المشروع الإيراني في المنطقة العربية الإسلامية
بقلم د. صالح الرقب
قامت إيران بتأسيس سلسلة من المؤسسات والدوائر لتكون أجنحة لوزارة الخارجية لمساعدتها على تحقيق استراتيجيتها. ومن بين هذه المؤسسات.
مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية:
يرأس هذا المؤتمر الشيخ «علي أكبر محتشمي بور» السفير الإيراني الأسبق في سوريا المؤسس الأول لحزب الله في لبنان.
ويعقد المؤتمر في طهران مرة كل عام ويجري فيه دعوة قيادات من فصائل الحركة الفلسطينية
وبعض قيادات التنظيمات الإسلامية والقومية العربية ممن لها علاقات متينة بإيران.
أما السواد الأعظم من المدعوين لهذا المؤتمر فهم كتاب وصحفيون ونخب ثقافية من عدة دول عربية وإسلامية
وأغلبهم عاطل عن العمل ويتم إغراؤهم بالهدايا وبعض الهبات المالية
ومساعدتهم على تحقيق رغباتهم في بلدانهم ومع الأيام يصبحون مرتبطين بالمشروع الإيراني من حيث لا يعلمون أو يعلمون بعد أن أسرتهم الإغراءات.
وتعمل جميع هذه المؤسسات في كل بلد تتواجد فيه تحت إشراف لجنة مشتركة مكونة من السفير، مدير مكتب المخابرات،
ومدير ممثل المرشد الأعلى وممثل من فيلق القدس. ويرأس هذه اللجنة السفير.
إن بعض هذه الدوائر والمؤسسات تعمل في أغلب الدول العربية بحرية تامة وفي أحيان كثيرة تلاقي تعاوناً ودعماً من جهات رسمية في بعض هذه الدول لتسهيل مهامها.
غياب مشروع عربي موحد لمواجهة إيران
لقد استطاعت إيران في ظل غياب مشروع عربي موحد لمواجهتها، من تحقيق الكثير من حلقات مخططها
حيث تمكنت من بناء الخلايا والشبكات التجسسية والجماعات الإرهابية والتنظيمات السياسية المعارضة في كثير من دول الخليج العربي إن لم يكن في أغلبها.
كما استطاعت نشر برامجها الثقافية في وسط شرائح واسعة من مجتمعاتنا العربية بكل سهولة.
وعلى الرغم من كل هذه الاختراقات التي أحدثتها أن إيران بقيت في مأمن من أي ردات فعل
أو عمل خليجي أو عربي مماثل فلم تعلن إيران ولو لمرة واحدة كشفها خلية أمنية أو جماعة سياسية مرتبطة أو تعمل لصالح دولة خليجية.
وأصبح عدم التعامل مع إيران بالمثل مفخرة لدى الدول العربية عامة والخليجية منها خاصة بدعوى عدم تدخلها في شؤون الغير!
رغم أن لدى هذه الدول أوراقاً كثيرة تشكل نقاط ضغط فعلية على إيران ولكن من المؤسف أنه قد جرى إغفال هذه الأوراق، ومنها على سبيل المثال،
الخلافات الفكرية بين مراجع الحوزة الدينية، ورقة المعارضة الإيرانية، ورقة السنة والقوميات غير الفارسية،
ورقة عرب الأحواز والجزر الإماراتية، وغيرها من الأوراق الداخلية الأخرى.
يضاف إلى ذلك أن الاعتقاد السائد لدى بعض القوى والأطراف الخليجية والعربية،
دينية وسياسية وثقافية من أن إيران قد اعتمدت الشيعة فقط لتنفيذ مخططها،
وهذا خطأ استراتيجي قد ساعد في تمكين إيران من إبعاد الكثير من خلاياها وأعوانها العاملين على تنفيذ مخططها عن أنظار الرقابة.
فمعظم الدول العربية والخليجية منها تحديداً دول مفتوحة وفيها جاليات من مختلف الجنسيات
وقد استطاعت إيران أن تبني مؤسسات وشركات تجارية واقتصادية مع أفراد وجماعات أجنبية وغير مسلمة في هذه الدول،
وعملت على استغلالها في تنفيذ مآربها الخاصة.
دور الحرس الثوري في تسيير وزارة الخارجية
وهذا الأمر مارسته إيران على مناطق أخرى، ففي سابقة هي الأولى من نوعها في الإعلام الإيراني
فقد نشر موقع «تابناك» التابع لأمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي في 20 أكتوبر الماضي مقالة نقدية بعنوان:
(بعد وزارة النفط، الخارجية في قبضة الحرس الثوري)
تطرقت فيه إلى دور الحرس الثوري في تسيير وزارة الخارجية
بعد أن شغل عدداً كبيراً من ضباط الحرس الثوري مناصب عليا في الوزارة وبعثاتها الدبلوماسية.
وذلك بعد اكتشاف محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن
حيث أثيرت ردود أفعال ناقدة لسياسة وزارة الخارجية والحرس الثوري من قبل دبلوماسيين سابقين وسياسيين وكتّاب وصحفيين إيرانيين.
كان من بينهم السفير الإيراني السابق في المكسيك «محمد حسن قدیري ابیانه »
حيث وجه نقداً لدور الحرس الثوري في إدارة وزارة الخارجية.
وقد أيد «السفير ابيانة» ضمناً ما كان قد نشرته الصحافة المكسيكية قبل ثلاثة أعوام
عن قيام الحرس الثوري الإيراني بدعم عصابات مافيا المخدرات وتهريب السلاح في المكسيك.
حيث كانت صحفية «اونیورسال» المكسيكية قد اتهمت في تقرير لها نشرته بتاريخ 17-7-2008م،
عن قيام قوات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بفتح معسكر في شمال المكسيك لتدريب عصابات إرهابية ومافيا تهريب السلاح والمخدرات.
واتهمت الصحيفة السفارة الإيرانية القيام بمساعدة الحرس الثوري على الزواج من مكسيكيات
وتغيير أسمائهم للحصول على الجنسية المكسيكية لتسهيل تحركاتهم في أمريكا اللاتينية.
وأكدت الصحيفة أن السفارة الإيرانية تقوم على تنظيم المعارض والمؤتمرات الثقافية وحفلات التعارف تدعو لها شباناً وفتيات مكسيكيين بهدف بناء علاقات بينهم وبين عناصر الحرس الثوري.
وهذا الأمر مطابق لما كانت تقوم به السفارات الإيرانية في كل من سورية ولبنان مطلع الثمانينيات
حيث كانت تقوم على تزويج عناصر من الحرس الثوري بفتيات لبنانيات وسوريات لغايات عديدة منها تعلم اللغة العربية بلهجات سورية ولبنانية،
الحصول على جنسيات وجوازات سفر لبنانية
«للنفوذ في المجتمع والتغلغل في المؤسسات والجمعيات والحركات السياسية والاجتماعية»
ومآرب عديدة أخرى.
كما لا يمكن إغفال أو تجاهل استغلال إيران للأنشطة والأعمال الاقتصادية في تحقيق مآربها السياسية وأنشطتها التجسسية،
فقد جاء في تصريح لمدير منظمة تنمية التجارة الإيرانية مهدي فتح الله في 3 أكتوبر 2007م، أن الإمارات العربية المتحدة،
هي الشريك التجاري العربي الأول لإيران.
ووفق المصادر الإيرانية فقد وصل حجم صادرات الإمارات إلى إيران في السنة المالية الإيرانية – 2005م نحو مليار دولار،
فيما بلغ حجم صادرات إيران إلى الإمارات 2.5 مليار دولار.
ولإيران جالية كبيرة في دول الخليج العربي ففي دولة الإمارات وحدها تقدر بأكثر من نصف مليون إيراني،
وهناك ما يقرب من ستة آلاف وخمسمائة شركة إيرانية تعمل في الإمارات.
وبلغت الأموال التي أدخلها المستثمرون الإيرانيون إلى دبي وحدها أكثر من مائتي مليار دولار في عام 2005
مع توقعات بارتفاعها إلى ثلاثمائة مليار دولار في العام 2006م.
وهذا الأمر ينطبق على سائر دول مجلس التعاون الخليجي وإن كان بدرجات متفاوتة.
وتلتقي هذه الرؤية مع ما ورد في تقرير خاص وضعته جهة عربية،
وأوردت فيه معلومات عن استعدادات لخلايا إيرانية في عدد من الدول الخليجية لبدء تحرك مرحلي، يبدأ بتجمعات شعبية في الحسينيات،
ثم ينتقل إلى مستوى عصيان مدني يتمثل في إغلاق المتاجر والمحلات والامتناع عن العمل، إضافة إلى القيام بتظاهرات صاخبة،
ويحذر التقرير من خطورة هذه الخطوة، لأن التجار الذين يوالون إيران مذهبياً وسياسياً،
يسيطرون سيطرة شبه كاملة على أسواق المواد الغذائية والقطاعات الخدمية الحيوية في الماء والكهرباء،
بحيث إن العصيان المدني سيشل الحياة في هذه الدول.
وهذا المخطط قد طبق جزء منه في البحرين العام الماضي قبل دخول قوات درع الجزيرة التي أنقذت الموقف في الوقت الحرج.
الملخص:
إن ما تقدم يدفع بكل مواطن عربي وخليجي غيور، أن يتمعن ملياً بهذا الاستعراض،
ليراجع نفسه ويتساءل عن السبب الذي جعل إيران تقوم بكل ما قامت بها إلى الآن؟
وما هي العوامل والأسباب التي جعلت إيران تتمكن من تحقيق كل هذا النفوذ الذي تحول إلى خطر داهم يهدد أمننا وسلامة مجتمعاتنا ودولنا؟.
فهل السبب هو ضعف الأجهزة الأمنية العربية وعدم قدرتها على حماية أمننا القومي؟
(وهذا نشك به) أم بسبب ضعف القرار السياسي لحكوماتنا
الذي شجع إيران على التمادي والتدخل في الشؤون الداخلية لدولنا وتهديد أمن واستقرار مجتمعاتنا؟.
أم بسبب غياب المشروع العربي (رسمياً كان أو شعبياً)
القادر على التعامل مع إيران بنفس الأسلوب الذي تقوم به بهدف ردعها؟.
علماً أن هناك فئات كثيرة من المجتمعات العربية لا ترى في إيران خطراً على أمنها،
خاصة عندما تتم مقارنة إيران مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
فأعتقد كون إيران دولة مسلمة وترفع شعار دعم القضية الفلسطينية فهذا يسهل عليها اختراق المجتمعات العربية وهذا ما هو حاصل بالفعل.
لذا نرى أن الأمر بحاجة ماسة إلى استراتيجيين للتصدي للمسألة ودراسة أبعادها وليس في عمل استطلاع رأي فقير معرفياً ومنهجياً.
فالقضايا الاستراتيجية لا تناقش عبر استطلاعات الرأي على صفحات مواقع الانترنيت والصحف أو عبر الجلسات العامة.
المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية