الملكة أمينة.. محاربة مسلمة صنعت مجد أفريقيا
بقلم صفاء علي
تعتبر قارة أفريقيا من أوسع المناطق التي دخلها الإسلام بدايات الدعوة الإسلامية، ومن ضمن قبائلها التي ساعدت في نشر الإسلام قبائل الهوسا والتي ضمت سبع إمارات ساهمت كل منها في نشر العلوم الشرعية والعربية باعتبارها لغة الإسلام.
وتقع قبائل الهوسا في نيجيريا وهي أكبر التجمعات العرقية هناك، وتبلغ نسبتها حوالي ربع عدد السكان، ومن رحم تلك القبائل ولدت الملكة أمينة حوالي عام 1533 في مقاطعة زازاو المسماة حاليا بزاريا، يقع مقرها الرئيسي بولاية كادونا.
وكانت زازاو واحدة من سبع إمارات من قبائل الهوسا التي سيطرت على تجارة جنوب الصحراء الكبرى بعد انهيار إمبراطورية سونغهاي نهاية القرن 16، وكونت ثروتها من تجارة الجلود والمنسوجات والخيول والملح والكولا والقماش، إلى جانب المعادن المستوردة من الشرق.
وغالبا ما يتحدث المؤرخون عن القادة الرجال وكيف قادوا الجيوش وحكموا بسلام وقوة، لكن تظهر الملكة أمينة أن النساء يؤسسن الإمبراطوريات أيضا، فقد أسست أقوى إمبراطورية في غرب أفريقيا إبان حكمها لزازاو، ومازالت آثار حكمها باقية حتى الآن.
حياة الملكة
يتضمن الفلكلور الشفهي العديد من القصص عن الملكة أمينة، إلا أن فترة حكمها مازالت موضع خلاف بين المدارس التاريخية، فيضعها البعض في القرن 15 والبعض الآخر في القرن الذي يليه. ورغم الأساطير المتداولة عنها فلا تظهر قصتها كتابيا باستثناء ذكرها في كتاب محمد بيلو “إنفاق الميسور في بلاد التكرور” الذي يرجع تاريخه إلى عام 1836.
كان والد أمينة ملك باكو، وكطفلة صغيرة كانت تحضر أعمال والدها الحكومية، وكانت منافسة محتملة للعرش، وقد لاحظ والدها فطنتها العسكرية في سن 16، وعهد بتربيتها لتصبح ملكة المستقبل.
وبالفعل بدأت في تعلم مسؤوليات الملكة برعاية من والدها من خلال مشاركتها بالتجمعات اليومية مع كبار الشخصيات بالمملكة، وعلى الرغم أن عهده تميز بالسلام والازدهار فإن أمينة اختارت أن تتعلم المهارات العسكرية من المحاربين.
فتدربت على مهارات الحرب العسكرية وخاضت معارك مع شقيقها “كرامة” وسعت بها لحكم مملكتها وعملت على نشر تعاليم الإسلام.
الوصول للحكم
توفي الأب على الأرجح عام 1566، وكانت مملكة زازاو يحكمها كرامة (شقيق أمينة الأصغر). وخلال عهده برزت هي كمحارب رئيسي لسلاح الفرسان في المملكة، وجلبت نجاحاتها العسكرية الثروة والسلطة.
وعندما توفي شقيقها بعد عشر سنوات من الحكم، توجت أمينة ملكة، وخلال فترة حكمها التي استمرت 34 عاما كانت أول ملكة للإمبراطورية التي هيمن على حكمها الذكور.
وبعد ثلاثة أشهر من حكمها فقط خرجت في أول معركة حربية، فوسعت حدود مملكتها إلى الساحل الأطلسي، وأسست عدة مدن، وقادت شخصيا جيشا من عشرين ألف جندي إلى معارك عديدة.
ولم ينصب تركيزها على ضم الأراضي المجاورة، ولكن إجبار الحكام المحليين على قبول حكمها والسماح لتجار الهوسا بالمرور الآمن، وامتد ضم الأراضي إلى حدود زاريا التي ازدادت أهميتها أيضا، وأصبحت مركز التجارة بين الشمال والجنوب الصحراوي وتجارة شرق وغرب السودان.
ومعمارية أيضا
كانت أمينة أكثر من مجرد محاربة وملكة فكانت أيضا مهندسة معمارية، فحتى الآن تشتهر أراضي الهوسا بالأسوار المبنية حول العديد من مدنها، ومازال يطلق عليها حتى الآن “أسوار أمينة” وهي جزء من تراث الملكة المحاربة الذي عاش لآلاف السنين.
وقد صممت تلك الأسوار لحماية كل مدينة غزتها، وكانت الجدران عنصرا هاما في تطوير الحياة الحضرية الأفريقية، حيث أعطت تعريفا للمستوطنات ووفرت الأمن النفسي والبدني في الأوقات غير المستقرة، وكذلك الحماية ضد السرقات في وقت السلم.
وينسب إليها الفضل في اختراع الدروع المعدنية لأغراض الحرب بما في ذلك خوذات الحديد، ولشجاعتها وإنجازاتها تم بناء تمثال على شرفها في المسرح الوطني للفنون، في لاجوس نيجيريا، كما يحمل اسمها عدة مؤسسات تعليمية في نيجيريا.
تراث أمينة باق حتى الآن، ومازالت قبائل الهوسا تحتفل ببراعتها ويتغنون بحياتها في أغنية فلكلورية تحمل اسمها.
ماتت على صهوة جوادها
ماتت الملكة المحاربة على صهوة جوادها في إحدى معاركها العسكرية، ولم يعرف تحديدا مكان تلك الواقعة، وإن كانت بعض المراجع تشير لكونها توفيت أثناء حملة عسكرية في أتاجارا بالقرب من بيدا في نيجيريا.
وتبقى تركات وأمثلة النساء مثل أمينة لتشير إلى قدرة المرأة الأفريقية في تشكيل مصيرها ومصير مجتمعها أيا كان وضعه.
(المصدر: الجزيرة / مواقع ألكترونية)