النُّعمانُ بنُ العربيِّ بنِ أحمدَ الشَّريفِ السَّنُوسِيِّ
كاتب الترجمة خالد بن محمد الفيتوري
**إفادةُ العَجْلان بشَذَرَةٍ من ترجمةِ شيخِنا النُّعْمان**
الحمدُ لله والصَّلاة والسَّلامُ على رسولِ الله وعلى آله وصحبِهِ ومَنِ اهتدى بهُداه، وبعد: فهذه شَذَرَةٌ من ترجمةِ شيخِنا وأستاذِنا السّيّد النُّعمانِ رحمهُ الله تعالى، جمعْتُها من ذاكرتي ومن سؤالِ بعضِ إخوانِي الكرامِ… وحقُّهُ أن يُبْسَطَ كتابٌ عظيمٌ في مناقِبِهِ وسيرتِهِ رحمة الله عليه!
اسمه ونسبُهُ:
ولْنَذْكُرْ نَسَبَهُ الشَّريفَ تبرُّكًا بسِلْسِلَةِ آلِ خطَّابِ، الَّتي قالَ عنها النَّسَّابُونَ: سِلْسِلة الذَّهبِ؛ لاشتهارِها بالعلمِ والصَّلاحِ، مع ثبوتِ صحَّةِ النَّسبِ متواترًا.
هو الشَّيخُ المسنِدُ الكريمُ الصَّالحُ العابدُ الذَّاكرُ عميدُ الأسرةِ السَّنُوسِيَّةِ وشيخُ طريقتِها: أبو أحمدَ النُّعمانُ بنُ العربيِّ بنِ أحمدَ الشَّريفِ بنِ محمَّدِ الشَّريفِ ابنِ الإمامِ أبي عبدِالله محمَّدِ بنِ عليِّ بنِ السَّنُوسِيِّ بْنِ الْعَرَبِيِّ بْنِ محمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ أَحْمَدَ “شُهَيْدَةَ” بْنِ أَحْمَدَ شَائِبِ الذِّرَاعِ “حَـمُّو” بْنِ يُوسُفَ “ابن ذُهَيبة” بْنِ عَبْدِ الله بْنِ خَطَّابِ بْنِ عَلِيِّ “أبي العَسل” بْنِ يَحْيَى بْنِ رَاشِدِ بْنِ أَحْمَدَ الْـمُرَابِطِ بْنِ مِنْدَاسِ بْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ “أحد أُمَرَاء تَاقدمت وتِلِـمْسَانَ” بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ “مؤسِّس إِمارة تَاقدمت” بْنِ يُوسُفَ بْنِ زَيَّانَ “أحد مُلُوكِ الْـمَغْرِب الْأَقْصَى” بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ “أحد أمراء تاقدمت” بْنِ يُوسُفَ “عاشِر مُلُوكِ الرِّيفِ وَبَادِيسَ” بْنِ الْـحَسَنِ “تَاسِعُ مُلُوكِ الرِّيفِ وَبَادِيسَ” بْنِ إِدْرِيسَ “ثَامِن الْـمُلُوك” ابْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَحْمَدَ “سَابِع الْـمُلُوك” بْنِ محمَّدِ “سادِس الملوك” بْنِ عَبْدِ اللهِ “خامس الملوك” ابْنِ حَمْزَةَ “رابِع الْـمُلُوك” بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ “ثَالِث الملوك” بْنِ دَاوُدَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَلِيِّ “ثَانِـي الْـمُلُوك” بْنِ عِمْرَانَ “أوَّل مُلُوكِ الرِّيفِ وَبَادِيسَ” بْنِ إِدْرِيسَ “الْأَزْهَر، وبانِـي مَدِينَةِ فَاسَ” بْنِ إِدْرِيسَ “الْأكبر، ومؤسِّس دَوْلَة الأَدَارِسَة بِالْـمَغْرِب” بْنِ عَبْدِ الله “الْكَامِل” بْنِ الْـحَسَنِ “الْـمُثَنَّى” ابْنِ الْـحَسَنِ “السِّبْطِ” بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِــي طَالِبٍ، وابْنِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ بِنْتِ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ الْحَسَنِيُّ الْإِدْرِيسيُّ الْخَطَّابِيُّ.
نسبٌ كأنَّ عليه من شمسِ الضُّحَى * نورًا ومِنْ فَلَقِ الصَّباحِ عَمُودَا!
ما فيهِ إلَّا سيِّدٌ وابنُ سيِّدٍ * حَازَ الْـمَكَارِمَ والتُّقَى والجُودَا!
ولادتُهُ ونشأتُهُ وعمله:
وُلِدَ شيخُنا في مدينة مَرْسَى مَطْرُوح” بمصرَ: عام 1935 م، الموافق: 1354 هــ، ونَشَأَ في بيتِ علمٍ وصلاحٍ، فوالدُهُ السّيّدُ الْـعَرَبِيّ عالمٌ صالحٌ، وأمُّهُ السّيّدةُ فاضلةُ بنتُ السّيّد محمّدِ الرِّضا بنِ السّيّد المهديّ السّنوسيّة، فاجْتَمَعَ لهُ الشَّرفُ السَّنُوسِيُّ من الجِهَتَيْنِ: جهةِ الأبِ والأمِّ.
فحَفِظَ القرآنَ الكريمَ وتلقَّى مبادِئَ العُلُومِ الشَّرعيَّةِ، وجالَسَ والدَهُ وتلقَّى عنه.
في عام 1367 هــ: رُشِّحَ معَ أخَوَيْهِ السّيّد مالكٍ رحمهُ الله وهو أسنُّ منه، والسّيّد حنبليّ ــ حفظهُ الله ـــ في بِعثةٍ إلى السُّودانِ، وبقيَ مدَّةَ سنتينِ دراسيَّتيْنِ.
بعدَها رَجَعَ إلى ليبيا وفي مدينةِ بنغازِي، واستقرَّ به الْـمُقامُ في مدينةِ الأبيار ـــ وهي ضاحيةٌ من ضواحِي بنغازي ـــ، فَحَصَلَ على الشَّهادةِ الِابتدائيَّة عام 1372 هـــ.
ثمَّ انْتَقَلَ إلى بنغازِي، ودَخَلَ الإعداديَّةَ، واستَمرَّ من عامِ 1373 هـــ، إلى 1376 هـــ.
عَمِلَ موظَّفًا في المصرِف العقاريّ مدَّةً من الزَّمنِ، حتَّى أُحِيلَ للتَّقاعُدِ.
شُيُوخُهُ:
لقدِ اشتَهَرَ البيتُ السَّنُوسِيُّ بالعلمِ، وبخاصَّةٍ روايةُ الحديثِ وسماعُ كُتُبِ السُّنَّةِ المطهَّرةِ، وإقراءُ القرآنِ على روايةِ الإمامِ ورْشٍ عن الإمامِ نافعٍ.
ولا رَيْبَ أنَّ شيخَنَا النُّعْمانَ عليه الرَّحمةُ والرِّضوان: قد جالَسَ والدَهُ وأعمامَهُ، ومنهم: السّيّد إبراهيم (ت 1390 هـــ)، والسّيّد الزُّبير (ت 1406 هـــ)، والسّيّد عبدالله (ت 1411 هــــ)؛ وكلُّهُمْ من العلماء الكرام الفضلاء لهم اهتمامٌ واشتغالٌ بالعلمِ والرِّوايةِ.
كما جَالَس ابنَ عمِّ والدِهِ علَّامةَ السَّنُوسيَّةِ المحدِّثَ المفسِّرَ السّيّد أحمد “المعروف بابن إدريس” بن السّيّد عابد بن محمّد الشَّريف (ت 1410 هـــ).
فأفادَ من هؤلاء وسَمِعَ منهم الكثيرَ، ولا يبعُدُ أن يكونَ لهُ منهم إجازاتٌ خاصَّةٌ.
إلَّا أنَّهُ من تثبُّتِهِ واحتياطِهِ امتَنَعَ أن أكتُبَ غيرَ أربعةٍ من شُيُوخِهِ، وقال لي: يا خالدُ هؤلاء الَّذين لي منهم إجازاتٌ مكتوبةٌ، وأراني منها إجازةَ السّيّد إدريس لهُ، وهم:
1.السّيّد محمّد إدريس السُّنوسيّ ملك ليبيا وشيخُ السَّنُوسيِّين في عصرِهِ (ت 1403 هـــ).
2.عمُّهُ الشّيخ السّيّد محيي الدِّين ابن السّيّد أحمد الشَّريف (ت 1404 هـــ).
3.الشّيخ الصَّالح العالِم عبدالمالك بن عبدِالقادِر بن عليّ الدّرناوِيّ (ت 1417 هــ) رفيقُ جدِّهِ السّيّد أحمد، وصاحب كتاب “الفوائد الجليّة”.
4.الشّيخ الصَّالحُ مختار بن أحمد مازِن الهُونيّ (ت 1421 هـــ) تلميذ جدِّهِ السّيّد أحمد.
تلاميذُهُ: وفي تلاميذِهِ والآخِذِينَ عنه كثرةٌ، بل لا يكادُ يُوجَدُ طالبُ علمٍ في مدينةِ بنغازِي إلا استفادَ منه بمجالستِهِ أو بسماعِهِ أو بالرِّوايةِ عنهُ، أو برؤيتِهِ، وأذكُرُ الآنَ أشهرَ الآخِذِين عنه مـمَّنْ أعرِفُهُمْ:
1.الشّيخُ العالمُ الفاضلُ الأستاذ: عادل محمَّد مختار المغربيّ حفظه الله وتعالى، وهو صِهْرُهُ.
2.الشّيخُ العالمُ الفاضلُ الشَّاعرُ: محمّد سالم المزوغيّ حفظه الله تعالى.
3.شيخُ الطَّريقةِ العِيساوِيَّة بمدينة بَنْغازِي الشّيخ المربِّي: علي بن مسعود الجباليّ حفظه الله تعالى.
4.الشّيخ المقِرِئ العالِم الفاضِلُ: أشرف خليفة اليدّرِيّ حفظه الله تعالى.
5..الشّيخ المقرِئ الصَّالح: عليّ الأوجليّ شفاهُ الله وعافاه، وهو صِهْرُهُ، وقد كانَ مَعَهُ في حادِثِهِ الَّذي توفِّي فيه.
أسرتُهُ الكريمة:
تزوَّجَ رحمه الله ابنةَ عمِّهِ السّيِّدِ عبدالله بنِ أحمد الشَّريفِ، وأنجب منها ثلاثةَ أبناءٍ: السيد أحمد، وكريمتين.
بعض من مناقبه:
كان رحمه الله لا يرُدُّ سائلًا، ولا تكادُ تسمعُ منه حرفَ “لا”، وإذا سُئِلَ الإجازةَ أوِ الإذنَ بادَرَ بلا تمهُّلٍ فأجازَ وأَذِنَ، وقال: هذا خيرٌ لا ينبغي أن نمنعَهُ النَّاسَ.
رؤيتُهُ تذكِّرُكَ بالله تعالى، يُحْرِجُكَ بتواضُعِهِ، وسماحةِ أخلاقِهِ، وكرمِ تعامُلِهِ، وهو دائمُ التَّواصُلِ والسُّؤالِ عمَّنْ يعرِفُهُمْ، لا يحمِلُ في قلبِهِ إلَّا الوُدَّ والصَّفاء، ولا يدعو إلَّا بالخيرِ حتَّى لـمنْ تحقَّق أذاهُ لهُ.
دائمُ التِّلاوةِ للقرآنِ الكريمِ، محافظٌ على وِرْدِهِ ليلًا ونهارًا، كلُّ مَنْ رافَقَهُ يحكِي أنَّهُ لم يتخلَّفْ عن صلاةِ الليلِ يومًا من الأيَّامِ.
يُحبُّ العلمَ وأهلَهُ، ويحبُّ سماعَ سيرةِ جدِّهِ الإمامِ ابنِ السَّنُوسِيِّ ويُوصِي بقراءة كتاب “فُيُوضات المواهب المكّيّة”، وكتاب “الشُّموس النُّورانيَّة” وكلاهما لجدِّهِ السّيّد أحمد الشّريف رحمه الله، وكانَ كثيرًا ما يسُوقُ أخبارَ أجدادِهِ في العبادةِ والجِهادِ والعلمِ.
عُجِنَ قلبُهُ بحبِّ النّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، يحبُّ سماعَ السِّيرةِ والمدائحِ النَّبويَّةِ، ويحثُّ على كثرةِ الصَّلاةِ والسَّلام على رسولِ الله، وإذا حَضَرَ شهرُ الرَّبيعِ كنَّا نتحلَّقُ حولَ قراءةِ كتابيْ “شمائل التِّرْمِذِيّ” و”الشِّفا للقاضِي عِياض”، فكانَ مُواظِبًا على حضورِهِما، متأثِّرًا بما يسمعُ.
نعم، لقد كانَ الشَّرَفُ متحقِّقًا في أخلاقِهِ وطِباعِهِ رحمة الله عليه، أسأل الله سبحانه أن يجازِيهُ عنَّا خيرَ الجزاء، ويقبَلَهُ في المقبولين المرضيِّين، ويجعله في جوارِ جدِّهِ إمامِ المرسلينِ وسيِّدِ النَّاسِ أجمعين عليه أفضل الصَّلاة وأتمّ التَّسليم.
توفي في التاسع من صفر 1440
والحمد لله ربِّ العالمين
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)