الوحدة الإسلامية هي المخرج الوحيد من وضع الذل والمهانة
بقلم محمد وثيق الندوي
الوحدة هي الميزة الجوهرية للأمة الإسلامية، وبفضل هذه الميزة الجوهرية قد حصلت للمسلمين الغلبة والقوة والقيادة والسيادة عبر العصور، فحكموا العالم قرونًا طويلة، ودوخوا في العالم، من أقصاه إلى أقصاه، وفتحوا مناطق واسعة، وأخضعوا جبابرة العالم لسيطرتهم، ورفعوا راية الإسلام ترفرف في مختلف أنحاء العالم قرونًا، وكانت الوحدة والأخوة الإٍسلامية هي العروة الوثقى التي كانت توحد المسلمين شعوريًا وفكريًا وعقليًا وعمليًا، و كانت هذه الوحدة في الشعور وفي الولاء وفي الانتماء إلى الإسلام، صفة أساسية للأمة الإسلامية في الماضي، وكان شعارها: إن الدين عند الله الإسلام” (آل عمران:19) و” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ “(الحجرات:10).
وبفضل الوحدة والأخوة الإسلامية نشأت هيبة المسلمين في القلوب والنفوس في العالم كله، ولذلك إن أكثر ما كان وما يزال يخيف أعداء الإسلام، أن يروا الإسلام قويًا غالبًا، وأن يروا للمسلمين قوة ودولة، تجمع شتاتهم، وتوحِّد قواهم وصفوفهم، وتنظم شئون حياتهم، وشئون النظام الإسلامي، وقد أبدى مفكروهم وكتابهم مخاوفهم هذه، فقال القس سيمون: ” إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التخلص من السيطرة الأوربية، والتبشيرُ عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية”. (“قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام” للأستاذ جلال العالم، ص:74، عمان، دار الأرقم، 1981م،نقلاً من كتاب “الشباب المسلم والحضارة الغربية” للأستاذ حسن حسن سليمان، ص:104، دار الشروق، جده، 1985م.)
وقال لورانس براون: ” إذا اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرًا، وأمكن أن يصبحوا أيضًا نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير، يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين حتى يبقوا بلا قوة ولا تأثير”. (نفس المصدر، ص:104.)
وقال آرنلد توينبي في كتابه” الإسلام والغرب”: ” إن الوحدة العربية نائمة، ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ” .(نفس المصدر،ص:105.)
ويقول مورو بيرجر في كتابه “العالم العربي”: ” ثبت تاريخيًا أن قوة العرب تعني قوة الإسلام، فلندمر المسلمين بتدمير الإسلام”.(نفس المصدر، ص:105.)
وفي عام 1907م عُقد مؤتمر أوربي كبير، ضم القادة والزعماء برئاسة وزير خارجية بريطانيا لبحث الوسائل التي تحول دون انهيار الحضارة الأوربية، وبعد شهر من الدراسة والنقاش قرّروا وضع خطة لبذل جهودهم لمنع إيجاد أي اتحاد أو اتفاق بين دول الشرق الأوسط، لأن الشرق الأوسط المسلم المتَّحد يشكل الخطر الوحيد على مستقبل أوربا”. (نفس المصدر).
وفي أبريل عام 2005م أصدرت مؤسسة راند الأمريكية(Rand Corporation) تقريرًا محتويًا على 567 صفحة بعنوان “العالم الإسلامي بعد أحداث 9/11″ (The Muslim World after 9/11)جاء فيه أن الوحدة الإسلامية خطر للغرب، فلابد من إحداث التفرقة والتشتت في صفوف المسلمين، وضرب الإسلام من الداخل من خلال زرع اختلافات فقهية ومذهبية وفكرية وفئوية فيهم، وتغيير خريطة العالم الإسلامي وتقسيمه إلى دويلات متحاربة.
فقد عمل أعداء الإسلام من الغربيين وغير الغربيين لتدمير القوة الموحدة للمسلمين، وكسر الحبل المتين الذي كان يوحد العالم الإسلامي كله، واتخذوا وسائل متنوعة لتفكيك كلمة المسلمين، وتشتيت شملهم، وتفريق جمهم، فتفرَّق المسلمون بغلبة النزعات الوطنية والقومية والإقليمية والفلسفات الفكرية والانتماءات الفئوية والمذهبية، فانقسمت القوة الموحدة الإسلامية إلى دويلات صغيرة ومناطق وإمارات متحاربة، وخاصة في الشرق الأوسط كما خطط الغرب، فنتيجة لذلك قد ذهبت هيبة المسلمين من القلوب في العالم كله، فأصبحوا عرضة للنكبات والنكسات، والمشاكل والمحن، والذلة والمهانة كما يشاهد في مختلف دول العالم، وخاصة في الهند وفلسطين والعراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن وتونس ودول أخرى ” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ “(الأنفال:46) وقد تشجع عليهم غير المسلمين في العالم كله، حتى تجرأ بعضهم على الإساءة إلى ذات الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقدسات الإسلامية، وعلى حرق القرآن الكريم وركله، ولا تثار قضايا المسلمين في جمعيات عالمية للحقوق الإنسانية، ومجلس الأمن الدولي، وهيئة الأمم المتحدة، رغم أن المسلمين يشكلون أكثر من خمسين دولة ذات أغلبية إسلامية، وأخيرًا بدأت إجراءات التطبيع مع إسرائيل.
إن هذا الوضع المهين الذي تعيشه الأمة الإسلامية، نتيجة حتمية لتفرُّقها وتشتُّتها، وتوزُّعها على تكتلات ومعسكرات سياسية، وانتماءاتها المختلفة المتصارعة: الفكرية والمذهبية والفقهية والفئوية، والبحث عن حلول القضايا والمشاكل عند من يتربّص بها الدوائر، ويكيد لها مكايد، ويضع في سبيلها عقبات وعراقيل.
إن هذا الوضع المأساوي الذي يعاني منه المسلمون، ناتج في الواقع عن النكسة الكبرى؛ النكسة التي أحدثت سلسلة متواصلة للنكسات والأزمات، والمحن والبلايا، وهذه النكسة الكبرى أو النكسة المولدة للنكسات والنكبات، هي بعد المسلمين عن الوحدة والأخوة الإسلامية، وتحاربهم فيما بينهم، وحدوث حالة التفرُّق والتشتُّت والتمزُّق في الصف المسلم الذي وصف بأنه بنيان مرصرص، وإيثار المصالح الشخصية على مصلحة الأمة الإسلامية الواحدة، فما دام هذا الوضع المهين قائمًا فإن كل مجهود يبذل في سبيل استعادة سيادة الأمة وغلبتها سيلاقي الفشل.
لا عزة ولا قوة للمسلمين، ولا سبيل لهم للخروج مما يواجهونه، إلا التمسُّك بالإسلام، والاعتصام بحبل الله المتين، وهي العروة الوثقى لا انفصام لها:” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ “(آل عمران:103-105).
فالمسلمون بأشد حاجة إلى الوحدة الإسلامية والوحدة الإيمانية، وإلى إحكام هذه الركيزة التي يتأسس عليها الحكم الإسلامي الراشد، وإذا تحققت هذه الوحدة الإسلامية، والتضامن الإسلامي، فإن المسلمين وحدهم لا ينعمون بها، بل ينعم بها العالم الإنساني كله، لأن الوحدة الإسلامية –كما أشار إلى ذلك الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ـ رحمه الله تعالى ـ في كلمته التي ألقاها في حفل أقامته مؤسسة “همدرد” الأهلية في فندق انتركانتيننتال بكراتشي في باكستان في 13/يوليو 1978م -هي وحدها رسول الأمن والسلام، وقادرة على البناء والإصلاح، وهي وحدها التي تجمع ولا تفرق، تؤاخي ولا تعادي، ترحم ولا تقسو، تبني ولا تهدم.
فعلى المسلمين أن يفكروا جدياً في إيجاد هذه الوحدة الإسلامية التي كانت متجلية بمظاهرها الخلابة في القرن الأول والقرون المشهود لها بالخير، ويؤسسوا القوة الإسلامية الموحدة على هذه الركيزة الجوهرية، فهل من مجيب؟!
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)