الهند.. العدوان على المسلمين يتجدد في ثوب جديد
بقلم ناظم الفاروقي
لا يخفى على العالم أنه منذ وصل النظام الجمهوري الهندي إلى أيدي الهندوس المتطرفين المعادين للإسلام؛ لا يمضي نهار أو ليل حتى تشهد ناحية من نواحي البلاد نوعاً من الاضطهاد للمسلمين في ظل حماية الشرطة والحكومة.
وللتدليل على ذلك، أذكر هنا حادثة فاضحة من هذا النوع؛ حدثت في “كروكرام” وهي مديرية تجارية كبيرة في شمال الهند، ملحقة بمدينة دلهي، تقع في ولاية هاريانا، ويحكمها حزب بهاراتيا جاناتا.
تقع في هذه المديرية مكاتب كبيرة للشركات الخاصة إلى جانب المصانع، ويعمل فيها الموظفون المسلمون كغيرهم، وقد استأذن الموظفون المسلمون إدارة بعض الشركات الكبيرة لأداء صلاة الجمعة في قاعة كبيرة منها؛ فكانوا يؤدون الجمعة كل أسبوع فيها، ولكن المنظمات الهندوسية المتطرفة جعلت الحكومة تصدر مرسوماً بعدم السماحة بأداء عبادات دينية في أي شركة أو مصنع، وتم ممارسة الضغط على بعض الشركات، حتى عزلت الموظفين الذين يواظبون على صلاة الجمعة، واشتد الأمر، وكانت تُمنح لهم 45 دقيقة فقط لاستراحة الغداء، وهو ما يصعب -بل ويستحيل- أن يتمكنوا من أداء الجمعة في مساجد بعيدة منهم في هذه الفترة.
فتشاور الموظفون في الشركات فيما بينهم، وبدؤوا يصلون الجمعة في ساحات مفتوحة قريبة منهم، وأقاموا صلاة الجمعة في أكثر من 50 ساحة مفتوحة، ولكن المنظمات الهندوسية الإرهابية أخذت تعتدي على المصلين خلال صلاتهم، فكانت تقع إصابات بين المصلين كل جمعة، ثم فرضت الحكومة الحظر على أداء الصلاة في الساحات المفتوحة، فرفع المسلمون الأمر إلى المحكمة عام 2018م، وجاء حكم المحكمة بأن تؤدّى الصلاة في 31 موضعاً بدلاً من 50، ومُنحت لهم 35 دقيقة فقط لإلقاء الخطبة وأداء الصلاة، فطفق المسلمون يصلون الجمعة خاضعين لحكم المحكمة؛ مما أثار غضب أعداء الإسلام، وتجمّع عدد كبير من رجالهم ونسائهم وقت صلاة الجمعة، وردّدوا شعارات ضد المسلمين، وهتفوا بـ”جائي شري راما” ردّا على “الله أكبر”، فساء وضع المسلمين، وكانوا يؤدّون الجمعة في ظل حماية الشرطة؛ ولكن لم يقف المتطرفون الهندوس صامتين، والحكومة كانت في جانب الحزب المعادي للمسلمين (بهاراتيا جاناتا)، وقالت الشرطة: لا نستطيع منع المظاهرات الشعبية، فلينتهِ المسلمون عن أداء الصلاة، كما تم خلال هذه الفترة نشر الدعايات المسمومة عن الإسلام والمسلمين والمساجد والصلاة عبر القنوات.
وأخيراً، فرضت حكومة ولاية هاريانا الحظر على 8 من بين الـ31 موضعاً، التي سُمِح للمسلمين بالصلاة فيها، وطلب منهم أن يؤدّوا الصلاة في 23 مكاناً فقط؛ ولكنها تقع بعيدة عنهم، فرحلة الذهاب والعودة تستغرق منهم ساعة ونصف ساعة بسبب الازدحام.
وعلى كل حال، فعندما فُرض الحظر على أداء الجمعة في 8 مواضع، احتفلت المنظمات الهندوسية المتطرفة بالفتح والنصر في نفس اليوم وفي نفس المواضع! فتساءل البعض: هل يمكن أن ينزل الإنسان إلى هذه الدرجة من التفاهة والوضاعة؟! ثم أعلنوا الاحتفال بعيد “كو وردهن”، وهو عيد لا يحتفل به قطاع شمال الهند، وإنما تحتفل به طبقة من هندوس ولاية بيهار.
عباد البقر
يقوم الهندوس بطلاء أجسامهم بروث البقرة في هذا العيد، ويأكلونه أيضاً، ويشربون من بولها، ويتنجسّون به حتى لا يقترب منهم إنسان نظيف! واحتفلوا بهذا العيد في ساحات إقام صلاة الجمعة، ووجّهوا رسالة إلى المسلمين بأنهم يفعلون ما يشاؤون، وأن المسلمين أسوأ حالاً من عبيدهم.
ويدعي راجو ملهوترا، المفكر الهندوسي الشهير، الذي يقيم في أمريكا، ويقدّم ألواناً من الدلائل الفارغة الواهية لنشر فكرة استبداد الهندوتوا، ويقوم بتشويه المسلمين، وله العديد من الكتب والمحاضرات باللغة الإنجليزية على مواقع التواصل؛ يدعي مع قادة حركة “آر إس إس”، منذ سنوات أن الإسلام، والمسجد، والصلاة مع الجماعة لا قيمة لها، وظلت تُستخدم لأجل “الاستعمار الإسلامي” دوماً، وأن المسلمين يتجمعون في صلاة الجمعة، ويُغريهم علماؤهم المتشددون من خلال خطبهم، وكلهم جهلة، ينفثون السموم ضد الديانات الأخرى، بحسب وصفه.
ودعا إلى إغلاق المساجد، وأن يصلي المسلمون في بيوتهم، فهم لا يحتاجون إلى المساجد، كما ضمت هذه العناصر المتطرفة إلى صفها بعض الملحدين الذين خرجوا من الإسلام، ويسيؤون للإسلام المسلمين، ويقولون: كيف عمروا هذا العدد من المساجد في الهند، رغم أنهم أقلية فيها؟! هل هم في دولة إندونيسيا، أو أفغانستان؟ مضيفين: “لو تريدون الصلاة فغادروا إلى دولة أخرى”.
لذا يتم إحراق المساجد أولاً عندما تندلع نيران الفتن في مكان ما، كما تبحث الإدارة عن الحيل، وتهدم المساجد العتيقة بحجة بناء الطرق والحدائق، ويستمر هدم المساجد منذ اضطراب كجرات الشهير عام 2002م؛ فتم هدم مسجد عتيق عمره 200 عام في مديرية “باره بنكي” من ولاية أترابراديش، ثم أُنشئت حديقة للأطفال على أرضه، وألقي القبض على المصلين كافة، واتهام إدارة المسجد بسرقة الكهرباء، وقُبض عليهم بموجب قوانين صارمة، وزُج بهم إلى السجون.
وختاماً، إن المسلمين في الهند يتعرضون للإرهاب السياسي، والقانوني، والاقتصادي، والحضاري، والثقافي، والديني، وقضي على قيادات كثيرة، ويخضع جل الزعماء والقادة المسلمين لعباد البقر الذين يمارسون السياسة بسوء تصرفهم.
وحكومة حزب بهاراتيا جاناتا لا يهمها إلا 58% من السكان الهندوس، الذين لديهم برنامج واحد وهو القضاء على المسلمين في كل ولايات الهند خلال السنوات القادمة.
فكيف يصمد المسلمون في الهند (200 مليون) في وجه هذه الهجمة الشرسة لأجل الحفاظ على وجودهم؟
وما علينا إلا البلاغ.
المصدر: مجلة المجتمع