مقالاتمقالات مختارة

الهند وباكستان: ما بعد مواجهة فبراير 2019

الهند وباكستان: ما بعد مواجهة فبراير 2019

بقلم د. محمد مكرم بلعاوي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

أعادت المواجهة العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان، كشمير إلى واجهة الأحداث، ولفهم ما يدور اليوم من أحداث على الأرض، سنحاول تسليط الضوء على الخلفية التاريخية للصراع، ومكامن أهمية المنطقة وأثره على الصراع بين الطرفين ومحاولين التنبؤ بمآلات هذه المواجهة وتأثيرها على القضية الكشميرية.

خلفية تاريخية

يمتد الصراع بين الهند وباكستان على كشمير إلى فترة انفصال البلدين وذلك عام 1947م، حيث كانت منطقة كشمير” الاستراتيجية والتي يشترك اليوم فيها ثلاثة بلدان الهند (وعندها الحصة الأكبر) وباكستان ثم الصين في جزء صغير. من أجل كل هذه الاعتبارات، جعلتها موضع تنازع بين الطرفين، كما ذكرنا في بداية حالة الانفصال كان يفترض أن تنضم الولايات ذات الأغلبية المسلمة إلى باكستان الوليدة، والولايات التي غالبيتها من الهندوس تنضم إلى الهند.

برزت بعض الحالات الإشكالية أثناء التقسيم، ففي بعض الحالات حدث أن يكون الحاكم مسلم والغالبية من الهندوس أو العكس، الولاية يرأسها هندوسي والأغلبية من المسلمين، في حالة كشمير كانت الغالبية من المسلمين والحاكم هندوسي، فحصل خلاف نتيجة لذلك إلى أي البلدين تنضم.

وبمبادرة ذاتية من حاكم الولاية حينها، قام بتوقيع اتفاقية مع حكومة الهند ينضم بموجبه الإقليم إلى الهند دون أخذ موافقة السكان على ذلك، فبادرت الهند ووضعت يدها بالقوة العسكرية على كشمير، كما فعلت في ولايات أخرى مشابهة، فنشأت حرب بين الهند وباكستان، كان من نتائجها ذهاب ثلث الولاية تقريباً مع باكستان، وتطلق عليها اليوم بالمصطلح الباكستاني “آزاد كشمير” وتعني كشمير الحرة، وأمّا القسم المتبقي مع الهند فيطلق عليه في باكستان “مقبوضة كشمير” وتعني كشمير المحتلة، وبالمقابل ففي الهند، تُعد المنطقة التي مع باكستان محتلة والمنطقة التي مع الهند حرة، سبّب هذا الوضع حساسية كبيرة جداً بين الطرفين.

كشمير هي المنطقة الجغرافية التي في أقصى شمال شبه القارة الهندية. كان مصطلح “كشمير” حتى منتصف القرن التاسع عشر، يشير فقط إلى وادي كشمير بين جبال الهيمالايا الكبرى وسلسلة جبال بير بانجال، واليوم، تشير إلى منطقة أكبر تشمل إقليم جامو وكشمير الخاضع لإدارة الهند (والذي يضم مقاطعات جامو ووادي كشمير ولدّاخ) والأراضي الباكستانية آزاد كشمير وجيلجيت بالتستان والأراضي التي تديرها الصين، من أكساي تشين و وممر عبر-كوراكورام (Trans-Karakoram Tract) .

أصبحت منطقة كشمير في النصف الأول من الألفية الأولى، مركزًا هامًا للهندوسية ولاحقاً للبوذية، وفي وقت لاحق، ولدت في كشمير ديانة شيفا في القرن التاسع والتي انتشرت في أنحاء الهند حتى قدوم الفتح الإسلامي. في عام 1339، أصبح شاه مير (شمس الدين شاه مير 1339-1342م) أول حاكم مسلم لكشمير، مؤسساً سلالة شاه مير الحاكمة والتي بقيت في الحكم حتى عام 1561م، حتى انتهت تحت ضربات المغول المسلمين والذين سيطروا على شمال الهند بأسره.

أصحبت كشمير جزءاً من الإمبراطورية المغولية منذ عام 1586 إلى 1751م، ثم خضعت لحكم إمبراطورية دوراني الأفغانية حتى عام 1820م. في ذلك العام، ضمّ السيخ، تحت حكم رانجيت سينغ، كشمير. بعد هزيمة السيخ في الحرب الأنجلو- سيخية الأولى في عام 1846، اشترى أصبح حاكم جامو، غولاب سينغ، المنطقة من البريطانيين بموجب معاهدة أمريتسار، وصار الحاكم الجديد لكشمير، واستمر الحكم في أحفاده، تحت سلطة التاج البريطاني، حتى تقسيم الهند في عام 1947، عندما ادعت كل من باكستان والهند تبعية الولاية لها.

دخلت منطقة جامو وكشمير الكبرى في نزاع إقليمي بين الهند وباكستان والصين منذ عام 1947، حيث تسيطر الهند على حوالي 43٪ من مساحة الأراضي في المنطقة و70٪ من سكانها، وتسيطر باكستان على 37٪ تقريبًا من الأرض، في حين تسيطر الصين على 20٪ المتبقية. وتعتبر كشمير أكثر المناطق عسكرة في العالم، حيث شهدت المنطقة ثلاث حروب كبيرة بين الهند وباكستان، وحرباً محدودة أخرى بين الهند والصين، ومناوشات عديدة على الحدود، وحرباً في أعالي الجبال، وتمرداً مستمراً، ونزوحاً هندوسياً، واضطرابات مدنية داخلية.[1]

أهمية كشمير الاستراتيجية

ربما كان أهم أسباب استعصاء مشكلة كشمير على الحل نابعة بالأساس من أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للبلدان المحيطة بها، فهي:

أولاً: تطل كشمير على كل من الهند وباكستان نتيجة لعلو موقعها، ولذا فإنّها تُعطي أفضلية استراتيجية لمن يحكمها، وتجعل قدرته على مواجهة الطرف الآخر أكثر فعالية.

ثانياً: تعتبر كشمير المصدر الأساس للمياه في المنطقة، إذ ينبع منها غالبية أنهار باكستان وجزء مهم من أنهار الهند، وسيكون من المستحيل بالنسبة لباكستان الاستمرار إذا انقطعت مياه كشمير عنها، وستواجه الهند أزمة حقيقية إن تأثر إمداد المياه القادم إليها من كشمير.

في هذا المجال، تم توقيع معاهدة مياه نهر السند (IWT) في عام 1960م، وخصّصت الأنهار الثلاثة الشرقية – رافي وبياس وسوتليج – من حوض نهر السند للهند، في حين تم تخصيص 80٪ من الأحواض الغربية الثلاثة – إندوس وجيلوم وتشيناب – لباكستان، وتقول الهند إنّها لم تستغل سوى نسبة 20٪ من المياه الممنوحة لها في الأنهار الغربية الثلاثة، بينما تشكك باكستان في هذا.

ثالثاً: تزخر بالكثير من الثروات الطبيعية، مثل الغابات والمعادن، وهي تُعد كنزاً حقيقياً في هذا المجال.

رابعاً: أنها في موقع يتحكم بتقاطع طرقات في بقعة حساسة من آسيا، إذ أنّ هذه المنطقة الاستراتيجية التي كانت جزءاً أساسياً من طريق الحرير، الذي يمتد من كاشغر في شمال غرب الصين إلى كشمير ومنها إلى باقي آسيا.

خامساً: تعد كشمير من أجمل بقاع الأرض ويطلق عليها لقب “جنة الله في الأرض”، وهي تستقطب عدداً كبيراً من السياح في كل عام وتُعد مصدراً هاماً للاقتصاد من هذا الجانب.

مواقف الشعب الكشميري من النزاع على الإقليم

كانت هناك دائماً ثلاثة مواقف للشعب الكشميري من قضيتهم، غالبية الشعب يريد أن يقرّر مصيره بنفسه، سواء بالاستقلال بشكل تام أو بالانضمام إلى باكستان أو الهند، وهو الأمر الذي منحته له قرارات الأمم المتحدة، لكن دون أن يجد طريقه إلى التطبيق حتى اليوم، وجزء من المتنفذين والسياسيين يرى مصلحته مع الهند فيود البقاء معها، وجزء آخر من السكان يعتقد أن الوضع الطبيعي يكمن بانضمام كشمير إلى باكستان.

حلّت المعاناة نتيجة للتنازع على الإقليم بالشعب الكشميري، إذ أصبح اليوم شعباً مجزّأ ما بين باكستان والهند، فانقطعت أواصر القربى والتبادل الثقافي والتجاري بين أبناء الشعب الواحد، ما أوجد مأساة حقيقة مستمرة لهذا الشعب، بالإضافة الى أنّ الخلاف على كشمير أدى إلى قطيعة بين البلدين وهو ما أثّر سلباً، بالمقام الأول، على المسلمين فيهما وهم بالأساس شعب واحد، فقاد أدى إلى انقطاع أواصر القربى بين الباكستانيين المسلمين والهنود المسلمين، وصعّب كذلك التبادل التجاري بين البلدين الكبيرين المتجاورين وعطّل عملياً الممرات البرية، الأمر الذي له أسوء الأثر على النمو الاقتصادي والتجارة في منطقة جنوب آسيا.

الصراع وسباق التسلح وأضراره على البلدين

تدرك الهند من طرفها، أنّ غالبية الشعب الكشميري لو خُيّر فإنه سيختار، على الأرجح، الانضمام إلى باكستان، وهذا سيشكل ضرراً كبير جداً بالنسبة للهند من الناحية الاستراتيجية، كما أنّه يمكن أن يشجّع أقليات هندية أخرى على الاستقلال ما يعني أنّ عقد دولة الهند سينفرط تدريجياً وهو أمر لا يمكن أن تقبل به الهند، لذلك تفضّل أن تُبقي الوضع على ما هو عليه، مدعية أن قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1949م والذي منح الشعب الكشميري حق تقرير المصير قد صار لاغياً عقب اتفاقية شيملا الموقعة بين الهند وباكستان عام 1974م، على أمل أن تغري الكشميريين بالبقاء في الهند الموحّدة من خلال تحسين الوضع المعيشي في كشمير أو ايجاد حكومة محلية موالية للهند، أو حتى التغيير التدريجي للبنية الديمغرافية للولاية كما حدث في الجزء المنخفض من الولاية في منطقة جمّو.

وتبين على مدى السنوات الطويلة التي تمتد لأكثر من نصف قرن، أنّ قضية كشمير أصبحت قضية استنزاف لكلا البلدين وسبباً أساسياً من أسباب سباق التسلح في المنطقة، وهذا بدوره أدى إلى استنزاف الطاقات والأموال التي كان من المفترض أن تذهب إلى تنمية البلدين وترقية مستوى الشعبين، وخصوصاً في باكستان، لأنّ الهند كما هو معروف، مساحتها وعدد سكانها أضعاف باكستان.

فكرّست باكستان جزءاً أكبر من ثرواتها ومقدراتها لبناء قوة عسكرية تستطيع الوقوف في وجه الدولة الأكبر في المنطقة وهي الهند، وبذلك تحوّلت باكستان إلى دولة شبه عسكرية، وتعتبر من أكبر الدول التي تنفق على التسلح والأمور العسكرية، ولديها جيش متطور يتم توجيه غالبية مواهب ونخب الشعب الباكستاني نحوه، ولذلك نستطيع أن نفهم مهنيّة وقوة هذا الجيش، رغم أنّه أصغر حجماً من الجيش الهندي.

في المقابل، فإنّ سباق التسلح قد قاد الهند إلى تكريس أموال طائلة جداً للجهد العسكري، للحفاظ على كشمير، إذ تعتبر منطقة كشمير من أكثر المناطق التي فيها قوة مسلحة على مستوى العالم، حيث يقال أنّ فيها حوالي مليون جندي هندي، وهذا أمر مكلف للغاية.

بالإضافة إلى أنّ هذا الوضع أدىّ إلى تقارب بين الصين وباكستان على قاعدة العداء المشترك مع الهند، والصين من الناحية الاستراتيجية هي أكبر تهديد للهند من باكستان، لأنّها أقوى وتشترك معها بحدود أطول من باكستان وغالبيتها حدود جبلية مطلة على الهند، كما أنّ الحروب التي خاضتها باكستان مع الهند غالباً ما كانت نتائجها ضد مصلحة باكستان، أمّا الحروب التي خاضتها الهند مع الصين فكانت نتائجها في صالح الصين في أغلب الأحيان، وهذا هذا الوضع أدى إلى جعل الهند بين فكيّ كماشة، وهو أمر خطير للغاية على للهند.

حادثة بوولواما الانتحارية: تسلسل الأحداث

14 فبراير: سيارة مفخخة يقودها انتحاري ترتطم بحافلة تقل جنوداً هنود في كشمير الهندية، وتوقع أكثر من أربعين قتيلاً، وهو الهجوم الأكبر من نوعه منذ عقود، ورئيس الوزراء الهندي يتوعد الإرهابيين ومن يقف خلفهم.

15 فبراير: تنظيم جيش محمد يعلن مسؤوليته عن العملية، وباكستان تدين العنف في كشمير وترفض اتهامات الهند بإيوائها تنظيم جيش محمد وتنأى بنفسها عن العملية.

16 فبراير: وزير المالية الهندي يعلن سحب الهند لميزة البلد الأكثر أفضلية من باكستان، ما أدى إلى ارتفاع الجمارك بين البلدين إلى 200%.

18 فبراير: مقتل 9 أشخاص من بينهم 4 جنود وشرطي في مواجهات مسلحة في كشمير الهندية.

19 فبراير: رئيس وزراء باكستان يعرض على الهند المساعدة في التحقيقات، ويحذر من أن بلاده سترد على أي اعتداء هندي، والهند ترفض.

20 فبراير: الهند توقف المواصلات بين شقي كشمير، الهندي والباكستاني.

23-24 فبراير: تقوم الهند بحملات اعتقالات واسعة طالت من وصفتهم بالانفصاليين الكشميريين.

26 فبراير: أعلنت الهند عن ضربات جوية نفذتها ضد معسكرات تنظيم جيش محمد في منطقة بالاكوت الباكستانية، وأعلنت عن مقتل عدد كبير من الإرهابيين، وباكستان تعلن أن العدوان الهندي تهديد للسلام الإقليمي، وأنّها سترد في المكان والزمان المناسبين.

27 فبراير: رئيس وزراء باكستان يلتقي بالسلطة الوطنية للقيادة وهي الجهة المسؤولة عن السلاح النووي الباكستاني، وباكستان تعلن أنّ سلاح الجو الباكستاني قد ضرب أهدافاً عبر خط التحكم، بهدف إظهار قوتها للهند، وباكستان تعلن إسقاط مقاتلتين هنديتين عبرتا الحدود الباكستانية، وأسر أحد الطيارين، بالمقابل تعلن الهند عن تسليم باكستان ملف فيه أدلة على تورط تنظيم جيش محمد ووجوده في باكستان، ورئيس وزراء باكستان يدعو للحوار بين الطرفين.

28 فبراير: رئيس وزراء باكستان يعلن أنّ باكستان ستطلق سراح الطيار الهندي في اليوم التالي كإشارة حسن نية، قادة الجيش الهندي يرحبون بهذه الإشارة.

01 مارس: باكستان تفرج عن الطيار الهندي عن طريق الحدود البرية في ولاية البنجاب مع الهند.

ارتدادات الحادثة

أدت حادثة بوولواما إلى تدهور الأمور بين الجارين، على سبيل المثال أدى ذلك الى سحب الهند ميزة أعطتها لباكستان من أجل الارتقاء بالتجارة بصفة البلد الأكثر تفضيلاً الى درجة أن باكستان ذهبت إلى منع مشاهدة وبث الأفلام الهندية في باكستان، وهو ما يعني الأمر أدى إلى نوع من أنواع القطيعة الاقتصادية والثقافية بين البلدين، خاصة أن ما حدث شكّل صفعة للكرامة الهندية، وجاء في فترة حسّاسة جداً وهي فترة انتخاباتها العامة.

وتأتي الانتخابات العامة في الهند هذه المرة، وقد أصبح وضع الحزب الحاكم متأرجحاً وحسّاساً نتيجة عدم قدرته على اقناع كثير من الناخبين على تنفيذ وعوده بالتنمية والنهوض بالبلد، وتحوّلت غالبية الوعود التي قطعها لهم في الدورة السابقة إلى حبر على ورق، وسط سياسات دينية يمينية متطرفة ألّبت عليه الأقليات واليسار وقطاعات واسعة من الهنود التي تتبنى أفكار غاندي المبنية على التعايش السلمي.

ورغم أنّ عملية بوولواما كانت مضرة بالكرامة الوطنية وشكلت صفعة للتفوق الهندي، فإنّ كثيراً من المحللين يرون في هذه العملية فرصة للحزب الحاكم ذي الخلفية اليمينية، كي يرفع مستوى الدعم الشعبي له عبر تأجيج المشاعر الوطنية ضد باكستان، والأحزاب اليمينة معروفة عموماً، تبني خطابها دائماً ثنائيّة الأمل بالتفوق والتخويف من التهديدات.

وفي الدورة الماضية اعتمد الحزب الحاكم بالمقام الأول على الأمل بمستقبل أفضل، من خلال التركيز على طرح المشاريع الكبرى وتصوير أن الهند في طور نيل العظمة العالمية التي تستحقها، ولكن يبدو أنّ ما حققه من انجازات لم يرتق إلى طموح الناخب الهندي، بالإضافة الى أنّ السلوك المجتمعي والسياسي المتطرف للحزب الحاكم، أثار حفيظة كثير من القطاعات التي سبق ذكرها، وهي ممثلة في أحزاب كانت سابقاً في الحكم، أو أحزاب جديدة، وأحزاب تمثّل أقليات، وأصبح اليوم لديها القدرة على التوحد لتشكيل جبهة مضادة للحزب الحاكم، وبالتالي أصبح أمر اسقاطه ممكناً.

لذلك لجأ الحزب الحاكم كما يقول ناقدوه، إلى عملية التخويف من باكستان، واستنهاض الكرامة الوطنية وحشد الناس خلف الحكومة من خلال بناء رأي عام مضاد لباكستان، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال المظاهرات في الشوارع والإعلام المؤيد للحكومة، الى درجة أنّه نجح هذه المرة خلافاً للمرات السابقة، بجرّ الاحزاب المعارضة، والتي دائما ما كانت تشكّك بموقف الحكومة من أحداث من هذا النوع وطريقة استغلالها لها، إلى الاصطفاف خلف الحكومة تأييد موقفها، وتريد هذه الأحزاب بذلك حرمان الحكومة من الاستفادة من هذا الحدث وتحويله إلى سلاح للتشكيك بوطنية المعارضة.

الموقف الهندي الرسمي

يحاول الموقف الرسمي للحكومة الهندية التأكيد على شيئين، وهما أنّ الهند ليست هي المبادرة بالعدوان على باكستان بل هي ضحية للإرهاب المنطلق من باكستان، والمخطط والمدعوم من باكستان، وأنّ باكستان دولة تشجع الإرهاب، ولذا فإنّ الهند لا خيار لها إذا أرادت إيقاف الإرهاب ضدها سوى أن تضرب الإرهاب في مواطنه، وأنّها غير معنية بحرب مع باكستان، وهي تدعو إلى تسوية الأمور من خلال الحوار وهذا عبرت عنه وزيرة الخارجية الهندية سوشما سوراج في لقائها مع كل من وزير الخارجية الروسي والصيني، في الصين.

الموقف الباكستاني الرسمي

على الجانب الآخر فإنّ الجانب الباكستاني يعلن أنّ باكستان لا تريد الحرب وتتهم الهند بإطلاق التهم جُزافاً دون دليل، وأن لا علاقة لباكستان بهذه الأعمال الإرهابية، وأنّ هذه العملية هي من تدبير وتنفيذ الكشميريين أنفسهم، كونهم شعب مظلوم وينشد الحرية من الاحتلال الهندي لأرضه، ويطلب حق تقرير مصيره، وأنّ باكستان عانت من الارهاب أكثر مما عانت منه الهند، إذ سقط لها سبعين ألف قتيل نتيجة الاحداث الارهابية، فهي مشكلة مزمنة بالنسبة لها ولا يمكن مطالبتها بحلها وحدها، كما تتهم الهند بمحاولة فرض واقع جديد بتغير ما يسمى بخط التحكم Control Line والذي يقسم كشمير بين الطرفين، وهو ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية شيملا في عام 1972م، وبناء على كل ذلك، فإنّ باكستان لن تقف مكتوفة الأيدي أمام العدوان عليها، وستثبت للهند أنها قادرة على الدفاع عن نفسها.

مواقف الأطراف الفاعلة

أولاً: الولايات المتحدة الأمريكية

يميل الموقف الأمريكي أكثر باتجاه الهند، ووجه انتقادات إلى باكستان بخصوص عدم ضبطه الجماعات الإرهابية، ورغم ذلك فإنّه معني بأن تكون الهند في مواجهة الصين وليس باكستان، ولذلك فإنّ المواجهة مع باكستان اليوم، على الأرجح، غير مطلوبة أمريكياً، وستضغط الولايات المتحدة الأمريكية على كل من باكستان والهند من أجل ايقافها بأقرب وقت ممكن.

ثانياً: الصين

الصين في أغلب الظن، ستقف مع باكستان في حالة محدودة مؤقتة لكن لن تشجعها على حرب مفتوحة تستنزف قوتها، إذ أنّ وضع باكستان الاقتصادي لا يسمح لها بالانزلاق نحو حرب مفتوحة وإذا حصل هذا الأمر فإنّها على الأرجح، ستعتمد على الدعم الصيني، والصين اليوم غير معنية بهذا النوع من المواجهة لأنّ استراتيجيتها تقوم على ابقاء المنطقة في حالة هدوء وعدم التورط في حالة استنزاف تدفع الاقتصاد الصيني الى الخلف وتمنع الصين من التنمية والوصول إلى أهدافها.

ثالثاً: إسرائيل

برز الحضور الإسرائيلي في الصراع بين البلدين من خلال الموقف السياسي المعلن بتأييد الهند ضد الإرهاب الباكستاني بأقوى العبارات، وباستخدام الهند لأسلحة ومنظومات تسليح إسرائيلية الصنع، خلال قصفها للمواقع الباكستاني، وهو ما سبق حدوثه في المواجهة الأخيرة مع الصين أيضاً، مما سلط الضوء على العلاقة العسكرية المتنامية بين البلدين وجعل كثير من الأطراف تتوجس من تنامي الدور الإسرائيلي السلبي في المنطقة.

رابعاً: أطراف أخرى

دعت كل من تركيا وروسيا وأطراف دولية كثيرة، الطرفين إلى ضبط النفس وحل المشكلات من خلال الحوار ولكن تأثير هذه الدول محدود على البلدين مقارنة بكل من الولايات المتحدة والصين.

من المستفيد؟

على الصعيد السياسي المجرد نستطيع أن نرى هذه المواجهة إذا تم توظيفها بشكل جيد فإنها ممكن أن تخدم كلا الطرفين الطرف الحزب الحاكم في الهند بحيث أنها تحشد الناس والناخبين خلفه والطرف الثاني الباكستاني بأنها تعطي مزيداً من القوة والمصداقية للجيش كونه حامي باكستان، ومزيداً من المشروعية لرئيس حكومة باكستان، عمران خان، القليل الخبرة في القيادة، وتظهره كشخص قوي يدافع عن البلد أمام قوة أكبر.

تعتبر إسرائيل هي الطرف الخارجي المستفيد من هذه المواجهة، إذ تعزّز دورها لدى الهند، وسيجعل باكستان تخطب ودها بالمستقبل القريب لتجنب خطرها، والاستفادة منها.

السيناريوهات المحتملة

أولاً: الحرب النووية

تُعدّ الحرب النووية بين الجارين أمراً غير وارد في حسابات البلدين، علماً بأنّ رئيس باكستان السابق الجنرال برويز مشرف كان قد تحدث إلى وسائل الإعلام قبل أيام، عن شبه استحالة وقوع مواجهة من هذا النوع بين باكستان والهند، وأنّ السلاح النووي هو للردع فقط.

ثانياً: الحرب التقليدية الشاملة

تُعدّ الحرب التقليدية الشاملة التي يمكن أن تطال أهم مدن ومرافق البلدين، كذلك أمراً مستبعداً، إذ أنّ ذلك سيشكل ضربة للاقتصاد الهندي ومشاريع التنمية التي وعد بها الحزب الحاكم، أمّا على الطرف الباكستاني فإنّ وضع الاقتصاد مترد للغاية وأية مواجهة من هذا النوع يمكن أن تقود باكستان إلى الإفلاس.

ثالثاً: الحرب الحدودية المحدودة

تبدو الحرب الحدودية المحدودة بين الطرفين، الأكثر ترجيحاً، وذلك لأنّها غير مكلفة من جهة وتساعد كلا الطرفين على تعزيز الروح الوطنية والثقة بالحكومة.

أدوار مقترحة للسياسة العربية والإسلامية

يشكل كلا البلدين أهمية بالغة للعالم العربي والشرق الأوسط عموماً، وذلك لأسباب جيواستراتيجية وأسباب ثقافية واقتصادية، ولذا فإنّه ينبغي على الدول والكيانات المؤثرة في المنطقة أن:

  1. تباشر سياسة النيء بالنفس عن الصراع، وعدم الانحياز إلى أي من البلدين.
  2. الدعوة إلى ضبط النفس وحل الخلافات بين الطرفين بالحوار والوسائل السلمية.
  3. السعي للتوسط بين البلدين وضمان أن الأمور لن تخرج عن السيطرة.
  4. مساعدة البلدين على تطبيع العلاقة بينهما على المدى البعيد وتشجيعها على ذلك بالمحفزات الاقتصادية.
  5. مساعدة البلدين على إيجاد حل دائم للقضية الكشميرية متوافق مع قرارات الأمم المتحدة وبما يضمن مصلحة البلدين الشقيقين.

الخلاصة

هذه المواجهة ستكون مواجهة قصيرة نسبياً ومحدودة ستنتهي إلى إعادة الأمر إلى ما كان عليه عندما تنتهي أهدافها وسيكون ذلك عندما يشعر كلا الطرفين بأن الفوائد من خلال حشد الرأي العام خلف قيادة أي من البلدين انتهت، والآن أصبحت كلفة المواجهة أعلى من فائدتها، عندها سيبحثان عن ذريعة لإيقافها[2].


[1] مترجم من ويكيبيديا

[2] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى