إعداد : ناصر بن سعيد السيف
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فيبدو جلياً أن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية من خلال كتبه ومناقشاته متميز بالتنوع في الطرح النابع من منهج السلف القائم على الكتاب والسنة بموازين دقيقة، من غير غلو ولا تقصير، ولعل في هذا البحث المختصر نسلط الضوء على أهم النقاط التي توضح منهج شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – الاستدلالي.
نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم النقاط التي توضح منهج شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – الاستدلالي
أولاً: احترام النص الشرعي، وتعظيمه، وجعله الأصل في مسائل العقيدة والتفسير وحشده النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف.[1]
ويندرج عليه ما يلي:
1. الأخذ في أبواب الاعتقاد بظواهر النصوص. أي أنه ليس لها معنى باطن يخالف ظاهرها، قال رحمه الله تعالى: (ومن قال إن ظاهر شيء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد به فكان قول هذا القائل يقتضى أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها ولا يخفى ما في هذا الكلام من الفساد). [2]
2. تقديم النقل على العقل إذ هو أجل منه مرتبة لكونه صادراً عن المعصوم.[3]
3. قبول خبر الآحاد إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل به بدون تفريق بين العقائد وبين الأحكام التشريعية الفقهية، قال رحمه الله تعالى: (مذهب أصحابنا أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات).[4]
4. اختياراته لأقوال سلف الأمة الموافقة للدليل الشرعي وعدم الشذوذ برأي ٍجديد، ولم يقل قط في مسالة إلا بقول سبقه إليه العلماء فإن كان قد يخطر له ويتوجه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام). [5]
5. تقريره عدم التعارض بين نصوص الكتاب ونصوص السنة فهما وحي من الله كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [6] وبيّن ابن تيمية رحمه الله تعالى أن كلام الله متشابه متماثل، يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه. وقد بيّن رحمه الله تعالى – كذلك – أن النصوص لا تتعارض في نفس الأمر، إلا في الأمر والنهي إذا كان أحدهما ناسخاً، والآخر منسوخاً، وأما الأخبار فلا يجوز تعارضها. وأما إذا تعارض عند أحد خبران أو أمران أحدهما عام والآخر خاص، وقُدّم الخاص على العام، فإنه يعلم أن ذلك ليس بتعارض في الحقيقة. وإذا كان في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كلام مجمل أو ظاهر قد فُسر معناه أو بينه كلام آخر متصل به، أو منفصل عنه، لم يكن في هذا خروج عن كلام الله ورسوله، ولا عيب في ذلك ولا نقص. [7]
6. إلمامه باللغة العربية، ومعرفته بدلالة الألفاظ وفهم النص، وتمكنه من علمي الرواية والدراية والتصحيح والتضعيف.[8]
ثانياً: اطلاعه على المذاهب الفقهية وقدرته على المقارنة بينها. فتجده يناقش أقوال المذاهب ويرجح ما يراه موافقاً للدليل دون الارتباط بمذهب معين، وقيل عنه: (وأما نقله للفقه، ومذاهب الصحابة والتابعين فضلاً عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير).[9]
ثالثاً: ضبط الأصول والقواعد العامة، ومقاصد الشريعة، يقول رحمه الله تعالى: (وانظر في عموم كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى حتى تعطيه حقه وأحسن ما يستدل به على معناه آثار الصحابة الذين كانوا أعلم بمقاصده فان ضبط ذلك يوجب توافق أصول الشريعة). [10]
رابعاً: الأمانة العلمية في التعامل مع النص من خلال:
1. دعوته إلى نقل الأقوال بألفاظها.
2. الدقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها.
3. رجوعه إلى المصادر والكتب، والاعتذار إذا لم يجدها.
4. رجوعه إلى أكثر من نسخة في الكتاب الواحد.
5. إنصافه وتفريقه بين الأقوال والأشخاص؛ لأنه ربما أنه رجع عنها أو تاب قبل وفاته.
وكذلك بيان ما عند الفرق الضالة من الخير، وتفريقه في الحكم عليهم.[11]
انتهى البحث
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
————————————————————–
[1] انظر: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، عبدالله الغصن، ص161-139.
[2] انظر: مجموع الفتاوى ، 1/357.
[3] انظر: ابن تيمية عطاؤه العلمي ومنهجه الإصلاحي، رائد عكاشة وأنور الزعبي ، ص 265-267.
[4] انظر: شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث ، عبد الرحمن الفيروائي ، 1 /311.
[5] انظر: الرد على الأخنائي ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ، ص 195.
[6] سورة النجم، آية 3-4.
[7] انظر: تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية ، إبراهيم عقيلي ، ص101- 103.
[8] انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة ، عبد الرحمن المحمود، 297/1.
[9] انظر: الشهادة الزكية ، مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي ، تحقيق نجم عبد الرحمن خلف ، ص 40.
[10] انظر: مجموع الفتاوى ، 29 /87.
[11] انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة، عبد الرحمن المحمود، ص 317-327/1.
*المصدر : شبكة اللوكة