النظام الإيراني… والسير فوق حافة التظاهرات
بقلم أحمد عمرو
هل مرَّ على (نظام الملالي) في عقده الأخير عام لم تشهد ساحته الداخلية تظاهرات شعبية ضده؟ هل بقي من الشعب الإيراني بمختلف طوائفه وأعراقه من لم يدرك بَعدُ أنه لولا بطش أجهزة الأمن والاستخبارات ما بقيتْ رأس مرشدهم فوق كتف هذا النظام الذي يرتكز على الطائفية لإضفاء المشروعية على وجوده.
منذ مظاهرات الحركة الخضراء التي اندلعت في إيران عام 2009م بعدما توالت الاتهامات بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو من العام نفسه، وأدت إلى فوز أحمدي نجاد وحصوله على 63% من الأصوات، متقدماً على منافسيه المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق، ومحسن رضائي رئيس الحرس الثوري الأسبق، ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق، خرج مئات الآلاف من الإيرانيين مطالبين بعدم الاعتراف بنتائجها. وشاركت آنذاك مدن إيران الكبرى كطهران وأصفهان وشيراز بالمظاهرات بدعوة من مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وقام موسوي بتوجيه رسالة إلى الشعب الإيراني احتج فيها على التزوير الحاصل في مكاتب فرز الأصوات، ودعا إلى مسيرات تندد بالفساد الانتخابي، التي سرعان ما تحولت إلى مظاهرات عارمة ضد الحكم.
أدت تلك المظاهرات وقتها إلى اعتقال ومقتل آلاف من الشباب الذي خرج معترضاً على نتائج انتخابات مهندَسة سابقاً؛ إذ لا يسمح النظام الإيراني ابتداءً بالترشح للرئاسة إلا بعد موافقة مجلس تشخيص مصلحة النظام.
منذ ذلك التاريخ لم يمرَّ عامٌ إلا وتندلع مظاهرات تتفاوت في قوَّتها وأسبابها وأماكن انتشارها لكنها تؤشر في مجموعها – بما لا يدع مجالاً للشك – إلى أن النظام يعاني كثيراً من الأزمات الداخلية، وأن ركائزه باتت تعتمد على وجود العدو الخارجي والمؤامرات ضده للترويج لمشروعه المقاوم المزعوم، بجانب آلة البطش الأمنية التي لا تُبقي ولا تذر أي معارضة أيّاً كانت توجهاتها.
فإيران دولة متعددة الأعراق: من بلوش، وأذريين، وأكراد، وعرب وتركمان. وتعاني تلك المجموعات كلها من تردِّي أوضاعها وعدم المساواة التي يحددها الانتماء للشيعية والفارسية؛ إذ تعتمد إيران على الكتلة السكانية الأساسية (الفرس الشيعة) المتمركزين في أغلبهم على الهضبة الإيرانية أي وسط الدولة، في حين تتوزع على حدود الدولة بقية السكان ذات الصلة بالأعراق الممتدة داخل الدول المجاورة لإيران. مما يزيد من أخطار مظاهرات الأطراف الامتدادُ الإقليمي القابل لتحويل تلك المظاهرات إلى مخاوف إقليمية.
في محطة المظاهرات الأخيرة كان النظام الإيراني على موعد مع شرارة جديدة انطلقت من منطقة عرب الأهواز، المحافظةِ الغنيةِ بالنفط الفقيرةِ بالخدمات، انطلقت المظاهرات على خلفية شح المياه والخدمات في المحافظة ذات الأغلبية العربية، لكن الحقيقة أن تلك المظاهرات ليست الأولى في تلك المحافظة التي تعاني من عمليات طمس للهوية العربية منظم، ومحاولات عديدة لتهجير السكان والتضييق عليهم، على مرِّ تاريخ نظام الملالي القائم، ومن قبله نظام الشاه.
تكتسي مظاهرات الأهواز بُعداً سياسياً بالضرورة على عكس التظاهرات التي تقع في المدن أو المناطق الأخرى؛ إذ تزداد عمليات القهر والتعسف ضد السكان واليأس من التغيير، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى المطالبة بالاستقلال والنأي بأنفسهم عن هذا النظام بكامله.
لذا فقد كانت الهتافات التي ردَّدها المتظاهرون تطالب بإسقاط المرشد تارة والدعوة إلى التحرر من هذا النظام تارة أخرى، الجديد في المظاهرات الأخيرة أنها لاقت دعماً من الأذريين؛ وهو ما يعني أن وعي الأقليات بحاجتهم إلى التوحد ودعم بعضهم للوقوف في وجه آلة القمع بات مرتفعاً.
والحقيقة أن الأذريين والبلوش عادةً ما يجدون عمقاً إستراتيجياً يوفر غطاءً سياسياً لهم من الدول المجاورة، في المقابل فإن عرب الأهواز يفتقرون إلى هذا الدعم؛ إذ لا تكفي بعض البيانات المنددة بما يحدث من بعض الدول أو المنظمات، في حين يحتاج عرب الأهواز إلى ما هو أبعد من ذلك على نحو ما تقوم به طهران من تقديم الدعم لأذرعها الشيعية في العديد من الدول العربية، ابتداء من الإعلام وليس انتهاء بالضغط السياسي الذي بقدر ما يدعم تلك الفئات المظلومة يعطي الدول السنية التي تعاني من التدخل الإيراني أداة سياسية تستطيع أن تناور بها في وجه نظام يسعى للهيمنة وتصدير ثورته الخمينية خارج حدوده؛ خاصة في ظل التراجع الدولي عن الاهتمام بالمنطقة فباتت الحاجة إلى وجود رؤية إستراتيجية واضحة ذات نَفَس طويل للتعامل مع هذا النظام المتربص على نحو ما يتحلى به النظام الإيراني الذي يفاوض على قضاياه سنين عديدة دون تراجع أو انكسار، ليست محل جدل ولا تراخٍ.
وأيّاً ما كان الأمر فإن دائرة المظاهرات الإيرانية في انتشار وتوسُّع، وتمدُّد جغرافياً وعرقياً. صحيح أن النظام قادر في الوقت الحالي على امتصاص تلك المظاهرات، لكنه بات يعاني من الحرائق تحت ملابسه؛ فما إن يطفئ إحداها حتى تشبَّ أخرى؛ وهو ما يعني أنه يعاني من أزمات دائمة غير قادر على حلها بشكل جذري. وهو في موعد دائم مع مظاهرات شعبه.
نستطيع القول: إن النظام الإيراني بات كلاعب سيرك يسير فوق حافة حبل مشدود وهو يتراقص فوقه تارة ويتمايل تارة مخافة الانزلاق، وقد أدمن تلك الحركات البهلوانية.
الجميع يبصر، البعض ينتظر وآخرون يتربصون، منهم من يدعم علانية ومنهم من يدعم في الخفاء، لكن الفائز غداً هو الشعب الإيراني الذي يئن من وطأة أحذية أصحاب العمائم فوق رقبته، ويوشك أنينه أن يتحول قريباً إلى صرخة تزلزل الأرض تحت أقدام هذا النظام الطائفي ليبني دولته دون خوف أو عداء.
المصدر: مجلة البيان