إعداد هاني صلاح
أشار الشيخ عبد الحفيظ خيط، رئيس الجالية الإسلامية في صقلية، إلى أبرز التحديات التي تواجه المجتمع المسلم المتنامي داخل أكبر جزيرة إيطالية، وهي كبرى الجزر في البحر المتوسط وذات التاريخ الطويل مع الإسلام في السابق.
وتتلخص التحديات في الحفاظ على الهوية الإسلامية، مع تحقيق التعايش المشترك مع شرائح المجتمع، كما أن ضعف أو غياب الإمكانيات المادية يحول بيننا وبين تنفيذ كثير من المشروعات المهمة للمجتمع المسلم الصقلي.
وأوصى خيط خلال حوار مع “المجتمع” إلى ترسيخ أسس الحوار والتعايش الإنساني بين المسلمين ومختلف شرائح المجتمع في صقلية والعمل على بناء جسور التعارف والتعاون بين الثقافات والأديان.
وجزيرة صقلية لها تاريخ وله خصوصية، فالوجود الإسلامي في صقلية دام لمئات السنين ومثل صفحة مشرقة في تاريخ الإسلام، واليوم يعود الوجود الإسلامي مجدداً بشكل منفتح على المجتمع ويحقق نجاحات باهرة في التواصل والحوار مع كافة شرائح المجتمع الصقلي.
ضيف الحوار
والشيخ عبد الحفيظ خيط، من مواليد عام 1968 بمدينة الميلية بالجزائر، وحاصل على شهادة جامعية في الاقتصاد من جامعة “سطيف”، وانتقل إلى إيطاليا في عام 1993م لغرض إكمال واستقر في مدينة كتانيا بالجزيرة الصقلية منذ ذلك التاريخ.
وهو كذلك إمام مسجد “الرحمة” في جزيرة صقلية، وعضو إدارة اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا، ومسؤول قسم العلاقات الخارجية به، وكذلك عضو مجلس أمناء الجمعية الإيطالية للأئمة والمرشدين، وعضو مؤسس للهيئة الإيطالية للقرآن الكريم، أيضاً عضو مجلس شورى الرابطة الإسلامية في إيطاليا، وعضو اللجنة التنفيذية في مؤسسة سيناكسيس لمعهد الدراسات سان باولو تعنى بتاريخ الأديان السماوية في البحر الأبيض المتوسط، وختاماً عضو اللجنة العلمية في مؤسسة إيطالية “صقلية البحر الأبيض المتوسط وأوروبا” والتي تعنى بالهجرة.
في بداية حوارنا، نود نبذة تعريفية عن جزيرة صقلية.
– صقلية جزيرة إيطالية، وأكبر جزر البحر المتوسط، وتقع جنوب شبه الجزيرة الإيطالية، وهي أيضاً أكبر الأقاليم العشرين المكونة للأراضي الإيطالية من حيث المساحة، فمساحتها 25.710 كيلو مترمربع، سكانها يبلغ 5.1 مليون نسمة، أكبر مدنها باليرمو، وهي العاصمة وتقع على الساحل الشمالي الغربي للجزيرة، كما تعد مدينة كتانيا بمثابة العاصمة الاقتصادية، وتعتبر من أهم المواقع السياحية في إيطاليا.
وماذا عن المسلمين بالجزيرة؟
– كان توافد المسلمين من مختلف الأقطار من عمال وطلبة، وتزايد أعدادهم خلال العقود الأخيرة؛ المنعرج الذي غير الوجود الإسلامي في هذه الجزيرة، وتأسست أول جمعية إسلامية، وهي جمعية الجالية الإسلامية في صقلية سنة 1988م، والتي ينضوي تحتها الآن 30 مسجداً، أغلبها قاعات صلاة غير مهيأة.
وتركيبة الجالية المسلمة في صقلية مختلفة بسبب خصوصية الموقع الجغرافي للجزيرة التي تعتبر بوابة أوروبا، وهي غالباً من بلاد المغرب العربي وبعض الدول الأفريقية وكذلك من دول القارة الهندية.
وفي مدينة كتانيا أكبر مركز للاجئين في أوروبا، وأغلبهم من المسلمين، وأهم تحدٍّ لهاته الجاليات هو البطالة وعدم توافر المرافق الخدمية وعدم توافر مراكز إسلامية تستوعب شبابها وتحافظ على هويته الإسلامية، وغياب كلي للهيئات الحقوقية والإغاثية المسلمة، حيث يجدون في الكنائس الملاذ الآمن الذي يوفر لهم الأكل والملبس والإقامة.
أما نسبة تواجدهم فهي حوالي 5%، لكن هذه النسبة لا تعبر على التواجد الحقيقي للمسلمين كما ذكرنا سابقاً بسبب طبيعة المنطقة التي هي منطقة عبور وبوابة أوروبا، ففي خلال عام واحد عبر من الجزيرة ما بين سنة 2013 و2014 حوالي 180 ألف مهاجر غير شرعي أغلبهم من المسلمين.
كيف كانت بدايات عملكم الدعوي في صقلية؟
– بداية العمل الدعوي كانت من مسجد صغير 60 متراً مربعاً، يفتقد لأبسط الشروط الصحية، لكن هذا لم يمنعنا من النشاط والقيام بالدور المطلوب مع جالية متعددة الأعراق والثقافات وبسيطة كطبيعة الجزيرة التي تقع في أقصى جنوب إيطاليا.
وكانت الانطلاقة الحقيقية مع بداية سنة 2000م، بتنظيم أول مؤتمر إسلامي في الجزيرة، بالتنسيق مع اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا، بعنوان “الإسلام دين العلم والأدب”، في قاعة مؤتمرات تاريخية وسط المدينة، وبحضور فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي، والداعية الجزائري الشيخ أبوجرة سلطاني، ومسؤولي الاتحاد د. محمد نور دشان، ود. بريغش أبو الخير، والأستاذ أبو بكر قدودة.
ثم تواصلت الانطلاقة الحقيقية للعمل الدعوي بعدها بشكل مستمر من خلال تنظيم التجمعات والمخيمات الإسلامية التربوية للشباب والأسر، وتنظيم دورات تكوينية للقائمين على العمل الإسلامي في كل المقاطعات بالجزيرة، وفي هذه الفترة تم تأسيس أكبر مسجد في جنوب إيطاليا، بوسط مدينة كتانيا في صقلية، ويسع أكثر من 1500 مصلٍّ.
ما أبرز أولوياتكم في العمل الدعوي والمجتمعي فيما يتعلق بالتواجد الإسلامي العام في صقلية؟
– لدينا أربع أولويات، كالتالي:
1- توفير مراكز إسلامية تكون مصدر إشعاع فكري وحضاري يرسي أسس التعايش السلمي والحوار الحضاري ويكون جسراً للتواصل بين الشرق والغرب.
2- استقطاب شباب الجالية المسلمة والاهتمام بالجيل الثاني من أبناء المهاجرين، والحفاظ على هويته الإسلامية وانتمائه الحضاري.
3- التعريف بالدين الإسلامي، ونشر ثقافته والمساهمة في تعليم ونشر اللغة العربية بين أبناء الجيل الثاني.
– تقريب وتقوية الروابط بين العائلات المسلمة من خلال النشاطات المختلفة.
هل من أمثلة عملية لنشاطاتكم ضمن هذه الأولويات؟
– من الأمثلة على هاته الأدوار:
1- تنظيم الملتقيات والمشاركة الفاعلة مع مؤسسات المجتمع المدني في كل المجالات الإنسانية وإغاثة المهاجرين وتقديم المساعدات لهم كحملات توعية للتبرع بالدم والمشاركة فيها.
2- وفي المجال الاجتماعي، أبرمت جمعية الجالية الإسلامية في صقلية اتفاقية مع بنك التغذية المدعوم من الاتحاد الأوروبي، وقامت بتوزيع مساعدات من المواد الغذائية للمعوزين لأكثر من 300 أسرة مسجلة، وتستفيد من السلة الغذائية العائلات الإيطالية وتمثل 92% من المستفيدين.
وفي ملف الشباب، نقوم تنظيم مخيمات تربوية للشباب ولقاءات شبابية مع الكشافة الإيطالية وفي المركز الإسلامي.
3- وعلى مستوى الاهتمام بالأسرة، تم تنظيم ملتقيات خاصة بالأسرة والمرأة المسلمة ومحاضرات توعية ومؤتمرات منها مؤتمر بحضور 600 مشارك من المسلمين والمسيحين تحت عنوان “الأسرة المسلمة والأسرة المسيحية.. تحديات وآفاق”، إلى جانب محاضرات في قاعة المسجد حول الأسرة والمرأة المسلمة بحضور الجمعيات النسوية الإيطالية.
4- وفي اهتمامنا بتقوية الروابط بين الأسر المسلمة والمسلمين بصفة عامة، يقوم المسجد بتنفيذ مشروع إفطار الصائم، ويقدم حوالي 350 وجبة يومياً طيلة شهر رمضان.
وفي مجال التعريف بالدين الإسلامي، نقوم بتوزيع كتيبات وملصقات بكل اللغات خاصة الإيطالية للتعريف بالإسلام وصاحب الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
ما أبرز التحديات التي تواجهكم؟
– التحديات كبيرة ومتعددة، لكن أبرزها ثلاثة، وهي:
1- تحدي تحقيق التعايش المجتمعي في ظل الأحداث التي تؤثر سلباً على المسلمين في الغرب “العمليات الإرهابية”، ولو أن في صقلية خصوصاً وإيطاليا عموماً هناك تعايش مقارنة بدول أوروبية أخرى كون إيطاليا بلداً دينياً وصقلية جزيرة تاريخها جعلها مركز لقاء الحضارات والثقافات.
2- وهناك تحدي الهوية فيما يتعلق بالجيل الثاني أو جيل الشباب، مع ضمان اندماجه وفعاليته في المجتمع الصقلي الإيطالي الذي يعيش فيه، وهو ما دفعنا لطرح هذا التحدي خلال مؤتمرنا السنوي، تحت شعار “مسلمو صقلية.. نحو مشاركة اجتماعية بناءة وهادفة”، وكذلك تقريبه وخلق حوار داخلي عن طريق التوعية حتى لا يكون هناك صراع بين أجيال الآباء من جهة وجيل الأبناء من جهة أخرى.
3- كما يعتبر الجانب المادي من أكبر التحديات فالطلبات متعددة والموارد محدودة خاصة في جزيرة تركيبة المسلمين فيها من بسطاء العمال ومهاجرين الغير شرعيين ويصلونها بقوارب المهربين وتجار البشر.
ماذا عن الإنجازات التي تحققت بالفعل؟
1- ما تحقق يبقى غير كافٍ للحديث عن النجاح، ولو أن ما تحقق تطلب منا تضحيات كبيرة، وعلى سبيل المثال للنجاحات التي تحققت حتى اليوم:
2- تأسيس أكبر مركز إسلامي في جنوب إيطاليا بجزيرة صقلية.
3- شراء وتملك 15 مركزاً إسلامياً، والمساهمة في العشرات على مستوى إيطاليا.
4- الانفتاح على المجتمع وربط علاقات مع المؤسسات الرسمية للدولة.
5- كما أن الأنشطة المنفذة تمثل دليلاً على بعض النجاحات، ومن بينها:
تنظيم 13 مؤتمراً سنوياً حتى اليوم، تحت شعارات مختلفة، بجانب تنظيم مخيمات وملتقيات حوارية، كما أن موقع المسجد وسط المدينة وتعايشه مع أهل البلد بجانب مشاركة المسجد في المجتمع واعتباره جزءاً من المنظومة المجتمعية في علاقته مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني ووجهة للبحث الأكاديمي من خلال ما يقدمه من حوارات مع طلبة وأساتذة الجامعة التي وضعت تحت تصرف أبناء الجالية قاعة للدروس الخاصة مجاناً من أساتذة متطوعين، كل هذه تمثل تقدماً للأمام.
ما أبرز توصياتكم المستقبلية، على درب ترسيخ التواجد الإسلامي بشكل إيجابي فعال في جزيرة صقلية؟
– أهم التوصيات ثلاث، وهي:
1- ترسيخ أسس الحوار والتعايش الإنساني بين المسلمين ومختلف شرائح المجتمع في صقلية، والعمل على بناء جسور التعارف والتعاون بين الثقافات والأديان.
2- خلق جو حوار إيجابي داخلي بين المسلمين ابتداءً من الأسر لتقوية الترابط الداخلي للمجتمع المسلم.
3- الاهتمام بالأخلاق، وما يقدمه المسلمون، وأن نعكس مبادئ ديننا في المجتمعات الإيطالية والأوروبية.
(المصدر: مجلة المجتمع)