مقالاتمقالات المنتدى

الهجرة النبوية والثقة بوعد الله تعالى

الهجرة النبوية والثقة بوعد الله تعالى

 

بقلم د. سلمان السعودي “أمين ملتقى دعاة فلسطين” (خاص بالمنتدى)

الهجرة ليست حديثا عابرا، أو رحلة ترفيهية، بل هي توجيه رباني يحمل الكثير من العبر والدروس، وتسطير لمنهج متكامل لإدارة هذا الكون البشري وفق شرع الله تعالى، قال تعالى: ” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ” .
وإن من أهم دروس هذه الحادثة  درس نحن أحوج ما نكون إليه في أيامنا هذه، ألا وهو الثقة بوعد الله تعالى.
فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم درسا عمليا في الثقة بربه سبحانه وتعالى ووعده.
فكان واثقا بربه في نجاته من قريش وإتمام هجرته، كما كان واثقا بربه بعدم أذية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي اختاره فدائيا لينام في فراشه، ومن ثم يقوم بأداء الأمانات إلى أهلها.
كما كان واثقا بربه في نجاح خطته التي رسمها للهجرة.
وقد ترجم صلى الله عليه وسلم ذلك عمليا عندما وصل وصاحبه أبو بكر  إلى الغار.
قال أبو بكر رضي الله عنه: قُلتُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ” ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟! ” البخاري.
وقال تعالى: ” قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ “.
من وثق بالله تعالى واعتصم به كفاه عمن سواه، فهو سبحانه الناصر المعين، ومعية الله هي المعية الحقيقية، وما سواها معية كاذبة ضالة مضلة.
وقد أشار القرآن الكريم إلى معية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين الذين يثقون بالله حق الثقة، ويتوكلون عليه حق التوكل فقال: ” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” التوبة ٤٠.
وقال تعالى: ”  ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ “.
فبعد أن لاقى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ما لاقوه من قريش والقبائل العربية من اضطهاد وتعذيب وحصار وقتل، جاء أمر الله تعالى بالإذن بالهجرة إلى المدينة المنورة، وكان إذن الهجرة هذا هو إعلان بقيام دولة الإسلام وتجييش الجيوش والجهاد في سبيل الله تعالى، فكان بعد الهجرة تسيير السرايا، والغزوات، والفتوحات، ومن أعظم هذه الفتوحات فتح مكة، وعودة المسلمين إليها بعزة وكرامة في مقابل ذل كفرة قريش ومن حالفهم من الإعراب.
وما أشبه اليوم بالبارحة، ولكن دون هجرة المكان، بل هجرة إلى الله تعالى، أهل غزة تحزبت عليهم الأحزاب، فضربوا عليهم حصارا مطبقا من البر والبحر والجو، وقطعوا عنهم كل مقومات الحياة من ماء وغذاء وكهرباء ودواء.
وجيشوا الجيوش، وجلبوا أحدث الأسلحة المدمرة من كل دول العالم الكفري تحت غطاء الصمت العربي والإسلامي.
تسعة أشهر وأهل غزة التي لا تتجاوز مساحتها 365 كلم وهم يعانون الإبادة، يعانون الذبح على مقصلة الظلم والطغيان، يعانون الفقد والجوع والخوف والحرمان.
تسعة أشهر والخذلان العربي يزيد الجريمة جريمة، يعجزون عن إدخال المساعدات دون إذن الاحتلال.
الجوع أكل منهم العظم بعد اللحم، والعالم العربي متفرج دون أن يحرك ساكنا، مجازر تلو المجازر، مئات الشهداء والجرحى كل يوم، والجثث تنهشها السباع.
دمار لم يسبق له مثيل في كل مكان من غزة هاشم، ارتوت الأرض بالدماء واختلطت الأشلاء بحجارة البيوت المدمرة، ولم يحرك ذلك ضمائر الأنظمة العربية، بل كان حرص بعضهم على أسيادهم من الاحتلال فسيروا جسور المساعدات عبر أراضيهم لتخفيف معاناة الصهاينة من الأزمة التي يمرون بها.
كل العالم يمد دولة الاحتلال في حرب الإبادة على غزة والأنظمة العربية تمارس ضغوطاتها بكل الوسائل على المقاومة للاستسلام لإنهاء القضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال الصهيوني، وذلك لعدم نقل عدوى المقاومة إلى بلادهم، وحفاظا على عروشهم وهم يدعون الإسلام.
فأين إسلامهم من بعض كفار قريش الذين رفضوا عريضة الحصار على النبي صلى الله عليه وسلم وبني عبد المطلب، ولم يسكن لهم جأش حتى مزقوا العريضة وفكوا الحصار.
ولكن أهل غزة يعيشون الثقة بالله تعالى رغم كل الجرائم التي تمارس بحقهم، وهم على يقين بوعد الله تعالى: ” إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ” وبوعده تعالى بأنه ناصرهم ومحقق وعده الذي وعد في قوله: ” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا “.
فالهجرة هي: إذن بالجهاد في سبيل الله تعالى وإقامة الحق وعدم الالتفات إلى المخذلين والمخلفين والذين يوالون الصهيونية، وينتهجون منهجها.
وفي المقابل هي نصر وتمكين للواثقين بربهم ووعده كما قال تعالى: ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ “.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى