بقلم حسام جابر
فأشرف ما تُقضى فيه الأعمار، وتبذل فيه الأموال، وتستفرغ فيه الجهود والأوقات:
طلب العلم، لاسيما علوم الشريعة الإسلامية،وفضل طلب العلم في الإسلام لا يخفى على أحدٍ، وكفى بالعلم شرفًا أن الله تسمى بالعليم، واتصف بالعلم في كتابه،فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: 76]، وقال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 11].
ووصف الله أنبياءه ورسله بالعلم أيضًا، فقال تعالى في حق (لوط) عليه السلام: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: 74]، وقال تعالى في حق (يعقوب) عليهالسلام: ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 68]، وقال تعالى في حق يوسف عليهالسلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [يوسف: 22]، وقال تعالى في حق موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: 14]، وقال تعالى في حق داود وسليمان عليهماالسلام: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: 79]، وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام: ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: 110]، وقال تعالى في حق خاتَم الأنبياء صلى الله عليه وسلم: ﴿وَعَلَّمَكَ مَالَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: 113].
لذا كان المشتغلون بالعلم ورثة للأنبياء في أقوامهم؛كما قال معلم الناس الخير:
(إن العلماء ورثة الأنبياء،إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولادرهمًا،إنما ورَّثوا العلم،فمن أخذه أخذ بحظ وافرٍ) [1].
ويحتاج طالب العلم قبل أن يبحر في بحار العلوم،ويشرق ويغرب في أودية العلم:أن يتعلم أولًا آداب الطلب،وقد قيل:الأدب قبل الطلب،وكان الإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) يقول:”كانت أمي تعممني وتقول لي:اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه”،وكان عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) يقول:”نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثيرٍ من العلم”.
وقد قال بعض العلماء:”العلم صلاة السر،وعبادة القلب”.
ومن أفضل الرسائل التي كتبت في هذا الباب:رسالة الشيخ بكر أبو زيد (ت 1429 هـ) “حلية طالب العلم”،وفي الحلية مجموعة من الآداب والنصائح ما لايمكن لطالب العلم أن يستغني عنها.
أقسام العلوم الشرعية:
ابتدأت عملية تقسيم العلوم مبكرًا عند علماء الإسلام؛فالإمام الغزالي (ت 505هـ) قسم في صدر كتابه (المستصفى) العلوم إلى عقلية ودينية،ثم قسم كلًّا منهما إلى كلية وجزئية [2].
وابن خلدون (ت 808 هـ) في مقدمته الشهيرة تكلم في الفصل الرابع من الكتاب السادس عن أقسام العلوم،حيث يقول:”اعلم أن العلوم التي يخوض فيها البشر ويتداولونها في الأمصار تحصيلًا وتعليمًا هي على صنفين:
صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره،وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه.
والأول: هي العلوم الحكمية الفلسفية،وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره،ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتهاومسائلها،وأنحاء براهينها،ووجوه تعليمها،حتى يقفه نظره ويحثه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو إنسان ذو فكر.
والثاني: هي العلوم النقلية الوضعية،وهيكلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي،ولا مجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول؛لأن الجزئيات الحادثة المتعاقبة لاتندرج تحت النقل الكلي بمجرد وضعه،فتحتاج إلى الإلحاق بوجه قياسي،إلا أن هذاالقياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الأصل،وهو نقلي،فرجع هذا القياس إلى النقل؛لتفرعه عنه.
وأصل هذه العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنة التي هي مشروعة لنا من الله ورسوله،وما يتعلق بذلك من العلوم التي تهيئوها للإفادة،ثم يستتبع ذلك علوم اللسان العربي الذي هو لسان الملة،وبه نزل القرآن.
وأصناف هذه العلوم النقلية كثيرة؛لأن المكلف يجب عليه أن يعرف أحكام الله تعالى المفروضة عليه،وعلى أبناء جنسه،وهي مأخوذة من الكتاب والسنة بالنص أو بالإجماع أوبالإلحاق؛فلابد من النظر بالكتاب ببيان ألفاظه أولًا،وهذا هو علم التفسير،ثم بإسناد نقله وروايته إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي جاء به من عند الله،واختلاف روايات القراء في قراءته،وهذا هو علم القراءات،ثم بإسناد السنة إلى صاحبها،والكلام في الرواة الناقلين لها،ومعرفة أحوالهم وعدالتهم،ليقع الوثوق بأخبارهم بعلم ما يجب العمل بمقتضاه من ذلك،وهذه هي علوم الحديث.
ثم لابد في استنباط هذه الأحكام من أصولها من وجه قانوني يفيد العلم بكيفية هذا الاستنباط،وهذا هو أصول الفقه، وبعد هذا تحصل الثمرة بمعرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين،وهذا هو الفقه.
ثم إن التكاليف منها بدني،ومنها قلبي،وهو المختص بالإيمان،وما يجب أن يعتقد مما لا يعتقد،وهذه هي العقائد الإيمانية في الذات والصفات وأمور الحشر والنعيم والعذاب والقدر،ثم النظر في القرآن والحديث لابد أن تتقدمه العلوم اللسانية؛لأنه متوقف عليها،وهي أصناف،فمنها علم اللغة،وعلم النحو،وعلم البيان،وعلم الآداب”[3].
وبرز في العصر الحديث الشيخ محمد عبده،الذي كان مهمومًا بإصلاح التعليم في الأزهر،فطرح فكرة تقسيم العلوم إلى مقاصد ووسائل،وعلى أساس هذا فاضَل في مقدار الاهتمام بين العلوم بعضها ببعض،فأسهم في استصدار قانون الأزهر،الذي تضمنت المادة السابعة عشرة منه “تقسيم العلوم إلى وسائل ومقاصد،وأضيف فيها علوم الأخلاق الدينية والحساب والجبر،وعدت هذه العلوم الثلاثة الجديدة من العلوم الإلزامية”،وفي المادة العشرين:”يخصص لعلوم المقاصد أوسع أوقات الدروس،ولا يصرف في الوسائل من زمن الدراسة ما يساوي الزمن الذي يصرف في المقاصد”،وقد تبين بعد أنه “لا يزال معظم الزمن يصرف في النحو – وهو من الوسائل – وأما المقاصد مثل تفسير القرآن والحديث فلا يصرف فيها إلا الزمن القليل”،ومع ذلك فإن المادة الثالثة والعشرين تنص على أنه “لا يباح للطالب أن يشتغل بعلم من علوم المقاصد قبل أن يستحضر من وسائله ما يمكنه من فهمه،وعلى كل طالب أن يتلقى أصول مذهبه”،مع النص على منع قراءة الحواشي والتقارير منعًا باتًّا في السنوات الأربع في جميع العلوم،وهذه الرؤية مأخوذة عن ابن خلدون الذي كان أول من وقفنا عليه قسم العلوم إلى مقاصد ووسائل،ورأى أن التوسع في الوسائل مفسد للمقاصد[4].
وباستقراء جهود العلماء في تقسيم العلوم الشرعية نستطيع أن نقسمها إلى أربعة أقسام رئيسة:
القسم الأول: علوم المصادر:
ونقصد بها الوحي الإلهي بقسميه:القرآن والسُّنة. والسنُّة النبوية وحي كالقرآن، قال تعالى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3، 4]. وفي حديث المقدام بن معد يكرب – رضي الله عنه – قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه،ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه،ألا يوشك رجلٌ ينثني شبعانًا على أريكته يقول:عليكم بالقرآن،فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه،وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرموه)[5]. وذكر أهل العلم أن المحافظة على “الأحاديث” إنما هي محافظة على هذا “المثل”،ويلحق بالقرآن علم التفسير،ويلحق بالحديث شروح كتب السنة.
القسم الثاني: علوم المقاصد:
وهي العلوم التي تقصد لذاتها،وهي المستمدة من حديث الأمينين – أمين السماء جبريل عليه السلام وأمين الأرض محمد صلى الله عليه وسلم – والذي ابتدأ به الإمام مسلم (ت 261هـ) صحيحه عن عمر بن الخطاب قال:بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ،إذ طلع علين ارجلٌ شديد بياض الثياب،شديد سواد الشعر،لا يرى عليه أثرالسفر،ولا يعرفه منا أحدٌ،حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فأسند ركبتيه إلى ركبتيه،ووضع كفيه على فخذيه،وقال:يامحمد،أخبرني عن الإسلام،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتقيم الصلاة،وتؤتي الزكاة،وتصوم رمضان،وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا)،قال:صدقت،قال:فعجبنا له يسأله ويصدقه،قال: فأخبرني عن الإيمان،قال:(أن تؤمن بالله،وملائكته،وكتبه،ورسله،واليوم الآخر،وتؤمن بالقدر خيره وشره)،قال:صدقت،قال: فأخبرني عن الإحسان،قال:(أن تعبد الله كأنك تراه،فإن لم تكن تراه فإنه يراك)،قال:فأخبرني عن الساعة،قال:(ماالمسئول عنها بأعلم من السائل)،قال:فأخبرني عن أماراتها،قال:(أن تلد الأمَةُ ربَّتَها،وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)،قال:ثم انطلق فلبثت مليًّا،ثم قال لي:(ياعمر،أتدري من السائل؟)قلت:الله ورسوله أعلم،قال:(فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
وقد دل هذا الحديث على ثلاثة علوم أساسية:
علم الإيمان أو العقيدة أو التوحيد: وهو العلم الذي يدرس الجانب النظري أو العلمي في الإسلام،ويقوم على ستة أركان،وهي:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر،وتؤمن بالقدر خيره وشره).
علم الفقه: وهو العلم الذي يدرس الجانب العملي أو التطبيقي في الإسلام،ويقوم على خمسة أركان رئيسة:(أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان،وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا).
علم الأخلاق والسلوك: وهو العلم الذي يدرس الجانب السلوكي والخلقي في الإسلام،وركنه الأعظم:الإحسان،وقوام الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه،فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أما السؤال الرابع والأخير في هذا الحديث فهو يدخل ضمن الأحكام الاعتقادية. في ركن الإيمان باليوم الآخر،وأُفرد له سؤال خاص للعنايةبشأنه وبيان أهميته،وإن كان هناك بعض الباحثين[6] يرى أن هذا السؤال يؤصل لعلم رابع،وهو علم سنن التاريخ،أو علم أشراط الساعة،كما أشار إلى ذلك العالم اليمني السيد أبو بكر العدني بن علي المشهور،في كتابه:(التليد والطارف شرح منظومة فقه التحولات وسنة المواقف)،وأيده في ذلك وسار على دربه د.مصطفى حسن البدوي في كتابه:(علامات آخر الزمان بين العولمة والإرهاب).
القسم الثالث: علوم الآلة:
وهي العلوم التي لا تطلب لذاتها،ولكن لغيرها؛فهي آلة لعلوم المصادر وعلوم الغايات.
فيُطلب للقرآن الكريم: علما التجويد والقراءات.
ويطلب لعلم التفسير: علوم القرآن وأصول التفسير.
ويطلب للسنة النبوية: علوم الإسناد والمصطلح والجرح والتعديل والرجال،وغيرها من علوم الحديث المختلفة.
ويطلب لعلم الفقه: علم أصول الفقه،وعلم القواعد الفقهية،وعلم تاريخ التشريع.
ويطلب لعلم العقيدة: علم الفرق والملل والنحل،وعلم مقارنة الأديان.
ويطلب لكل ما سبق علوم اللغة العربية بفروعها المختلفة:
[علم النحو – علم الصرف – علم الاشتقاق – علم اللغة – علوم البلاغة “البيان،المعاني،البديع” – علم االعروض والقوافي – علم قوانين الكتابة – علم قوانين القراءة – علم قرض الشعر – علم الإنشاء وما يتعلق به: فيحتوي على “الإنشاء،الأدب،المقامات،الأمثال” – علم المحاضرات ومنه التواريخ].
وهناك علوم مساعدة أخرى؛كعلم المنطق،وعلم التاريخ،وغيرهما من العلوم،وتزداد أهمية معرفة علوم الوسائل،خاصة في ظل التطور العلمي وعملية (توليد) العلوم المستمرة،والتي تثمر علومًا جديدة لم تدون،إلا في الأزمنة المتأخرة،(كعلم النظريات الفقهية،وجغرافيا المذاهب الفقهية،وعلم المساق الفقهي وغيرها من العلوم).
القسم الرابع: ملح العلم[7]:
ذكر بعض أهل العلم أن العلم ينقسم إلى قسمين: (عقد وملح).
فأما عقد العلم: فهي العلوم الأصلية التي ينبغي لطالب العلم أن يستكملها ويتعلمها؛(كعلم التفسير والفقه والأصول).
وأما ملح العلم: فهي علوم يحتاجها الطالب لتكميل بناء العلم،مثل:قراءة التاريخ والأخبار والأدب والأشعار وتراجم أهل العلم والمناظرات،وما أشبه ذلك،فهذه ملح،الاطلاع عليها مفيد،لكن من جهلها فلا يضره الجهل بها في العلم؛لهذا نجد بعض العلماء من لايعرف بعض التراجم المفصلة أو تواريخ الوفيات لأهل العلم أو نحو ذلك،ولا يضيره هذا؛لأن هذا ليس من العلم الأصلي الذي به يكون المرء طالب علم،أو عالمًا،ولكن هذا من الملح.
فالملح لابد منها للمسير في طلب العلم واستمرار المرء بعقد العلم – أي:بقوي العلم وأصوله ومنهجيته – دون ملحه،قد يجعل المرء يكسل أو يمل؛لأن النفس تحتاج إلى أن تصقل وتزال بشيء من الملح.
ولهذا روى ابن عبد البر أن الزهري كان يحدث ثم يقول: (هاتوا من أشعاركم،هاتوا من أحاديثكم؛فإن الأذن مجاجةٌ،والنفس حمضةٌ[8])،فتأنس النفس بما ذكر،ويكون لها نشاط فيما تستقبل.
فإن كان طالب العلم يعيش بالعلم القوي (العقد) بلا ملح،فإن نفسه ستضعف بعد فترة ولايستأنس بالعلم؛لأن المُلَح هذه كالمِلح في الطعام،تجعل المرء يقبل على الشيء ويزيد منه؛لأن فيه أنسًا،وفيها ومعها انشراح النفس فيما يقرأ؛لأنها توافق الرغبة،مثل قراءة التواريخ والتراجم والأشعار والأخبار،وما شاكل ذلك.
تنبيه:
حذر ابن خلدون – كما تقدم – من إفراط طالب العلم في التوسع في علوم الآلة،ورأى أن في ذلك تضييعًا للمقاصد – اللهم إلا لمن تخصص في مثل هذه العلوم – فيقول:
“أما العلوم التي هي آلة لغيرها مثل العربية والمنطق وأمثالهما فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط،ولا يوسع فيها الكلام ولاتفرع المسائل؛لأن ذلك مخرج لها عن المقصود؛إذ المقصود منها ما هي آلة له لا غير،فكلما خرجت عن ذلك خرجت عن المقصود،وصار الاشتغال بها لغوًا،مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها،وربما يكون ذلك عائقًا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها مع أن شأنها أهم والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة،فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعًا للعمر،وشغلًا بما لا يغني،وهذا كما فعل المتأخرون في صناعة النحو وصناعة المنطق وأصول الفقه؛لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها،وأكثروا من التفاريع والاستدلالات بما أخرجها عن كونها آلة،وصيرها من المقاصد،وربما يقع فيها لذلك أنظار ومسائل لا حاجة بها في العلوم المقصودة،فهي من نوع اللغو،وهي أيضًا مضرة بالمتعلمين على الإطلاق؛لأن المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتمامهم بوسائلها،فإذا قطعوا العمر في تحصيل الوسائل فمتى يظفرون بالمقاصد؟!”[9].
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
يتبع…
منقول عن موقع ساسة بوست