مقالاتمقالات المنتدى

المعركة المؤجلَّة

المعركة المؤجلَّة

بقلم الأستاذ أنور الخضري ( خاص بالمنتدى)

عندما يتأسَّس القتال على منظور جهادي مفتوح يكون كبح جماحه مكلفًا. في القرن العشرين، وعندما أراد الملك عبدالعزيز آل سعود استعادة ملك أبيه وأجداده، عمد إلى استعادة راية الدعوة “الوهَّابية”، واستقطاب أتباعها، وإعادة تجميعهم ورصِّ صفوفهم للقيام بحركة قتال واسعة، أمكنه مِن خلالها تأسيس مملكة واسعة على معظم أراضي شبه الجزيرة العربية.
لم يكن عبدالعزيز وهو القارئ الجيِّد للواقع السياسي في زمنه يريد الذهاب بعيدًا في أحلامه بما يقضي على دولته التي تأسَّست، فلم يرغب للتقدُّم نحو الأردن والعراق، وأوقف حركة الجهاد عند حدود المملكة اليوم. غير أنَّ تيَّارًا مِن مقاتليه الأيديولوجيين، والذين كان يطلق عليهم “إخوان مَن طاع الله”، لم يسلِّموا له بهذه السياسة، ورأوا أنَّ مِن واجبهم تحرير بلاد المسلمين مِن الاحتلال البريطاني، فتوجَّهوا نحو الكويت والعراق.
وهنا بدأ الصدام بين حاكم عرف قدراته والممكن مِن التحرير سياسة، وبين مقاتلين يحملون رؤية إيمانية وأمنية صادقة في تحرير بلاد المسلمين. وتواجه الطرفان فيما عرف بمعركة “السبلة”. وهي معركة خاضها الطرفان، إذ اعتبرهم عبدالعزيز متمرِّدين وخارجين عن طاعته، فيما قرَّروا أنَّهم القائمون بأمر الدين والجهاد. جرت المعركة بعد أن استنفد عبدالعزيز معهم الوسائل السلميّة، حيث لم يرغب في خسارتهم وهم أهل القوَّة والبأس والشكيمة، ولا تزال هناك مهدِّدات داخلية تستهدف عرشه، لكنَّهم اضطروه لمواجهتهم.
دارت المعركة عام 1347هـ (1929م)، في موقع السبلة، قرب بلدة الزلفي شمالي الرياض، وانتهت بانتصار الملك عبدالعزيز.
في أفغانستان، كانت حركة “طالبان” ملتزمة بحدود الجغرافيا السياسية، وهو ما أعطى قتالها حجَّة منطقية إزاء احتلال أجنبي، فهي لم تسع لتحرير دول أخرى، أو الدخول في صراع طائفي تجاه جارة تختلف عنهم مذهبيًّا.
“الشرع” في سوريا أخذ “جبهة النصرة” نحو توجُّه محلِّي، وقاد تغيُّرًا في فصيله القتالي لينقله مِن الجهاد العالمي إلى الجهاد الوطني “السوري”، لكنَّه اليوم أمام تحدٍّ بشأن راية الإسلام وتطبيق الشريعة. خصوصًا أنَّ هناك عناصر تابعة لـ”داعش” و”القاعدة” وغيرهما ترى فيما يجري مسارًا مختلفًا عمَّا قاتل عليه الإسلاميون مِن الثوَّار، وهناك مزايدات يجري بثَّها على مواقع التواصل الاجتماعي وتتسرَّب بين الشباب، وقد تجد في ظرف ما واقعًا مناسبًا لتأجيجها. وهي المعركة المؤجَّلة في حال لم تقدَّم معالجة فكرية وتوعوية في هذا الشأن.

إقرأ أيضا:( الاحتلال الصهيوني .. وبصمات جرائمه )

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى