مقالاتمقالات مختارة

المكتشفات العلمية وما تفرضه في مجال الدعوة والتفسير… قضية عاجلة

المكتشفات العلمية وما تفرضه في مجال الدعوة والتفسير… قضية عاجلة

بقلم أحمد التلاوي

يمضي العلم بخطى واسعة ومتسارعة، محققًا الكثير من المنجزات والمكتشفات الحديثة، في مختلف الاتجاهات، الكيمياء والفيزياء والبيولوجي وغير ذلك، في إطار سطوة غير مسبوقة عبر التاريخ لإطار أو سياق بعينه، وهي سطوة الرَّقْميات، وما قادت إليه من متغيرات شملت كل شيء، حتى البنية النفسية والسلوكية والاجتماعية للإنسان.

في هذا الصدد، نقف أمام نقطة شديدة الأهمية تتعلق بالمكتشفات والمبتكرات الحديثة التي تخص مجالاً بعينه فيه مناطق تماس شاسعة مع أمور العقيدة، وبالتالي مع الخطاب الدعوي، وتفسير القرآن الكريم، وهي المجالات المتعلقة بعلوم البيولوجي والفيزياء.

وتعود أهمية هذا الموضع من الحديث إلى اتصاله بقضية على أكبر قدر من الأهمية، ناقشناها في أكثر من موضع سابق، وهي قضية #الإلحاد، أو على أقل تقدير، طغيان الأفكار #العلمانية، والابتعاد عن جوهر فكرة التديُّن ومركزيتها في حياة المجتمعات الإنسانية.

بدايةً، فإن السياق العام لقضية المتبكرات الحديثة يتفق مع أمر قرآني مهم، وهو المتعلق بالتدبُّر والتأمُّل في آيات الله تعالى في خلقه، كجزء من تمتين إيماننا به سبحانه، وبأنه الخالق الواحد الأحد لهذا الكون، ومدبِّر أمره.

السياق العام لقضية المتبكرات الحديثة يتفق مع أمر قرآني مهم، وهو المتعلق بالتدبُّر والتأمُّل في آيات الله تعالى في خلقه، كجزء من تمتين إيماننا به سبحانه، وبأنه الخالق الواحد الأحد لهذا الكون، ومدبِّر أمره

يقول عز وجل: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورة “العنكبوت”–الآية: 20]، ويقول تعالى كذلك: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سُورة “فُصِّلَتْ”–الآية: 53].

إلا أن ثمة إشكالية في مجموعة من المتكشفات الأخيرة في مجال الأحياء التي تبدو وكأنها تتصادم مع نصوص القرآن الكريم.
ومن أهم المجالات التي تعنينا في هذا الصدد، هي ما تم اكتشافه في مجال البحوث المتعلقة بأصل الإنسان، على النحو الذي تمّ في الجزائر وجنوب أفريقيا مؤخرًا، وتتناقض مروياته وتفاصيله مع قصة خلق أبو البشر، آدم (عليه السلام)، وقصة نزوله إلى الأرض، التي جاءت في القرآن الكريم، واتفقت عليها الكتب المُنَزَّلة من لدن الله تعالى، من قبل تنزيل القرآن الكريم.

وبدرجة أقل، فإن هناك مكتشفات في مجال الفيزياء الفلكية، وعلوم الفضاء بشكل عام، منها ما يتعلق بتعاقب الليل والنهار، وقضايا أخرى ذات صلة، تكلَّم عنه القرآن الكريم بشيء من التفصيل.

وهو تصادم ظاهري بطبيعة الحال، ولكن المشكلة تبدو عندما نقف أمام نقطة بعينها تخلق هذا التناقض غير الحقيقي في جوهره، وهي تلك المتعلقة بقضية صارت مزمنة، وتلاعبت بها أخطر ظاهرتَيْن أثّرتا على المشروع الإسلامي، وهما: تلاعبات السياسة، والخلافات الفقهية والفكرية بين الحركات الإسلامية، أو التي تنسب نفسها إلى المنهج الإسلامي؛ وهي قضية تجديد الخطاب الديني.

فبعيدًا عن الخلافات الفقهية، وبعيدًا عن سعي بعض الأنظمة والحكومات المستبدة في عالمنا العربي إلى توظيف هذه القضية، تجديد الخطاب الديني، فإننا -وتحت وطأة تطورات وقضايا مثل هذه التي نناقش في هذا الموضع من الحديث- بحاجة فعلاً إلى إعادة النظر في كثير من الأمور، ومن بينها تأسيس تفسير جديد لآيات القرآن الكريم بشكل يوائم ما بين حقائق العلم التي تؤكدها الحواس الظاهرة بما لا يجعل هناك مجالاً للشك فيها، وبين النصوص القرآنية.

فالتفاسير الموضوعة للقرآن الكريم، إما أنها تقف في أغلبها عند مفردات عصرها، وبيئتها، أو أنها تقف عند الأحكام الفقهية، مع مرور غير وافٍ على النقاط التي تتصل بهذا الشأن، في ظل قناعة ترسَّخت عبر قرون التأخر الحضاري التي مرَّت بها الأمة، من أنه لا أهمية ولا هدف أمام الإنسان، إلا معرفة دينه، في نظرة سطحية للغاية لمفهوم الدين الشامل.

التفاسير الموضوعة للقرآن الكريم، إما أنها تقف في أغلبها عند مفردات عصرها، وبيئتها، أو أنها تقف عند الأحكام الفقهية، مع مرور غير وافٍ على النقاط التي تتصل بهذا الشأن

كما أنها نظرة تتجاوز أهمية العلوم الدنيوية الأهم، مثل: الطب والهندسة والرياضيات، في مساعدة الإنسان في أحد أهم الأمور التي خُلِقَ لها، وهي عمارة الأرض، وتحقيق سُنَّة تسخير الموجودات المتصلة بها.

ونعيد التأكيد هنا على مركزية قضية خلق الإنسان؛ حيث ترتبط هذه القضية بصراع طويل صار له نحو قرنَيْن من الزمان، استفاد فيه العلمانيون واللادينيون والملحدون من أفكار تشارلز داروين، ولاسيما نظريته في التطور، وكان القرآن الكريم ونصوصه على رأس قائمة الاستهداف بأفكار هذه النظرية.

ولكي نؤكد على أهمية هذه القضية، فإن العنوان العريض الذي تمّ تداوله عندما تم اكتشاف الحفريات الأخيرة في الجزائر مثلاً، كان اكتشاف حفريات جديدة في الجزائر قد تغير نظرية مهد البشرية.

كذلك قضية وجود نوعيات من القردة العليا، تتشابه في تركيبها الجيني مع الإنسان، وتجيد استخدام الأدوات البدائية، مثل الحجارة في حياتها اليومية، مثلما كان عليه حال الإنسان وقتما كانت الإنسانية في أول درجات سُلَّم التطور الحضاري.

وبالتالي فإننا أمام أهم تحدٍّ يتهدد مصداقية القرآن الكريم، ومصداقية الخطاب الدعوي المنبثق منه أمام غير المسلمين ممن نشأوا في بيئات لا تضع للتديُّن كبير أهمية، مثل مجتمعات أمريكا اللاتينية، أو نشأت في مجتمعات وثنية من الأصل، مثل المجتمعات التقليدية في القارة الأفريقية.

وبالتالي فإننا أمام جهد مطلوب في مجال تحديث التفاسير الموضوعة للقرآن الكريم؛ لكي تهتمّ بإبراز هذه الجوانب في بعض النصوص، وكيف أن القرآن الكريم –كما نجده قد قدم رؤية تقدمية حول أمور نجدها تحدث الآن قبل أكثر من 1400 عامٍ– قد التفت إليها، وأكد عليها، ولا تعارَض معها.

إننا أمام جهد مطلوب في مجال تحديث التفاسير الموضوعة للقرآن الكريم؛ لكي تهتمّ بإبراز أن القرآن الكريم قد قدم رؤية تقدمية حول أمور نجدها -تحدث الآن- قبل أكثر من 1400 عامٍ قد التفت إليها، وأكد عليها، ولا تعارَض معها

ولا يعني ذلك تحويل القرآن الكريم إلى كتابٍ للعلوم كما قام البعض في السنوات الأخيرة، فآذوا النص القرآني بأكثر مما أفادوه بسبب عدم التدقيق، فنسبوا له أمورًا قال بها أبُقراط مثلاً قبل نزول القرآن الكريم بآلاف السنين.

لكن المطلوب تفسير حديث للقرآن الكريم، يجد فيه المفسرون ما يدعم ويتوافق مع الاكتشافات العلمية الحديثة، ويخاطب العقل في ظل سطوة العلم، والذي جعل العقل الإنساني من جانب بعض الغلاة، بمثابة إلهٍ .

وبالتالي فإن هذا يتطلب تعاونًا بين العلماء المسلمين: علماء الفقه، والعلماء المتخصصين في مجال العلوم الوضعية أو العلوم الدنيوية كما يُطلَق عليها في المجال الإسلامي العلمي، للحديث في هذه القضايا من أجل نفي التضاد الظاهري بين هذه المكتشفات، وبين ما هو في عقائد المسلمين، واستقيناه من النصوص القرآنية.

وعلى سبيل المثال، فإنه فيما يتعلق بقضية أصل الإنسان، يمكن للعلماء المسلمين الحديث عن أنه ينبغي التمييز بين الإنسان الآدمي، وبين الإنسان غير الآدمي، وهو مفهوم يشير إلى تلك المخلوقات التي عاشت في الأرض قبل نزول سيدنا آدم (عليه السلام)، تشبه الإنسان الآدمي في تركيبها، ولكنها تختلف عنه في المنشأ.

ويمكن هنا الاستعانة بحقيقة علمية، ذكرها القرآن الكريم، وهي أن كل المخلوقات، بما في ذلك الإنسان، إنما هي من أصل واحد، فالإنسان مذكور في القرآن الكريم، مخلوق من طين، ونفخ الله تعالى فيه من روحه، فصار مخلوقًا حيًّا، والطين من الأرض، والأرض في حد ذاتها، هي جزء من النواة التي تشكَّل منها الكون كله بعد الانفجار العظيم، وهي النظرية التي حازت على قبول غالبية العلماء عن أصل الكون، ونجد أن القرآن الكريم قد تكلَّم عنها.. يقول تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [سُورة “الأنبياء”-الآية: 30].

هكذا على هذا النحو، وبصورة أكثر شمولية وعمقًا لا يمكن بطبيعة الحال الحديث عنها في هذا الحيِّز، ويفهمها العلماء بصورة أفضل، ينبغي علينا أن نواجه الموجة الحالية الآخذة في التنامي من المكتشفات العلمية في أمور على قدر من الحساسية كما تقدم؛ لإمكان استمرار الحديث عن عمل دعوي بناءً على النَّص القرآني، يلقى قبولاً من الناس .

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى