المسيح عيسى (عليه السلام): مجابهُ الكفر وداعية التوحيد
(مكائد اليهود ضد عيسى عليه السلام)
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
لم ترق تعاليم المسيح عليه السلام لكثير من اليهود الذين حقَّ عليهم قول الله تعالى في كتابه: ُ ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78-79].
ورأوا فيها خطرًا على مصالحهم وثرواتهم، ولقد ضاق الكهنة والفريسيون من دعوته ـ التوحيد والإيمان الصحيح، وعبادة الله عز وجل كما ينبغي ـ ودعوته إلى القناعة والعفة والزهد، ومن نهيه عن الربا والرشوة والفساد والظلم، فتمالؤوا عليه ووشوا به إلى الحاكم. (عمر أحمد عمر، رسائل الأنبياء، 2/311)
لقد خافوا على مصالحهم واتخذوا من تدينهم المزعوم بدين موسى والأنبياء من بعده، وزعموا أن لهم منزلة دينية لا يساميهم فيها أحد ـ اتخذوا من هذا ما يصح أن يسمى ارستقراطية دينية؟ فزعموا أن لهم المكانة السامية، ولغيرهم المنزل الدون، ولو اعتنقوا الديانة اليهودية وآمنوا برسالة موسى، فكانت هناك طائفة يقال لها السامرة، وكان الإسرائيليون يعاملون احادها كأنهم المنبوذون، فلما جاء عيسى عليه السلام وسوى بين بني البشر في دعايته أنكروا عليه ذلك وناصبوه العداوة.
ولقد كانوا يجعلون لأحبارهم وعلماء الدين فيهم المنزلة السامية والمكانة العالية بين الناس، فجاء المسيح وجعل الناس جميعًا سواء أمام الخالق العظيم ولا فرق بينهم إلا بالتقوى وحسن العبادة وتحقيق الإيمان بالله، لكل هذا تقدم اليهود لمناوأة المسيح، وقليل منهم من اعتنق دينه وآمن به، وأخذوا يعملون على منع الناس من سماع دعوته، فلما أعيتهم الحيلة، ورأوا أن الضعاف والفقراء يجيبون نداءه، ويلتفون حوله مقتنعين بقوله أخذوا يكيدون له ويوسوسون للحكام بشأنه ويحرضون الرومان عليه. (أبو زهرة، محاضرات في النصرانية، ص53)
وقالوا للحاكم: إن هنا رجلاً يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه، وإنه ولد زنية، إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب، حتى تمكنوا من حمل الحاكم على أن يصدر الأمر بالقبض والحكم عليه بالإعدام صلبًا، وأرسل جندًا ليقبضوا عليه، فلما عثروا عليه وأحاطوا به واقتحموا بيته نجاه الله منهم ورفعه إليه، وألقى شبهَه على من تقدمهم إليه، فلما دخلوا وراءه قبضوا عليه وهم يحسبون أنه عيسى، فأخذوه وأهانوه وصلبوه، ووضعوا على رأسه الشوك، وكان هذا من مكر الله بهم، فإنه نجى نبيه، ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون ويعتقدون أنهم قد ظفروا به. (عمر أحمد عمر، رسائل الأنبياء، 2/311)
قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 54-58].
- ﴿وَمَكَرُوا﴾: اليهود الكافرون، مكروا بعيسى عليه السلام مكرًا خبيثًا وتامروا عليه وأرادوا قتله.
- ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾: أبطل الله مكر اليهود، وأفشل كيدهم وحمى عيسى عليه السلام منهم.
- ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ *﴾: الله خير من ينصر أولياءه ضد، وخير من يبطل كيد أعدائه ويُحبط مؤامراتهم. (الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، 4/347)
لقد أسندت الآية إلى اليهود مكرًا خبيثًا مذمومًا ضد عيسى عليه السلام وأرادوا قتله، ورسموا لذلك خطة دقيقة ومكروا به مكرًا شيطانيًا خبيثًا، وأسندت الآية إلى الله مكرًا طيبًا محمودًا وهو إبطال مكرهم السيء، وإنجاء عيسى عليه السلام من كيدهم، فأنقذه من بين أيديهم بأن ألقى شبهه على غيره فأخذوا شبهه وقتلوه، ظانين أنهم قتلوا عيسى، وبهذا مكر الله بهم وسخر منهم، وأخرجه الله من وسطهم حيًا وحفظه بحفظه وحماه بحمايته.
ـ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 110] ، وهذه الآية تحدثت عن حماية الله له بإجمال، فلما أراد اليهود إيذاءه وقتله كف الله أيديهم عنه. (الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، 4/347)
_____________________________________________________
المصادر:
- رسالات الأنبياء، عمر أحمد عمر، دمشق: دار الحكمة، ط1، 1997م، 1418هـ.
- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، د. صلاح الدين الخالدي، دمشق: دار القلم، بيروت: الدار الشامية، ط1، 1419هـ، 1998م.
- محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة، المملكة العربية السعودية، الرياض: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ط4، 1404هـ.
- المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1440ه، 2019م، ص 318- 322.