الهيئة العالمية لنصرة النبي .. “مأسسة” النجاح
بقلم قطب العربي
في مثل هذه الأيام من العام الماضي أعادت مجلة شارل إبدو الفرنسية الساخرة نشر رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما قوبل في حينها بانتفاضة شعبية ورسمية واسعة عمت أرجاء العالم الإسلامي والجاليات الإسلامية في كل مكان، وتصاعدت الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية كرد على تبرير الحكومة الفرنسية لتلك الجريمة، ورفض الرئيس الفرنسي ماكرون أي تنديد بإهانة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية التعبير وقيم الجمهورية الفرنسية، كما انتشر منذ ذلك الوقت وسما عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “إلا رسول الله”، ووسما آخر عن مقاطعة البضائع الفرنسية استمر لأكثر من عام حتى الآن، وهو مالم يتكرر من قبل لأي وسم عربي.
في الذكرى الأولى لانطلاق حملة مقاطعة البضائع الفرنسية تداعى علماء ومفكرون وساسة وإعلاميون لتطوير حراكهم نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فعقدوا (الثلاثاء 26 أكتوبر/ تشرين أول) مؤتمرا كبيرا في غسطنبول، أطلقوا خلاله رسميا الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام ..
هي إذن خطوة عملية لمأسسة حملات المناصرة الموسمية التي ما تلبث أن تخفت سريعا، والتي تتحرك في الغالب باجتهادات فردية غير منظمة، تصيب حينا وتخطئ حينا، بينما يمكن لعمل مؤسسي أن ينظم حركتها، وأن يحسن توجيهها في المسار الصحيح من خلال علماء ومختصين، وكبار المؤثرين في حقول الإعلام المختلفة.
لا يعني هذا أن الحملات السابقة للمقاطعة فشلت في مهمتها، بالعكس فقد أثرت تأثيرا كبيرا دفع الرئيس الفرنسي لاستجداء أصدقائه في العالم الإسلامي لوقف تلك الحملات، ودفعت شركات تحمل العلامة الفرنسية مثل كارفور لنفي صلتها بفرنسا، والتأكيد أنها شركات مصرية أو سعودية مثلا، وأنها ترفض أي إساءة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، (وللتذكير أيضا فقد سجلت حملات المقاطعة للمنتجات الدانمركية نجاحا ملحوظا ردا على رسوم سخرية مشابهة عام 2005)، ولكن لنا أن نتصور لو أن تلك الحملات تمت بتنظيم من خبراء متخصصين فالمؤكد أن النتيجة كانت ستختلف، ولعل تأسيس هذه الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم سيمثل رسالة مهمة لكل من يتطاول على مقامه الرفيع، وإن أي ردود على هذا التطاول ستكون أكثر صرامة وأكثر تأثيرا، وبذا يكون هؤلاء العلماء والمختصون وعموم المسلمين الغيورين هم يد الله التي تصفع من تسول له نفسه المس بنبينا صلى الله عليه وسلم.
الجاهزية لمواجهة أي إساءة
في المؤتمر التأسيسي للهيئة العالمية لنصرة النبي تبارت الرموز الإسلامية المشاركة في تأكيد جاهزيتهم لمواجهة أي إساءة لنبي الإسلام، أو أي من مقدسات المسلمين، وكانت إحدى التوصيات المهمة في المؤتمر والتي أطلقها الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي القرة داغي هي تأسيس وقف خيري لصالح الهيئة الجديدة يعينها على القيام بمهمتها واستدامتها، كما أكد البيان التأسيسي للهيئة أنها ستعمل بكل طاقتها ومن خلال خبراء ومختصين وبكل اللغات الحية للتعريف بنبي الإسلام، ومواجهة أي افتراءات أو شبهات للنيل منه، وأنها ستطلق عدة منصات إعلامية لهذه المهمة من خلال جسم إعلامي محترف بمعايير عالمية، والأهم أنها ستطلق الحملات الشعبية للمناصرة كلما استدعت الضرورة ذلك، حتى يرتدع أعداء الإسلام.
لم يكن غريبا أن تستضيف إسطنبول هذا المؤتمر التأسيسي، إذ كانت تركيا ورئيسها أردوغان هو الأعلى صوتا في مواجهة الرسوم المسيئة، والتي وصلت حد وصفه للرئيس الفرنسي ماكرون في ذاك الوقت بأنه يعاني خللا عقليا، وكان الشعب التركي من أكثر المتجاوبين مع حملة المقاطعة، كما تصدت تركيا أكثر من مرة لهجمات غريبة ثقافية أو سياسية أو إعلامية ضد المقدسات الإسلامية، كما أن إسطنبول تضم بالفعل عددا كبيرا من الرموز الإسلامية العالمية، ويحسن بالهيئة الجديدة أن تعقد اجتماعها المقبل في إسلام أباد تقديرا لموقف باكستان أيضا (حكومة وشعبا) الذي تصدى للغطرسة الفرنسية، وكم كنت أتمنى أن أسمع كلمة تقدير لروح الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الذي دافع عن رسول الله لأول مرة من فوق منبر الأمم المتحدة في ديسمبر 2012، وقال كلمته الداوية “نحب من يحبه ونعادي من يعاديه”.
التأثير
حملات المقاطعة وإن أثرت سلبيا على بعض المنتجات الفرنسية وعلى صورتها ودفعت رئيسها ووزير خارجيتها لتسول وقفها، إلا أنها لم توقف الكراهية الفرنسية ضد الإسلام، سواء على أرضها “ضد المسلمين الفرنسيين” أو خارج حدودها كما يكشفه دورها في العديد من الصراعات في الدول الإسلامية، وبالتالي فإنها تحتاج لوقفة قوية من الحكومات الإسلامية التي تحترم دينها ومقدساتها وشعوبها، فالهبات الشعبية وحدها وإن كانت مهمة إلا أنها غير كافية لوقف تلك الاعتداءات على المقدسات.
التحية واجبة لكل من فكر في هذه المبادرة “الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام”، وأخص بالتحية جمعية الشباب المصري في إسطنبول صاحبة الفكرة، والشيخ الدكتور محمد الصغير الأمين العام للهيئة، وصاحب الجهد التنفيذي الأكبر لإخراجها للنور، ومعه فريق الأمانة العامة وكل المساعدين، بل وكل المشاركين في المؤتمر التأسيسي وكل من سيساهم في إنجاحها مستقبلا، سواء أفرادا أو جماعات، أو هيئات، أو حكومات.