مقالاتمقالات مختارة

الملحدون يدحضون حجتهم بأنفسهم.. تناقض الإلحاد وحيله

بقلم عبدالله الحسيني

لابد لكل منهج بشري من “نموذج” و “أسلوب حياة”

لا نفتأ نُذَكِّر أن المناهج البشرية في تفسير الوجود وتنظيم حياة الإنسان هي أديانٌ بكل ما في الكلمة من معنى، ولكل دين من هذه الأديان “نموذج” و”أسلوب حياة”، كما أن للدين الحق “نموذج” و”أسلوب حياة”، أما النموذج؛ فهو في اللغة الشرعية القدوةُ والإمامُ الذي يُؤتم به، وأما أسلوب الحياة؛ فهو الْـهَدْيُ والسُّنَّة، ولكل “دينٍ سماوي” أو “منهج بشري وضعي” (=الدين الوضعي) قدوةٌ (=model) وَسُنَّة (=mode)، قُدْوَةٌ يُقْتَدى به في أسلوب الحياةِ ونمط العيش، يُسَطِّرُهُ القدوةُ أو يُسَطَّرُ لَه غالبًا.

ففي المساحات الشاسعة من حياة الإنسان التي لا يطالُها حُكْمُ القانون الإلحادي ولا يستطيعُ التدخُّلَ فيها بشَكْلٍ مكشوف، تَـنْـبَري المناهج البشرية -التي هي أديانٌ في حقيقتها- في سُعارٍ مُضْطَرِم لِتُربِّيَ الأجيالَ على نَمَاذِج “للتَّقْليد” (=قُدْوات models) وَتَرْسُمَ لَهُم “أسلوب حياة” (=سُنَّة Life Style) يسيرون عليه فلا يخرجون عنه تمامًا كما يُسَطِّرُ المُخْرِجُ للمُمَثِّلينَ سيناريُو فيلمٍ سينمائي!

أسلوب الحياة الذي يعرضه الإلحاد

الإلحاد

وأسلوبُ الحياة الذي يعرضهُ الإلحادُ (الصريحُ أو المغلَّفُ بمساحيق الديمقراطية أو النصرانية)، الأسلوب الذي يعرضهُ هذا الإلحادُ على المجتمع، ويسخِّرُ له الإمكانيات الجبارة هو في حقيقةِ الأمر سُنَّةٌ مفروضة أو سُنَّةٌ مُؤَكَّدَة يَحْرُمُ على الشعوب ترْكُها واتباعُ أسلوبِ حياةٍ غيرها!

والإلحاد إذ يُقَدِّمُ ذلك فإنَّهُ يُقَدِّمُه وَيُصَوِّرُهُ على أنه اختيارٌ حرٌّ للشعب لا إجبارَ فيه ولا إكراهَ ولا تدخُّلَ للقانون والسلطةِ فيه! وقدْ يُدْرِكُ الفردُ أحيانًا أنَّهُ لا اختيار له في اتباع “البروتوكول” الإلحادي والهَدْيِ الكُفري، فيجدُ نفسَهُ مجبرًا مثلًا على التعرِّي تعريًا كاملًا أو جزئيًا على الشاطئ، وإلا فإنه قد يكونُ مثارَ سُخريةٍ قاسية بين رُوَّادِ الشاطئ أو في وسائل الإعلام إذا كان شخصية مؤثرة، وفي بعض نوادي العراة يجبُ عليه التعري كاملًا إذا أرادَ دخول بعض الشواطئ!

ويُسَمُّون ذلك بالثقافة السائدة والعادات السائدة، والعاقل يدرك أن هذه السُّنَنَ الإلحادية لم تأت من فراغ؛ بل فُرضَتْ على الشعوب فرضًا وبطريقة خبيثة، في استدراج ماكر لعشرات السنين، يُرَبَّى فيها كل جيلٍ -شيئًا فشيئًا- على نسبةٍ ما من الفطرة الفاسدة، ثم يأتي الجيل اللاحق ليُكْمِل مسيرة الجيل السابق نحو الانسلاخ من الفطرة، وهكذا تجتالُ آلهةُ دين الإلحاد وشياطينه الفردَ عن الفطرة الأولى النقية (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، ويحسبُ كلُّ جيلٍ أنَّهُ لم يتغير شيءٌ، وأن العادات هي العادات، وأنَّهُ لا يزالُ على الأمر الأول، ولا يدري أيَّ مورِدٍ آسنٍ أوردوه حتى نزعوا عنه لباسَهُ وأروْهُ سَوْأَتَه!

بل و”بَرْمَجُوه” على شتى أنواع الإدمان: الإدمان على التدخين والإدمان على الخمور والقمار والعري والعربذة بعد أن غسلوا دماغه وأقنعوهُ أن كل ذلك أمر طبيعي لا مَعَرَّةَ فيه ولا مَسَاءة! وهو مُجبرٌ إن كان رجلًا على الاختلاط بالنساء ومصافحتهن وتقبيلهن، وإن كانت امرأة فهي مجبرة على الاختلاط والخَلْوَةِ بالمدير والرئيس إذا كانت سكرتيرة، أو أن تكونَ نادلةً تظهر مفاتنها لتخدُم السكارى والمعربذين، وهكذا… وقل ذلك في أسلوب اللباس وطريقة الأكل والعلاقات المهنية والمناسبات الاجتماعية، والفن والغناء والسينما والرياضة والاحتفالات، وطريقة تصفيف الشعر، والزينة والأوشام وأقراط الأذن والأنف وسلاسل الذهب والفضة…

قصة الطبيب المسلم

الإلحاد

يؤكدُ هذا قضيةُ الطبيب المسلم الذي رفض أثناءَ مراسيم التجنيس بروتوكولَ مصافحة المرأة التي ستقدم له شهادة الجنسية الألمانية، فقالت تحت عنوان “وَعَدَ زوجته ألا يلمس يد امرأة أخرى.. محكمة ألمانية ترفض منح الجنسية لمسلم أعرض عن مصافحة سيدة”: (قضت محكمة ألمانية بعدم منح الجنسية لطبيب مسلم رفض المصافحة باليد لامرأة كانت تهم بمنحه شهادة التجنيس، وفق ما أوردت صحيفة ذي تلغراف (The Telegraph) البريطانية.

وذكرت الصحيفة أن المحكمة الإدارية في ولاية بادن فورتمبرغ (Baden-Württemberg) جنوب غربي ألمانيا حرمت الرجل -وهو لبناني الأصل- من حقه في أن يصبح ألمانيًا بعد أن رفض مصافحة المرأة؛ لأن ذلك يعتبر دليل على أنه اعتبرها “تهديدًا بالإغواء الجنسي” بحسب المحكمة.

وأوضح القضاة أن الحصول على الجنسية الألمانية يعتمد على قدرة مقدم الطلب على إثبات أنه يعيش وفقًا للقيم المنصوص عليها في الدستور الألماني، الذي يكرس من بين أمور أخرى المساواة بين الجنسين.

وجاء في نص الحكم أن المصافحة باليد “تقليد قديم” لإلقاء التحية أو الوداع بغض النظر عن الحالة الاجتماعية أو الجنس. وعلى الرغم من وجود تحيات أخرى معترف بها في ألمانيا؛ مثل التقبيل أو مطابقة الكفين، فإن المصافحة لها أهمية خاصة نظرًا لاستخدامها الرسمي في إتمام المعاملات التجارية ولكونها دليلًا على الاتفاق في بعض المحاكم).

وفي مقال لصحيفة “الدوتشه فيله” DW الألمانية الشهيرة، وتحت عنوان “لهذه الأسباب حرمت محكمة ألمانية طبيبًا لبنانيًا من نيل الجنسية”، وهو “تحريم” كما ترى!

قالت الصحيفة: “قضت محكمة ألمانية بصحة منع لبناني من الحصول على الجنسية الألمانية رغم اجتيازه كافة الاختبارات؛ وذلك لامتناعه عن مصافحة الموظفة المسؤولة عن ملفه. وعللت القرار بإضفاء الشرعية على “المنظور السلفي” للعلاقة بين الرجل والمرأة…

وبعد لجوء الطبيب المسلم (40 عامًا) إلى المحكمة الإدارية في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية، قضت الأخيرة بعدم حصوله على الجنسية لأنه يرفض مصافحة النساء لأسباب دينية. وحجبت المسؤولة الألمانية شهادة الجنسية بعد رفض الطبيب مصافحتها، على الرغم من كون الطبيب قد قال للمحكمة لاحقًا أنه وعد زوجته بعدم مصافحة امرأة أخرى.

ووصفت المحكمة المصافحة بأنها من الطقوس المشتركة للترحيب والتوديع، وأنها مستقلة عن جنس الأطراف المعنية، مضيفة أن هذه الممارسة تعود إلى قرون مضت. ووجد القاضي أن للمصافحة أيضًا معنى قانونيًا؛ إذ أنها ترمز إلى إبرام عقد، مضيفًا أنها متجذرة في الحياة الاجتماعية والثقافية والقانونية التي تشكل الأسلوب الذي نحيا به جميعًا في ألمانيا.

وخلصت المحكمة إلى أن أي شخص يرفض المصافحة على أساس الجنس ينتهك المساواة المنصوص عليها في الدستور الألماني. وقالت المحكمة إنه لم يكن هناك فرق في أن الرجل أعلن الآن أنه لن يصافح الرجال أيضًا، واعتبرتها مجرد خطوة تكتيكية، ورأت أنه بالإضافة إلى ذلك كان لرفض الرجل في هذه الحالة تأثير إضفاء الشرعية على “المنظور السلفي” على التداعيات الاجتماعية للعلاقات بين الرجل والمرأة”.

ولم يشفع للطبيب المسلم سنواتُه التي قضاها في دراسة الطب في ألمانيا، ولا عمله كطبيب في المصحات الألمانية، ولا اجتيازه كافة اختبارات طلب الجنسية بمعدل متفوق، ولا توقيعه على الالتزام بالولاء للدستور الألماني والتعهدات الإلزامية الأخرى ضد التطرف! ولا حجتُهُ التي أدلى بها حين علَّلَ تصرُّفه بأنه وعد زوجتَهُ ألا تلمسَ يَدُهُ يد امرأة أخرى! كلُّ ذلك لم يشفعْ له!

التشدد في الإلحاد

فآلهةُ الإلحاد والأديان البشرية متشدِّدُونَ جدًا في الأصول والفروع! ولا يتساهلونَ في ترك سُنَّةٍ من سُنَنِ دينِهم، ولا يرضونَ أن تُزاحم سُنَنُ دينٍ آخرَ سُنَّتَهُم، خصوصًا سُنَنَ دين الإسلام؛ لأنّهم يدركونَ أنَّ هذا دين وذاك دين، وهذه سنة وتلك سنة، لذلك تَحْرِصُ آلهةُ العلمانية على أنْ تكونَ لها سُنَّة مستقلَّة وأسلوب حياة مستقل! وأول من يدركُ هذه الحقيقة هم المسلمونَ الملتزمون بالسَّمْتِ الإسلامي والْهَدْيِ المحتشم، فإنهم يُحِسُّون في قرارة أنفسهم أن ثمةَ إجبارًا خفيًا وإكراهًا ثقيلًا يُمارسه شياطينُ الإلحاد لِحَمْلِ المسلمينَ على التَّهَتُّكِ والمُجُون وترك الستر.

حقيقة ديمقراطية ماكرون

يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابٍ ألقاه في البرلمان الأوروبي في السابع عشر من أبريل 2017: (أود فقط أن أشارككم “قناعتين قويتين”: الأولى هي: أننا إذا قررنا التخلي عن ارتباطنا بالديمقراطية وكلِّ ما تتطلَّبُه في أوروبا، فسنكون على السبيل الخطأ، والقناعة الثانية: هي أنه يمكننا في هذا الإطار، ويجب علينا أن نبني سيادة أوروبية جديدة وسنقدم من خلالها لمواطنينا إجابة واضحة وحازمة بأننا نستطيع حمايتهم، وأن نقدم إجابات لهذه الاضطرابات في العالم.

في الواقع، في هذا العالم وهذه اللحظة الصعبة، أعتقد بعمق أن الديمقراطية الأوروبية هي أفضل فرصة لنا، وأسوأ الأخطاء هو التخلي عن نموذجنا، وأجرؤ على قول هُوِيَّتِنَا.

هويتنا أولًا وقبل كل شيء هي هذه الديمقراطية التي تحترم الفرد والأقليات والحقوق الأساسية، هي ما كنا نسميه الديمقراطية الليبرالية.

إن هوية أوروبا هي أكثر من مجرد ديمقراطية معنية بالحرية، إنها ثقافة فريدة من نوعها في العالم تجمع بين هذا الشغف بالحرية، وتذوق المساواة، والالتزام بتنوع الأفكار واللغات… ومن الواضح أن هذه الهوية تميزنا عن القوى الاستبدادية قبل أي شيء آخر…

أخيرًا، تقوم أوروبا الحرية والمساواة هذه على أساس القيم الاجتماعية التي أعلناها معًا في غوتنبرغ، وهذه أوروبا الاجتماعية هي أيضًا أوروبا السيادة، وهذا هو الأساس الذي نؤمن به).

لقد تحدث “ماكرون” في خطابه عن “قناعات قوية” وليست هذه القناعات إلا العقائد؛ عقائد دين الديمقراطية الإلحادية، وتحدث عن تقديم “إجابات” واضحة وحازمة؛ وليس ذلك إلا “الفتوى” في دين الديمقراطية، وتحدث عن “الاعتقاد”، وتحدث عن “النموذج” و “الهوية”؛ وليس ذلك إلا “القدوة” و “الهديُ” و “السنَّة”، وتحدث عن “الثقافة” وهو ما قدمناه آنفًا أنه أسلوب الحياة، وتحدث عن “القيم الاجتماعية” وتحدث عن “الإيمان”…

والمتأمل في لغة الرئيس الفرنسي يَجِدُها في حقيقتها لغة دينية متشددة، لكنَّها مُتَخَفِّيَةٌ وراء ألفاظٍ من قواميسَ أخرى فلسفية وسياسية ولغوية! وكيف لا وقد قدمنا أن المناهج البشرية ليست في حقيقتها إلا أديان صنعها الساسة وأصحاب رؤوس الأموال؟! فالعلمانية التي يدافع عنها “ماكرون” بشراسة وحماسٍ ليست سوى دين محارب للأديان السماوية وللفطرة، دينٌ له أئمتُه وقدواته وهَدْيُه وسُنَنُه ومستحباته ومكروهاته وحرامه وحلاله وحدودُه ونواقضه!

من وسائل نشر الإلحاد

الإلحاد

ويستعملُ المُنَظِّرُونَ لنشر “أسلوب حياة الإلحاد” حُثَالةً مِنَ الصعاليك التافهينَ ممن لهم صِفَات خلْقيَّة جذابة كالضخامة والوسامة والرشاقة والجمال والقوة وجمال الصوت، أو مهارات نادرة في بعض الألعاب أو الشهرة في مجال من المجالات كالفن والسينما والرياضة والثقافة والسياسة والعلوم، أو إرثًا سياسيًا عائليًا، أو قدرة فائقة على الخطابة وإثارة عواطف الجماهير، ويستغلون في ذلك حقيقةً علمية خطيرةً؛ ألا وهي غريزةُ تقليدِ الأفضل والتشَبُّهِ به (وإن كان في حقيقة الأمر الأسوأ).

ويكفي في هذا أن يبتدعَ أحدُ أولئك التافهين طريقةً ما في اللباس أو تصفيف الشعر أو الأوشام، أو أن يطعن في الأديان والأنبياء ونحو ذلك، وغالبًا ما تكونُ أبالسُ الإلحاد مصْدَرَ كلِّ ذلك حتى يتلقَّفَهُ القطيعُ من وسائل الإعلام في بلاهة وبلادةٍ منقطعة النظير فَيَصِيرَ سُنَّةً حسَنَةً وَهَدْيًا يُهْتَدَى به وأسلوبَ حياةٍ! لأنهم يرونَ أن ذلك من الفضائل ومما يُمْدَحُ به.

وأكبرُ تضليلٍ مارَسَهُ -ولا يزالُ- يمارسُهُ أحبار الإلحاد على البشرية هو إخفاءُ الحقائقِ العلمية، تمامًا كما كان يكتمُ الأحبار الوحيَ يجعلونه قراطيس يبدونها ويخْفُون كثيرًا، هذا مع توظيف تلك الحقائق لتضليل الشعوب وتذليلها، ومن تلك الحقائق العلمية الرهيبة والخطيرة في علم النفس: غريزة حُبِّ التقليدِ عندَ البشر؛ فيقَدِّمُ هؤلاء التافهون للشباب في صورة “أبطال” وقُدْواتٍ حسنة، فلا تلبثُ أن ترى الشباب يقلِّدُ تقليدًا أعمى بلا وعي ولا تفكير!

تشخيص ابن خلدون الثاقب

وهذا ما توصل إليه الفقيه وعالم الاجتماع المسلم “ابن خلدون“؛ حيث قال في مقدمته: “الفصل الثالث والعشرون في أن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تُغَالَطُ به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب… ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتّخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبّهين بهم دائمًا؛ وما ذلك إلّا لاعتقادهم الكمال فيهم”.

وقد رأينا في آخرِ ما رأينا سَعْيَ شياطين الإلحاد في “تخنيث الرجال” كخطوةٍ أولى نحو الشذوذ؛ فأوحوا إلى لاعبي الأندية الكبيرة أن يلبسوا حمالات صدر سوداء كمثل حمالات الصدر الخاصة بالنساء، وروَّجوا لها تحت ذريعة فوائدها الصحية المذهلة! وقد كان بالإمكان تصميمُها على شكل قميصٍ كامل، أو ارتداؤها تحت الأقمصة فلا تظهر للعين، أو تصميم جهاز آخر يؤدي الوظيفةَ نفسَها، ولكن شياطين الإلحاد الذين أخرجوا المرأة الأوروبية من فطرتِها ونزعوا عنها ملابسها بحجة التحضر، أبوا إلا أن “يُخَنِّثوا” الرجال ويجتالوهم عن فطرتهم، ويشيعوا مظاهر الشذوذ الجنسي لتألفها العيون والقلوب استدراجًا للشباب أن يقتدوا بتلك “القدوات” المصنوعة؛ تمهيدًا للتطبيعِ مع الشذوذ في مستقبل الأيام ثُمَّ من بعد ذلك قَبُوله!

وقد أدْرَكَتْ بعضُ الجماهير ببقية الفطرة التي لم تتدنسْ فيهم أن ذلك السَّمْتَ مدعاةٌ للسخرية والاشمئزاز وهو ما دفع الآلة الإعلامية لشياطين الإلحاد والشذوذ إلى نشر تقارير عن هذه الحمالات وميزتها وغلاء ثمنها، وأنها تحملُ داخلها أجهزة استشعار تجمعُ البيانات الخاصة باللاعبين وكل ما يتعلق بلياقتهم البدنية…

وهم يعلمون كما يعلمُ العقلاءُ أن وراء الأكمة ما وراءها، وأنهم يخططون لاستدراج الشباب للتخنث ثم الشذوذ عبر قبول مظاهر الشذوذ واحدًا تِلْوَ الآخر، والدَّليلُ على هذا أن تلك الحمالات قد لبسَهَا قبل اللاعبين كثير من الفُجَّارِ والمُجَّانِ من أهل الغناء والرقص والتمثيل منذ عقود! إلا أن ذلك لما لمْ يُؤْتِ النتيجَةَ المرجوَّة، عمدوا إلى رياضةٍ من أكثر الرياضات تأثيرًا وشعبية في العالم (كرة القدم)، فأقنعوا الأندية الكبيرة باستعمالها وإجبارِ اللاعبينَ على ارتدائها، فذاعَ صِيتُها واشتهرت بسبب الآلة الإعلامية الضخمة التي يملكُها شياطينُ الإلحاد، ثم تلقَّفَها القطيعُ الأعمى بعد ذلك! وكيفَ لا والأبطالُ المشاهيرُ يرتدونها؟!

وبمثلِ هذه الحيلِ الماكرة أقنعَ شياطينُ الإلحادِ المرأة الأمريكية بالتدخين، بعد أن كان التدخينُ سُنَّةً خاصة بالرجال! ثم صار فيما بعدُ “هَدْيًا” وأسلوب حياةٍ للرجال والنساء على حد سواء.

حيلة الشيطان للإفساد

الإلحاد

يقول الشيطان “إدوارد بيرنز” الذي تولى كِبْرَ هذه الجريمة: “اتصل بي في أحد الأيام السيد “جورج هيل” مدير شركة التبغ الأمريكية، وقد كانت من أهم شركات التبغ، وربما أكبر شركة تبغ في العالم وقتَها، وقال لي: نحن نخسرُ نصف السوق الخاص بنا، فقلت له: لماذا يا سيد “هيل”؟، قال: إن الرجال يحرمون التدخين على النساء سواء في العلن أو حتى في البيوت، فما الذي يمكننا فعله لنقضِ هذا “المُحَرَّم”؟

فقلت له: هل تسمحُ لي باستشارة محلل نفسي؟ قال: فسألني: كم سيُكلِّفُ ذلك؟ قلت: دعني أسأل أولًا. قال إدوارد بيرنز: فاتصلتُ بالدكتور بريل الذي كان أفضل تلاميذ عمي “سيجموند فْرُويْد”، وسألتُهُ: كم ستُكلِّفُ استشارتُكَ يا دكتور في موضوع يهم الناسَ الذين أتعامل معهم؟

قال: مائة وخمسة وعشرون دولارًا (وهي بمقاييس اليوم تساوي تقريبًا عشرين ضعفًا لذلك المبلغ)، فذهبت إلى دكتور بريل وسألته: ماذا تعني السجائر للنساء؟ فأجاب بسرعة: السجائر هي مشاعل الحرية للنساء، إنهن يرغبن في التدخين لكسر سلطة الرجل عليهن بعدم سماحه لهن بتناول السجائر، ولهذا فإنهن يرغبن في التدخين، ثم فكر قليلًا وقال: إن السجائر تستثير شفاهَـهُنَّ لأنها مناطق إثارة جنسية).

يقول إدوارد بيرنز بعد نهاية الحوار: (وبهذا أصبحْتُ أملكُ المعلومة التي تساوي 125 دولارًا، وجدت أن هناك يومان يمثلان الحرية في الولايات المتحدة؛ أولهما كان عيد الاستقلال في 4 يوليو وهو يمثل الحرية السياسية، ولكنه لم يكن اختيارًا جيدًا؛ لأن الناس كانت تستعمل الألعاب النارية في ذلك اليوم، حيث كان يُسمحُ بها في ذلك الوقت، كان ذلك من خمسين سنة، واليوم الآخر كان يوم حرية النفس؛ وهو يوم الأحد، وكان عيد الفصح، وتبين لي أن أي عاهرة مبتدئة تُدْرِكُ أنها معرَّضَةٌ للتمييز سيسعدُها أن تشاركَ في مسيرة عيد الفصح وهي تدخن، لِتُظْهِرَ بشكل درامي أن السجائر هي بالفعل مشاعل الحرية لإبطال ذلك “التحريم” الجائر (تحريم التدخين) على النساء ونقضه.

فاتصلت بصديقة دائمة لي، وسألتُها أن تحضر صديقة أخرى وشابين معها، وعَلَّمْتُهُم كيفَ يسربونَ ما ينوون فعلهُ إلى نشرات الأخبار والجرائد الأسبوعية للمؤسسات الإعلامية الثلاثة الكبيرة وقتها؛ (AP) و (The united press) و (The International News Service)، وقام الشبان الأربعة بالمشي من شارع 34 إلى شارع 57 جيئة وذهابًا حاملين مشاعل الحرية! في مظاهرة ضدَّ اللاإنسانية التي يظهرها الرجال للنساء بتحريم التدخين عليهن! في الصباح التالي لم تَخْلُ صحيفة من الصحف الأمريكية -حتى النيويورك تايمز- في افتتاحيتها الخبر الكبير تحت عنوان: “العاهرات يشعلن مشاعل الحرية ليعترضن على وحشية الرجل في تحريم التدخين عليهن”، ويشعلن السجائر وهن سائرات!”.

يضيف إدوارد بيرنز: “الشيء الذي أثار اهتمامي هو أنه خلال ثلاثة أيام نشرت الجرائد -من دون تدخل مني- وقائع لنساء يُدَخِّنَّ في الميادين الرئيسية في سان فرانسيسكو، ودينفر، وبوسطن، والذي أدهشني هو أنه خلال ستة أسابيع -ومن دون تدخل مني- قامت المسارح بإلغاء حظر التدخين على النساء، وصار التدخين مباحًا للنساء أيضًا، وتحول هذا إلى ظاهرة بين المسارح!”.

تقول الموسوعة الحرة عن بيرنيز: “ومن أشهر حملاته كانت تلك الحملة التي تهدف لنشر تدخين السجائر بين النساء في 1920. حيث ساعد بيرنيز تجارة التدخين على تخطي أهم المحرمات الاجتماعية في ذلك الوقت”.

وتقول أيضًا: (كانت طريقة بيرنيز المفضلة للتلاعب بالرأي العام تتمثل في استخدامه طريق غير مباشر “طرف ثالث” لتبرير دوافع عملائه. ويقول بيرنيز: إذا كنت قادرًا على التأثير في القادة سواء مع أو بدون وعيهم الكامل وتعاونهم فإنك سوف تؤثر وبشكل تلقائي على المجموعة التي تقع تحت سيطرته).

هكذا تلاعبَ شياطينُ الأديان البشرية بالعقول وضللوا الرأي العامِّ، فأفسدوا المجتمعات بما سَنُّوهُ للناسِ من السُنَن السيئة، وَسَطَّرُوا لهم “هَدْيًا” تُسْلَبُ بهِ أموالهم وتسْرَقُ به جُهُودهم بمهارةٍ لا يبْلُغُها كبارُ سَحَرة الجنِّ والإنس!

ولك أن تضع بدل “سيجارة بيرنز” ما شئتَ من العقائد المُنحرفة والسُّنن السيئة والعادات القبيحة في المأكل والمشرب والملبس والتدين والعلاقات الشخصية؛ كالشذوذ والسحاق والزنا ومعاقرة الخمور والأوشام والأقراط ومظاهر التخنث للرجال، ومظاهر الترجل للنساء، والجراءة على سبِّ الذات الإلهية، والسخرية من الأنبياء والكتب السماوية، والسخرية من الأحكام الشرعية… فكلُّ تلك الشرور إنما كانت في أولها مكرًا دُبِّرَ بليل، ثم تتابعَ عليه شياطينُ دين الكفر على مرِّ العصور ليجعلوه أسلوب حياةٍ، وهَدْيًا بديلًا عن هديِ المرسلين وسُنَنِهِم.

الخلاصة

والخلاصةُ أن لكل منهج بشري هَدْيًا وسُنَّةً يحرصُ على نشرها في الناس عبرَ جيشٍ من الأصنام البشرية المصنوعة في مجالات الغناء والرقص والتمثيل والرياضة والثقافة والسياسة والقانون والدين، يُوَجِّهُونَ الناسَ إلى الهَدْيِ الذي يُوحيه إليهم شياطينُ الكفر، ذلك الهَدْيُ الذي لا يتردَّدُ القطيعُ في قبوله واتباعه بلا وعي ولا إدراك بعد أن رأى المشاهير يتبعونه، وبهذا يُطَوَّعُ القطيع ليكونَ آلةً لإنتاج المال وسلاحًا يُرْمَى به في وُجوه كل من عادى مصالح لوبيات المال والسلطة أو حاربَ الدين الفاسدَ الذي ينشرونه في الناس.

ولسانُ حالهم لسانُ فرعون إذ قال: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ)، وكيفَ لا يقول ذلك وهو القائل: (أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ)، وقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي)، وقال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ)، غيرَ أن فرعون كان صادقًا مع نفسه، متناسقًا مع مذهبه، غيرَ مُداهنٍ ولا منافق، فقد علمَ الشَّقيُّ أنَّ اتباعَ “الدين” المُزَيَّف تأليهٌ لمن وضعوه! وأما فراعنةُ العصر وسحرتُهُم، فقد تنازلوا عن ادعاء الألوهية والربوبية لفظًا، مستغلين جهلَ الناسِ بحقيقة العبادة وحدودها!

(المصدر: موقع تبيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى