المعتدون على منطقة الفراغ التشريعي
بقلم د. الخضر بن سالم بن حليس (خاص بالمنتدى)
يقرر الأصوليون: أن (المباح) أصل حاكم على منطقة الفراغ التشريعي، ومحاولة تضييق مساحاته وتطويقها بقواعد (الأحوط) (سد الذرائع) (الورع) ( الشبهة) وغيرها رجما بالغيب.. وتفخيخها بألغام المنع المرتجل، ومحاولة الزج بمساحات عديدة منها في مناطق الحرام والكراهة، دون ضابط أصولي دقيق أو برهان فقهي معتبر، ما هو إلا تعد سافر على هذه المنطقة التشريعية، وسلوك أنكرته الشريعة وحذرت الجميع من مزاولته، وتوجه الخطاب القرآني يسأل المجترئين في تطويق هذه المنطقة منكرا تصرفهم: ﴿قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ﴾ [الأعراف: ٣٢]. إن “زينة الله” المضافة إلىه سبحانه كما عبرت الآية هي التي يجب أن تتجلى في هذه المنطقة وأن تتدلى ظاهرة لعباده.
لقد أغلقت الشريعة الأبواب على هواة التحريم، وعشاق الممنوعات، لئلا تمُنح الأهواء إنزال تشريعات جديدة تحت مظلات شرعية، أو مبررات غير منهجية، لا تناسب تنزيلات الزمان والمكان والأعراف والعوائد حين يتم تدويلها من بلد لآخر، وبعيدة كل البعد عن الأدوات المهنية المسموح بها شرعاً لتطبيقات القواعد الأصولية.
إن هذا الحكم التشريعي الجريء يمثل اعتداءً سافراً على كمال الشرع، وتضليلا مرتكزا على الهوى ﴿وَقَد فَصَّلَ لَكُم ما حَرَّمَ عَلَيكُم إِلّا مَا اضطُرِرتُم إِلَيهِ وَإِنَّ كَثيرًا لَيُضِلّونَ بِأَهوائِهِم بِغَيرِ عِلمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِالمُعتَدينَ﴾ [الأنعام: ١١٩]. وذهبت آية النحل تمنع من صرف صكوك الحلال والحرام على كل ما حولنا، ورأت أن ذلك يمثل افتراء شنيعا على الله تعالى ﴿وَلا تَقولوا لِما تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ﴾ [النحل: ١١٦].