مقالاتمقالات مختارة

المشروع الصهيوني والمشروع الصفيوني ، التناغم والتناحر!

المشروع الصهيوني والمشروع الصفيوني ، التناغم والتناحر!

بقلم علي الصالح الظفيري

الإسلام دين واحد ، ولكن إن دخلنا في التفاصل العقدية والفقهية سنجد فِرقاً ومذاهب متعددة ، أكبرها في القدم والاستمراريةً والعدد هم أهل السنة والجماعة، بل هم من يمثل الإسلام بوصفهم (الأمة) ، وفيهم فروع منسجمة قلما تناحرت على أساس ديني ، وهم كانوا ومايزالون يشكلون الغالبية العظمى من المسلمين ، ولا شك أن الشيعة بفروعهم يُصنفون أنفسهم كمسلمين ، ويصنفهم بعض العلماء أنهم مسلمون ، وقسم آخر يُصنفهم من الفرق التي شذت عن الإسلام ، وقسم من العلماء يخرجهم من الإسلام ويعتبرهم دينًا مستقلا بعيدًا عن الإسلام بناءً على مايوجد في بطون كُتبهم المعتمدة والتي تُصادم ثوابت الإسلام في بعض طُروحاتها، وهذا ليس مجاله- هنا- مانكتب من حيث العقيدة والانتماء.
فهم جزء من العالم الإسلامي ينضون تحت لواء الدين الإسلامي ، ولو أوغلنا في التاريخ سنجد أن الشيعة بنسبتهم المئوية والجغرافية تعرضت للزيادة والنقصان باختلاف الأزمنة والأمكنة ، ولكن الملفت للانتباه لكل متابع لسيرتهم عبر التاريخ يجد أنهم كثيرًا ما تحالفوا مع أعداء المسلمين ضد أهل السنة والجماعة (ولاسيما الفرق الباطنية التي تنسب للشيعة) وذلك لغاية التوسع أو بسبب الخلاف العقدي الواضح والمتجذر .
ورغم أن الصدارة كانت ولاتزال للدول المحسوبة على السنة ، ولكن بعد المؤامرة العالمية لإسقاط الدولة العثمانية السنية الحاضنة لأغلب المسلمين وتمزيق جسد الأمة لدويلات وتصاعد التيار القومي نشأت إيران واتخذت ولاية الولي الفقيه ، وهو رأيٌ عقديٌ شاذ حتى في عقائد الشيعة ، ولم يخف مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني في عام 1979 م هدفه بتصدير ماسماها الثورة ، وهنا كان المستهدف الأول هو الشيعة بشكل عام والشيعة العرب بشكل خاص ، وأما المستهدف الثاني كان السنة بعوامهم ونخبهم وأحزابهم بهدف تشييع أكبر عدد ممكن من العوام واستمالة النخب والأحزاب بشتى الوسائل ، ولا شك أن غياب الجامع الرسمي للسنة سياسياً ودينياً ترك فراغ كبير أغرى المروجين لفكرة ولاية الفقيه بأن يملئوا هذا الفراغ بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة .
فصار هناك ذراع أو أكثر لإيران في أغلب الدول العربية والإسلامية ، وخاصة محيطها القريب ، ولا يخفى على كل عاقل متجرد أن من ساعد وسهل بل ومول وجند قيام دولة ولاية الفقيه هي أقبية الاستخبارات الغربية رغم العداء المعلن منذ البداية لأمريكا والصهاينة من قبل الخميني وأتباعه ، ففي ذلك الوقت كان الكيان الصهيوني أمرًا واقعًا في المنطقة خاض مع الأنظمةالعربية المتخاذلة حروباً مزعومة سيطر فيها على فلسطين بالكامل وقضم أجزاء من دول الجوار ، وهو أيضاً كان ومايزال يتلقى الدعم المعلن من الغرب وعلى رأسهم أمريكا .
ثلاثة دول في منطقة الشرق الأوسط فقط سُمح لها أن تنشأ نظامًا سياسيًا مبنيًا على أساس ديني ،وهم السعودية تتنبى الفكر الوهابي المستحدث ومايسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفكرها شيعي شاذ تتنبى فكر ولاية الفقيه المستحدث ومايسمى دولة اسرائیل وفكرها يهودي صهيوني شاذ قديم متجذر .
وهنا دارت رحى حرب فكرية طاحنة بين الأفكار الثلاث في العلن ولكن من المستغرب لغير القارئ المتمعن أن المطحون في هذا الصدام الفكري لم يكن إلا أبناء المنطقة من السنة بل ومن العرب السنة خاصة .
فإن سلطنا الضوء على الصراع المزعوم بين الصهاينة من جهة ومانسميهم الصفاينة من جهة أخرى وهنا نقصد بقيا فكرالدولة الصفوية التي كانت كارثة على المنطقة بكل المقاييس .
فنجد أن الصهاينة يصرحون أن العدو الأول لهم هي إيران ، وبالمقابل نجد القادة الإيرانيين وأذرعهم صدعوا رؤوسنا بتدمير دولة اسرائیل بكل مناسبة ، ولكن على أرض الواقع نجد من يُقتل وتدمر مدنهم هم أبناء المنطقة من غير الطرفين .
فمن كل ما سبق صار يقيناً عند البعض أن المشروع الصهيوني والمشروع الصفيوني يظهرون العداء فوق الطاولة ويبطنون التحالف والتنسيق تحتها .
ولكن العلاقات الدولية لا تُقيَمُ َبتلك الطريقة التي يحكمها منطق الخلافات الأسرية والشللية فمنطق العلاقات الدولية يبنى على المصالحة المشتركة وتقاطع المصالحة الذي يحصل أحياناً بين الأعداء قبل الأصدقاء .
فلا شك أن للصهيونية مشروع مدروس خطط له بإحكام ، وهو مشروع مدعوم بقوة من النظام العالمي الخبيث ، والسبب غالباً تقاطع المصالح ، وهذا لا شك ينطبق على المشروع الصفيوني .
فلو فرضنا أن النظام العالمي سمح لإيران بأن تتوغل في دول عدة وتمارس أشد أنواع الإجرام الذي ربما لم تسمح به للصهيونية فلأن هذا يخدم المصلحة لهذا النظام ، ولكنه أيضاً لا يسمح لها غالباً بأن تتحول إلى قوة ضاربة في المنطقة تمتلك سلاحاً نووياً وتقنيةً علمية متطورة ، فالصهاينة خطورتهم في أنهم مشروع استيطاني خارجي توسعي يعتمد على طول الزمن ليحاول الذوبان في الضمير الشعبي على أنه أمر واقع ليصبح جزءً لا يتجزأ من دول المنطقة وهذا بالقضم والتهجير والتوسع الاستيطاني ، أما المشروع الصفيوني فهو يحاول إجراء تغير ديمغرافي وديني بالعنف والتهجير من خلال صراعات طائفية يدعمها قولاً وفعلاً .
فالمشروعين يتقاطعان مع بعضهما في كثير من النقاط ويتنافران في نقاط أخرى .
وأنباء المنطقة مع الأسف إما لا مبالياً ، لا يفقه من واقعه شيء ، ولا يهمه إلا ما سيدخل معدته ، ومايرضي شهواته الغرائزية، وقسم ينحاز لأحد المشروعين مادام يخدم مصلحته ، وقسم يُعادي المشروعين علناً وبقوة ، وقسم مخلصٌ لأحد المشروعين بكل وقاحة .
وهنا صارت الحاجة مُلحة لمشروع عربي إسلامي سني مدروس ، يستفيد من ثغرات المشروعين ويهادن تارة ، ويصادم أخرى ضمن فلسفة فقه الواقع وفقه الأولويات ، وهذا إن شاء الله سيكون قريباً فكأني أراه في مرحلة إنهاء الرتوش والله أعلم .

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى