كتب وبحوث

المنهج الإسلامي في التغيير

إعداد : د. محمد بن شاكر الشريف

أرسل الله رسله الكرام لإحداث عملية تغيير حقيقية عميقة وشاملة في المجتمعات تتناول الإنسان في مناحي حياته جميعها كي ينتقل فيها من معسكر الضلالة والشرك إلى معسكر الهدى والتوحيد، وقد سلك الرسل – صلوات ربي وسلامه عليهم – في ذلك طرقاً لتحقيق تلك الغاية شرعها لهم الله الذي أرسلهم بالوحي الذي كانوا يتلقونه منه تعالى، وقد راعى الوحي طبيعة الحال وقدرات الناس كي يتحقق التغيير بأعلى كفاءة وفي الوقت المناسب.

مطالب التغيير العميق الشامل:

للتغيير العميق الشامل مطالب أساسية ينبغي حصولها، من ذلك:

  • فساد الوضع المراد تغييره فساداً كاملاً بحيث لا يمكن الانتقال إلى الوضع المطلوب إلا عن طريق التغيير الشامل العميق وليس الإصلاح الجزئي المحدود.
  • وجود عقيدة راسخة رسوخ الجبال يستند إليها التغيير ويعمل على تثبيتها في الواقع.
  • وجود منهج عملي ملائم يتم التغيير من خلاله.
  • وجود جماعة تتمثل المطالب السابقة فتستيقن فساد الوضع وحاجته للتغيير الشامل وفق عقيدة راسخة لا تضطرب ولا تتراجع من خلال منهج قابل للتطبيق في الواقع.

وكل ما تقدم ذكره من مطالب التغيير يتبدى في رسالة كل رسول وبالأخص في رسالة رسولنا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد طبق الفساد والظلم الأرض كلها وعم الشرك فكان الحال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب»[1]، وذلك قبل البعثة كما دلت على ذلك رواية النسائي في السنن الكبرى: «وإن الله نظر إلى أهل الأرض قبل أن يبعثني…»، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام وأتمه ببيان الحق وذكر أدلته، وبين فساد الشرك والظلم، واستمر على ذلك سنين عديدة تجاوزت العشر، يتحمل الأذى والمضايقات وهو ثابت صامد لا تمتد يده لشيء مما يُدفع به عن النفس، ولكنه مع ذلك كان مصراً على الاستمرار في دعوة الحق وبيانها للناس برغم المعوقات وقلة الناصر المعين، فاستجاب له في أول الأمر فئة قليلة بل آحاد من خيرة الناس لكن لم يؤذن لهم بالدفاع عن أنفسهم والتصدي لعدوهم الذي يبالغ في إيذائهم برغم رغبتهم في ذلك واستعدادهم له، فقال الله تعالى لهم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: ٧٧]، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة. فقال: «إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم» فلما حوله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِىلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ} [النساء: ٧٧][2]، فكان أول خطوة في خطوات إحداث التغيير المنشود الاستمرار في الدعوة والمداومة عليها مع القيام بالعبادات الفرائض منها والنوافل كما دلت على ذلك سورة المزمل، وهي من أوائل السور التي نزلت بمكة المكرمة فقال تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا 2 نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [المزمل: ٢ – 4]، وقال عز وجل: {إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦] لتكون زاداً يمد ماكينة عمل المسلم بالوقود اللازم مع الصبر والتحكم والسيطرة على دواعي البطش والانتقام ممن يقف حجر عثرة في طريق دعوة التوحيد ويؤذي المؤمنين الذين استجابوا لداعي الله كما قال في السورة نفسها: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10].

وقد ضمن هذا المسلك الرشيد في ظرف الدعوة العصيب في أول أمرها حيث كانت جديدة على مجتمع الناس استمرار الدعوة بين الناس وتغلغلها وتمكنها من أنفس الأخيار، وتقليل أذى المخالفين وعدوانهم ومحدوديته فلا يكون جماعياً يشمل المؤمنين كلهم بل يكون فردياً، ومن ثم لم يكن ليحدث في مجتمع مكة في ظل كف الأيدي – برغم العداوة الشديدة والترابط القبلي – ما يمكن تسميته بالحرب الأهلية بين كثرة كاثرة قوية وهم المشركون الذين أبوا الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم واعتصموا بقبائلهم ورابطة الدم التي تربطهم وبين قلة قليلة وهم الموحدون الحنيفيون الذين مالوا عن الشرك بالله إلى توحيده وآمنوا بالله ورسوله، وقد طالت هذه المرحلة كثيراً فبلغت قرابة ثلاثة عشر عاماً حتى استوعبت في بعدها الزمني ما يزيد على مجموع بقية المراحل لأنها كانت مرحلة التأسيس الذي يقوم عليه البناء الشامخ، وكلما كان البناء شامخاً متسعاً احتاج إلى قاعدة قوية تستوعب هذا الاتساع والعلو، وفي ظل ميزان القوى المادي غير المتكافئ في تلك الفترة فترة الإعداد والتربية وقلة أعداد المؤمنين فإن قيام حرب أهلية يعني توقف الدعوة وعدم تمكنها من اجتذاب أفراد جدد إلى صفوفها كما يعني استئصال الفئة المؤمنة حتى تباد خضراؤهم وهو ما يحيل الدعوة الإسلامية إلى مجرد ذكرى عن فترة تاريخية زاهرة ضحى فيها المسلمون الصادقون بأنفسهم وانتهت ولم يتمكنوا من البقاء والتغلب على عدوهم، وهو نقيض ما أراده الله تعالى من هذه الرسالة المباركة: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣]، ومن ثم كانت الأوامر الحازمة الجازمة التي التزمها المؤمنون برغم صعوبتها على أنفسهم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} التزاماً تاماً بلا استثناء حتى لم يحفظ التاريخ حادثة واحدة رد فيها المسلم على عدوان المشرك وإيذائه وليس هذا ضعفاً ولا جبناً ولا رضا بالدنية في الدين وإنما خطة من يريد الظفر بعدوه والنصر عليهم فيتحمل في سبيل ذلك الأذى وإن كان شديداً ليتحقق له آخراً من خلال خطته ما أمله أولاً.

وليس معنى الجمع بين استمرار الدعوة والصبر والصفح عن المحاربين حال الضعف الركون إلى ذلك والرضا به، بل على المسلم أن يعد نفسه ويتخذ من الوسائل ما يتمكن به من التزام ما استقر من الأحكام الشرعية كما قال ابن تيمية: «يجب السعي في إصلاح الأحوال حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم منه من أمور الولايات والإمارات ونحوها، كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه وإن كان في الحال لا يطلب منه إلا ما يقدر عليه وكما يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»[3].

من أجل ذلك كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يبحث عن المعين والنصير فقد ذهب في عملية البحث عن المعين والنصير إلى أبعد مدى فذهب من مكة إلى الطائف وهي تبعد عنها أكثر من مائة كيلو متر يدعو إلى ربه ويبحث عن النصير، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف على القاصدين بيت الله الحرام من الناس ويقول: «من يؤويني من ينصرني»، قال جابر رضي الله تعالى عنه: «مكث رسول الله بمكة عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى يقول: من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟»[4]، وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف، فقال: «ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي»[5]، وقد اختط في ذلك خطة عملية حيث نقل طائفة من أصحابه إلى مكان بعيد عن مكة وهو الحبشة ليكونوا بمأمن من عدوان مشركي قريش وليعبدوا ربهم ويقيموا دينهم في أمن وطمأنينة وكان ذلك على دفعتين فيما عرف بالهجرة الأولى إلى الحبشة والتي كانت بعد مضي خمس سنوات من البعثة وقيل أربع، وقد كان عددهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة وقيل خمس نسوة وقيل وامرأتان، وقد بين الرسول الكريم الرحيم بأمته سبب ذلك فقال: «إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده فتحوزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه»، والهجرة الثانية وكانت بعد الأولى بسنة وكان عدد المهاجرين نحو ثلاثة وثمانين رجلاً وثماني عشرة امرأة، وقد مثلت هذه الهجرات انفتاحاً جغرافياً حيث عبرت الدعوة من أرض تخنقها إلى أرض رحبت بها حتى أصبحت في مأمن وحصلت الطمأنينة على استمرارها لو حصل مكروه شديد لها في مكة لأن الجيل الأول من الصحابة هم من قام بهذه الدعوة كما قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»[6]، وهذا يبين عدم الاقتصار على الدعوة وتحمل الأذى والصبر والانحصار في بقعة واحدة بل يكون هناك التوسع والانتشار شرقاً وغرباً لتوسيع أرضية الدعوة، وارتياد البقاع ولو كانت بعيدة بحثاً عن أمان للدعوة وما يؤمن رجالها القائمين عليها وحرصاً على استمرارها وامتدادها حتى حدثت بيعتي العقبة الأولى والثانية، حيث كانتا بداية لتأسيس الدولة الإسلامية، فعندما لاحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرصة التوسعة والانتقال إلى مكان أكثر أمناً وأدعى لنصرته وأقرب لمكة مهد الرسالة وهو يثرب التي سميت بعد ذلك بالمدينة بادر بالذهاب والانقال إلى هناك، بعد أن سبق له إرسال أصحابه إلى المدينة ليكون آخر من يرحل وليكون مشرفاً على انتقالهم، ولم يكن في ظل هذه الحال من الضعف والبحث عن المأوى الآمن مستعداً للتخلي عن شيء من أصل الدعوة بل حافظ على أصولها ولم يساوم عليها، فعندما أراد قوم أن يؤمنوا به وينصروه على أن تكون لهم الرياسة من بعده أبى ذلك، فقد طلب منه بنو عامر إن هم آمنوا به أن يجعل لهم أمر الرياسة من بعده، فقال لهم: «الأمر لله يضعه حيث يشاء»، وفي هذا الانتقال أصبح للإسلام قوة ودولة وبقيام الدولة انتقل منهج التغيير من المسالمة الكاملة إلى تقرير حق الدفاع عن النفس ضد إيذاء المخالفين وأذن الله تعالى للمسلمين في رد العدوان: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]، ثم كان الأمر بعد ذلك برد العدوان وليس مجرد الإذن فيه فقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194]، وقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]، وبرغم ذلك لم تمنع الشريعة المسلمين من عقد الاتفاقات مع الكفار التي تسمح للمسلمين بتحقيق أهدافهم وهم آمنون مطمئنون وقد كانت معاهدة الحديبية سنة ثمانٍ من الهجرة والتي تنص فيما تنص على وقف الحرب بين المسلمين والمشركين عشر سنين فتحاً من الله، وقد آمن في فترة المعاهدة التي استمرت سنتين أضعاف من آمن منذ بدء الرسالة، مما يدل على أن تمتع المسلمين بقوة الدفاع عن دينهم وإدراك العدو لهذه القوة مدعاة لتقدم الدعوة واستقرارها، فكانت الفترة الأولى فترة الصبر وكف الأيدي فترة التربية وتكوين الشدة والمتانة في دين المؤمنين، وكانت فترة المعاهدة فترة جني الأرباح.

وانتقلت الدعوة بعد هذا الموقف إلى الموقف النهائي من منهج التغيير وهو جهاد الكافة في سبيل الله كما قال تعالى: {فَإذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْـحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: ٥]، وهنا يظن البعض أن هذا إجبار للناس على التزام ما لا يريدون وهذا التصور لا يجوز التعويل عليه؛ لأن الأمر بجهاد الكافة حتى وإن لم يبدؤوا بقتال ليس صادراً من رئيس أو لجنة تتساوى فيها الرءوس فلا يحق لأحد أن يلزم غيره برأيه بل هو أمر صادر عن الله تعالى خالق الخلق أجمعين، ومن لم يرد الإيمان فلا يكره عليه لكن ليس له أن يتولى فيحكم في أرض الله برأيه ويدع أمر خالقه وخالق الأرض ومالكها ومالك من عليها، قال ابن القيم: «وكان [الجهاد] محرماً، ثم مأذوناً به، ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأموراً به لجميع المشركين»[7].

وهذه الخطوات الأربع في التغيير ليست خطوات تسلسل زماني بحيث يجب على كل دعوة أن تسلكها بترتيبها نفسه، وهي وإن كانت وقعت هكذا تاريخياً لكنها تسلسل بحسب القوة والقدرة وحصول إمكانات الجهاد، ومن الممكن في أي عملية بعث جديدة أو إحياء لما اندرس من الدين بعد غربته اتباع هذه الخطوات بحسب الأمر المناسب للوضع القائم، لأنها خطوات شرعية ليس فيها شيء مرفوع أو منسوخ بل خطوة يعمل بها في ظرفها المناسب لها فهي سياسة شرعية في كيفية التغيير الناجح، قال ابن تيمية: «فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون»[8].

ومن هذا العرض الموجز يتبين الخطة والسياسة والتدبير الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحداث التغيير في الواقع، لذا من تمسك بمرحلة واحدة وأهمل الباقي كي يغير تغييراً شاملاً فقد خالف السنة وغالب الواقع الذي ربما غلبه، فلا يحق لأحد أن يعتمد مرحلة السلمية وكف الأيدي لتكون هي الوسيلة أو الطريقة الوحيدة التي يواجه بها المخالفين المتعرضين للدعوة بالبطش والتعذيب والتقتيل ويظن أنه بذلك متبع للسنة، فالسلمية نافعة مفيدة في البداية حيث الدين غريب، كما أن من يتبع آخر ما استقر عليه الأمر من مراحل التغيير في أول مراحله للتغيير ولا يراعي الوضع القائم فهو أيضاًً مخالف للسنة، فآخر المراحل إنما تكون للحسم ولا مجال فيها لغيره فلا بد من مراعاة الوضع القائم عند محاولة التغيير والإمكانات المتوفرة يقول ابن تيمية: «وكان [رسول الله صلى الله عليه وسلم] مأموراً بالكف عن قتالهم [في مكة] لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد، ثم لما قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار. فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة»[9]، يتبين من هذا الكلام مراعاة الحال من حيث القوة والضعف والمصلحة والمفسدة فالتغيير لا بد فيه من مراعاة هذه الأحوال ولا يصلح الجمود على حال واحد.

وبعد ظهور الإسلام وانتشاره وفشوه ودخول الناس في دين الله أفواجاً لم تبق كثير من البقاع على جاهليتها الأولى التي أدركها عليها ظهور الإسلام، وتباينت المجتمعات في الحالة التي هي عليها الآن من الالتزام بالإسلام ومن ثم فإنها الآن لن تتفق في المرحلة التي ينبغي البداية بها وعلى العاملين للإسلام أن يشخصوا بدقة موقف مجتمعاتهم من الالتزام بالإسلام وما المرحلة التي هم واقفون عندها ومن ثم يحددون نقطة البداية السليمة وكيفية التغيير ويبدؤون في العمل بما تقتضيه حتى يتحقق لهم نصر الله.

*المصدر : مجلة البيان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى