وفي حين تذهب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة إلى القول إن عددهم يبلغ ثمانية ملايين، يقدر الوزير الفرنسي السابق عزوز بقاق عدد المسلمين بعشرة ملايين شخص، حسب ما صرح به في مارس/آذار 2007 على قناة الجزيرة، عندما حل ضيفا على برنامج “لقاء اليوم”.
عزوف
تفضل الجاليات الإسلامية بفرنسا -في مجملها- العزوف عن المشاركة في الانتخابات، سواء أكانت رئاسية أو برلمانية أو بلدية.
ومن الأسباب الرئيسية لعزوف الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة عن المشاركة الانتخابية اقتناعهم بأن المرشحين للرئاسيات تحديدا غير مهتمين بأصواتهم، والدليل الأوضح هو عدم توجه أي واحد منهم للمسلمين تحديدا بأي خطاب خاص، أو حضور ملتقى رسمي لاستقطاب أصواتهم، عكس ما يقع بالنسبة لفئات فرنسية أخرى.
ويشرح بعضهم ذلك بأن اليسار طالما عدّ أصوات المسلمين والمهاجرين مضمونة، لذلك لا يكاد يقوم بأي مجهود لاستقطاب أصوات هذه الفئة من المواطنين الفرنسيين، التي بدت عام 2017 غاضبة من هذا التجاهل، ومن “خيانة” الحكومة الاشتراكية لوعودها لهم؛ هذه الوضعية كرست تشتت أصوات الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة، حيث ذكر بعضهم أنهم سيصوتون لميلانشون، في حين اختار البعض التصويت لليمين، وآخرون اختاروا اليسار التقليدي.
ولا تعرف نسبة المقاطعين من ذوي الأصول العربية والمسلمة للانتخابات الفرنسية، كما لا توجد أرقام رسمية عن نسبة المشاركين.
لكن الأرقام التي كشفت عنها مؤسسات لاستطلاع الرأي في فرنسا وغيرها من المصادر غير الرسمية، تشير إلى أن أصوات المسلمين الذين يختارون المشاركة في العملية الانتخابية أسهمت في تغليب تيارات على أخرى خلال الانتخابات الرئاسية على وجه الخصوص.
خيار اشتراكي
تاريخيا، يعدّ المواطنون الفرنسيون من أصول عربية ومسلمة أرضا انتخابية خصبة للاشتراكيين، بالنظر إلى الوعود الاجتماعية التي ما فتئ اليسار يقدمها ويروج لها لصالح هذه الفئة من الفرنسيين.
لكن مع توالي إخلاف الرؤساء الاشتراكيين، وكذلك المنتخبون الممثلون للتيار اليساري، وعودهم تجاه المواطنين من أصول عربية ومسلمة، بدأت هذه القناعات تتزعزع، وتكرس عزوف هذه الفئة من الفرنسيين عن المشاركة السياسية، أو تدفعها في اتجاه التصويت لعناصر اشتراكية جديدة لا تتماشى مع النمط التقليدي لليساريين، مثل جون لوك ميلانشون في رئاسيات 20177.
ونقلت لوموند في 16 أبريل/نيسان 2017 عن “ليلى”، وهي ربة بيت فرنسية مسلمة، تأكيدها أنها ستصوت لصالح ميلانشون لأن اليسار التقليدي فشل في احترام التعددية الفكرية والثقافية في فرنسا، ودخل في خانة “قولبة الحجاب، وأنا سأبرهن لهم أن المرأة المسلمة المحجبة ليست مضطهدة”، وليلى كبقية الفرنسيين من أصول مسلمة صوتت لصالح هولاند في 2012.
وبحسب الباحثة في العلوم السياسية فاطمة خميلات، فإن هذه الفئة ظهرت في 2017 منقسمة أكثر من انتخابات 2012، لأن تصويتها التقليدي للاشتراكيين اهتز كثيرا بعد سلسلة الاتهامات الملبسة التي وجهها مسؤولو الحكومة الاشتراكية، خاصة رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، وهي اتهامات لم تميز بوضوح بين المسلمين والإرهاب، وعدّ المسلمون تلك التصريحات بمثابة خيانة لأصواتهم التي منحوها لليسار التقليدي.
وجاء في دراسة أعدها معهد إيفوب في يوليو/تموز 2012 أن المسلمين يشكلون 5% من الجسم الانتخابي في فرنسا، وأن أغلب أصواتهم ذهبت لليسار في الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال أعوام 2002 و2007 و2012.
وبحسب معهد إيفوب، فإنه في انتخابات 2002 صوّت 49% من الناخبين المسلمين في فرنسا لصالح الحزب الاشتراكي وشركائه، و17% منهم صوتوا لليمين، و19% لأقصى اليسار، أما اليمين المتطرف فلم يصوت له سوى 11%.
أما في انتخابات 2007 فصوّت الناخبون المسلمون في الدور الأول لصالح الحزب الاشتراكي ومرشحته سيغولين روايال بنسبة 58% ، ولليمين صوت 8% و1% لليمين المتطرف.
أما في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان 2012، فصوتت الأغلبية الساحقة من الناخبين الفرنسيين من أصول مسلمة لصالح الحزب الاشتراكي، حيث حصل الرئيس فرانسوا هولاند على 57٪ من أصواتهم في الدورة الأولى، التي حصد فيها 299٪ من أصوات الناخبين الفرنسيين عموماً.
وحسب الدراسة نفسها، فإن 20% من الناخبين صوتوا في انتخابات 2012 لصالح اليساري جون لوك ميلونشون .
وفي الدور الثاني، حصل هولاند على نسبة 86% من أصوات الناخبين المسلمين، أما منافسه اليميني نيكولا ساركوزي فحصل على 14%، وكان قد حصل على 7% في الدور الأول، بينما ارتفعت نسبة تصويت المسلمين لليمين المتطرف إلى 4% في الدور الأول.
التأثير
وعن تأثير أصوات المواطنين الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة في الانتخابات، خلص معهد إيفوب لاستطلاعات الرأي في دراسته إلى أن الفرنسيين المسلمين لعبوا دورا حاسما في فوز هولاند بالانتخابات الرئاسية عام 2012، على حساب خصمه ساركوزي، بعد تصريحاته العدائية ضد الجزائر، ورغبته في تمرير قانون يمجد الاستعمار الفرنسي.
كما أكدت دارسة أخرى للمعهد نفسه أن الجالية المسلمة الكثيفة في مدينة مرسيليا “أسهمت بشكل كبير في هزيمة الحزب الاشتراكي” في الانتخابات البلدية عام 2015، وأشارت الدراسة إلى أن الجالية المغاربية امتنعت عن التصويت لصالح الحزب الحاكم، عقابا له لانتهاجه سياسات ذات توجه ليبرالي، إضافة إلى تصريحات رئيس الحكومة السابق مانويل فالس عن الهجرة والإسلام والمسلمين.
انتخابات 2017
تعد قضية الإسلام والمسلمين من بين أولويات مرشحي الانتخابات الرئاسية لعام 2017، فزعيمة الجبهة الوطنية (يمين متطرف)مارين لوبان -على سبيل المثال- تتبنى موقفا معاديا للمسلمين والمهاجرين بشكل صريح، وهي التي تحدثت عن “الغزو الإسلامي”، وزعمت أن “المسلمين يفضلون العيش في جماعات في ما بينهم ولا يرغبون في الاندماج”.
أما مرشح الحزب الجمهوري (يميني) فرانسوا فيون فقد تحدث صراحة عن وضع “الديانة الإسلامية تحت المراقبة الإدارية” في حال فوزه، إضافة إلى تصريحه بأن “الإسلام يشكل مشكلة في فرنسا بخلاف باقي الديانات الأخرى”.
وبالنسبة لبقية المرشحين فتبدو لهجتهم إزاء المسلمين أكثر تصالحية، منهم بونوا هامون مرشح الحزب الاشتراكي، وإيمانويل ماكرون المرشح المستقل الذي زار الجزائر في فبراير/شباط 2017، وعبّر عن إدانته الاستعمار الفرنسي للجزائر، ووصفه بأنه جريمة ضد الإنسانية.
ولا تتوفر أرقام عن توجهات المسلمين خلال انتخابات 2017، وفي “اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا” الذي عقد في 14 أبريل/نيسان 2017 بالقرب من العاصمة باريس، بدعوة من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، تحت عنوان “لمن نقترع؟” أكد رئيس اللقاء عمار لصفر أنه “لن تصدر تعليمات للتصويت إلى جانب هذا الطرف أو ذاك”، وأشار إلى أنه “لا يوجد اقتراع مسلم في هذا البلد، إن المسلمين سيقترعون على غرار الجميع”.
(المصدر: الجزيرة)