني بتوفير الأجهزة الطبية المنزلية مثل أجهزة قياس الضغط والسكر وأجهزة التنفس وأجهزة غسيل الكلى وأجهزة العلاج الطبيعي ونحوها.
———————————–
([1]) ينظر: تفسير ابن كثير (3/406)
([2]) وبعضهم يسميها «البيمارسانات» وهي المشافي التي يعالج فيها المرضى.
([3]) ينظر: الوقف في الفكر الإسلامي، بن عبد الله، (ص145-169).
([4]) تاريخ البيمارستانات في الإسلام، الدكتور أحمد عيسي،، ص 178.
([5]) شجر كثير ملتف.
([6]) البساتين.
([7]) الطرق.
([8]) ينظر:رحلة ابن جبير، ص201.
([9]) ينظر: رحلة ابن بطوطة(1/203).
([10]) صَغير الدَّجاج من شَهْره الثَّالث إلى العاشِر.
([11]) ينظر: الوقف في الفكر الإسلامي، ابن عبد الله (ص145-169).
([12]) ينظر : من روائع حضارتنا، لمصطفى السباعي ص139.
([13]) مثل جمعية أطباء حول العالم، وجمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية الخيرية، والجمعية الخيرية الصحية | عناية.
المصدر: موقع المسلم.