مقالاتمقالات المنتدى

المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله (3)

(عقيدة صلب المسيح عند النصارى في ميزان الحق)

المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله (3)

(عقيدة صلب المسيح عند النصارى في ميزان الحق)

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

صلْب المسيح في معتقد النصارى للتكفير عن خطيئة البشر، بل هو الركن الأعظم الذي تدور حوله عقائدهم. وتقوم هذه العقيدة ـ كما تقول النصارى ـ على أن الجنس البشري قد وُصم بوصمة المعصية، وأن هذه الوصمة قد نالته من جراء أكل آدم من الشجرة المحرمة، بإيعاز من الحية، فأصبح على ذلك مستحقًا للعنة الله، محكومًا عليه بالهلاك الأبدي في الجحيم. (أحمد، محمد علي عبد المعطي، مظاهر الوثنية في عقائد أهل الكتاب، ص536)

ويقولون بجانب ذلك: إن رحمة الله شاءت تخليص هذا العالم، والتجاوز عن ذلك الذنب الفطري المورث له، فوجب تقديم الترضية اللازمة لله، ويقولون: إنه لما كان المحكوم عليه بالموت يجب تنفيذ الحكم عليه أو تقديم غيره أو تطوع سواه بدلاً عنه فقد سمح الله بتضحية ابنه على الصليب كفارة على الناس، لأن خطيئة آدم ظلت عالقة في ذريته حتى جاء يسوع الذي جمع بين الألوهية والبشرية، فهو ابن الله وابن مريم فصلب جسمه البشري ليمحوا الخطيئة عن أبناء آدم، وبالرغم من ذلك فإنهم يدّعون أنه لا ينجو من آمن بهذه الدعوى واتخذها له عقيدة. (وصفي، محمد، المسيح والتثليث، ص148)

وعليه فإن الفداء عند النصارى: هو الخلاص من الموت الناتج عن الخطيئة التي دخلت إلى البشرية بآدم. (أحمد، محمد علي عبد المعطي، مظاهر الوثنية في عقائد أهل الكتاب، ص537)

ويعتقد النصارى أن المسيح مات مصلوبًا فداء للخليقة وذلك أن الله ـ لشدة حبه للبشر ـ قد أرسل وحيده ليخلص العالم من الخطيئة التي ارتكبها آدم حينما أكل من الشجرة المحرمة، وأن عيسى قد صلب عن رضى تام، فتغلب بذلك عن الخطيئة، وأنه دفن بعد صلبه وأنه قام بعد ثلاثة أيام متغلبًا على الموت، ثم ارتفع إلى السماء، ومن لم يؤمن بقضية الصلب لا يُعد نصرانيًا، لذلك دمجوا قضية الصلب في دستور إيمانهم الذي يجمع كل عقائدهم، وعلى هذا فالله كما يزعم النصارى نزل من السماء وتجسد في الروح القدس ومريم العذراء، وتأنس وصلب بإراقته دمه ليرفع عن البشر وزر خطيئة آدم. (الخزرجي، أبو عبيدة، بين الإسلام والمسيحية، ص72)

وعقيدة الصلب هذه باطلة من أولها إلى اخرها؛ لأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله لم يصلب، بل رفعه الله إليه، والمسيح عليه السلام لم ينسب إلى نفسه الخلاص، كذلك لم ينسب الحواريون إلى عيسى الخلاص، وإنما الذي نسب إلى المسيح أنه مخلص هو بولس، الذي كان من ألد أعداء المسيحية، ثم انقلب فجأة وبدون مقدمات إلى المسيحية وأصبح عقلها المفكر وراعيها المدبر، وكان أول إعلان له أن المسيح ابن الله، ونسب إلى المسيح أنه الإله المتجسد الذي نزل ليصلب ويخلص البشرية على غرار الالهة المخلصين الوثنين.

ولقد انتشرت عقيدة بولس في الخلاص بسبب الأسلوب الذي استخدمه لنشر دعوته، والطريقة التي سار عليها، إذ رأى أن يخرج بالمسيحية من دائرتها الضيقة في بيت المقدس إلى الميدان الواسع في البيئات غير اليهودية، ولكي تناسب دعوته هذا المجتمع الجديد أجرى بعض التعديلات للعقائد التي لا يرضى عنها هذا المجتمع الجديد.

إنَّ عقيدة الخلاص المسيحية، التي هي من وضع (بولس) قائمة على أسس باطلة، وهي أن آدم عليه السلام أخطأ، وهذه الخطيئة انتقلت بالوراثة إلى كل أبنائه والطريق الوحيد للخلاص منها هو ما زعموه من أن الله نزل وتجسّد في صورة بشرية ليصلب ويتغلب على الموت فيقوم، وبذلك ينال الناس الخلاص. (عجيبة، أحمد علي، الخلاص المسيحي ونظرة الإسلام إليه، دار الافاق العربية، القاهرة، 2006، ص755)

إننا نُنزِّه المسيح عليه السلام عمّا جاء في كتب النصارى من الصلب والإهانات التي تعرض لها، وما ذلك التنزيه إلا لأن المسيح عليه السلام واحد من رسل الله المصطفين الأخيار الذين اختارهم الله لتبليغ رسالته إلى خلقه، فكيف يهان هذه الإهانة وقد جعله الله مباركًا كما أخبر المسيح عن نفسه: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: 31].

إنَّ النصارى استندوا في قولهم بالصلب على الأناجيل، وقد بينا أنها محرفة ومبدلة ومتناقضة وذلك بالدليل والبرهان وأنها لم تنقل عن طريق التواتر، فهي أخبار احاد مقطوعة الصلة بالمسيح؛ لانقطاع سندها فكل ما جاء فيها من أخبار مشكوك فيه، ولا يرقى أبدًا إلى درجة الصدق واليقين.

وقد أجمعت الفرق النصرانية المثلِّثة على أن المسيح صلب تكفيرًا عن خطيئة آدم التي ارتكبها وتوارثها أبناؤه من بعده، ومن أجل أن تمحى الخطيئة لا بدَّ أن يتجسد الإله ويقتل، وأن يدخل نار جهنم ويعذب نفسه عذابًا أليمًا، ثم يصير الإله ملعونًا بذلك الصليب، كل ذلك فعله الإله في زعم ـ النصارى ـ ليمحو خطيئة آدم، فهل يعقل في حق الله سبحانه وتعالى؟ (أحمد، محمد علي عبد المعطي، مظاهر الوثنية في عقائد أهل الكتاب، ص545)

ولا شك أن هذا الاعتقاد به جهل بالغ وفاضح، تنكره العقول السليمة والفطر المستقيمة، والعلوم الراسخة التي مصدرها هدايات السماء من الوحي المعصوم الذي من عند الله عز وجل والذي بيّناه في الصفحات السابقة.

ومن الردود أيضاً على هذه العقيدة:

أ ـ ليس عند الله خطيئة موروثة:

تحتاج إلى التكفير عنها بصلب نبي أو ابن الله، بل آمن المسلم أن كل إنسان مسؤول عمّا اقترفه ومحاسب عليه، والإنسان يولد مُبرأ من كل خطيئة ومن كل ذنب، وإنما يولد على الفطرة مهيئًا لقبول الحق، ذلك أن الفطرة هادية إلى الخير والحق، فالإنسان يولد نظيفًا لا يحمل شيئًا من أوزار من سبقه، وإذا كان الإنسان لا يحمل وزر غيره، فإن غيره لا يحمل وزره، وإنما كل إنسان مسؤول عن عمله.

  • قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]

والشرائع السماوية اتفقت على هذا المبدأ.

  • قال الله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ [النجم: 36‑41].

وإن القول الكريم ليصور لنا أخذ البريء بالمذنب لا على أنه مضاد للشريعة فحسب، بل هو مع ذلك غير متوافق مع الفكرة الأساسية للعدالة الإنسانية، قال تعالى: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ﴾ [يوسف: 79].

ب ـ إذا كان آدم عليه السلام قد أخطأ فما ذنب ذريته حتى يتوارثوا خطيئته من بعده:

هذا مبدأ قد نهت عنه كل الشرائع، وهل من العدل أن يضار البشر جميعًا بسبب خطيئة ارتكبها آدم، وكيف رضي الله أن يخلد موسى وإبراهيم وسائر الأنبياء والمرسلين في النار بسبب خطيئة آدم؟ ثم ما بال المسيح يتحملُ وزر وجريرة آدم ويلقى ذلك العذاب الذي استغاث عنه استغاثة شديدة، ويا ليته المسيح فحسب، بل الإله ـ في زعم النصارى ـ فالخطيئة لم تقتصر على النوع الإنساني بل تعدته إلى الإله فذاق مرارة العذاب ألوانًا. (أحمد، محمد علي عبد المعطي، مظاهر الوثنية في عقائد أهل الكتاب، ص547)

إن أكل آدم من الشجرة، لا يعدُّ خطيئة يترتب عليها العقاب، ذلك آدم عليه السلام كان نبيًا والأنبياء معصومون من الخطأ، وما وقع منه من الأكل من الشجرة ـ إنما هو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين التي لا يؤاخذ عليها آدم ـ على أن آدم أكل من الشجرة ناسيًا، والله سبحانه وتعالى أكرم من أن يؤاخذ عبدًا على ذنب فعله ناسيًا.

هذا إلى جانب أن آدم تاب، والتوبة تغسل الحوبة وتغفر الذنب، والله سبحانه وتعالى قبل توبته فهو سبحانه وتعالى التواب الرحيم، كل ذلك ينفي الذنب عن آدم، وبالتالي ينفي وراثته حيث إنه لا يوجد ذنب، كما أن إهباط آدم إلى الأرض ليس عقوبة كما يتوهم النصارى، بل تكريمًا وتشريفًا، حيث يباشر مهمة استخلافه في الأرض، كما وعد الله من قبل في قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]

والله تعالى ما نزل بادم إلى الأرض لينقصه، ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله، ولقد أنزله إلى الأرض قبل أن يخلفه لقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قال في الجنة ولا في السماء، فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة، فإنه كان يعبد الله في الجنة بالتشريف، فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف، فلمّا توافرت فيه العبوديتان استحقّ أن يكون خليفة.

ويدل على ذلك أيضًا أن القرآن الكريم أشار إلى أن إهباط آدم إلى الأرض كان بعد التوبة في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ۝ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا  بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ  فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 122-123] ، وهذا يدل على أن إهباط آدم إلى الأرض كان تكريمًا وتشريفًا، إذ أن التوبة تمحو الذنب، فلا بدَّ أن يكون لإهباط آدم معنى اخر غير العقوبة على الذنب، وأقرب المعاني إلى الاجتباء هو التكريم والتشريف، هذا إلى جانب أن نزول آدم إلى الأرض ليكون خليفة في الأرض وليحصل على معيشته بالكد والتعب والمشقة، ولاشك أن الثواب مع المشقة والتعب أكثر، فثوابه وهو على الأرض أكثر، وهذا يدل على أن إهباط آدم إلى الأرض ليحصل على ثواب عظيم ولحكمة بالغة أرادها الله في خلقه وتعمير ملكه. (عجيبة، أحمد علي، الخلاص المسيحي ونظرة الإسلام إليه، ص756)

____________________________________________________

المصادر والمراجع:

  • مظاهر الوثنية في عقائد أهل الكتاب، محمد علي عبد المعطي، مكتبة عباد الرحمن، ط1، 1431هـ، 2010م، القاهرة.
  • حقيقة المسيح والتثليث، منصور تميم نتشة، الأردن، عمان: دار غيداء للنشر والتوزيع، ط1، 2008م.
  • بين الإسلام والمسيحية، أبو عبيدة الخزرجي، تحقيق: د. محمد شامة، القاهرة: مكتبة وهبة، ط2.
  • الخلاص المسيحي ونظرة الإسلام إليه، د. أحمد عجيبة، القاهرة: دار الافاق العربية، .2006.
  • المسيح عيسى ابن مريم الحقيقة الكاملة، علي محمد محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى 1440ه، 2020م.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى