النّظام العالمي الجديد بين مخطَّط الماسونيَّة والبعث الإسلامي 1 من 10
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
“وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ” (سورة البقرة: الآية 120).
“يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا. يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا” (سورة النّساء: آيات 26-27).
“لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (سورة المائدة: الآية 17).
“وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” (سورة الكهف: الآية 28).
“أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ” (سورة محمَّد: آيتان 10-11).
“وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ. وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.” (سفر اشعياء: إصحاح 11، آيتان 1-2).
“فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ الْبِرِّ، فَيُجْرِي عَدْلًا وَبِرًّا فِي الأَرْضِ. فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَخْلُصُ يَهُوذَا، وَتَسْكُنُ أُورُشَلِيمُ آمِنَةً، وَهذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَنْقَطِعُ لِدَاوُدَ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ” (سفر ارميا: إصحاح 33، آيات 15-17).
“يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا»” (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 18، آية 36).
مقدّمة
منذ انتهاء الحرب الباردة مطلع التّسعينات من القرن الماضي بهزيمة الأنظمة الشُّيوعيَّة، وتسلُّط الرَّأسماليَّة الغربيَّة على العالم، بدأ أباطرة المال المهيمنون على الاقتصاد العالمي، والمتحكّمون بنفوذهم في سياسات كافَّة الدُّول الخاضعة لسُلطان المال، في ابتكار نظام جديد موحَّد يُطبَّق على أهل الأرض جميعًا، تحت مسمَّى النّظام العالمي الجديد. بعد انهيار الاتّحاد السُّوفييتي واخلال توازُن النّظام الاشتراكي، أصبح الإسلام وأهله الخصم الجديد للغرب؛ ودبَّ الخوف في نفوس حكومة العالم الخفيَّة من أن يستعيد أهل الإسلام أمجادهم السَّابقة في القرنين السَّابع والثَّامن للميلاد، وأن يتكرَّر تهديد الفتح الإسلامي، الَّذي وصل في أوج سطوة الدَّولة العثمانيَّة (1299-1923م) إلى قلب أوروبَّا. بدأ التَّنفيذ العملي لمخطَّط الحركات السّرّيَّة، التَّابعة للماسونيَّة العالميَّة والمتّبعة للفكر الصُّهيوني، منذ إسقاط دولة الخلافة العثمانيَّة في 3 مارس 1924م، بعد تفتيت ما تبقَّى من أراضيها في أعقاب الحرب العالميَّة الأولى (1914-1919م). لأنَّ ذلك المخطَّط يقوم في الأساس على محاربة الدّين، ونشْر الفواحش والإباحيَّة، والانقلاب على المُثُل والأعراف، وتشويه الرُّموز، وتقويض الأشكال المتعارَف عليها للوحدات المكوّنة للمجتمعات البشريَّة، وتدجين البشر جميعًا في حظيرة واحدة تحت مسمَّى العولمة (Globalization)، أصبح الإسلام، عقيدةً وهديًا وأخلاقًا وتاريخًا، عقبة في طريق إتمام تنفيذ ذلك المخطَّط، الَّذي يرمي إلى تأسيس مملكة عالميَّة على رأسها مخلّص بني إسرائيل، وتدشين ما يُعرف بـ “Age of Messiah”، أو عهد المسيَّا.
وكان الأمريكي الأسبق، جورج بوش (يناير 1989-يناير 1993م)، أوَّل مَن دشَّن ذلك النّظام الجديد، في أوج القصف الأمريكي للعراق، خلال حرب الخليج مطلع التّسعينات، ولا شكَّ في أنَّ لذلك التَّوقيت دلالته في توجيه أنظار العالم إلى إعادة تشكيل النّظام السّياسي القائم، بالطَّبع بما يخدم مصالح القوى العالميَّة المسيطرة على مقدَّرات الشُّعوب. ولمَّا كان الغزو الحربي شاقًّا ومكلفًا، كما أثبتت تجربتا حرب أفغانستان (2001م) وحرب العراق (2003م)، أصبح من الأفضل استغلال القَّوة النَّاعمة في إحداث اضطرابات داخليَّة في دول العالم، تؤدّى إلى فوضى، وتؤدّي تلك الفوضى بدورها إلى فراغ سياسي وعقائدي لا يمكن سدَّه إلَّا عن طريق النّظام الجديد. وتتهيأ الأذهان لقبول ذلك النّظام من خلال الغزو الفكري الَّذي تشنُّه وسائل الإعلام الحديثة، والَّذي صار بديلًا عن الغزو الحربي بالأسلحة المادّيَّة، بعد أن أصبح التَّحريض ونشْر الأكاذيب والتَّلاعب في الحقائق واستخدام المؤثّرات السَّمعيَّة والبصريَّة في الإقناع أقوى تأثيرًا، وأعلى قدرةً على منْع التَّمرُّد والمقاومة. اندلعت في أواخر عام 2010م انتفاضات شعبيَّة في عدد من دول منطقة الشَّرق الأوسط، بدأت بتونس وانتهت بسوريا، باتت معروفة باسم “ثورات الرَّبيع العربي”، أدَّت إلى إسقاط رؤوس الأنظمة الحاكمة، مع بقاء الشَّخصيَّات النَّافذة المشارِكة في المسؤوليَّة عن تردّي الأوضاع.
ومع انقسام الآراء بشأن تلك الانتفاضات، ما بين التَّأييد من جهة، والحذر والإشفاق من جهة أخرى، والتَّخوين والإدانة من جهة ثالثة، لم تثبت حتَّى الآن حقيقة تلك الانتفاضات، ومدى صحَّة وجود مؤامرة وراءها. لم يثبت إلَّا أنَّها تفضي إلى حالة من الفوضى، تحت مسمَّى نشْر الحريَّات وتأسيس الدّيموقراطيَّة؛ ويتوافق ذلك مع ما يشير إليه البروتوكول الثَّاني عشر من بروتوكولات حكماء صُهيون: “إنَّ كلَّ واحد من الأميين يجري وراء طيف الحريَّة ظانًّا أنَّه يستطيع أن يفعل ما يشاء، وهو ما أسقطهم جميعًا في مستنقع الفوضى”. غير أنَّ كثيرين يصرُّون على أنَّ سقوط رؤوس الأنظمة كان بتدبير من أمريكا، الَّتي عنيت بتدريب عناصر من نشطاء الحركات التَّمرُّديَّة على إشعال ثورات سلميَّة اجتذبت الملايين من أبناء الشُّعوب المقهورة والمتطلّعة إلى تحسين أوضاعها، ليبرّر ذلك انقلاب المؤسَّسة العسكريَّة على رأس النّظام والإطاحة به. ويدخل ضمن أركان المؤامرة نشْر الفيروسات والأمراض المستعصية للحدّ من الزيادة السُّكانيَّة وإلهاء النَّاس بالبحث عن علاجات لا يمتلكها إلَّا أعوان الشَّيطان ويستأسدون بها على الضُّعفاء لإخضاعهم.
ومن الملفت أنَّ اتّساع دائرة الإفساد الماسونيَّة صاحبها نشاط دعوي استهدف رفْع مستوى الوعي الدّيني والحفاظ على ركائز الإسلام من عبث المفسدين، تحت مسمَّى تجديد الخطاب الدّيني وتنقية التُّراث. وكان لجماعة الإخوان المسلمون، الَّتي تأسَّست في مصر عام 1928م بهدف إعادة دولة الخلافة، الرّيادة في الدَّعوة الإصلاحيَّة لتأسيس نظام يستند إلى الشَّريعة الإلهيَّة، وهو ما يطلق عليه الغرب الإسلام السّياسي، أو الإسلامويَّة. ومع تقاعُس الأنظمة العربيَّة عن التَّصدّي للنَّشاط الاستيطاني اليهودي في فلسطين، أسَّست تلك الجماعة تنظيمًا سريًّا انضمَّ إليه أفراد من الجيش لمقاومة الاحتلال البريطاني، والحيلولة دون تأسيس دولة الدَّجال، أي إسرائيل. وكما يروي شهداء على تلك المرحلة، كان إرسال قوَّات نظاميَّة عربيَّة إلى فلسطين بعد إعلان تأسيس دولة الاحتلال في 14 مايو 1948م، بعد شعور الأنظمة العربيَّة بالحرج من الضَّغط الشَّعبي الَّذي قادته تلك الجماعة، الَّتي شاركت في الحرب بعدد كبير من المتطوّعين المنتمين إليها. غير أنَّ ما لاقته الجماعة نظير دعوتها إلى إقامة شعيرة الجهاد هو اغتيال مؤسّسها بعد هزيمة الجيوش العربيَّة مطلع عام 1949م، ثمَّ التَّنكيل بالآلاف من أعضائها بعد الإطاحة بالحُكم المَلَكي مطلع الخمسينات من القرن الماضي؛ بسبب رفْض الجماعة المشارَكة في النّظام الجديد المستند إلى الفكر الاشتراكي العلماني، والمُعادي للإسلام، برغم أنَّ كثيرًا من الضُّبَّاط الأحرار، وعلى رأسهم جمال عبدالنَّاصر، كانوا أعضاءً في التَّنظيم السّرّي للإخوان. تجدَّد الصّراع بين المؤسَّسة العسكريَّة وجماعة الإخوان بعد انتفاضات الرَّبيع العربي، الَّتي نُسب الفضل في إشعالها إلى أعضاء الحركات التَّمرُّديَّة من أتباع التَّيَّار الاشتراكي العلماني، بينما اتُّهمت الجماعة بركوب الموجة والاستيلاء على نجاحات الانتفاضة للوصول إلى الحُكم، برغم التَّقدُّم الكبير للجماعة في الانتخابات البرلمانيَّة (2011م) والرّئاسيَّة (2012م). وترصد هذه الدّراسة مفهوم النّظام العالمي الجديد بكافَّة أركانه، مع توضيح أسباب تعارُضه مع صحيح الإسلام، ممَّا ينذر بمواجهة مصيريَّة بين أنصار التَّيَّار الاشتراكي الثَّوري المؤيّد لذلك النّظام والمعبّر عنه وأنصار التّيَّار الإسلامي المناوئ له.
1.آراء المفكّرين بشأن مفهوم “النّظام العالمي الجديد”
بدأ الحديث عن نشأة نظام عالمي جديد منذ نهاية الحرب الباردة مطلع التّسعينات من القرن الماضي، وقد خرج المفكّرون بآراء مختلفة بشأن ماهيَّة هذا النّظام وأبعاده، وهذا ما يُطرح فيما يلي.
1.1 تطوُّر للنّظام السّياسي يكرّس ريادة إسرائيل
كان نعوم تشومسكي، العالم اللغوي والمؤرّخ والمفكّر الأمريكي اليهودي، من أوائل الخائضين في موضوع نشأة نظام عالمي جديد في أعقاب انهيار الاتّحاد السُّوفييتي عام 1991م ونهاية الحرب الباردة مطلع التّسعينات من القرن الماضي، في كتابه World Order: Old and New الصَّادر عام 1994م. يتناول تشومسكي بالنَّقد النّظام العالمي القائم حينها لوجود فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء من حيث الدَّخل وسُبُل العيش على اختلافها، ويتوقَّع اتّساع تلك الفجوة مع نشأة نظام جديد. والكتاب عبارة عن 3 محاضرات ألقاها تشومسكي في مايو 1993م في الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة، وقد أصدرت دار النَّشر المصريَّة نهضة مصر عام 2007م نسخة مترجمة إلى العربيَّة من الكتاب تحت عنوان النّظام العالمي…القديم والجديد، يُشار إلى محتواها في هذا القسم.
يبدأ المفكّر الأمريكي حديثه بالإشارة إلى النَّتائج الموجعة للحرب الباردة، وعلى رأسها تعاظُم قوَّة الأنظمة الدّيكتاتوريَّة وقمْعها الأصوات المعارِضة من خلال التَّهديد المستمرّ باستخدام القوَّة والسَّجن والتَّعذيب؛ وتنامي سيطرة الأنظمة الرَّأسماليَّة وإحكامها السَّيطرة على الشُّعوب المعوزة بفعل الحروب الاقتصاديَّة والأزمات المعيشيَّة المُحاكة من قِبل العناصر التَّابعة لقوى الاستعمار، الَّتي اتَّخذت صورًا جديدة “أكثر دهاءً في الإخضاع والسَّيطرة” (ص6). لم تُغيّر أمريكا سياستها في دحْر المنافسين الاقتصاديين، إنَّما اتَّبعت أساليب جديدة تضمن ريادتها للاقتصاد العالمي؛ وصار من الضَّروري في مرحلة ما بعد الحرب إخفاء سجلَّات الانتهاكات الَّتي وقعت، من قتْل جماعي وتعذيب وحشي وأزمات اقتصاديَّة طاحنة. ومن الملفت أنَّ تشومسكي، روسي الأصل، لا يبرّئ أمريكا من تلك الانتهاكات؛ حيث يعترف بأنَّ مراجعة صفحات الماضي تكشف “دورًا سيّئًا وذميمًا لسياسة واشنطن الخارجيَّة الشَّيطانيَّة على مدى التَّاريخ” (ص7). في رأي المفكّر الكبير، لم تختلف بلاده عن أيّ نظام قمعي في اتّباع سياسة عنيفة لإسكات المعارضين تحت مسمَّى “الحاجة إلى القمع” في مواجهة “الخارجين علينا”، كما جاء في مذكّرة مجلس الأمن رقم 68 (ص8). لم تغيّر أمريكا سياسة القمع المنهجي ضدَّ المعارضين، برغم ادّعائها أنَّها نصير الدّيموقراطيَّة الأوَّل، ودفاعها المستميت عن حقوق الإنسان في الدُّول غير الدّيموقراطيَّة.
ويثير نعوم تشومسكي مسألة ملحّة، وهي بحْث الإدارة الأمريكيَّة المستمرّ عن عدو تُحمّله مسؤوليَّة الأزمات وتوجّه سهامها لمحاربته، زعمًا بأنَّ القضاء عليه يضمن استعادة الهدوء والاستقرار. أمَّا عن العدو الجديد بعد انهيار الاتّحاد السُّوفييتي، فقد رجَّح تشومسكي أن يكون الإرهاب الدُّولي، أو تجارة المخدّرات، أو الأصوليَّة الإسلاميَّة، أو الأنظمة الاستبداديَّة في العالم الثَّالث. ويبدو، بعد ما يقرب من 3 عقود على إعداد هذا المؤلَّف، أنَّ أمريكا قد جعلت من الأصوليَّة الإسلاميَّة مفهومًا جامعًا لكافَّة النقائص الواجب توفُّرها في العدو الجديد؛ فقد صار هذا المفهوم يعبّر عن الرَّجعيَّة وقمْع المعارضين والإرهاب بهدف تغيير النّظام الغربي المطبَّق في الدُّول الإسلاميَّة، وهو النّظام المقرَّر تعميمه لإعادة بناء النّظام العالمي القائم. وكما كانت الحرب الباردة مع الاتّحاد السُّوفييتي المنهار مبرّرًا مقنعًا لارتكاب الظُّلم ضدَّ الملايين، أصبحت محاربة إرهاب الإسلامويَّة، أو الإسلام السّياسي، المبرّر الجديد للتَّدخُّل الأمريكي في الدُّول الإسلاميَّة تحت ستار دحْر الإرهاب وتعزيز الدّيموقراطيَّة.
المصدر: رسالة بوست