الوظائف الثلاث للدولة الإسلامية
بقلم أ. د. فؤاد البنا
لخص القرآن الكريم وظيفة الدولة في الرؤية الإسلامية بقوله تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}، ومن الواضح أن الآية تجعل للقائمين على الدولة الإسلامية ثلاث وظائف أساسية، هي:
الأولى: إقامة حقوق الله في حياة المسلمين، بتوحيده في ربوبيته ألوهيته وتنفيذ شريعته في خلقه، والمشار إليها بإقامة الصلاة؛ فكأن حقوق الله المنبثة في أرجاء الحياة قد تجسدت في الصلاة؛ ذلك أنها أخص حقوقه عز وجل، ثم إن إقامة الصلاة بشروطها وأركانها المادية والروحية تزرع في روع المؤمن حقيقة الإله الذي ينبغي أن يتم اتباع أوامره كافة والانتهاء عن زواجره قاطبة في كل الأحوال والظروف، وهذا من مقتضيات الإيمان بالله عز وجل، كما قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
الثانية: إقامة حقوق الناس بوصفهم مخلوقات كرمها الله على سائر الكائنات، والمشار إليها بإيتاء الزكاة؛ ذلك أن الزكاة هي القاعدة التي تقوم عليها حقوق الناس ولا سيما الأصناف الثمانية التي ورد ذكرها في سورة التوبة كمخارج للزكاة، ويُعد حصول الضعفاء على حقوقهم بطريقة منظمة ومقبولة برهان أكيد على استقامة المجتمع ومتانة صفوفه ودليل على أن الجميع يؤدون واجباتهم ويأخذون حقوقهم بطريقة سلسة تشي بتخلص هذا المجتمع من أسباب الضعف وعوامل التخلف وتؤكد أنه يسير في ركاب التقدم الإنساني وأنه على موعد مع التفوق الحضاري على سائر المجتمعات والأمم.
الثالثة: إيجاد المؤسسات والقوانين التي تجسد الوظيفتين السابقتين، وانتهاج السياسات والإجراءات التي تضمن إقامة حقوق الله وإقامة حقوق الناس على أكمل وجه وبصورة دائمة وتكفل عدم انتقاصها بأي حال من الأحوال، وهي المشار إليها بقوله تعالى: {وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، إذ أن كل ما يسهم في جلب مصلحة تخص الناس في معاشهم ومعادهم يعد من الأمر بالمعروف، وكل ما يسهم في درء مفسدة عنهم يعد من النهي عن المنكر.