مقالات مختارة

المصلحة عند الأصوليين

بقلم أبو مريم عبدالكريم صكاري

المصلحة لغة: هي المنفعة.

وفي الشرع: هي المنفعةُ المطلقة أو الغالبة، التي استحسنها العُرف، والفطرة، والعقل، ولم تُخالِف الشرع.

و تنقسم عند الأصوليِّين إلى: مصلحةٍ مُلغاة، ومصلحة شرعية، ومصلحة مقاصدية.

أولًا: المصلحة الملغاة: هي التي حرَّمها الشرع؛ لغلبة الضرر عليها؛ مثل: مصلحة بيع الخمر والتداوي به؛ قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]، وعلى هذا المثال من القرآن الكريم تُقاس كلُّ مصلحة يغلب عليها الضرر.

ثانيًا: المصلحةُ الشرعية: وهي التي دلَّ عليها كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لكونها مصلحةً مطلقة أو غالبة؛ مثل: مصلحة تحقيق التقوى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، وقال أيضًا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال أيضًا: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].

ثالثًا: المصلحة المرسلة: هي الوسيلةُ الشرعية التي فيها منفعة مطلقة أو غالبة، ولم يَرِدْ فيها دليل خاصٌّ مانع، أو مبيح؛ مثل القنوات الإسلامية، فهي وسيلة لنشر الدعوة إلى الله، وفيها مصلحة غالبة، ولم تَرِدْ في دليل خاص يبيحُها أو يمنعُها، فلو أباحها دليلٌ خاصٌّ كانت مصلحةً شرعية، وإن منعها كانت مصلحةً ملغاة، وقد دلَّت النصوص العامة في الكتاب والسنة على اعتبار المصلحة المرسلة مثل قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك: ((يَسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا، ولا تُنفِّروا)).

رابعًا: المصلحة المقاصدية: وتُسمَّى في اصطلاح الأصوليِّين بمقاصد الشريعة، وهي المصالح التي نزلت الشريعة لتحقيقِها، وتنقسم إلى خمسِ ضروريَّات، وهي:

أولًا: حفظُ الدين، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

ثانيًا: حفظُ النفس، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29].

ثالثًا: حفظُ العقل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: ((لا ضرر ولا ضرار)).

رابعًا: حفظ النَّسْل، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

خامسًا: حفظ المال، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾ [النساء: 29].

وقد قَسَّم الأصوليون هذه المصالحَ إلى مصالح ضرورية، ومصالح حاجيَّة، ومصالح تحسينيَّة.

الضروريات: هي المصالح التي إن ضاعَتْ فسدَتِ الدنيا أو الآخرة؛ كالأمن والصلاة.

وأما الحاجيَّاتُ: فهي مصالحُ إن ضاعت حصَلَ الحرجُ والمشقة؛ كمصلحة التيمُّم عند فقدان الماء أو المرض، ومصلحة توفير الدولة الدواء بالمجان للفقراء والمساكين.

و أما التحسينيَّات: فهي المصالحُ التي تكمل دنيا الانسان أو آخرته؛ كتنظيف الشوارع، والعطر، وأداء النوافل؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، وقال أيضًا: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

وعند تعارضِ هذه المصالح تُقدَّم الضروريات، ثم الحاجيات، ثم التحسينيَّات.

وبهذا البيان المُختصَر يتَّضِحُ أن الشرعَ نزل لتحقيقِ مصالح الإنسان الدنيوية والأخرويَّة، ودرءِ المفاسد عنه، وأن حلَّ المشاكل البشرية على اختلاف أجناسها وبلدانها وأزمانها وعلى تعقيداتها، لا يوجد في أيديولوجيات الشرق ولا الغرب؛ إنما يوجد في الإسلام الذي أنزل لكل البشر.

و آخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى