المشروع النَّووي الإيراني وحقيقة تهديده لأمن إسرائيل 1من 8
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
ابتُليت الأمَّة الإسلاميَّة منذ عصر صدر الإسلام بفتنة دبَّرها وحاك خيوطها الفُرس المجوس، أشدُّ المتضرّرين من بزوغ شمس الإسلام، بدافع من حقدهم على الدَّولة الإسلاميَّة النَّاشئة، الَّتي أسقطت الإمبراطوريَّة الفارسيَّة العتيقة؛ ألا وهي فتنة ظهور مذهب الشّيعة الرَّوافض، على يد اليهودي عبد الله بن سبأ، أو ابن السَّوداء. خرج ابن سبأ من اليمن، الَّتي كانت خاضعة في زمن النُّبوَّة لحُكم الفُرس، ليبثَّ سمومه وينشر عقيدته الضَّالَّة، الَّتي ما أتى الإسلام إلَّا لتصحيحها؛ فنجح مع جماعته من غلاة الباطنيين في استمالة ضعاف النُّفوس من المسلمين، حتَّى ألَّبهم على خليفتهم وحاكمهم الشَّرعي، عثمان بن عفَّان (رضي الله عنه وأرضاه)، وأشعل فتنة أفضت إلى إسقاط دولة الخلافة الرَّاشدة على منهاج النُّبوَّة. وبعد أن زعَم ابن السَّوداء أن منزلة الإمام عليّ بن أبي طالب (كرَّم الله وجهه) من نبيّنا مُحمَّد (ﷺ) هي منزلة يشوع بن نون من نبيّ الله موسى (عليه السَّلام)، وأنَّه الأولى بالخلافة من سواه بحُكم قرابته ومصاهرته للنَّبيّ (ﷺ)؛ وبعد أن وصَل به الأمر أن ادَّعى في الإمام عليّ الألوهيَّة من دون الله تعالى، نُفي ابن سبأ إلى المدائن، عاصمة الإمبراطوريَّة الفارسيَّة البائدة، ليتَّخذها مركزًا لنشر عقيدته الباطلة.
ظلَّ الرَّوافض على مرّ العصور خنجرًا مسمومًا في ظهر الأمَّة الإسلاميَّة، ولم يُنسَ دورهم في التَّحالف مع الصَّليبيين، ثمَّ مع التَّتار في غزو دار الإسلام وتقتيل وتشريد أهل السُّنَّة من المسلمين. ويتجدَّد الدَّور الخؤون المتآمر الغادر في عصرنا الحديث، من خلال تواطؤ نظام ملالي الشّيعة مع الصَّهاينة والصَّليبيين ضدَّ أهل السُّنَّة في العراق والشَّام واليمن، وربَّما جزيرة العرب لاحقًا. يتّفق المفكّرون الإسلاميون على ادّعاء نظام الملالي تزعُّم معسكر الممانعة والمقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لا يهدف إلَّا إلى مخادعة أهل السُّنَّة وإيهامهم بأنَّ الرَّوافض، الَّذين يشتركون مع أهل في العديد من العقائد الدّينيَّة، وعلى رأسها عقيدة مخلّص بني إسرائيل الَّتي يُسقطها الرَّوافض على إمامهم الغائب منذ 12 قرنًا ونيف، هم الأولى بالاتّباع والأجدر بتولّي أمر المسلمين. لم تدّخر أمريكا وإسرائيل جُهدًا في المبالغة في تعظيم قدرات إيران العسكريَّة وتصويرها على أنَّها النّدّ القوي الَّذي تخشاه أقوى دول العالم، في محاولة لاستدراج السُّذَّج، من غير الواعين بحقيقة الأهداف الإيرانيَّة، لاتّباع مذهب الرَّوافض الباطل.
يزداد النُّفوذ الشّيعي في العالم الإسلامي يومًا بعد يوم، وقد اعترف كبار رجال السّياسة والجيش في دولة الملالي بأنَّهم يسعون إلى إخضاع المنطقة العربيَّة إلى سُلطانهم، تحت ستار تصدير الثَّورة الخمينيَّة، دون تدخُّل مباشر في شؤون دول الجوار. في حين أثبتت الوقائع تورُّط نظام الملالي في أعمال عدوانيَّة تنشق لها القلوب في العراق والشَّام واليمن؛ بهدف توسيع نطاق الهلال الشّيعي، ليشمل المنطقة من الخليج العربي، أو الفارسي كما يطلق عليه الرَّوافض، إلى البحر المتوسّط. ويبدو أنَّ جزيرة العرب ستكون الهدف المقبل لنظام الملالي، تنفيذًا لنبوءة ظهور الإمام الثَّاني عشر بعد مقتلة في مكَّة المكرَّمة. ويدَّعي نظام ملالي الشّيعة أنَّ مشروعهم النَّووي يستهدف تهديد إسرائيل وإخضاعها، ما نفاع السّياسي الإسرائيلي-الفرنسي ألكسندر أدلر بالكليَّة، مؤكّدًا أنَّ ذلك المشروع لم يُؤسَّس إلَّا لخدمة أهداف إيران التَّوسُّعيَّة في العالم السُّنّي. ويتناول هذا المقال طبيعة ذلك المشروع، وحقيقة وجود صراع تدميري بين إسرائيل وإيران، في محاولة لتعريف المغيَّبين، من المنخدعين بشعارات نظام الملالي الجوفاء، بطبيعة التَّواطؤ الصُّهيوني-الصَّفوي ضدَّ أهل السُّنَّة.
1.رأي توافقي حول “حقيقة العلاقات الأمريكيَّة الإيرانيَّة”
يستهلُّ المفكّر والباحث السُّوري، الدُّكتور عزَّت السَّيد أحمد، دراسته الصَّادرة تحت عنوان التَّآخي الأمريكي الإيراني: حقيقة العلاقات الأمريكيَّة الإيرانيَّة (2020) بالتَّأكيد على أنَّ العلاقات الوطيدة، بل والتَّاريخيَّة، بين دولة ملالي الشّيعة وقادتها وبين أمريكا وإسرائيل لم تعد تخفى على أحد، نافيًا أنَّ يكون “التَّآخي الإيراني الأمريكي الإسرائيلي” تآخيًا حديثًا فرضته الظُّروف (صـ7). يتعجَّب المفكّر السّياسي من اعتقاد البعض من السُّذَّج بأنَّ إيران عدوٌ لأمريكا وإسرائيل، بل وتتزعَّم معسكر المقاومة والممانعة، بتمويلها للحركات الإسلاميَّة المقاومة للاحتلال في الأرض المقدَّسة. غير أنَّ دولة الملالي لا يمكنها الإقرار بوجود علاقة قويَّة بالشَّيطان الأكبر وربيبته، كما تُطلق على أمريكا وإسرائيل؛ لأنَّ في الإقرار بذلك انهيار المبدأ الَّذي قامت عليه. ويعتبر السَّيّد أحمد أنَّ فهْم تداعيات الارتباط الوثيق بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى يحتاج إلى مراجعة الماضي ومعرفة أصل التَّآمر الفارسي على المسلمين، وهو ما تناوله في كتابه آفاق التَّمدُّد الفارسي (2015). يكفي في هذا السّياق التَّذكير بأنَّ إيران، أو بلاد فارس، منذ تحويل أبنائها مطلع القرن السَّادس عشر للميلاد، على يد الشَّاه إسماعيل الصَّفوي، أصبحت بمثابة “عدوٍّ صريح ومباشر وغير مباشر للإسلام بالمجمل والعرب بالخصوص”، و “مفتاح بل بوَّابة لأعداء الإسلام وأعداء العرب من الغزاة والمحتلَّين”؛ ولعلَّ دورها في غزو أفغانستان (2001م) والعراق (2003م) أحدث النَّماذج (صـ8).
يحرص المفكّر السُّوري على إبانة أمرين في غاية الأهميَّة قبل طرْح محتوى دراسته من قبيل التَّمهيد، أوَّلهما أنَّ فساد المذهب الشّيعي يسبق نشأة الدَّولة الصَّفويَّة؛ أي لم يكن الشّيعة قبل ذلك يكنُّون لأهل السُّنَّة الودَّ والخير وجاءت تلك الدَّولة الطَّائفيَّة لتحوُّل مشاعر الشّيعة الإيجابيَّة تجاه أهل السُّنَّة إلى حقْد وكراهية. أمَّا الأمر الثَّاني، فهو أنَّ بلاد فارس لم تضمر للعرب والمسلمين قبل نشْر التَّشيُّع فيها بالقوَّة المفرطة إلَّا كلَّ شرّ؛ حيث لم تخمد نار الحقد الفارسي على العرب منذ فتْح بلاد فارس في عهد ثاني الخلفاء الرَّاشدين، عُمر (رضي الله عنه وأرضاه)، الَّذي قُتل وهو يؤمُّ المسلمين في المسجد النَّبوي بمؤامرة فارسيَّة نفَّذها المجوسي أبو لؤلؤة. ويعلّق السَّيّد أحمد على ذلك بقوله (صـ9):
وهذا يعني أنَّه بعد ارتباط الشّيعة بإيران وتحوُّل إيران إلى معقل الشّيعة العالمي، اجتمع الشَّرَّان المحيقان بالعرب معًا في بوتقة واحدة تضاعف فعلها فاعليَّتها وتأثيرها. ولا غرابة بعد ذلك ن تكون هذه القوَّة الجديدة منصَّة مستقلَّة باطنيَّة في شنّ الحروب على الإسلام والعرب من جهة أولى، ومنصَّة سرّيَّة لأعداء الإسلام المباشرين من غزاة ومحتلّين.
تكمن خطورة المذهب الشّيعي وأتباعه من الفُرس الجدد في اتّباع مبدأ التَّقيَّة، بإظهار خلاف ما يُبطن خدمةً للمصالح الآنيَّة. ويجد المذهب الشّيعي، الَّذي وضَع أُسسه العقائديَّة اليهودي عبد الله بن سبأ، أو ابن السَّوداء، ما يتشابه مع عقائده في عقائد الباطنيين من غير المسلمين. في حين يختلف ذلك جذريًّا مع صحيح العقيدة الإسلاميَّة، المستمدَّة من القرآن الكريم وما صحَّ عن نبيّنا مُحمَّد (ﷺ) من أحاديث. دون خوض في عقائد المذهب الشّيعي، يشير المفكّر السّياسي إجمالًا إلى أنَّ المذهب نشأ على أساس “النّفاق والفتنة”، مذكّرًا بخذلان مَن أطلقوا على أنفسهم شيعة الإمام عليّ (كرَّم الله وجهه) للإمام نفسه، ثمَّ لابنه، الحسين، واقتصار فعلهم على التَّحريض، ثمَّ الهروب من المعركة عند نشوب القتال (صـ9). ومع الأخذ في الاعتبار اعتراف مرجعيَّات الشّيعة في بعض مصادرهم التَّاريخيَّة بأنَّ مقتل الحسين كان على يد الشّيعة أنفسهم، وليس بني أميَّة، كما أورد الطَّبرسي في الاحتجاج (جزء 2، صـ28)، يتَّضح لمتحريّ الحقيقة أنَّ المذهب الشّيعي لم يتأسَّس على يد يهوديّ إلَّا من أجل شقّ صفّ المسلمين وتحريف صحيح العقيدة وإيجاد عدوٍّ للمسلمين من أنفسهم.
استبدال العدوّ الصُّهيوني بالعدو الصَّفوي
يلقي الدُّكتور عزَّت السَّيد أحمد على الضَّوء على ما دأب الإعلام العربي، وبخاصَّة المموَّل خليجيًّا، على ترويجه في الآونة الأخيرة، عن أنَّ الخطر الحقيقي يكمن في العدوّ الصَّفوي، وليس الصُّهيوني؛ أي أنَّ إيران هي العدوّ الفعلي للعرب، بينما إسرائيل تشترك مع العرب في التَّعرُّض للتَّهديد العسكري الإيراني، لا سيّما النَّووي. يحذّر الإعلام الخليجي من خطر آخر هو التَّمدُّد التُّركي في المنطقة من خلال إحياء الإرث العثماني، وإعادة دولة الخلافة. غير أنَّ التَّحذير من الخطر الإيراني هو الأشدّ، خاصَّةً مع الأخذ في الاعتبار الدَّور الإيراني في إحداث الفوضى في العراق ولبنان وسوريا واليمن؛ كأنَّما ليس لإسرائيل دور على الإطلاق فيما يحدث، وأنَّ مشروع إسرائيل الكبرى ليس الوجه الآخر لمشروع الهلال الشّيعي. لإثبات أنَّ ما يتردَّد عن عداء العرب لإيران لن يتجاوز حدّ الزَّعم، يتساءل المفكّر: “متى ستتوجَّه الأسلحة العربيَّة إذن إلى إيران؟ …هل الحكَّام العرب صادقون فعلًا في أنَّ إيران هي عدوُّهم الحقيقي، وأنَّ معركتهم الحقيقيَّة والكبرى بل معركتهم القادمة ستكون ضدَّ إيران” (صـ33). المفارقة الَّتي يشير إليها السَّيّد أحمد هي أنَّ ذلك الزَّعم ليس بجديد على الإطلاق، إنَّما جرى ترديده منذ تأسيس دولة الملالي قبل أكثر من 40 عامًا، ولكن يُعاد توظيفه في هذه الآونة؛ من أجل “تمرير وتبرير التَّطبيع بل والتَّآخي مع إسرائيل بهذه الذَّريعة، وامتصاص نقمة الشُّعوب العربيَّة وانفعالاتها حيال هذا الارتماء في خضْن إسرائيل” (صـ34).
ردًّا على التَّساؤل الَّذي طرحه عن حقيقة نيَّة العرب شنّ حرب على إيران، يذكّر المفكّر السّياسي باندلاع الحرب العراقيَّة-الإيرانيَّة في 1980م، بعد عام واحد من تأسيس دولة الملالي، سعيًا إلى دحْر الخطر الصَّفوي في مهده حينها. وبرغم نجاح نظام صدَّام حسين في إنهاك إيران على مدار 8 سنوات، فقد تعرَّض جيشه كذلك إلى الإنهاك واستنزاف المواد، ناهيك عن تراجُع قيمة العملة العراقيَّة نتيجة لتردّي الأوضاع الاقتصاديَّة. ويبدو أنَّ ما مُني به نظام صدَّام من مِحن بسبب تلك الحرب طويلة الأمد؛ فشُنَّت حرب الخليج الأولى عام 1991م بتواطؤ خليجي؛ لفرْض حصار مُحكم على ذلك النّظام المناوئ لإيران وإسرائيل حقًّا، كما يرى أحمد. لم تمتنع دول الخليج العربي، رافعة شعار معاداة إيران واعتبارها الخطر الفعلي، عن التَّواطؤ مع نظام الملالي سرًّا لتسليمه أفغانستان، بعد الاجتياح الأمريكي في أكتوبر 2001م، تحت ذريعة محاربة التَّطرُّف الإسلامي. ويعترف تقرير مؤسَّسة راند الأمريكيَّة لعام 2014م، والصَّادر تحت عنوان “النُّفوذ الإيراني في أفغانستان”، بتعاظُم التَّأثير الإيراني في أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان السُّنّي، مدَّعيًا قلق الولايات المتَّحدة من تنامي ذلك التَّأثير بعد انسحاب قوَّاتها من أفغانستان، لا سيّما بسبب التَّزايد الملحوظ في أعداد المتشيّعين الجُدُد. وبشأن دور دول الخليج في إسقاط نظام صدَّام، الذَّي أفضى إلى احتلال إيران للعراق، يوضح المفكّر السُّوري متأسّفًا أنَّ (صـ36):
الحقيقة الَّتي لا تقبل الطَّعن ولا الشَّكّ بحال من الأحوال هي أنَّ دول الخليج العربي الرَّئيسة هي الَّتي ظلَّت تحرّض أمريكا وتحفّزها على إسقاط صدَّام حسين وإسقاط العراق، وهي الَّتي موَّلت حرب احتلال العراق تمويلًا كاملًا وأموالًا طائلة، إكرامًا لأمريكا فوق التَّكاليف.
ودول الخليج الَّتي تشيطن إيران في إعلامها منذ سنوات، هي ذاتها الَّتي طلبت من قيادات الثَّورة السُّوريَّة تأمين حزب الله اللبناني في سوريا، إذا ما سقط نظام الأسد. والأعجب من ذلك أن تجد أنَّ أصحاب أرفع المناصب في مركز تلفزيون الشَّرق الأوسط (MBC)، الَّذي يعتبره المفكّر الكبير “أخطر مجموعة إعلاميَّة في العالم العربي”، والمسؤولين عن إعداد الخطاب التَّحريضي ضدَّ نظام ملالي الشّيعة هم أصلًا من الشّيعة (صـ38). والأعجب ممَّا سبق أن تدَّعي السَّعوديَّة والإمارات أنَّ من أهمّ أسباب حصارها على قطر هو علاقاتها بإيران، بينما يتَّسع مجال التَّعاون بين دولة الملالي والسَّعوديَّة عنه بين الأولى وقطر بمراحل، كما أنَّ الإمارات هي أكبر شريك اقتصادي لإيران، برغم الحصار الاقتصادي الَّذي تفرضه أمريكا على إيران بسبب نشاطها النَّووي. يوجز السَّيّد أحمد رأيه في حقيقة العداء الخليجي-الفارسي كما يلي (صـ40):
ما يفعله الحُكَّام العرب الآن من حشْد وتحشيد، وشدَّة وتشديد ضدَّ إيران لا يختلف أبدًا عمَّا فعلوه على مدار سبعين سنة ضدَّ إسرائيل. إسرائيل وإيران وجهان لعملة واحدة، بينهما من التآخي ما بينهما، وبينهما من العلاقات السّرّيَّة ما بينهما، ومن يكون صديقًا لإسرائيل لا يمكن أن يكون عدوًّا لإيران بحال من الأحوال.
لا يستبعد المفكّر السّياسي أنَّ يكون مخطَّط استبدال العدوّ الصُّهيوني بالصَّفوي قديمًا، ورُتّب له منذ عقود، معتبرًا أنَّ التَّنسيق المتواصل بين كافَّة الأنظمة العربيَّة الحاكمة من ناحية والكيان الصُّهيوني منذ تأسيس خيرُ دليل على أنَّ ما تعلنه وسائل الإعلام هو من قبيل التَّذرُّع عند التَّخطيط لاتّخاذ مواقف سياسيَّة معيَّنة. ينتقل السَّيّد أحمد إلى واقعة تفجير ناقلات نفط خليجيَّة أثناء مرورها في الخليج العربي، في مايو 2019م، تنفيذًا للتَّهديد الإيراني بإعاقة الملاحة النَّفطيَّة الخليجيَّة، في حال تنفيذ العقوبة الأمريكيَّة بحظر بيع النَّفط الإيراني لعدم تخلّي نظام الملالي عن البرنامج النَّووي. قد يكون ما يفترضه المفكّر غريبًا، لكنَّه ينقل تفسيرًا واقعيًّا للأحداث. يرى السَّيّد أحمد أنَّ التَّفجير تمَّ وفق “اقتراح وتخطيط خليجي من دولتين معيَّنتين، وتنفيذ إيراني، وغطاء أمريكي”؛ أمَّا السَّبب، فهو “حشْد الشُّعوب العربيَّة وتجييشها لتشجيع الحرب الخليجيَّة ضدَّ إيران” (صـ45). لن يتحارب الطَّرفان على الأراضي الخليجيَّة أو الإيرانيَّة، إنَّما في سوريا، من خلال دعمْ الميليشيات المسلَّحة ضدَّ الوجود الإيراني في سوريا. غير أنَّ الهدف الحقيقي هو افتعال أزمة لمحاربة تركيا، سعيًا إلى تقسيم بانفصال الإقليم الكردي عن جسم الدَّولة. يذكّر السَّيّد أحمد بزيارة ثامر السَّبهان، وزير الدَّولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجيَّة السَّعوديَّة، لسوريا في 15 يونيو 2019م، بحجَّة دعْم الميليشيات في مواجهة إيران.
ليس من الممكن لإيران تنفيذ تفجير لناقلات نفطيَّة تدخل في الحماية الأمريكيَّة، دون إذن مسبق من الشَّيطان الأكبر، الَّذي ترصد أقماره الصّناعيَّة كافَّة التَّحرُّكات في مضيق هرمز، الَّذي هو من أهمّ المنافذ الاستراتيجيَّة في العالم. ولو لم تكن أمريكا على علم مُسبق بتلك الهجمات، ما كانت لتصمت على إهدار كرامتها على ذلك النَّحو، وهي الَّتي لم يكف رئيسها السَّابق، دونالد ترامب (يناير 2017-يناير 2021م) عن التَّهديد والوعيد والتَّصريح بأنَّ الخليج ما كان ليصمد أمام التَّهديد الإيراني، لولا الحماية الأمريكيَّة. يذكّر السَّيّد أحمد بأنَّ أمريكا لم تسكت أبدًا عن أيّ إساءة تعرَّضت إليها منذ أن أصبحت شرطي العالم في أعقاب خروجها منتصرة من الحرب العالميَّة الثَّانية (1939-1945م)، وكانت “تضرب فورًا في أيّ مكان في العالم؛ بحقّ أو بباطل، لكيلا يُقال أنَّها تسكت على إهانة أو عدوان…عندما لا تعرف المعتدي تقوم بتلبيس التُّهمة لأيّ طرف وتؤدّبه على الفور لتقول أنَّها ثأرت وانتقمت بسرعة خاطفة” (صـ50). من هنا، يستنتج المفكّر الكبير أن يكون مشهد تفجير ناقلات النَّفط الخليجيَّة جزءً من مسرحيَّة أكبر تمهّد لمنْح إيران دورًا في إعادة تشكيل موازين القوَّة في الخليج.
(المصدر: رسالة بوست)