المقاصد الجزئية وأثرها في الاستدلال الفقه
اسم الكتاب: المقاصد الجزئية ضوابطها. حجيتها. وظائفها. أثرها في الاستدلال الفقهي (رسالة دكتوراه).
اسم المؤلف: د. وصفي عاشور (أبو زيد).
الناشر: دار المقاصد للطبعة والنشر والتوزيع – بالقاهرة.
نبذة عن الكتاب:
بقلم عامر أحمد عامر – باحث لغوي وشرعي
ثمة صحوة ملحوظة في دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية توازي الصحوة الإسلامية أو تقاربها، حيث أضحى للمقاصد مناهج دراسية، ورسائل علمية أكاديمية، ودراسات وأبحاث، وندوات ومؤتمرات، وأصبح للمقاصد أعلام ومتخصصون كما لكل فن وعلم، وهذا تطور طبيعي لعل من أسبابه ما نحياه من نهضة علمية وتطور على كل الأنحاء.
والحق أن الحادثات والمستجدات تحتاج إلى إعمال لآليات الاجتهاد المستقرة عندنا، التي أرسى دعائمها وشيَّد عمارتها من هيأهم الله تعالى لهذه المهمة، كما تحتاج إلى توسيع لهذه الأوعية لتكون الشريعة أكثر قدرة- بفعل المجتهدين فيها- على الاستيعاب والاحتضان، فمن مقاصد وضع الشريعة دخول المستجدات تحت مظلتها، وهذا ما يمكن أن تساهم فيه المقاصد الجزئية بشكل أو بآخر.
“المقاصد الجزئية وأثرها في الاستدلال الفقهي.. دراسة تأصيلية تطبيقية”، كان عنوان رسالة لنيل درجة الدكتوراه تقدم بها الباحث “وصفي عاشور أبوزيد” ونوقشت أخيرًا في قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وتكونت لجنة المناقشة والحكم من د.محمد قاسم المنسي مشرفاً، ود.محمد كمال الدين إمام مناقشاً، ود.إبراهيم محمد عبدالرحيم مناقشًا.
وقد جاء البحث في مقدمة وستة فصول وملحق وخاتمة، فأما المقدمة فقد احتوت على الحديث عن أسباب اختيار الموضوع، والدراسات السابقة حوله، وصعوباته، ومنهجه، ومنهج الباحث فيه، ومصادره، وخطته.
وأما الفصل الأول فحمل عنوان: ماهية المقاصد الجزئية وطبيعتها، واحتوى على مبحثين، الأول: تعريف المقاصد الجزئية والأثر والاستدلال الفقهي والألفاظ ذات الصلة، والثاني: طبيعة المقاصد الجزئية، وجاء في خمسة مطالب: المطلب الأول: مقصد الحكم الجزئي بين الانفراد والتعدد، والمطلب الثاني: مقصد الحكم الجزئي بين الجزئية والكلية، والمطلب الثالث: المقصد الجزئي بين القطعية والظنية والوهمية، والمطلب الرابع: المقصد الجزئي بين الأصلية والتبعية، والمطلب الخامس: طبيعة العلاقة بين مقصد الحكم وعلته.
وأما الفصل الثاني فكان عنوانه: تأصيل العمل بالمقاصد الجزئية، وكان في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المقاصد الجزئية في القرآن الكريم، والمبحث الثاني: المقاصد الجزئية في السنة النبوية، والمبحث الثالث: العمل بالمقاصد الجزئية عند الصحابة.
وتحدث الفصل الثالث عن نطاق المقاصد الجزئية، وجاء في ثلاثة مباحث أيضًا، المبحث الأول: كلام الأصوليين في مقاصد الأحكام الجزئية جملة وتفصيلاً، والمبحث الثاني: المقاصد الجزئية في العبادات جملة وتفصيلاً، والمبحث الثالث المقاصد الجزئية في غير العبادات جملة وتفصيلاً كذلك.
وجاء الفصل الرابع بعنوان: مسالك الكشف عن المقاصد الجزئية، وكان في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: طرق الكشف عن المقصد الجزئي، والمبحث الثاني: مقارنة بين مسالك الكشف عن العلة والمقصد الجزئي، والمبحث الثالث: المقصد الجزئي: خطورة إثباته وصعوبة تحديده.
وأما الفصل الخامس فكان بعنوان: ضوابط اعتبار المقاصد الجزئية ومدى حجيتها، وجاء في مبحثين: المبحث الأول: ضوابط اعتبار المقاصد الجزئية، والمبحث الثاني: مدى حجية المقاصد الجزئية، وكل من المبحثين تحته مطالب.
وتحت عنوان: وظائف المقاصد الجزئية، كان الفصل السادس في مبحثين: المبحث الأول: الوظائف العامة للمقاصد الجزئية، والمبحث الثاني: الوظائف الخاصة للمقاصد الجزئية، واحتوى الملحق على أمثلة تطبيقية مستقلة تؤكد أهمية المقاصد الجزئية مع أحكامها، شملت كل أبواب الفقه.
ومن أهم النتائج التي انتهتْ إليها الدراسة، فيما يتصل بماهية المقاصد الجزئية وطبيعتها أن المقاصد الجزئية هي ما قصده الشرع من مصلحة تُجلب أو مفسدة تُدفع في كل حكم من الأحكام الشرعية الجزئية العملية، ويكون له تأثير في توجيه ذلك الحكم، وأن هناك فروقًا بين المقاصد والمصطلحات الأخرى من ناحية، مثل الحكم والعلل والأسرار والمحاسن والأثر، وأن تراثنا الفقهي والأصولي شاع فيه التداخل بين هذه المصطلحات بما لا يدع مجالاً للتمييز بينها، كما أن العلاقة بين العلة والمقصد تكاملية، وطبيعة مقاصد الأحكام الجزئية ليست واحدة، فقد يكون للحكم الفقهي العملي مقصدٌ واحد، وقد يتعدد، قد يكون مقصدًا جزئيًّا، وقد يكون كليًّا، قد يكون مقصدًا قطعيًّا أو ظنيًّا أو وهميًّا، قد يكون مقصدًا أصليًّا وقد يكون تبعيًّا، كل هذا تبين من خلال الأمثلة العملية التي ذُكرت في مواضعها.
وفيما يخص تأصيل العمل بالمقاصد الجزئية انتهت إلى أن للقرآن الكريم طبيعة خاصة في المقاصد الجزئية، ليست كما يستخدمها الفقهاء والأصوليون، بل هي في القرآن مقاصد كونية، ومقاصد خَلْقيَّة، ومقاصد عمرانية، ومقاصد حضارية، ومقاصد للحاضر والمستقبل، ومقاصد للأمم والشعوب والجماعات كما هي للأفراد والآحاد سواء، وأن السنة النبوية أصلت لمنهج العمل بالمقاصد الجزئية، فطبقه النبي “صلى الله عليه وسلم” وهو منهج القرآن الكريم، إذ السنة مبينة وشارحة له.
وفيما يتصل بنطاق المقاصد الجزئية انتهت إلى أن الأصل في الأحكام الشرعية أنها ذات مقاصد وعلل، سواء من ناحية الإجمال أو من ناحية التفصيل، في العبادات أو المعاملات سواء، رغم وجود أحكام كثيرة في العبادات لا نعرف لها مقصدًا، بما لا يقارن بغير العبادات، ولكن ذلك لا ينفي وجود المقصد، وأنه لا تعارض بين تعبدية الأحكام وتوقيفيتها من ناحية، وبين أن تكون ذات مقاصد وعلل من ناحية أخرى، وأن أداء العبادات ليس موقوفًا على معرفة المقصد، لكن له مع العبادات وظائف أخرى، بخلاف غير العبادات؛ فإن الوقوف على مقصدها- أي غير العبادات- قبل التلبس بها أمر مشروع ومحبوب.
وبينت الدراسة أن المقاصد الجزئية تعتمد الاستنباط طريقًا للكشف عن مقصد الحكم الجزئي باعتباره يهتم بالأحكام الشرعية العملية، كلٌّ على حدته، وأن معظم مسالك الكشف عن العلة تصلح آلياتٍ للكشف عن المقصد الجزئي، وبعضها أحيانًا يصلح في الدلالة على المقصد، وأحيانًا لا يصلح مثل مسلك النص، وبعضها لا يصلح مطلقًا مثل مسلك الإجماع، سواء في الدلالة أو المسلكية، ولا يلزم من ذلك ـ بالضرورة ـ أن يكون ما يتوصل إليه من مناط أو علة من خلال مسالك الكشف عن العلة صالحًا لأن يكون مقصدًا، بل الغالب أن يكون علة لا مقصدًا، إلا في مسلك المناسبة التي هي المصلحة الصالحة ـ غالبًا ـ لأنْ تكون مقصدًا للحكم الشرعي الجزئي العملي، وتحديد المقصد الجزئي أمر له خطره، إذ الخطأ فيه يعود على الفقه بالانحراف، وعلى الشريعة بالإبطال، لأن أدلة وأحكامًا كثيرة ستتفرع عنه في الاستنباط، وما بني على خطأ فهو خطأ، كما أن تحديد المقصد الجزئي أمر بالغ الصعوية، إذ يحتاج إلى متمرس بالشرع الإسلامي، ذي احتكاك بالنصوص ودربة معها.
وذكرت أن المقصد الجزئي لا يكون معتبرًا إلا بضوابط، هي: أن يكون مستقًى من مسالك الكشف عنه، وأن يكون ظاهرًا، وأن يكون منضبطًا، وأن يكون مطردًا، وألا يتعارض مع مقصد مثله أو أعلى منه، وألا يعود الجزئي على الكلي بالإبطال ولا العكس.
وضبط المقصد الجزئي ينتج عنه عدد من الآثار هي إخراج المكلف من داعية هواه، وأن يصبح المقصد مؤثرًا، وحماية المقاصد من التشويه والانحراف، وأن العمل بضوابط المقاصد هو العمل بالمقاصد نفسها، ووضع ميزان للتعامل مع تزاحم المقاصد، وأن العمل بالضوابط يقود إلى التوسط والوسطية.
وقررت أن المقصد الجزئي لا يعتبر حجة إلا إذا ثبت ثبوتًا معتبرًا، على نحو ما يثبت به غيره من القضايا الشرعية، والعبرة بقوة الثبوت ودرجتها في القطع والانضباط والوضوح؛ فإذا ثبت المقصد وسُلِّم به، فإن اعتباره ـ أي حجيته وتأثيره ـ يكون شرعًا لازمًا، بل هو العنصر الأساس في كل خطاب شرعي، وفي كل حكم شرعي، وأن شروط العلة لا تعتبر كلها ضوابطَ لاعتبار المقصد؛ فالمضمون مختلف، والوظيفة مختلفة، ومن ثم لابد أن تختلف الضوابط أو الشروط في العلة عنها في المقاصد الجزئية، والقول بحجية المقصد الجزئي بضوابطه ينتج عنه عدد من الآثار، هي: أن يكون له دوره في التحليل والتحريم، ويكون له أثره في الصحة والفساد والبطلان، ويكون له قوته في حسم الجدل وتقليل الخلاف.
وذكرت أن للمقاصد الجزئية وظائف وآثارًا عامة، منها العمل على بيان خلود الشريعة وعمومها وصلاحيتها، والتسديد في الفقه والفتوى، وتوسيع أوعية الاجتهاد، والتوسط في الاجتهاد والأحكام، والعمل على شرعية المصالح واعتبارها، والعمل على اعتبار الاجتهاد المآلي، وأن للمقاصد الجزئية وظائف وآثارًا خاصة، منها نوط الحكم به، وإجراء القياس به، وإبطال الحيل، وتعيين دلالة النص أو توسيعها، والترجيح عند الاختلاف، والتحكم في سد الذريعة وفتحها، وإزالة التعارض الظاهر بين النصوص، وتقييد إطلاق النص، وإبطال كثير من دعاوى النسخ، وتكوين مقاصد خاصة وكلية وعالية، وتخصيص عموم النص.
وأوصت الدراسة بتناول القرآن الكريم تفسيرًا وتحليلاً في ضوء المقاصد الجزئية، لأنه يحتاج إلى دراسة مفصلة عن المقاصد الجزئية فيه.. طبيعتها، علاماتها، نطاقها، أهميتها، وبيان أثر ذلك كله على الدراسات الفقهية والأصولية، وأن نصوص السنة النبوية في حاجة إلى شرح يهتم بهذا الجانب، ويسلط الأضواء عليه، ويتناول الأحاديث في ضوئه وتحت ظله، وسوف يكون لهذه الدراسة آثار أصولية وفقهية ربما تُحْدث نهضة في مجال الفقه والأصول.
كما أوضحت الرسالة أن الفقه الإسلامي يحتاج بأبوابه جميعًا إلى صياغة جديدة، وتناول بلغة العصر يبين الدليل، ويذكر خلاصة مختصرة للآراء، ثم يجعل المقاصد الجزئية شغله الشاغل وهمه الأكبر في التناول والصياغة، جامعًا بين القيم الحضارية والأخلاقية والمقاصدية وبين الأحكام الفقهية، مبينًا آثار ذلك من ناحية التأصيل والتطبيق، فلا تصح أن تنفصل الأحكام الشرعية عن القيم الإيمانية والمقاصدية، وهذا منهج قرآني فريد.
وتنادي الدراسة بتفعيل الفكر المقاصدي في الحياة العامة، وفي المجالات الحياتية المتعددة، فإذا كانت المقاصد حظيت بقدر لا بأس به من التفعيل في مجالات البحث العلمي، فإنها لم تأخذ مجالها- بعدُ- في مجالات الحياة العامة، وسوف يكون لذلك آثار راقية وحضارية من جهات كثيرة.
المصدر: مجلة الوعي الاسلامي.