المشاريع العلمانية الغائبة!
بقلم علي حليتيم
يقولون إن الإسلاميين لا يملكون مشروعا للمجتمع، ويقولون إن العلمانيين العرب يملكون مشروعا للمجتمع!
لكن أين هو المشروع العلماني العربي بالضبط؟
لقد كان المشروع العلماني العربي مجرد هامش للفكر الغربي من اليمين واليسار من جهة، ومجرد مشوش على الفكر الإسلامي من جهة أخرى ولا يزال حتى اليوم.
لم يحاول العلمانيون العرب في يوم من الأيام أن يؤسسوا لمشروع يعتمد كما يدّعون في كتاباتهم على حرية الابداع والانطلاق من معطياتنا الذاتية والحضارية والواقعية.
وحين تغيب الحرية يغيب كل شيء، فلم يدرك هؤلاء العلمانيون العرب الاختلالات الخطيرة في الفكر الغربي التي أوصلت الغرب إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه الانسان والأسرة والمجتمع والحاضر والمستقبل لأنهم نظروا إليه بنفس القداسة التي نظر بها الإسلاميون إلى نصوص الوحي أو أشد.
لقد اكتشف العالم متأخرا أن النازية لم تكن طفرة في الممارسة الغربية بدليل استمرار النازية والفاشية والاستعمار في الفكر والممارسة الغربيين إلى اليوم في كل مناطق العالم. غاية ما في الأمر أنه قنن هذه الممارسة كما في إسرائيل أو أوكل تنفيذها إلى أطراف أخرى سيتهمها بعد ذلك بالوحشية والقسوة إن اقتضى الأمر.
واكتشف العالم متأخرا أن النهضة الغربية تقنية بحتة وليست نهضة للإنسان: ساعدته وروحانيته وإنسانيته؛ وليست نهضة للكون: معناه والغاية من وجوده لا الإنسان لا يملك ذلك الكون وليس هو نقطة الارتكاز فيه!
لكن الفكر العلماني العربي لم يدرك ذلك كله وراح منذ عقود طويلة من الزمان يشرح الفكر الغربي ويقتنع به وبكل طروحاته؛ فكان يقتنع بالطرح والطرح المضاد ويتراجع عن الفكرة إذا تراجع الفكر الغربي عنها، ويغير المنهج والأسلوب إذا غير الغرب المنهج والأسلوب بدليل أن الفكر الشيوعي مات في العالم العربي حين مات في الغرب ولم تعد تجد في العالم العربي من شيوعيين ولا اشتراكيين إلا قليلا من الشيوخ المتعصبين وقد كانوا قبل ذلك يملؤون الجامعات والجرائد والصحف.
والفكرة هي الفكرة والأسلوب هو الأسلوب والقانون هو القانون وسنة الله ماضية في أن الناس يتبعون مركز القوة ويقتنعون سريعا أن فكرها هو الفكر وقولها هو الحق الذي لا حق غيره ولا فكر سواه. قال تعالى:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}.
وفي المقابل اقتنع العلمانيون العرب أن الإسلاميين لا يملكون طروحات ومنظرين رغم عشرات بل مئات المفكرين الاسلاميين، واقتنعوا أنهم لا يملكون إنتاجا رغم آلاف الدراسات الإسلامية في كل المجالات، واقتنعوا وأقنعوا غيرهم من البسطاء والطيبين أن الإسلاميين لا يملكون مشروعا للمجتمع في مجال الثقافة ولا في مجال الاقتصاد ولا في مجال السياسية. وحتى التجارب الإسلامية في ماليزيا وتركيا وتونس مؤخرا (باعتبارها تجربه سياسية) وإيران (باعتبارها تجربة في الدائرة الإسلامية رغم حملها لمشروع معاد لأهل السنة) كل هذه التجارب هي عند العلمانيين العرب محاولات فاشلة أو ليست تجارب على الإطلاق ناهيك عن عشرات التجارب الجزئية في المالية والثقافة والسياسة في الخليج والشرق الأقصى وحتى أوروبا.
هذا موضوع كبير جدير بالدراسة بعقول هادئة لا تركبها العاطفة الهوجاء ولا الحماسة العمياء ولا يلفها تقليد الموضة الفكرية التي تهوى سب الإسلاميين ورميهم بكل نقيصة وبالدراسة وحدها تنجلي الحقائق إذا زال عنها غبار الدعاية الكاذبة.
آن للعلمانيين العرب أن يكفوا عن قرع طبول الحرب ضد الإسلاميين الذين يقاسمونهم، رغما عنهم، الوطن والمصير؛ وآن لهم أن يكفوا عن الدعاية الكاذبة ويستجيبوا لنداءات الحوار الهادئ التي يوجهها لهم الإسلاميون في كل الأقطار آخرها النداء الذي وجهه الأستاذ فهمي هويدي في مصر. حوار هادئ عميق في ظل الحرية التي نبذها العلمانيون حين تحالفوا مع الطغيان الذي تشكل إبادة الخصوم مشروعه الوحيد لأنه يعلم، والعلمانيون يعلمون، أننا في سوق الحرية لن تكون بضاعتنا كاسدة.
(المصدر: موقع “على بصيرة”)