مقالاتمقالات مختارة

المشكلات الأساسية التي تهدد مستقبل دولة الكيان الصهيوني (1-2)

المشكلات الأساسية التي تهدد مستقبل دولة الكيان الصهيوني (1-2)

بقلم د. إبراهيم أحمد مهنا

إن المتابع للشأن الصهيوني منذ تأسيس دولتهم عام 1948م، إلى مرحلة ما يسمى بـ”صفقة القرن” عام 2020م، يدرك جيداً أن هذا الكيان المصطنع يحمل بذور فنائه معه؛ فهو كيان وظيفي غريب عن المنطقة، يعاني من معضلات عديدة تهدد وجوده، ومن أهم هذه المعضلات مشكلة الديمغرافيا، ومشكلة تحقيق الأمن.

فقد كانت المشكلة الديمغرافية تشكل الهاجس الأكبر منذ اليوم الأول لإعلان اليهود المحتلين دولة لهم على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948م، وما زالت هذه المشكلة من أهم المعضلات التي تهدد مستقبل دولة الكيان الغاصب، لأنها وببساطة ستؤدي إلى فقدان السيادة اليهودية، ولم تخف الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة رغبتها في المحافظة على أغلبية يهودية، وهذا بحسب إيان س. لوستيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، “يفسر عدم خوف “إسرائيل” من استخدام العنف ضد آلاف الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين العزل، ويبيّن لماذا أدى عدم الحفاظ على أغلبية يهودية إلى التسريع في تبني أنماط من الفصل العنصري التي تزداد صعوبة إنكارها”(1).

ولقد ثار جدل داخل الكيان الصهيوني على مدى السنوات القليلة الماضية، حول ما إذا كان العرب يشكلون أغلبية بين النهر والبحر، وأصبح السؤال الشاغل لمجموعة كبيرة من الأكاديميين “الإسرائيليين” هو: هل يفوق عدد الفلسطينيين والمواطنين “الإسرائيليين” العرب عدد اليهود؟ وهل سيتخطون عددهم؟ فيرى خبراء أمثال سيرجيو ديلا بيرغولا، الأستاذ في الجامعة العبرية، وأرنون سوفير، الأستاذ في جامعة حيفا، بأن العرب سيفوقون اليهود في تعدادهم، وبحسب الإحصاءات “الإسرائيلية” فقد تضاعف عدد العرب في المناطق المحتلة عام 1948م خلال 65 عاماً (من عام 1948 إلى 2013) إلى أكثر من عشر مرات، وما يزال سكان قطاع غزة يتمتعون بمستوى خصوبة إجمالي يصل إلى 4.2 طفل لكل أسرة، وهو أعلى مستوى يبلغه بلد غير أفريقي في إحصاءات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(2).

وقد اتخذ اليهود منذ اليوم الأول لاحتلالهم فلسطين حزمة من الإجراءات لضمان أغلبية يهودية ومنع كارثة ديمغرافية -حسب تعبير ألون طال رئيس دائرة السياسات العامة في جامعة تل أبيب، ومؤلف كتاب “الأرض ممتلئة.. معالجة الاكتظاظ السكاني في إسرائيل”، وتمثلت هذه الإجراءات فيما يأتي:

1- إطلاق برنامج وطني يشجع “الإسرائيليات” على الحمل والولادة: هذا البرنامج أعلنه أول رئيس وزراء لـ”إسرائيل” ديفيد بن غوريون، وتمت موافقة مجلس الوزراء عليه في عام 1949م، حيث منحت بموجبه النساء “الإسرائيليات” اللواتي أنجبن عشرة أطفال مكافأة مالية مقدارها 1000 ليرة (ما يعادل 3000 دولار أمريكي)، ولكن تبين لهم بعد نحو عشر سنوات أن أغلبية المستفيدات من الجائزة كنّ من النساء العربيات، لذلك أعلن بن غوريون أن الجهة التي ستتولى مسؤولية هذه الجائزة جهة غير حكومية تتبع الحركة الصهيونية، وبهذه الطريقة تمكنوا من إقصاء النساء العربيات من الحصول على الجائزة وبصورة قانونية، ولم تقتصر السياسات “الإسرائيلية” التي تكفل المعاملة التفضيلية لليهود وبدون مواربة، على ترغيب اليهوديات لإنجاب المزيد من الأولاد، بل تجاوزت ذلك إلى ممارسة نوع من الترهيب لثني النساء اليهوديات اللاتي يسعين إلى تقليص مستويات خصوبتهن من خلال الإجهاض ووسائل منع الحمل(3).

2- تقليص عدد العرب في مناطق 48: بناء على توجيهات من ديفيد بن غوريون قامت عصابات “الهغانا” -وهو الاسم الذي يطلق على الجيش السري الأساسي للحركة الصهيونية- وذراعها العسكرية (البالماخ)، وبطريقة ممنهجة بتقليص عدد السكان العرب في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الوليدة، وقد تم تنفيذ هذا من خلال تهجير الفلسطينيين عبر التهديد بارتكاب مزيد من المجازر، وعدم السماح بعودة النازحين إلى بيوتهم(4)، وكان القلق من تفاقم الإشكالية الديمغرافية هو السبب الأهم والوحيد لعدم إقدام مناحيم بيغن، أول رئيس وزراء لـ”إسرائيل” في عام 1977م عن حزب الليكود اليميني دون مشاركة حزب العمل اليساري، على تحقيق حلم حياته والتوسع عبر إعلان ضم الضفة والقطاع لدولة الاحتلال؛ فالضم يعني منح الجنسية “الإسرائيلية” لملايين من الفلسطينيين، مما يشكل تعارضاً مباشراً وخطراً داهماً على الهوية الديمغرافية الصهيونية(5).

3- إصدار قانون العودة: وهو أحد التشريعات العنصرية التي فرضتها سلطات الاحتلال (الإسرائيلي)، وتم سنّه في عام 1950م، وبموجب هذا القانون تم منح اليهود في جميع أنحاء العالم الحق في “العودة” إلى وطنهم “أرض إسرائيل”، وعلى مدى سبعين عاماً استفاد أكثر من ثلاثة ملايين يهودي في العالم من هذا القانون، وأصبحوا بموجبه مواطنين (إسرائيليين)، ويمثل هؤلاء نحو 20% من تعداد اليهود خارج فلسطين المحتلة، يقول ألون طال: “وعلى الرغم من موجات اللاجئين اليهود الذين حطوا رحالهم في فلسطين، لم تكن الهجرة كافية على مدار معظم فترات تاريخ “إسرائيل” لكي تضاهي وتيرة الخصوبة في أوساط العرب”(6).

4- التمييز بين اليهود وغيرهم في السياسات التشريعية: على الرغم من أن عرب فلسطين 48(7) يمثلون نحو 21% من المواطنين (الإسرائيليين)، واعتبارهم ظاهرياً مواطنين متساوين في الحقوق مع “الإسرائيليين” اليهود، فإنهم في الواقع يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، فهم يعانون من اضطهاد عرقي وديني، وتمييز عنصري على كل المستويات؛ فاليهودي يعامل بشكل تفضيلي على العربي، وقد ذكر هيثم الشريف ثمان نقاط تبين عنصرية الاحتلال ضد عرب 48:

الأولى: قضم الأراضي وهدم البيوت وحجب الخدمات، فكثيراً ما تتذرع الحكومة (الإسرائيلية) على عدم إعطاء تراخيص بناء بحجة أن المنطقة صنفت كأراض زراعية، ومثال ذلك قرية دهمش البالغ عدد سكانها 700 نسمة ويعيشون في 80 منزلاً فقط، ويحظر عليهم بناء أي منزل جديد.

الثانية: الاعتداء على خلفية عنصرية، فكثيراً ما تعتدي الشرطة “الإسرائيلية” عليهم بوحشية عند أي احتكاك مع أي يهودي دون التحقيق في الأمر.

الثالثة: الفصل من العمل على خلفية الانتماء.

الرابعة: عنصرية الإعلام “الإسرائيلي” ضد العرب.

الخامسة: العنصرية بغطاء قانوني، فقد سن البرلمان “الإسرائيلي” عدداً كبيراً من القوانين المتعاقبة بهدف تثبيت وتعزيز التفرقة العنصرية، وترسيخ فكرة يهودية الدولة، اعتماداً على الغالبية اليهودية، مثل: “قانون الجنسية الإسرائيلية”، الذي يخول المحكمة سحب المواطنة من كل من يدان في مخالفة تمس بأمن الدولة، والقسم لمن يحمل الهوية “الإسرائيلية” بيهودية الدولة، بما يهيئ لسحب الهوية ممن لا يقبل ذلك من العرب، وطرده من أرضهم، وقانون خصخصة أراضي اللاجئين الذي يمكّن الدولة من نقل مساحات شاسعة من الأراضي المصادرة من الفلسطينيين إلى “إسرائيل”.

السادسة: التمييز من خلال ميزانيات التطوير، فالمناطق ذات الكثافة العربية تعاني كثيرا من ضعف موازنتها المالية لتطويرها.

السابعة: التمييز في مجال الصحة.

الثامنة: تعمق الفقر(8).

ووفقاً لتقرير الفقر للعام 2018م الذي نشرته مؤسسة “التأمين الوطني” (جهة رسمية)، بحسب القناة “13” (الإسرائيلية) بلغت نسبة الفقر بين المواطنين العرب (الإسرائيليين) 50.1%(9)، ويقول جوني منصور: “تشير الإحصائيات إلى انتشار ظاهرة اللامساواة من منطلقات طائفية وقومية، بحيث إن الهيمنة الاقتصادية لليهود الأشكنازيين (الغربيين)، فدخلهم الفردي والأسري أعلى، ثم اليهود الشرقيين، فالعرب في أسفل السلم”(10)، وبتحليل أولي للنمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده “إسرائيل” حسب منصور “يتبين أن الشريحة المستفيدة من النمو الاقتصادي في (إسرائيل) هي ذوو الدخل العالي من بين العشر الأول، وهذا في حد ذاته توجه فيه لا مساواة، وتبين أن فقدان اللامساواة مؤسس على الانتماء القومي والطائفي، أو اعتماداً على التوزيعة الجغرافية في إسرائيل”(11)، ولا يخفى أن الغرض من ذلك هو خلق واقع معيشي صعب قد يضطر العرب للهجرة خارج الوطن.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

______________________________________

(*) عضو هيئة علماء فلسطين بالخارج.

(1) إيان س. لوستيك، الارتباط المصيري ما بين إسرائيل والمعضلة الديموغرافية، مجلة قضايا إسرائيلية العدد 71، ص9.

(2) انظر: ألون طال، التحول من الخلاف الديمغرافي إلى الاستدامة، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد 71، ص56.

(3) انظر: المصدر السابق ص47.

(4) انظر: إيان س. لوستيك، الارتباط المصيري ما بين إسرائيل والمعضلة الديمغرافية، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد 71، ص10.

(5) انظر: المصدر السابق ص11.

(6) انظر: ألون طال، التحول من الخلاف الديمغرافي إلى الاستدامة، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد 71، ص48.

(7) فلسطينيّو الـ48، أو عرب الداخل الفلسطيني، هم السكان الفلسطينيون الذين ظلوا في أرضهم بعد حرب 1948، برغم أن إسرائيل طردت نحو 85% منهم، ودمرت 531 تجمعاً سكانياً، واحتلت أكثر من 78% من مساحة فلسطين قبل النكبة.

(8) لمزيد من التفصيل انظر: هيثم الشريف، عنصرية إسرائيل ضد عرب 48 في 8 نقاط، موقع رصيف الإلكتروني، نشر في 27/8/ 2016م.

(9) موقع وكالة أنباء الأناضول، 20% من الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر، نشر في 31/12/2018م.

(10) جوني منصور، إسرائيل الأخرى رؤية من الداخل، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 1430هـ/ 2009م، ص190.

(11) المصدر السابق ص188.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى