يعتبر ابن تيمية من العلماء الذين كشفوا عن مقاصد الشريعة، وأبلوا بلاء حسنا في الدفاع عنها ومعرفتها وتفصيلها. ويقول د. أحمد الريسوني، في كتابه (نظرية المقاصد عند الشاطبي: ص68): “لا يكاد يخلو كلام له عن الشريعة وأحكامها، مِن بيان حكمها ومقاصدها، وإبراز مصالحها ومفاسد مخالفتها”. ويقول أحمد البدوي، في كتابه (مقاصد الشريعة عند ابن تيمية: ص112): “إنَّ مقاصد الشريعة تسري في ابن تيمية سريان الدم في العروق. فهي لا تفارقه وهو لا يفارقها. ويرى أنَّ الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا بهذه المقاصد والمصالح. وهو يرى أنها القاعدة لبناء التشريع بأصوله وفروعه”. ويذهب أحمد البدوي إلى حدِّ القول بأنَّ ابن تيمية هو شيخ المقاصد، وأَوَّلُ مَن أعجم عُودها، وليس الشاطبي -كما جرت عليه العادة. فقال: “وما قصصته من كلام ابن تيمية في اهتمامه بفهم المقاصد وهضمها وتوظيفها يُبيِّنُ أنَّه قَائِدُ وحَامِلُ رَايةِ هذا العلم مِن الناحية العملية التطبيقية، ومِن المؤَسِّسِين له من الناحية النظرية”.
ولكن كيف يكون ابن تيمية رائدا في التطبيق ومساهما في التنظير؟ وكيف يقوم البعض بمقارنة بين المقاصد عند ابن تيمية وبين غيره من الأصوليين؟
من أجل كشف الغطاء عن هذه الآراء لا بُدَّ أن نفرق بين منهجين للمقاصد، أحدهما منهج ابن تيمية والآخر منهج غيره من الأصوليين. فقد سبق أن ظهر في علم أصول الفقه منهجان، أحدهما منهج الحنفية الذين يستخرجون القواعد من فروع مذهبهم، ومن كلام أئمتهم أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي الحسن بالملاطفة والرفق كما يقولون. وهو ما عبر عنه الدهلوي -متحدثا عن هذه الطريقة- فقال: “وعندي أن المسألة القائلة أن الخاص مبين، ولا يلحقه بيان، وأن العام قطعي كالخاص، وألا ترجيح بكثرة الرواة، وأنه لا يجب العمل بحديث غير الفقيه إذا انسد باب الرأي، ولا عبرة بمفهوم الشرط والوصف أصلا، وأن موجب الأمر هو الوجوب فيه البتة، وأمثال ذلك، هي أُصُولٌ مُخرَّجةٌ على كَلامِ الأَئمةِ، وأَنَّها لا تَصِحُّ بها رواية عن أبي حنيفة وصاحبيه”.[1] والمنهج الثاني هو منهج المتكلمين، أو منهج الشافعية، والذي يتناول القواعد مجردة دون الاعتناء بالفروع إلا نادرا. وهي طريقة تُبعِدُ الأصولَ مِن الفقه ومن الواقع. ولعلَّنا نقول بأنَّ ذينك المنهجين استمرا في المقاصد. ومِثلُ منهجِ ابن تيمية مَنهجُ الحنفيَّةِ في الاعتناء بالتفاصيل والجزئيات، بينما مثَّلَت طَريقةُ الشاطبي وغيره طَريقةَ المتكلِّمين التي تُجرِّد النظر في المقاصد الشرعية. ولهذا كان اعتراض ابن تيمية على تخصيص المقاصد بالضروريات والحاجيات والتحسينيات. وفي هذا السياق تندرج ملاحظة البدوي بأنه أسس هذا العلم تطبيقيا.
ولا بأس أن نقول تبعا لذلك بوجود منهجين للمقاصد، وهما منهج ابن تيمية الذي يهتم بمقاصد النصوص واستثمارها، ومنهج الأصوليين الآخرين الذي يتناولون المقاصد بصورة تجريدية وبنظرة كلِّيَّانية. وذلك عندما يتطرقون أكثر إلى المقاصد الضرورية دون اهتمام بالغ وبليغ بتطبيقاتها الجزئية. رغم أن الشاطبي قال بأن موقفه من المقاصد في العموم والخصوص مما ينبني عليه فقه كثير وعلم جميل[2] . لكن بقي كلامه عن المقاصد وفيها تنظيريا أكثر منه تنزيليا.
هذه النزعة التجريبية هي ما جعلت ابن تيمية يختلف مع الفلاسفة ومنهجهم المنطقي. لقد عرف عن ابن تيمية رفضه للمنطق اليوناني، وحمل على من يقول بأن من لا يعرفه لا ثقة له في علومه، وهي مقولة الغزالي. واصفا المنطق بأنه بمثابة جُثَّةِ جَمَلٍ غَثٍّ على قِمَةِ جَبَلٍ فلا سَهلٌ فيُرتَقَى ولا سَمِينٌ فيُنتَقَل. كما أنَّه لم يجد فائدة في ترتيب القياس على مقدمتين ونتيجة، مصيرا منه إلى أن اليقين إذا كان فيه ليس من أجل الترتيب، وإنما لما تضمنته المقدمتان من الصحة. أما الحدود في المنطق فقد قال بأنها عقيمة، وأن الفلاسفة لم يتوصلوا إلى حَدٍّ واحد مُجمَعٍ عليه، فتعريف الإنسان بالحيوان الناطق، قد وجهت إليه اعتراضات مشهورة[3]، كما أنَّه يُؤدِّى إلى الدور. فقال: “إذا كان الحدُّ قول الحَادِ، فالحَادُ إمَّا أن يكون قد عَرَّفَ المحدودَ بحَدٍّ، وإما أن يكون عَرَفَه بغَيرِ حَدٍّ، فإن كان الأول فالكلام في الحَدِّ الثاني، كالكلام في الحَدِّ الأَولِ، وهو مُستَلزِمٌ للدُّور القَبلِي، أو التَّسلسُلِ في الأَسبابِ والعِللِ، وهما ممتنعان باتفاق العقلاء. وإن كان عَرَّفه بغَيرِ حَدٍّ بَطُلَ سَلبُهم وهو قولهم أنَّه لا يُعرفُ شيءٌ إلا بالحَدِّ”[4].
إلا أن رفض ابن تيمية للقياس ليس رفضا للقياس الذي هو المدخل إلى الاجتهاد والمقاصد الشرعية؛ فإنَّ ابن تيمية يعترف بالبرهان وبالقياس، ولكن انطلاقا من نظرته التجريبية الجزئية التي رفض من خلالها الوجه الآخر للمنطق الذي يقوم على كليات ذهنية لا نتيجة لها على أرضِ الواقع: “فقد ميَّزَ بين أنواع القياسات البرهانية وغيرها، وقَبِلَ منها ما يَخُصُّ منها الأعيان والجزئيات دون ما يَهُمُّ الكلِّيات، التي -وإن صَحَت- لا تنفع الإنسان في حياته اليومية. لذا نراه يُفضِّلُ قياس المماثلة على قياس الانطواءِ لغُموضِه. واعتراض ابن تيمية الأساسي على البرهان وعلى المنطق عَامةً هو أنَّه لا يُفيدُ إلا أُمورًا كُلِّيةً مُقدَّرةً في الذهن، ولا يُفيدُ العِلمَ بشَيءٍ هو مُوجودٌ مُحقَّقٌ في الخارج. فالأمور العملية لا تحتاج إلى حُكمٍ كُلِّي بل إلى قِياسٍ وَاضِحٍ بّيِّنٍ للجميع. وأخذ بقياس التمثيل الذي هو قِياسُ جُزءٍ على جُزءٍ لأَنَّه يوافقُ نزعته الواقعية. وعَرَّفُه بقوله: قِياسُ التمثيل هو الحُكمُ على شَيءٍ مما حُكِمَ به على غيره بِنَاءً على جَامِعٍ مُشتَركٍ بينهما، كقولهم العَالمُ مُوجودٌ، فكان قَدِيما كالبارئ، أو هو جِسمٌ فكان مُحدثًا كالإنسان، وهو مُشتَمِلٌ على فَرعٍ وأَصلٍ وعِلَّةٍ وحُكم”. وقال في قياس البرهان: “وإن كان البرهان في كلام الله ورسوله، وكلام سائرِ أصنافِ العلماء، لا يختصُّ بما سمَّوه هُم البُرهانُ وإنَّما خَصُّوا هُم البُّرهانَ بما اشتَملَ عليه القِياسُ الذي خَصُّوا صُورتَه ومَادتَه بما ذكروه”[5].
الأدلة علي المقاصد عند ابن تيمية:
الأدلة النقلية: يرى ابن تيمية أن القرآن والسنة مشحونان بالمقاصد الشرعية، وإنهما احتويا على ما يطلبه المرء ويطالب به من المقاصد الدنيوية والأخروية.
فقد تضمن القرآن المقاصد التي تضمنتها الكتب السابقة. فهو يرى أن أصول المحرمات هي التي قال الله سبحانه فيها: ((قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ والإِثمَ والبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وأَن تُشرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ))، الأعراف: 33، فقال: “وربما اتفقت عليه جميع شرائع الأنبياء”[6].
ويقول: “جميع الرُّسلِ متفقون في الدِّين الجَامِع في الأُصولِ الاعتقادية والعلمية، كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، والعملية كالأعمال المذكورة في سورة الأنعام والأعراف: ((قُل تَعَالَوا أَتلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلَّا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا ولَا تَقتُلُوا أَولَادَكُم مِن إِملَاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وإِيَّاهُم ولَا تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ ولَا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ * ولَا تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ حَتَّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وأَوفُوا الكَيلَ والمِيزَانَ بِالقِسطِ لَا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا وإِذَا قُلتُمْ فَاعدِلُوا ولَو كَانَ ذَا قُربَى وبِعَهدِ اللَّهِ أَوفُوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ))، الأنعام: 151- 152. وقوله: ((قُل أَمَرَ رَبِّي بِالقِسطِ وأَقِيمُوا وجُوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ.. الآية))، الأعراف: 29، وقوله: ((قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ.. الآية))، الأعراف: 32، وقوله: ((وقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.. الآية)) إلى آخر الوصايا وقوله: ((قُل هَذِه سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ))، الإسراء: 23”.[7]
أما الدليل مِن السُّنَّةِ فيقول: “كُل ُّأَحدٍ مِن الناس يُؤخذُ مِن قوله ويُترك، إلَّا رسول الله -صلى الله عليه وسلم”[8]، “وأما القولُ بأنَّ هذا الفِعلَ مُستَحبٌ أو مِنهِيٌّ عنه، أو مُباحٌ، فلا يثبتُ إلا بدليلٍ شَرعيٍّ، فالوجوبُ والنَّدبُ والإباحةُ والاستحبابُ والكراهةُ والتحريمُ لا يَثبُتُ شيء منها إلَّا بالأَدلَّةِ الشَّرعيةِ، والأَدلَّةِ الشَّرعيةِ مَرجِعُها كُلَّها إليه -صلوات الله وسلامه عليه. فالقرآن هو الذي بلَّغَه، والسُّنة هو الذي عَلَّمَها، والإجماع بقوله عُرِفَ أَنَّه مَعصُومٌ، والقِياسُ إنَّما يكون حُجَّةً إذا عَلِمنا أنَّ الفَرعَ مِثلُ الأَصلِ، وأنَّ عِلَّةُ الأَصلِ في الفَرعِ”،.. “فشَرعُه هو ما شَرعَه هو -صلى الله عليه وسلم، وسُنَّتُه ما سَنَّها هو”[9].
أما الدليل من الصحابة فقال: بعد أن ذكر فضل الخلفاء الأربعة، والمبشرين بالجنَّة، ومعرفتهم بالشريعة: “فأبو بكر وعمر كان اختصاصهما بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فوق اختصاص غيرهما. وأبو بكر كان أكثر اختصاصا، فإنَّه كان يسمر عنده عامَّة الليل، يحدثه في العلم والدين ومصالح المسلمين”[10]. فهُما أَقوى الصَّحابَةِ مَعرِفةً بمقَاصِدِ الدِّين وخِبرَةً بمصَالحِ المسلمين. و”أمَّا الخلفاءُ الأَربعةُ فلهم في تبليغ كُليَّات الدَّين ونَشرِ أُصولِه، وأَخذ النَّاسِ ذلك عنهم، ما ليس لغَيرهم”[11].
ويقول عن ابن عباس: “وبُورك له في فِهمِه والاستنباط منه، حتى مَلأَ الدُّنيا عِلمًا وفِقهًا. قال أبو محمد ابن حزم: وجمعتُ فتواه في سَبعةِ أَسفَارٍ كٍبارٍ. وهي بحسب ما بَلغَ جَامِعُها، وإلَّا فعِلمُ ابن عَباسٍ كالبحر، وفقهه واستنباطه وفهمه بالقرآن بالوضع الذي فاق به الناس. وقد سمعوا ما سمع، وحفظوا القرآن كما حفظه، ولكن أَرضُه كانت مِن أَطيبِ الأَراضي وأَقبَلِها للزرع. فبذر فيها النصوص فأنبتت من كل زوج كريم. وكما أنَّ أبو هريرة -رضي الله عنه- أحفظ منه بل هو حافظ الأمة على الإطلاق، إلا أنَّ همة ابن عباس كانت مصرُوفَةً إلى التَّفقُّه والاستنباط وتفجير النصوص وشَقِّ الأَنهارِ منها واستخراج كنوزها”[12]. لعل هذا النَّص يمثل واحدا من أكبر الأدلة التي أوردها ابن تيمية للاستدلال على المقاصد، وأهميتها وضرورتها وقدرتها على توسيع النصوص وزيادتها. ذلك أنَّ الأَمرَ لا يتعلق بالنصوص فقط، ولو كان كذلك لكان أبو هريرة أَعلَم مِن ابن عباس لأنَّه حافظ الأمة، وبالتالي فالأمر يتعلق بتفجير مَقَاصِدِ النصوص ومعانيها.
الأدلة العقلية:
إنَّ كلام ابن تيمية عن الشريعة يكاد كلُّه يرمي إلى الاستدلال على أنَّ الشريعة شُرِعَت لتحقيق المصالح الإنسانية، حتى يسعد الناس ويرتقون، والتحذير مِن المفاسد التي تغمض عليهم حياتهم وازدهارهم.
فمن الأدلة عليها قوله: “إنَّ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنَّها تُرجِّح خير الخيرين وشَرَّ الشَّرين، وتحصِّل أَعظمَ المصلحتين بتفويت أدناهما، و تَدفَعُ أعظمَ المفسدتين باحتمال أدناهما”[13]. وقد أمر الله عباده أن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح، واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر للتشريع الإسلامي. يقول ابن تيمية: “فإنَّ مَدارَ الشَّريعةِ على قوله: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا استَطَعتُم))، التغابن: 16، المفسِّر لقوله: ((اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ))، آل عمران: 16، وعلى قول النبي: (إذا أَمرتكم بأَمرٍ فأَتُوا مِنه ما استطعتم)، أخرجاه في الصحيحين”[14]، وعلى أنَّ “الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها؛ فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما، هو المشروع”[15].
ويقول: “والله سبحانه إنَّما حرَّم علينا الخبائث تنزيها لنا عن المضار، وأباح لنا الطَّيبات كُلَّها، لم يُحرِّم علينا شيئا من الطَّيبات كمَّا حرَّم على أهل الكتاب بظلمهم طيباتٍ أُحِلَّت لهم. ومن استقرأ الشريعة في مواردها ومصادرها واشتمالها على مصالح العباد في المبدأ والمعاد تبيَّن له من ذلك ما يهديه الله إليه”.[16] ويقول: “والتحقيق أنَّ الشريعة التي بعث الله بها محمدا -صلى الله عليه وسلم- جامعة لمصالح الدنيا والآخرة… فالشَّريعةُ جَامِعةٌ لكُلِّ وِلايةٍ وعَمَلٍ فيه صَلاحُ الدِّين والدُّنيا”[17].
كيف نتعرف على المقاصد؟
إذا كان ابن تيمية -كما مَرَّ في نَصٍّ سابق- يحصُرُ المقَاصِدَ على ما جاءَ في السُّنةِ، لأنَّها أيضا تَضمُّ القرآن الذي إنما تلقِّي من عنده -عليه الصلاة والسلام، فهذا لا يعني قِراءَةً نصِّيَّةً للنصوص، لا تتجاوز إلى الأعماق والمضامين. بالعكس من ذلك فإنَّ ابن تيمية هو فارس الاجتهاد المقاصدي الذي يَتوسَّطُ ويَعتَدِلُ بين النصوص والمعاني؛ وقد أعطى أهمية خاصة للمعاني، وقال بأنَّ ما امتاز به ابن عباس ليس هو من أجل حفظ النصوص، وإنما للفهم والتعمق والتفقُّه. فوراء النصوص مقاصدها ومعانيها التي يتبارى حولها المجتهدون وهي التي تحدد مقاديرهم وتنزلهم منازلهم.
وتقوم مسالك المقاصد وأدلتها عند ابن تيمية على استغلال واسِعِ النِّطاقِ للنصوص الشرعية. فهو في هذا السياق قد تجاوز جميع المقاصديين، ذلك أنَّه استغل النصوص استغلالا باهرا وقويا. ومرَدُّ ذلك إلى منهجه التجريبي الذي يرى أنَّ دور المجتهد هو إعمال العقلِ في النصوص والاجتهاد فيها لاستثمار معانيها إلى أوسع نطاقٍ. وذلك عكس المقاصديين الآخرين الذين كانوا أكثر اهتماما بالمسائل النظرية، مثل البحث في إشكالية التعليل، والعلاقة التراتبية بين المقاصد، وطرق الترجيح بين المقاصد. أما ابن تيمية فلم ينشغل كثيرا بالمسائل النظرية، وآثر الدخول مباشرة في الأدلة والنصوص واستخراج المقاصد والمعاني منها.
وتقوم الأدلة المعرفة على المقاصد على الأدلة من الكتاب والسنة وعلى القياس والاستقراء واللغة العربية والنظر في السياق والتوكل على الله -عزَّ وجَلَّ.
مسلك النصوص: يرى ابن تيمية أنَّ هذه المقاصِدَ مبثوثُةٌ في القرآن والسُّنة، بحيث لا يحتاج الإنسان من ورائهما إلى مصادر أخرى. وما يُطلَبُ مِن المجتهد هو العمل على استخراج تلك المقاصد من العَقلِ إلى الوجود، ومن الكُمُون إلى الظهور. ولكن لا يعني هذا استقالة العقل بل البحث في مراد كلام الشارع هو ما يعطي للعقل مشروعيته و جدواه.
ففيما يتعلق بالنصوص، فقد مَرَّ كلام ابن تيمية على احتوائها لجميع الأحكام. ويقول في موضع آخر بأن الشريعة الإسلامية تقدم للإنسان للوهلة الأولى كثيرا من العلوم والمعارف التي لا يتحصل إليها إلا بجهد جهيد. ويؤكد ابن تيمية على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بيَّن جميع الدِّين أصوله وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله، وأنَّ هذا أصل أصول العمل والإيمان، وكُلُّ مَن كان أعظم اعتصاما بهذا الأصل كان أولى بالحق علما وعملا. وأنَّ الخير والسعادة والكمال منحصر في نوعين: في العلم النافع والعمل الصالح. وقد بعث الله سبحانه محمدا بأفضل ذلك، وهو الهدى ودين الحقِّ، كما قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى ودِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا))، الفتح: 28. وأنَّ “العمليات”، وما يسميه الناس الفروع والشرع والفقه، فهذا قد بينه الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحسن بيان، فما مِن شيءٍ مما أمر الله به أو نهى عنه أو أحله أو حرمه إلا بيَّن ذلك. وقد قال تعالى: ((اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم))، المائدة: 3، وقال تعالى: ((مَا كَانَ حَدِيثًا يُفتَرَى ولَكِن تَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ وهُدًى ورَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ))، يوسف: 111، وقال تعالى: ((ونَزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وهُدًى ورَحمَةً وبُشرَى لِلمُسلِمِينَ))، النمل: 89. فالنصوص الشرعية تتناول أحكام أفعال المكلفين كافة.[18]
مسلك القياس: ميَّزَ ابن تيمية بين أنواع من القياس، ليختار ما كان منها ملائما لنزعته التجريبية الإسلامية. فتَرَك قِياسَ الشُّمول وأَخَذ بقياس التَّمثيل، لأنَّه يتناول الأعيان والجزئيات. وفي هذا السياق عُرِفَ عن ابن تيمية اعتماده على المنهج الاستقرائي قبل الشاطبي، يقول البدوي: “ابن تيمية شيخ الاستقرائيين وإمامهم في إثبات مقاصد الشريعة وغيرها، إذ الاستقراء سمته البارزة وعلامته الظاهرة، إن في الاستدلال أو الفهم والاستنباط أو إصدار الأحكام أو التأليف والكتابة في شتى العلوم الشرعية الأصلية والتبعية، فنراه إذا أراد أن يستدل لقضية ما حشد لها الآيات والأحاديث وأقوال الأئمة ما لا تراه عند غيره”.[19]
وقد تحدث عن القياس باعتباره ربط بين المتماثلات وجمع بين المتشابهات في الأدلة، وخاصة من الحديث. فالاجتهاد القياسي هو نشاط داخل الأدلة، قال: “يجب أن يَعرِفَ العَالِمُ أولا ما قاله الرُّسول -صلى الله عليه وسلم.. ثمَّ إذا ميَّزَ العَالِم بين ما قاله الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- وما لم يَقُله، فإنَّه يحتاجُ أن يَفهَمَ مُرادَه ويَفقَهَ ما قاله، ويجمعَ بين الأحاديث، ويُضمَّ كُلَّ شَكلٍ إلى شَكلِه، فيجمعُ بين ما جمع الله بينه ورسوله، ويفرق بين ما فرق الله بينه ورسوله، فهذا هو العِلمُ الذي ينتفع به المسلمون ويجِبُ تلقِّيه وقَبُولُه، وبه سَادَ أئمةُ المسلمين، كالأئمة الأربعة وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين”[20].
والاجتهاد عند ابن تيمية هو التَّوسط بين طريقتين مذمومتين، إحداهما طريقة الظَّاهرية التي جَمُدَت على النصوص، والطريقة الثانية التي بالغت في القياس حتى تخطت الحدود؛ أما الطريقة الثالثة فهي التوسط. قال ابن تيمية -وهو يفصل الاتجاهات في القياس بأن الأقوال ثلاثة: القول الأول: مِنهم مَن يقول بأنَّ النُّصوصَ قد انتظمت جميع كُليَّات الشَّريعة، واستوعبت جميعَ الحوادثِ بالأَسماءِ اللُّغويَّةِ التي لا تحتاج إلى استنباط واستخراج أكثر من جمع النصوص. وهؤلاء هُم أَهلُ الظواهر. القول الثاني: أنَّ القياس يُحتاجُ إليه في مُعظمِ الشَّريعةِ، لقِلَّةِ النُّصوصِ الدَّالةِ على الأحكام، ذلك أنَّ أكثر الحوادث لا تتناولها النصوص. وهو موقف الجوينى. القول الثالث التوسط في ذلك: فالنصوص تناولت جميع الحوادث بطرق جلية أو خفية، وما خرج عن ذلك كان في معنى الأصل، فيستعملون قياس العلة والقياس في معنى الأصل، وفحوى الخطاب إذ ذلك من جملة دلالات اللفظ، وأيضا فالرأي كثيرا ما يكون في تحقيق المناط الذي لا خلاف فيه بين الناس في استعمال الرأي والقياس فيه. فإنَّ الله أَمرَ بالعدل في الحكم، والعدل قد يعرف بالرأي، وقد يعرف بالنص، وهذا مذهب جمهور أئمة المسلمين وفقهاء الحديث، وهو أعدل الأقوال وأصوبها[21].
مسلك اللغة: يرى ابن تيمية بأنَّ مِن مفاتيحِ مَعرفَةِ القرآنِ مَعرِفَةَ اللُّغةِ العَرَبيةِ، وفَهمَها حَسبَ المجال التداولي للغة العربية، كما أقرَّه أَهلُ العربية، وحَملَ الأَلفاظِ بحسب المعاني التي وضَعَها العَربُ لها. فقال: “إنَّ الاستدلال بالقرآن إنَّما يكون على لُغَةِ العَربِ التي أُنزِلَ بها، بل قد نَزَل بلُغَةِ قُريشٍ كما قال تعالى: ((ومَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَومِهِ))، إبراهيم: 4، وقال: ((بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ))، الشعراء: 195. فليس لأحدٍ أن يحَمِلَ أَلفَاظَ القرآن على غير ذلك مِن عُرفٍ عام أو اصطِلاحٍ خاص، بل لا يحمِلَه إلا على مَعانٍ عنوها به”[22].
إلا أنَّ ابن تيمية يقترب جدا من موقف الشاطبي عندما اعتبر أنَّ معرفةَ مقاصدِ كلام الله وكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكفى دون الرجوع إلى أهل اللغة. ويذهب إلى أنَّ فقهَ النصوص شيءٌ، وحفظَ الألفاظ شيءٌ آخر. يقول –رحمه الله: “مما ينبغي أن يُعلَم أنَّ الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عُرِفَ تفسيرها وما أُرِيدَ بها مِن جِهةِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُحتَج في ذلك إلى الاستدلال بأقوالِ أَهلِ اللُّغَةِ ولا غِيرهم. ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع:، نوع يُعرفُ حَدُّه بالشَّارع، كالصلاة والزكاة، ونوع يُعرفُ حَدُّه باللغة، كالشمس والقمر، ونوع يُعرفُ حَدُّه بالعُرفِ، كلفظ المعروف في قوله تعالى: ((وعَاشِرُوهُنَّ بِالـمَعرُوفِ)) ونحو ذلك.. فبَابُ فقهِ النُّصوصِ غَيرُ بابِ حِفظِ ألفاظِ اللُّغةِ”.[23]
أمثلة المقاصد الشرعية عند ابن تيمية:
لا نجانب الصواب إذا قلنا بأنَّ ابن تيمية هو أكثر المقاصديين إنتاجا للفقه الذي يقوم على المقاصد. ذلك أنَّ تشبعه بروح المقاصد جعله يشتهر بالفتاوى والاجتهادات التي كان منها ما يمثل خيارات فقهيةً جديدةً تُعارِضُ المواقف الفقهية السابقة. وإذا قسنا اجتهاداته الفقهية مع علماءٍ بارزين في المقاصد، مثل الجويني والغزالي والشاطبي، نرى أنَّه كان أكثر تجريبية واحتكاكا بالواقع، بما أنتج من أحكامٍ نَظَرَ فيها في مصالح المسلمين وما يسعدهم وما يقلل همومهم وآلامهم. يقول أبو زهرة عن الأقطاب الثلاثة التي تدور عليها اختيارات ابن تيمية: “الاختيار الثاني القَربُ مِن حاجات النَّاس ومَألُوفِهم، وتحقيقُ مصالحِهم والعدالةُ فيهم. فإنَّه بعد استيثاقه من الاتصال بين الحُكمِ والمصدَرِ الشَّرعي، مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ، يختار الأعدل والذي يلائم العصر، ويتفق مع الحاجات. الاختيار الثالث: تحقيق المعاني الشَّرعية التي شُرِعَت لها الأحكامُ. فهو على ذلك جِدُّ حريصٍ في كل ما يختار ويفتي ويعلق مِن آراء”[24].
ففي تعليله للصلاة –مثلا- يقول: “الحسنات تُعلَّل بعلتين، إحداهما ما تتضمنه مِن جَلبِ المصلَحَةِ والمنفَعَةِ، والثانية ما تتضمنه مِن دَفعِ المفسَدةِ والمضَرَّةِ. وكذلك السيئاتُ تُعلَّل بعلتين، إحداهما ما تتضمنه مِن المفسَدةِ والمضَرَّةِ، والثانية ما تتضمنه مِن الصَّدِ عن المنفَعَةِ والمصلَحَةِ. مثال ذلك قوله تعالى: ((إِنَّ الصَّلَاةَ تَنهَى عَن الفَحشَاءِ والـمُنكَرِ ولَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ))، العنكبوت: 45. فبيَّن الوجهين جميعا. فقوله: (إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) بيان لما تتضمنه من دفع المفاسد والمضار، فإنَّ النفس إذا قام بها ذكر الله ودعاؤه، لاسيما على وجه الخصوص، أكسبها ذلك صفة صالحة تنهاها عن الفحشاء والمنكر، كما يحسه الإنسان من نفسه. ولهذا قال تعالى: ((وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ والصَّلَاةِ))، فإنَّ القلب يحصل له من الفرح والسرور وقُرَّة العين ما يغنيه عن اللذات المكروهة، وتحصُلُ له مِن الخشية والتعظيم لله والمهابة. وكُلُّ واحِدٍ مِن رجائه وخشيته ومحبته ناه ينهاه. وقوله (ولذكر الله أكبر) بيان لما فيها من المنفعة والمصلحة، أي ذكر الله الذي فيها أكبر من كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر”[25].
المثال الثاني، حديثه عن مقصد النكاح، حيث يذهب ذلك به إلى أن النكاح هو نفقة واعتناء بالأخوات. فالزوجة هي بمعنىً ما أُختٌ؛ ذلك أنَّ بني آدم إخوة، والمؤمنون إخوة، فنستمع إليه يقول رادا على من يقول: في نكاح المحل إذا قصد التحليل لم يقصد محرما، فإنَّ عودةِ المرأةِ إلى زوجها حلال، والنكاح الذي يتوصل به إلى ذلك حلال. فقال ردا عليه: “وهذا جهل فإن عود المرأة إلى زوجها إنما هو حلال، إذا وُجِدَ النِّكاحُ الذي هو النِّكاحُ، والنِّكاحُ إنَّما هو إذا قَصَدَ به النِّكاحَ. فالأَصلُ في العَقدِ أن يَقصِدَ به فُوائِدَه وثَمرَاته. والطَّلاقُ هنا رَفعٌ للثَّمراتِ والفَوائِدِ. والشَّيءُ يُفعَلُ لأَغلَبِ فَوائِدِه ومَقَاصِدِه التي تستَدعي بَقَاءَه ودَوامَه، ولا يُفعَلُ لأَندَر فَوائِدِه ومَقَاصِدِه التي لا تكون مُنافِيةً لحقيقَتِه، بل مجَامِعةً له ومُستَلزِمةً له. فكيف إذا كانت مُناقِضَةً وهَادِمَةً له، ودَافِعَةً لحقيقته. فحقيقةُ النِّكاحِ إنَّما تَتمُّ إذا قَصدَ به ما هو مَقصُودُه، أو قَصَدَ نَفسَ وُجودِه لبَعضِ لوَازِمِه وتَوابِعِه. والنِّكاحُ ليس مَقصُودُه في الشَّرعِ، ولا في العُرفِ الطَّلاقُ الموجِبُ لتحلِيلِ الحُرمَةِ. فإنَّ الطَّلاقَ رَفعُ النِّكاحِ وإِزَالَته، وقَصدُ إِيجَادِ الشَّيءِ لإِعدَامِه مِن غَيرِ غَرضٍ يتَعلَّقُ بنَفسِ وُجُودِه مُحَال. وحقيقةُ النِّكاحِ ومَقصُودُه حُصُولُ الصِّلةِ بين الزَّوجِين التي تَتَضمَّنُ حُصُولَ السَّكَنِ والازدواجِ بين الزَّوجين لمنفَعَةِ المتعَةِ وتَوابِعِها، والموَدَةِ والرَّحمةِ والعِشرةِ والصُّحبةِ، ومُعاهَدَةِ الأَهلِ وتَربِيةِ الأَخواتِ. وهو مِثلُ الأُخوةِ والصُّحبةِ والموالاةِ ونحو ذلك مِن الصِّلات التي تَقتَضي رَغبَةَ كُلِّ واحِدٍ مِن المتواصلين في الآخَر. بل هو أَوكَدُ الصِّلات، فإنَّ صَلاحَ الخَلقِ وبَقَاءَه لا يتمُّ إلا بهذه الصِّلةِ، بخلاف تلك الصِّلات فإنَّها مكمِّلات للمصالح”[26].
المثال الثالث من النظر في المقاصد، قوله: “هذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها مِن أنَّ العُقودَ تَصِحُّ بكُلِّ ما دَلَّ على مَقصُودها مِن قَولٍ أو فِعلٍ هي التي تَدُلُّ عليها أُصُولُ الشَّريعة”[27].
المثال الرابع ذهابُه إلى أنَّ السفر الذي عُلِّقَ به القَصرُ والفِطرُ لا يُحدُّ بمسَافةٍ، ولا فَرقَ فيه بين طَويلٍ وقَصيرٍ، فكُلَّ ما يسميه أَهلُ اللُّغةِ سَفرًا فإنَّه يَجوزُ فيه القَصرُ والفِطرُ، فالسَّفرُ حَالٌ مِن أَحوالِ السَّيرِ لا يُحدُّ بمسَافَةٍ ولا زَمنٍ.
المثال الخامس قوله بأنَّ مِعيَارَ تَقويمِ الدَّراهِم والدَّنانِيرِ يُرجَعُ فيه إلى عَادَات النَّاسِ واصطِلاحَاتِهم، فما اصطَلحُوا عليه وجَعَلُوه دِرهمًا فهو دِرهمٌ، وما جَعَلُوه دِينَارًا فهو دِينَارٌ، فإذا كانت الدَّرَاهِم المعتَادَةُ بينَهم كِبَارًا لا يَعرِفُون غيرها لم تَجِب عليه الزَّكاةُ حتَّى يملك مِنها مَائتي دِرهم؛ وإن كانت صِغَارًا لا يَعرِفُون غَيرها وَجبَت عليه إذا مَلَك مَائتي دِرهم؛ وإن كانت مُختَلَطةً فمَلَك المجموعَ مِن ذلك وجبَت عليه.
المثال السادس أنَّ لفظ الإطعامِ لعَشرَة مسَاكين، والجزية، والدِّيَة، والخراج، ليس مقدرا بالشرع، وإنما يرجع فيها إلى اجتهاد الأئمة وعادات الناس.[28]
—————————————————-
[1] أصول الفقه، محمد أبو زهرة: ص21.
[2] الموافقات، للشاطبي: ج2/153- 165.
[3] يقول القرافي -مثلا: “إنَّ الناطق معناه عندهم المحَصِّلَ للعلوم بقُوةِ الفِكرِ. فهو يرجع إلى قَبُولِ تَحصِيلِ العلوم بالفكر، وهذه القابلية مثل قابلية الضحك في أنَّها قابلية، ولا مُميِّزَ إلا الدَّفعُ، وليس مُرادُهم بالنَّاطقِ النُطقَ اللِّسَاني لأنَّ الأَخرَسَ والسَّاكِت عندهم إنسان، وعلى هذا يبطلُ الحَدُّ بالجِنِّ والملائِكَةِ لأنَّهم أَجسَامٌ حَيَّةٌ، لها قُوةٌ تحصل بالفكر، فيَكُون الحَدُّ غَيرَ مَانِع. وبعضهم تخيَّل هذا السؤال فقال: حيوان مائت، والنقض يرد كما هو، لأن الفريقين يموتان كالإنسان”.
[4] الرد على المنطقيين، لابن تيمية: ص2.
[5] مجموع الفتاوى: ج9/106.
[6] مجموع الفتاوى: ص20/6.
[7] مجموع الفتاوى: ص20/6.
[8] مجموع الفتاوى: ج3/347
[9] مجموع الفتاوى، ج27/397.
[10] مجموع الفتاوى: ج4/398.
[11] منهاج السنة النبوية، لابن تيمية: ج7/424.
[12] مجموع الفتاوى: ج4/93- 94.
[13] مجموع الفتاوي: ج20/48.
[14] مجموع الفتاوى: ج28/284.
[15] مجموع الفتاوى: ج28/284.
[16] مجموع الفتاوى: ج21/528.
[17] مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص522.
[18] مجموع الفتاوى: ج19/288.
[19] مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص206.
[20] مجموع الفتاوى: ج10/664.
[21] انظر: مجموع الفتاوى: ج19/280، ومنهاج السنة: ج6/411، والاستقامة: ج1/ ص3 و7.
[22] مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص245.
[23] مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص243.
[24] ابن تيمية، محمد أبو زهرة: ص340.
[25] مجموع الفتاوى: ج20/192.
[26] بيان الدليل، لابن تيمية: ص464.
[27] القواعد النورانية، لابن تيمية: ص132.
[28] مجموع الفتاوي: ج19/243- 259.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث.