مقالاتمقالات مختارة

المشروعان «الصهيو أمريكي» و«الإيراني الشيعي» بين العودة الثانية للمسيح وقيام دولة المهدي

بقلم د. حمدي عبيد

من العجيب أن يتوافق الطموحان «الغربي – الصهيوني» و «الإيراني – الشيعي»، وأن تتوافق العقيدتان: ففي الوقت الذي مارس فيه بوش الأب، ومن بعده الابن – وهما من أتباع مذهب الميثودست- القدرية السياسية لاستعجال عودة المسيح المنتظر حسب عقيدتهم التوراتية، وذلك بتدمير العراق تدميرًا تامًّا كشرط لعودة المسيح، وإقامة مملكة الرب في فلسطين، وأن قيام إسرائيل ممهِّد لذلك في عقيدتهم على حسب رؤيا يوحنا العراف (اللاهوتي)…(8/4).

وعلى الرغم من أن أكثر هذه النبوءات غامضة ورمزية، بيد أن النصوص التي تتعلق بالعراق بها واضحة، وفيها يرمز إلى العراق باسم (بابل)، الذي كثيرًا ما يُستعمل في العهدين القديم والجديد إشارةً إلى البلد.

ورد في سفر يوحنا الإصحاح 16/8: (وحدثت بروق وأصوات ورعود، وحدث زلزال شديد لم يحدث مثله بهذه الشدة منذ أن وُجد الإنسان على الأرض، وصارت المدينة العظيمة ثلاثة أقسام، وانهارت مدن الأمم، وذكر الله بابل العظيمة ليناولها سورة غضبه)…. وفيه إشارة إلى أن فكرة تقسيمها إلى ثلاث دول فكرة إنجيلية وليست وليدة الأحداث الأخيرة، وفي 17/5: (وعلى جبينها اسم مكتوب فيه سر، والاسم (هو) بابل العظيمة، أم بغايا الأرض وقبائحها)… وجاء في 18/1 من هذا السِّفر: (رأيت بعد ذلك ملاكًا آخر هابطًا من السماء، له سلطان عظيم، فاستنارت الأرض من بهائه، فصاح بصوت شديد: سقطت بابل سقطت بابل العظيمة)..

ومع قسوة وشراسة القصف الأمريكي لم تسقط بابل سقوطًا عظيمًا، وبالتالي لم يتحقق في عهد بوش الأب ما كان يأمله من التدمير التام، فجاء بوش الابن الأشد هوسًا بنبوءات التوراة والإنجيل ليكمل مسيرة الأب في تدمير العراق؛ كهدف استراتيجي لصالح إقامة مملكة الرب الذي يمهّد لها فرضية وجود الكيان الصهيوني (إسرائيل)، على أن العراق موصوفة في هذه النبوءات بأنها ضد المسيح، فلا يُستغرب إذًا أن تخرج فلتة من لسان دبليو بوش تعبر عن دخيلة نفسه بوصفه حربه الأخير على العراق (2003م) بالحرب الصليبية القذرة، ويعترف شريكه في الجريمة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق بقوله: “أدرك أن الحرب الجديدة أيديولوجية”… وقد اشتهر بين الساسة والرؤساء هذا الهوس الإنجيلي للإدارة الأمريكية في عهد ريجان، ومن بعده بوش الأب، وكذلك بوش الابن، وكان أحد المحركات البارزة للسياسة الخارجية الأمريكية.(4)

وفي المقابل نجد الخميني وأتباعه من الشيعة على عكس عقيدتهم الجبرية في الانتظار التي تحثهم على الرضوخ والاستسلام، وعدم مقاومة ولاة الأمور لحين خروج المهدي، يكسر “الحجتية” – التيار النافذ، وكان يمثله في الحكم أحمدي نجاد- القاعدة بممارسة تلك القدرية السياسية لاستعجال خروج مهديهم المسردَب في سامراء منذ ما يزيد على ألف وثلاثمائة عام بإشاعة القتل والدمار والهرج والمرج، والفتنة العمياء المصحوبة بذلك الهوس المهدوي، وبخاصة في دول الظهور (العراق، والحجاز، واليمن)؛ إذ يقول خميني في خطاب له بمناسبة ذكرى مولد المهدي في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 1400هـ: “لقد جاء الأنبياء جميعًا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية، وتنفيذ العدالة، وتربية البشر لم ينجح في ذلك، وأن الشخص الذي سينجح في ذلك، ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم في جميع مراتب إنسانية الإنسان وتقويم الانحرافات هو المهدي المنتظر.. إنني لا أتمكن من تسميته بالزعيم، لأنه أكبر وأرفع من ذلك، ولا أتمكن من تسميته بالرجل الأول، لأنه لا يوجد أحد بعده وليس له ثانٍ، ولذا لا أستطيع وصفه بأي كلام سوى المهدي المنتظر الموعود.. على جميع الأجهزة في بلادنا، ونأمل أن تتوسع في سائر الدول، أن تهيئ نفسها من أجل ظهور الإمام المهدي -عليه السلام-، وتستعد لزيارته..”(1).

ومن العجيب أن لا يكمن التشابه في الهوس في انتظار المخلص؛ سواءً كان مسيحًا أو مهديًّا، ولكن كذلك في اشتراط الدمار والخراب والتقسيم للعراق، واستعجال ذلك؛ حيث جعلوا خرابها ودمارها من أبرز علامات نزول مسيحهم، أو خروج مهدي الشيعة، ولعل كتاب (عصر الظهور) للمرجع اللبناني علي الكوراني يعبّر عن ذلك أصدق تعبير بما ورد فيه من روايات تحكي قصة الظهور، وما يصاحبه من أحداث.

وعمدة ذلك عند الشيعة روايتان ذكرهما الشيخ علي الكوراني في كتابه المذكور بقوله إن: “أبرز الأمور في العراق في أحاديث ظهور الإمام المهدي عليه السلام الفراغ الأمني، والصراعات الداخلية في العراق والحجاز معًا، مما يدل على أن ضعف النظام، أو انهياره في هذين البلدين شرطٌ لظهور الإمام عليه السلام! فقد ورد أن العراق يكون منقسمًا قبل دخول الإمام -عليه السلام- إليه على ثلاث رايات! (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له. ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء)”. (نقله عن الإرشاد للمفيد/ 362).

لاحظ هنا: مدى التوافق مع الرؤية الصهيونية المسيحية في تقسيم العراق إلى ثلاث دول، وبهذا تشترك الاستراتيجيتان في تفتيت وتقسيم العراق لأهداف عقدية وسياسية في نفس الوقت، يقول داهية السياسة الأمريكية هنري كسينجر في مذكراته: “من يريد السيطرة على الأمة العربية والإسلامية عليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية فهي الحلقة الرئيسة فيها”، ومن هنا كانت العراق حجر الزاوية، وبداية نسج المجال الحيوي لدولة المركز الشيعية (إيران)، كما أنها بداية دول الحزام المذهبي، ليتبعها لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، ومن ثَم البحرين وباقي دول الجزيرة العربية؛ على حسب نظرية الدومينو.

ومن الحجاز سيخرج المهدي، ومنها ستنطلق دعوته بعد فراغ سياسي وصراع للقبائل على السلطة، وهو ما يسعى إليه المشروع الشيعي استعجالاً للظهور المرتقب، وأن اليمن ستكون عضد الدولة الممهدة لدولة المهدي –وهذا يفسر سر الدعم اللامحدود للحوثيين في اليمن-.

أما مصر فليست بعيدة عن ذلك الهوس المهدوي؛ حيث سيتخذ منها مهديهم منبرًا، ومنها تنطلق دولته نحو العالمية؛ ليتخذ من بعض المصريين الذين هيئوا البلاد لمجيئه وزراء ونجباء.

ومن المغرب العربي سيلحق رجال الصدق بدعوته؛ بهذه المزاعم كلها جاءت روايات كتاب (عصر الظهور)، والذي علق عليها كاتبه بقوله: “ويُفهَم من هاتين الروايتين أنه سيكون لمصر في دولة المهدي العالمية مركز إعلامي متميز في العالم، خاصة بملاحظة تعبير (لأبْنِيَنَّ بمصرَ منبرًا)، ثم يسيرون إلى مصر فيصعد منبره، أي يسير المهدي –عليه السلام- وأصحابه إلى مصر، لا لكي يفتحها أو يثبت حكمه لها، بل لتستقبله هو وأصحابه –أرواحنا فداهم-، ولكي يصعد منبره الذي يكون منبره قد اتخذه فيها كما وعده جدّه أمير المؤمنين –عليهما السلام- وليوجه خطابه من هناك إلى العالم”.(2)

وبذلك اقتفت الاستراتيجية الإيرانية أثر الاستراتيجية الصفوية في توظيف الجانب المذهبي توظيفًا يخدم السياسة التوسعية، ولكن تحت عباءة الطائفية الضيقة.

والمتابع للشأن الإيراني يجد الاهتمام البالغ في ترسيخ هذه المعاني المهدوية بوسائل وأساليب مختلفة تغذّي الضمير الجمعي للشيعة، وتوجههم نحو هدف واحد، هو أن دولتهم الحالية هي الممهِّدة لخروج المهدي، وينبغي أن يكون الشعب جميعًا جنوده.. ولتقنين تلك العقيدة تم النص عليها في ديباجة الدستور الإيراني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)انظر: النبوءة والسياسة لجريس هالسيل، ومن يجرؤ على الكلام لبول فندلي، والبعد الديني للسياسة الأمريكية ليوسف الحسن، عصر الظهور لعي الكوراني.

(2) بيان رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة نشرته جريدة العالم الإسلامي بتاريخ 99 رمضان.

(3) نهج خميني في ميزان الفكر الإسلامي، مجموعة من المؤلفين، ص45- 50.

(المصدر: موقع إيران بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى