بقلم عزة مختار
توالي المحن بنقض عُرى الإسلام:
تداعت على الأمة الإسلامية الكثير من المحن والفتن التي لا مخرج منها سوى الطريق الذي علمنا إياه رب العالمين، فما بين الضعف المزري، والاحتلال الذي تطهرت منه الأمم وتخطّت مصائبه، والجيوش المجيشة التي تقتل في الأبرياء بغير حساب، وبدون خوف من غضبة تنتقم وتقتص لهؤلاء.
ما بين كل هذا، وحالة الزهد الواضحة في التمسّك بأحكام الدين والشريعة والطريق إلى الله، تضيع معالم أمة محمد صلى الله عليه وسلم -خاتم الأنبياء- الذي ترك فينا كما رُوِي عند مسلم في صحيحه عن زَيْد رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِىَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ).
حالة من الظلمة والتخبط تسير فيهما الأمة بغير هدى، ولن تخرج سوى بنورٍ ربانيٍ يضيء لها دربها في عصر المادة والإلحاد ، حالة من الضنك الشديد نتيجة البعد عن المنهج الذي أعزنا الله به، فأخرجنا من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ومن جور الشرائع الأرضية، إلى رحابة وعدالة الإسلام، فتجني الأمة اليوم نتيجة ما غرست، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من نقض عرى الإسلام التي تنقض عروة عروة، فكان أولّها الحكم، وآخرها الصلاة!
غنى الله عز وجل عن عبادتنا:
ينظر بعض البسطاء من الناس إلى العبادة على أنه يقدّمها لله عز وجل، دون أن يعي أن تلك العبادة له هو، ومرجعها عليه هو، وأن مجرد سماح الله سبحانه له بالوقوف بين يديه في الصلوات الخمس هو كرم عظيم من الله عز وجل ومنة عليه ، وهو العبد الضعيف الذي لا يملك من أمر نفسه ضراً ولا نفعاً، فالله سبحانه هو أغنى الأغنياء عن عبادتنا، وإنما جعل العبادة تكريماً لنا، يقول سبحانه في الحديث القدسي:
(يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِــي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مـِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُــلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ) (رواه مسلم).
إنها منح من الله تعالى لعباده المستضعفين؛ ليقفوا بين يديه، سائلين إياه العطاء والنصر والمنعة والقوة وأسباب الاستمرار، فعن “الصلاة” يحدّثنا عَبْد اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُم الفَجْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُم الظُّهْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُم العَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُم المَغْرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلّيْتُم العِشَاءَ غَسَلَتْهَا ُثُمَّ تَنَامُونَ فَلا يُكْتَب عَلَيْكُمْ حَتَّى تَسْتَيْقِظُوا). (قال الألباني: حسن صحيح).
-السير في الظلمات:
والله عز وجل سنّ الاصطفاء في كل شئ حتى في العبادات ، فاصطفى منها الصلاة، ثم اصطفى منها صلاة الليل والظلمات، ليقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التّام يوم القيامة) (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
وإذا أدّى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (رواه مسلم)، يعني سنة الفجر.
وحين يجلس ينتظر الصلاة، فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن جلس ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) (رواه أحمد).
وصلاة الفجر لها خصوصية ومكانة لا يضاهيها فيها عبادة أخرى، ومن ثمراتها ما تحتاجه الأمة اليوم من معية لله، ورفعة لشأنها، وخروج من محنها.
-فصلاة الفجر مع العشاء تعدلان قيام ليلة كاملة:
روى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله) (أخرجه مسلم).
-الحفظ في ذمة الله لمن صلى الفجر:
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) (رواه مسلم).
-دخول الجنة لمن يصلي الفجر في جماعة:
روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة) (البخاري ومسلم). والبردان: الصبح والعصر.
-رؤية الله عز وجل في الجنة:
وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته)، -أي ترونه بوضوح تام كما ترون القمر الآن بوضوح تام- ثم قال: (فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا).
-التهاون فيها يمنع الرزق و بركته:
قال ابن القيم: “ونومة الصبح تمنع الرزق؛ لأنه وقتٌ تُقسَّم فيه الأرزاق”.
-خير من الدنيا وما فيها:
قال صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (رواه مسلم).
-الرزق والبركة لمن صلى الفجر جماعة:
قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) (رواه الترمذي وغيره).
وبينما نحن نقف اليوم على أبواب التغيير والإصلاح، وننشدهما بعدما جربنا هذا الواقع المؤلم الذليل المرير، فنحن في أمس الحاجة إلى المدد الإلهي، نستغيث به، ونسأله أن يساعدنا، ويرفع عنا البلاء العظيم ، فما بنا شاق وأكبر من أن نتجاوزه بلا مدد إلهي، ورضا منه سبحانه، فلا أقل من أن نقف على بابه في الأوقات التي حدّدها لنا، لا الأوقات التي نختارها.
(المصدر: موقع بصائر)