إن نظرة متفحصة لأحوال العالم العَرَبِيّ، في شتى المجالات، كفيلة بالحكم على نتائج وآثار المشروع العلماني التغريبي، الذي تمكن من سدة الحكم في تلك البلاد عشرات السنين، بلا منازع، وبلا شريك حقيقي، وأتيحت له الفرصة كاملة لاستغلال ثروات وإمْكَانَات البلاد العَرَبِيّة.
فعلى المستوى السياسي، كان من المفترض من دعاة الليبرالية والعلمانية الغربية، أن يرسخوا الحرية كمبدأ رئيس، تقوم عليه الحياة السياسية الرشيدة، بالآليات التي تقتضيها، من تداول للسلطة، ونزاهة العملية الانتخابية، وزيادة الوعي السياسي عند العامة، واتساع هامش المعارضة للفرقاء السياسيين.
ولكنّ شيئاً من ذلك لم يكن، فمنذ بزوغ المشروع العلماني، وحتى اللحظة الراهنة، لَمْ نَرَ تلك النتائج، وكل ذلك تحت مسموح الليبرالية والعلمانية والتغريب.. وبدعوى قطع الطرق على أعداء الحرية انتهكت كافة الحريات!
وقل مثل ذلك على المستوى الاقتصادي؛ إِذْ بشر دعاة المشروع العلماني التغريبي بالرأسمالية، باعتبارها ابتكاراً بشرياً منقطع النظير، يحمل الخير الوفير لعالمنا العَرَبِيّ، فإذا بها كائن متوحش، قطع أعناق الشعوب وأذلها، وأفقرها، فيما كانت جيوب ثلة من المنتفعين تنتفخ يوماً بعد يوم، وهي تقتات من دماء الشعوب بدعوى الحرية الاقتصادية.
إن العالم العَرَبِيّ، ما زال، ومن آثار المشروع العلماني ورأسماليته، يقتات من موائد الغرب، ويتسول رغيف الخبز، كما يتسول ملبسه وسلاحه وتكنولوجيته، من الغرب، وأصبح كلّاً على غيره؛ وَهُوَ الغني بموارده، القوي بمذخوره البشري الشبابي.
وعلى المستوى الاجْتِمَاعِيّ، زادة حِدَّة الأزمات الخانقة التي تأخذ بأعناق الشعوب، كنتيجة طبيعية لمحاولة حقن المجتمع بهرمونات غربية غريبة، وفرض أنموذج تغريبي قسراً على بنية ونسيج المجتمع العَرَبِيّ، فكان الفصام النكد والشقاء المجتمعي.
لقد ازداد شقاء المجتمع العَرَبِيّ وهو يرى الطبقة المخملية المبشرة بالمشروع التغريبي تعيش في ترف، وتدعو إلى ترف الاقتداء بالغرب حذو القذة بالقذة، فيما هو مشدود بقوة إلى تقاليد مجتمعه وتراثه الثقافي والحضاري الذي نبت في أرض الإسلام وارتوى.
نحن، لا نرضى حقيقة عن المرتكزات التي انْطَلَقَ منها المشروع التغريبي في عالمنا العَرَبِيّ، حتى وإن حَقَّقَ بها نهضة دنيوية؛ إِذْ بها قد خاصم الآخرة وهجرها، فما بالنا ونحن نرى بأم أعيننا ما خلفه من نتائج على كافة المستويات، جعلت الأمة العَرَبِيّة، منزوعة الهوية، متخلفة اقتصادياً، مفككة اجْتِمَاعِيّاً.
(المصدر: موقع تواصل)