قراءة: عماد عنان – الملتقى الفقهي.
تعتبر المشكلة الاقتصادية في النظام الاقتصادي جوهر الاقتصاد، إذ إن الإنسان منذ أن خلقه الله وهو يعمل من أجل البقاء وتعمير الأرض التي استخلف فيها، لذلك نجد أن الإنسان يسعى دائماً لتحسين أحواله الاقتصادية بطرق ووسائل مختلفة، لتأمين حاجاته من الغذاء والكساء والمسكن، وتهدف هذه الطرق والوسائل – ومنها التدريب – إلى تحسين وتطوير أساليب الإنتاج لزيادة معدلاته كماً ونوعاً، وقد أدى ذلك إلى ظهور الفكر الاقتصادي المعاصر إلى جانب ما جاءت به الشرائع السماوية من قواعد وأحكام وتشريعات اقتصادية. وقد حاول الإنسان من خلال الفكر الاقتصادي التعرف على المشكلة الاقتصادية من مختلف جوانبها كونها أصبحت تتشعب وتعمل على زيادة معاناة الأفراد والدول في العصر الحالي وأصبحت المجتمعات أسيرة الأزمات الاقتصادية التي أخذت تعصف بالدول والأفراد على حد سواء.
الحاجة لنظريات الاقتصاد الإسلامي
ومع تطبيق “الأنظمة الاقتصادية المعاصرة” والتي لم تنجح في حل المشكلة الاقتصادية، ورغم زيادة الآثار الاجتماعية السلبية نتيجة لهذا الفشل أدى ذلك إلى ظهور فجوة كبيرة بين المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات التي تقوم على الاعتماد على النظم الوضعية كالرأسمالية والاشتراكية في حل مشاكلها لكون هذه الأنظمة تتنكر للقيم الروحية ولا تعترف بوجودها مناقضة للأحكام الإسلامية التي تدعو إلى التمسك بالعقيدة الإسلامية والعمل بما جاءت به، فمصادر التشريع الإسلامي غنية بالأحكام والقواعد العامة التي ترسم الإطار العام للفكر الاقتصادي لأن النظام الإسلامي يتصف بالكمال والصلاحية لكل زمان ومكان بعكس الأنظمة الوضعية التي انهار أحد قطبيها سابقاً ولم يمض على وجوده أكثر من سبعين عاماً وبقي القطب الآخر آيلاً للسقوط في أي لحظة مع ظهور الأزمة المالية العالمية والتي تعاني منها معظم دول العالم ولا بد من ضرورة التأكيد على إخراج النظام الاقتصادي الإسلامي إلى حيز التطبيق الشامل لكل ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من أحكام عامة ومبادئ أساسية والتي يمكن استنباط الأحكام التفصيلية من خلالها لإقامة النظام الاقتصادي المتكامل والذي من شأنه تحصين المجتمعات الإسلامية ضد أية أزمات اقتصادية، وهذا ما أكد عليه الباحث الدكتور رفعت العوضي، الخبير في الاقتصاد الإسلامي، في كتابه المعنون بـ ” النظرية الاقتصادية الإسلامية” والصادر عن دار السلام للنشر هذا العام.
ويتناول الكتاب بتفصيل ما يتعلق بالمشكلة الاقتصادية التي تحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية في وقتنا الحاضر وذلك لبيان قدرة الإسلام على معالجتها والقضاء عليها من خلال الأسس والمبادئ التي رسمها الإسلام في سبيل معالجة أي مشكلة اقتصادية قد تنتج عن بعض الحوائج العامة التي كانت تصيب أفراد الأمة الإسلامية آنذاك والتي لا يد للفرد فيها كعام المجاعة على سبيل المثال.
أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام
تناول الكتاب أبرز الأسس التي قامت عليها النظرية ألاقتصاديه في الإسلام ومن أهمها:
أولا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تدفع برأس المال نحو الاقتصاد الحقيقي القائم على إنتاج السلع والخدمات وليس نحو الاقتصاد القائم على المضاربة بالأموال مثل الربا وبيع الديون، والهدف من ذلك هو تحقيق التنمية والرفاهية للمجتمع من خلال تأمين الوظائف لأفراده، حيث أن تنامي العملية الإنتاجية في الاقتصاد يعني زيادة عدد المصانع والمنشآت الاقتصادية المنتجة والتي بدورها سوف توفر الوظائف لأبناء المجتمع وبالتالي الرفاهية، لذلك فقد حرم الإسلام الربا وهو تجارة ( المال بمال ) لأن هذا النوع من الاقتصاد ألربوي سيؤدي أولا إلى التقاعس عن الاقتصاد القائم على الإنتاج الحقيقي الذي سوف يؤمن الوظائف للمجتمع لذلك سنجد في ظل النظام الرأسمالي الحالي أن حجم الأموال العالمية المستخدمة في الاقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج لا تتجاوز 2% فقط، بينما حجم الأموال العالمية المستخدمة في الاقتصاد ألربوي غير المنتج تصل إلى 98%. وثانيا سيؤدي هذا النظام ألربوي إلى تكدس الثروة في يد طبقة معينة من المجتمع، فاليوم وفي ظل النظام الرأسمالي القائم على الربا سنجد أن 5% من سكان هذا الكوكب تملك أكثر من 80% من مقدرات العالم وثرواته.
أيضا سنجد أن من الوسائل التي استخدمها الإسلام لدفع رأس المال نحو الاقتصاد الإنتاجي هو فرض الزكاة على المال الراكد الذي تمر عليه سنة كاملة وهو لم يعمل، أما المال الذي يعمل وينتج فإن الإسلام يرفع عنه الزكاة وذلك لأن المال المنتج سوف يوفر الوظائف والعمل والرفاهية لأفراد المجتمع.
ثانيا: النظرية الاقتصادية في الإسلام قامت على أساس حماية السوق من أي عوامل خارجية قد تؤثر على القيمة الحقيقية للسلعة بمعنى أن الإسلام حريص على أن يجعل سعر السلعة خاضعا لقانون العرض والطلب فقط، وسنجد هذا واضحا عندما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن (تلقي الركبان) ومثال ذلك أن يأتي شخص ليبيع سلعة ما في السوق فيقابله شخص آخر قبل أن يصل هذا البائع إلى السوق، فيغشه ويدلس عليه ويشتري منه السلعة بأقل من القيمة الحقيقية المتداولة في السوق. كذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن (بيع النجش) ومثال ذلك أن تعرض سلعتك في المزاد ثم تتفق مع شخص لا يريد شراء السلعة ولكنك تستأجره ليرفع قيمتها بحيث إذا قال أحد الحاضرين في المزاد سأشتري هذه السلعة بمائة يقول الشخص الذي استأجرته سأشتريها بمائة وخمسين، وهكذا حتى يتم بيع السلعة بأعلى سعر ممكن (أي بغير القيمة الحقيقية للسلعة).
ثالثا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تمنع بيع الشيء قبل قبضه ومعاينته والتأكد من وجوده حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة (إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه)، وبدراسة الأزمة المالية العالمية سنجد أن من أهم أسبابها ما يسميه البعض بالاقتصاد الطفيلي القائم على البورصات والأسواق المالية التي يتم فيها بيع وشراء الأسهم والسندات والبضائع بدون (قبض السلعة المباعة) مما أتاح طرقا شتى للنصب والاحتيال.
رابعا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تجعل من الذهب والفضة هما النقدان فقط، وعند إصدار الأوراق النقدية، كما في عصرنا الحاضر يجب أن تكون مغطاة بالذهب والفضة بكامل القيمة.
خامسا: النظرية الاقتصادية في الإسلام جاءت بمعايير وسطية تحقق التوازن بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع, وذلك بعكس النظرية الرأسمالية التي مالت إلى مصالح الفرد على حساب مصالح المجتمع.
سادسا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تحث على القيم والمثل والأخلاق، وسنجد خبراء الاقتصاد اليوم يقولون بأن من أهم أسباب الأزمات الاقتصادية هو انتشار الفساد الأخلاقي الاقتصادي مثل الاستغلال والشائعات المغرضة والاحتكار والغش والتدليس.