التعريفُ بموضوعِ الكتابِ
مُشكِلةُ المفاهيمِ مِن أكثَرِ الأمورِ حُضورًا وتأثيرًا في تاريخِ المعارفِ عُمومًا، ورَسمُ الحدودِ الفاصِلةِ بين هذا المفهومِ وذاك، والنَّظرُ فيما يمكِنُ أن يكونَ مِن المكَوِّنات المقَوِّمة له وما ليس كذلك- أمرٌ يحتاجُ لعِنايةٍ وتدقيقٍ، خاصَّةً إذا كان المفهومُ مَوضِعُ الدراسةِ مَفهومًا دينيًّا رتَّب الشارعُ عليه أحكامًا تفصيليَّةً.
وكتابُ هذا الأُسبوعِ يسعى لتحريرِ ما يتعلَّقُ باسم الخوارجِ وما يدخُلُ في حيِّزه من مفاهيمَ، وما الذي يَصدُق عليه هذا الاسمُ في الواقع، أو بمعنًى آخر- كما ذكر المؤلِّفُ- سيكونُ اشتغالُ البحثِ بسؤال (من هم الخوارج) بمعنى الذمِّ الشَّرعيِّ؟.
بدأ المؤلِّفُ بمقَدِّمةٍ تعريفيَّةٍ ذكر فيها بدايةَ مَعرفتِه بمذهَبِ الخوارجِ، والسَّبَبَ وراء البحثِ فيه. ثمَّ ذكر عنوانا فرعيًّا (إشكاليَّات تحرير الاسم والمفهوم) جعله كالمقَدِّمة التمهيديَّة للبحث، ذكر فيه أهمَّ الاعتباراتِ التي أربكت تحريرَ مُصطَلَح (الخوارج)، ومنها:
– غيابُ المدوَّنة العَقديَّة الأساسيَّة، ويعني به انعدامَ أو نُدرةَ كُتُبِهم.
– تشَظِّي الحالةِ العَقَدية، ويعني به كثرةَ تفَرُّقِهم، وانقسامَهم على أنفُسِهم.
ثم نبَّه المؤلِّفُ إلى أنَّه سيتناول بحثَ مفهومِ الخوارج في ضوءِ ثلاثِ حِقَب زمنيَّة:
كانت الحقبة الأولى: التي عَنْون لها بـ (لحظة ما قبل الخوارج) وذكر فيها البذرةَ الأولى لنشأة الخوارجِ، وأشار إلى أنَّ بوادِرَ التشَكُّل الخارجيِّ وقعت في زمن النبُوَّة- على صاحِبِها الصَّلاةُ والسَّلامُ- لكِنَّ ظهورَ شَجرةِ السوءِ وقَعَت فيما بعدُ، خُصوصًا زمَنَ عليٍّ رضِيَ الله عنه.
ثمَّ ذكر المؤلِّفُ حديثينِ يَظهَرُ فيهما قصَّة هذه البوادِرِ:
فذكر حديثَ جابرِ بنِ عبد الله- رضي الله عنهما- قال: ((أتى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجِعْرانة مُنصَرَفَه مِن حُنَين، وفي ثوبِ بلالٍ فِضَّةٌ، ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقبِضُ منها، يُعطي النَّاسَ، فقال: يا محمَّدُ، اعدِلْ، قال: ويلَك، ومَن يعدِلُ إذا لم أكُنْ أعدِلُ؟! لقد خِبْتَ وخَسِرتَ إن لم أكُنْ أعدِلُ، فقال عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه: دعني يا رسولَ الله فأقتُلَ هذا المُنافِقَ، فقال: معاذَ اللهِ أن يتحَدَّثَ النَّاسُ أنِّي أقتُلُ أصحابي، إنَّ هذا وأصحابَه يقرؤون القرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم، يَمرُقون منه كما يَمرُق السَّهمُ مِن الرَّميَّة)).
وحديث أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: ((بعث عليٌّ رضي الله عنه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذُهَيبةٍ فقَسمَها بين الأربعةِ: الأقرعِ بنِ حابس الحنظلي، ثمَّ المُجاشعي، وعُيَينة بن بدر الفَزاري، وزيدِ الطائي، ثم أحَدِ بني نبهان، وعَلقَمةَ بنِ عُلاثة العامري، ثم أحَدِ بني كِلاب، فغَضِبَت قريشٌ والأنصارُ، قالوا: يعطي صناديدَ أهل نجدٍ ويَدَعُنا! قال: إنَّما أتألَّفُهم. فأقبل رجلٌ غائِرُ العينينِ، مُشرِفُ الوَجنتَينِ، ناتئُ الجَبينِ، كَثُّ اللِّحيةِ مَحلوقٌ، فقال: اتَّقِ اللهَ يا محمَّدُ! فقال: مَن يُطِعِ اللهَ إذا عَصَيتُ؟! أيأمَنُني اللهُ على أهل الأرضِ فلا تأمَنوني، فسأله رجلٌ قَتْلَه- أحسَبُه خالدَ بن الوليد- فمنعه، فلما ولَّى قال: إنَّ مِن ضِئضِئِ هذا- أو: في عَقِب هذا- قَومًا يَقرؤونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حناجِرَهم، يَمرُقونَ مِن الدِّينِ مُروقَ السَّهمِ مِن الرميَّة، يقتُلونَ أهلَ الإسلامِ ويَدَعونَ أهلَ الأوثانِ، لئِنْ أنا أدركتُهم لأقتُلنَّهم قَتْلَ عادٍ))
ثم عقَّب المؤلِّفُ على الحديثينِ بتنبيهاتٍ، منها:
مَيلُه إلى أنَّ الحديثينِ في حادثتينِ مُنفَصِلتينِ:
الأولى: ما وقع في أثناء قِسمةِ غنائم حُنَين بالجِعْرانة، والأخرى في قِسمةِ ذَهَبٍ بَعَث به عليٌّ من اليمن والنبيُّ في المدينة. ثم ذكر بعضًا من كلامِ أهل العلم المؤيِّد لِمَيله هذا.
وفي بيانِ المُعتَرِض على الجَنابِ النَّبوي ذكر أنَّه ربما يكونُ في الحادثتينِ واحِدًا، وهو (ذو الخُوَيصرة) وذكر جَزْمَ ابنِ حجر بأنَّه هو، بقوله: (وقد ظهر أنَّ المعتَرِضَ في الموضعين واحِدٌ) وعقَّب المؤلِّفُ بأنَّه إن كان المعتَرِضُ في المقامين واحدًا، فهو دالٌّ على شِدَّةِ وقاحةٍ، وإصرارٍ على مراودةِ هذا الجُرم العظيمِ، وهو مِزاجٌ وطَبعٌ مِن طَبعِ الخوارجِ.
ثم بدأ في البحثِ عن المكَوِّنات والأوصاف المؤثِّرة عند الخوارج، وأوضح أنَّ المكَوِّن المركزيَّ لهم هو (الغلُو) وليس مُطلَق الغُلوِّ، بل هو غلوٌّ أوجب لهم أوَّلًا عقائدَ فاسدةً، ثمَّ أفعالًا مُنكَرة.
وأنه باستعراضِ ما جاء عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شأن الخوارج يمكِنُ مُلاحظةُ أنَّ المحَدِّداتِ الرئيسيَّة للخوارج تتمثَّلُ فيما يلي:
– المحَدِّدُ القوليُّ الاعتقاديُّ: وهو التكفيرُ بغيرِ مُوجبٍ للتكفير، أو التكفيرُ بغير حَقٍّ أو بالباطلِ، وذكر فيه حديثَ حُذَيفةَ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ ما أتخوَّفُ عليكم رجلٌ قرأ القرآنَ حتى إذا رُئِيَت بهجتُه عليه، وكان رِدْءًا للإسلامِ؛ غَيَّرَه إلى ما شاء الله، فانسلخَ منه ونبذه وراءَ ظَهرِه، وسعى على جاره بالسَّيفِ، ورماه بالشِّركِ،، قال: قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، أيُّهما أولى بالشِّركِ: المرميُّ أم الرامي؟ قال: بل الرَّامي!)).
المُحَدِّد العمليُّ: وهو ترتيبُ القَتلِ والقتال بناءً على فِعلِ التكفيرِ؛ فإنهم حين كفَّروا مخالفيهم استحَلُّوا دماءَهم، وأشار المؤلِّفُ إلى أنَّ الأكثر خطورةً أنهم تعاملوا مع من كفَّروهم باعتبارِهم مُرتَدِّين، فترتب عليه جعلُهم قتالَ أولئك المرتَدِّين أوَّليَّةً عندهم مُقَدَّمًا في الاعتبار على قتال الكافرِ الأصليِّ! وهو ما نبه إليه النبيُّ صراحةً بقوله: ((يقتُلونَ أهلَ الإسلامِ، ويَدَعونَ أهلَ الأوثانِ)).
ثمَّ ذكر المؤلِّفُ مداخِلَ الجَهلِ الخارجيَّةَ التي استخلصها من الأحاديثِ النبويَّة، فذكر منها:
– صِغَرَ السِّنِّ، وأشار إلى أن جمهور الملتَحِقين بهذه الحالةِ الدينيَّة هم من الشَّبابِ الصِّغار دون الكبارِ، وفي ذلك يقولُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حُدَثاء الأسنان)).
– السَّفَهَ؛ ففيهم سَفَهٌ وطَيشٌ وخِفَّة واستعجالٌ، وهم بعيدون عن حُسنِ النَّظرِ وجَودةِ تقدير الأمورِ، كما قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يأتي في آخرِ الزَّمانِ قَومٌ حُدَثاءُ الأسنان، سُفَهاءُ الأحلامِ)).
– الكِبرَ والتعاليَ، كما قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ فيكم قومًا يَعبُدون ويَدأَبون، حتى يعجَبَ بهم النَّاسُ، وتُعجِبُهم نفوسُهم، يَمرُقونَ مِن الدين مُروقَ السَّهمِ مِن الرَّميَّة)).
وقد أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ هذه هي المكَوِّنات المركزيَّة لظاهرة الخوارجِ، ثمَّ ذكر بعضًا مِن الصِّفات الأخرى المُستَخلَصة كذلك من الأحاديثِ النبويَّة والمتعَلِّقة بطبيعة التديُّن الذي يمارسُه الخوارجُ، مثل: الغلو في العبادة، وأنَّ ظاهِرَ كَلامِهم حَسَنٌ، وأنَّ مِن سيماهم التَّحليقَ.
ثمَّ ختم المؤلِّفُ هذه الحِقبةَ بعددٍ مِن الملاحظات بخُصوصِ أحاديث الخوارجِ، أهمُّها:
مسألةُ تشديد المواجهة، وأنه مع التَّشديد والتحذير من سلوك طريقِ الخوارج، فقد أمَرَت الشريعةُ بمواجهة الخوارجِ بشكلٍ حاسمٍ بأقوى أنواعِ المواجهة، وهو القتالُ، ونقَلَ قَولَ عَدَدٍ من العلماء، من ذلك قول الإمام ابن كثير: (الأخبارُ بقتال الخوارج متواترةٌ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم; لأنَّ ذلك [ورد] مِن طُرُقٍ تفيد القَطعَ عند أئمَّة هذا الشَّأنِ).
وأشار إلى أنَّه ثبت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأمرُ بقتالهم، وبيَّنَ ما لمُقاتِلِهم من الأجرِ والمثوبة عند الله، فذكر قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأينما لَقِيتُموهم فاقتُلوهم؛ فإنَّ قَتْلَهم أجرٌ لِمَن قتَلَهم يوم القيامةِ))، وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((طوبى لمن قتَلَهم وقَتَلوه، يَدعُونَ إلى كتابِ الله وليسوا منه في شيءٍ، من قاتَلَهم كان أولى باللهِ منهم)) وغيرها من النُّصوصِ.
ثمَّ كانت الحِقبةُ الثانية، التي عنونَ لها المؤلف بـ (لحظة الخوارج) وفيه يبيِّنُ عددًا من الأمور منها:
لحظةُ التحقُّق التاريخي الأوَّل لمسيرة الخوارج، فذكر ما جاء في الحديث الصحيحِ، قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تمرُقُ مارِقةٌ عند فُرقةٍ مِن المسلمين، يقتُلُها أَولى الطائفتَينِ بالحَقِّ))
ثمَّ أشار إلى رجوعِ جذور فتنة الخوارجِ إلى الفتنةِ الهَوجاءِ التي عصَفَت بالأمَّةِ في أعقاب الأزمة التي وقعت في آخِرِ عَهدِ عُثمانَ بنِ عَفَّان. وممَّا نبه المؤلِّفُ إليه أنَّ شرارة الاقتتال بين علي والخوارج كانت بسبب قَتْلِهم لعبد الله بن خَبَّاب صاحِبِ رسولِ الله، وقد أشار المؤلِّفُ إلى دَناءةِ هذه الجريمة وخِسَّتِها؛ لأنهم أقدموا على قَتلِه مع أنَّهم قد أمَّنوه، وهذا يكشِفُ عن غَدرٍ فيهم وعدمِ التزامِهم بمروءاتِ العَرَبِ وأخلاقِهم.
وأنَّهم حين قتلوه قَتَلوا زوجَه وبَقَروا بَطنَها وقتلوا جنينَها، وهذا يكشِفُ عن إجرامٍ وسوءِ صنيع.
ثمَّ ختم المؤلِّفُ هذه الحِقبةَ بذِكرِ مظاهِرِ الخَللِ المنهجيِّ في الفهم الخارجيِّ، ومنها:
– تنزيلُ النصوصِ على غيرِ محَلِّها، وأوضح المؤلِّفُ أنَّ هذا من المُشكِلاتِ الأساسيَّة عند الخوارج والدالَّة على عُمقِ جَهلِهم وقِلَّة فِقهِهم لدَلالاتِ الوَحيِ، وهو ما أشار إليه ابنُ عُمَر بقَولِه: (إنَّهم انطلقوا إلى آياتٍ نَزَلت في الكُفَّار، فجعلوها على المؤمنينَ)
– تبعيضُ الوحيِ، وهو الأخذُ ببعض نصوصِ الوحيِ، واطِّراحُ بَعضِها.
– ردُّ السُّنَّة التي يوهمون مخالفتَها لظاهِرِ القرآنِ.
– احتكار حقِّ الفَهمِ، وذكَرَ فيهم قولَ ابن حجر: (كانوا يتأوَّلون القرآنَ على غيرِ المرادِ منه ويَستَبِدُّونَ برأيِهم).
– التعَجُّل في تأويلِ القُرآنِ دونَ تعَمُّقٍ أو تمكُّنٍ مِن أدواتِه.
وأخيرًا كانت الحِقبةُ الثالثة: (لحظة ما بعد الخوارجِ) وقصدَ المؤلِّفُ من خلالها دراسةَ ما جرى من معالجاتٍ شَرعيَّةٍ لِما تحقَّقَ في الواقِعِ مِن ظهورِ الخوارجِ، فذكَرَ مِن ذلك:
– اتجاهَ من يجعلُ مُعامِلَ التأثير في إعطاءِ وَصفِ الخوارجِ هو التكفيرَ وَحدَه بصورةٍ ضَيِّقةٍ، وهو التكفيرُ بالكبيرةِ، أو التَّكفيرُ بصَغيرِ الذَّنبِ وكَبيرِه.
– أو اتِّجاه من جعل مفهومَ الخوارجِ مَرهونًا بمُحَدِّد عمليٍّ، وهو القتالُ للإمام الشرعيِّ والخروجُ عليه.
– أو اتجاه من جعل وصفَ الخوارجِ عائِدًا إلى مُرَكَّب التكفيرِ بالكبائرِ والخروجِ على الإمامِ الشَّرعي. وغيرَها من الاتِّجاهات.
لكنْ أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ أهمَّ الاتجاهات في تحديدِ مَفهومِ الخوارجِ هو جعْلُ المكَوِّن الأساسيِّ للحالةِ الخارجيَّةِ مُرَكَّبًا مِن(التكفيرِ بغيرِ حَقٍّ، وترتيبِ فِعلِ القتالِ على التكفير) فمتى توفَّر هذا المكَوِّن في شَخصٍ أو طائفة كانت واقعةً تحت طائلةِ الوعيدِ الشَّرعيِّ المتعَلِّق بالخوارجِ. ولا يُشتَرَطُ أن يكونَ التكفيرُ مَحصورًا بالتكفيرِ بالكبائِرِ، كما أنَّ القتالَ لا يُشتَرَط أن يكونَ مَحصورًا ضِدَّ النظامِ السياسيِّ أو الإمامِ، بل حَمْل السِّلاحِ على المُسلِمينَ وقِتالهم بما هو أعَمُّ وأشمَلُ.
وأوضحَ كذلك أنَّه لا يُشتَرَطُ أن يُمارِسَ المرءُ القَتلَ أو القتالَ بالفِعلِ؛ ليكونَ خارجيًّا، بل متى كان واقعًا في إشكاليَّة تكفيرِ غَيرِه من المسلمينَ بغيرِ حَقٍّ ومُتبنِّيًا للخروجِ عليهم ومُقاتَلتِهم ولو نظريًّا، حتى ولو ترك القتالَ عمَليًّا- فإنَّ اسمَ الذَّمِّ الشرعيِّ يتناولُه.
وأبان عن أنَّ هذا الرأيَ مبنيٌّ على أصلٍ شَرعيٍّ، وهو أنَّ مَن عزَمَ على ذنبٍ ووطَّنَ نَفسَه على الإتيانِ به، فمُنِعَ منه عجزًا- فهو آثِمٌ، بخلافِ مَن خَطَرت له المعصيةُ أو هَمَّ بها، ثمَّ ترَكَها لله.
ثم أخذ في التَّدليلِ على صحةِ هذا المفهومِ، ونقَل النُّصوصَ المؤيِّدةَ والموضِّحةَ لوجاهةِ هذا الرأيِ.
ثمَّ عقَّب بذِكرِ نتائِجِ وآثارِ تحريرِ مَفهومِ الخوارجِ، وذكَرَ منها:
أنَّ هذا التحريرَ لمَفهومِ الخوارجِ يُمكِنُ أن يُسهِمَ في تخفيفِ حالةِ السِّجالِ التي تقَعُ جرَّاءَ توصيفِ عَدَدٍ مِن جماعاتِ العُنفِ في الواقِعِ بأنَّها من الخوارجِ.
وغيرَها من النتائجِ والآثارِ المُهِمَّة.
ثمَّ كانت الخاتمةُ، ولخَّص فيها أهمَّ قضايا البحثِ، فأشار إلى أنَّ أخطَرَ وأهَمَّ ما يُمكِنُ إدراكُه ممَّا تحرَّرَ مِن مَفهومِ الخوارِجِ هو خطورةُ الظَّاهرةِ وعدَمُ اتِّصالِها بطائفةٍ مَذهبيَّةٍ مُعَيَّنة تنتَسِبُ إلى الإسلامِ، بل هي مَعصيةٌ وذَنبٌ وبِدعةٌ كبيرةٌ يُمكِنُ أن يتلبَّسَ بها الكلُّ، وإدراكُ هذا ينبغي أن يجعَلَ المُسلِمَ شَديدَ الحساسيةِ مِن ذَنبٍ قد يجعَلُه مارِقًا مِن دينِه وهو لا يدري.
والكتابُ حرَّر مفهومَ الخوارج تحريرًا مؤصَّلا وسيُسهم إنْ شاء الله في حسْم النِّزاع حول خارجيَّة من يتبنَّى التكفير بغير حقٍّ واستباحة الدماء لأجله، فجزى الله المؤلِّف خير الجزاء.
(المصدر: الدرر السنية)