إعداد موقع نون بوست
مقابل الحماية، سيصوت الأقباط بكل ولاء هذا الأسبوع لرجل تسيطر شرطته السرية الآن على مختلف جوانب الحياة السياسية في مصر. وفي هذا السياق سيقع انتخاب بوتيمكين آخر من قبل الشعب المصري. هل كان من المفترض أن ينخدع الشعب بالدور الذي يلعبه الماريشال، الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما انخدعت الإمبراطورة كاثرين بالأمير بوتيمكين؟ في الواقع، هذا السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه.
في بلد اعتاد على إجراء انتخابات مزورة وصحافة مزيفة وبرلمانات صورية، عليك أن تتساءل عن القدر الهائل من الشجاعة والطاقة التي يتمتع بها هؤلاء المصريين في كل المواقف، الذين سيخرجون للتصويت. بعيدا عن الوقاحة والتهكم أستطيع أن أعدكم بأن السيسي، الذي صنع شعبه كعك من الشوكولاتة والحلوى على شكل وجهه، حيث أن إعجابهم به كان عظيما لأنه خلصهم من الرئيس المتطفل والمنتخب قائد جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، سيفوز بأغلبية كبيرة ساحقة ومتوقعة.
سيصوت الأقباط بولاء هذا الأسبوع لرجل تسيطر شرطته السرية الآن على الحياة السياسية في مصر، التي باتت تتبنى التعذيب مرة أخرى على اعتباره جزءا روتينيا في صلب الجهاز الأمني
لا شك أيضًا في أن مسيحيي مصر سيكونون من بين مؤيدي السيسي المخلصين، بل يجب أن يكونوا كذلك، لأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والبابا القائم عليها لم يظهروا سوى الولاء للرئيس العظيم الذي فاز بنسبة 96.1 بالمائة في سنة 2014. قلت “يجب” لأن مسيحيي مصر، على غرار مسيحيي العراق وسوريا، يتمتعون بمكانة خاصة بين أنظمة الشرق الأوسط، حيث يمثلون أقلية، والأقليات في حاجة دائما إلى الحماية. ومن يستطيع أن يوفر الحماية بشكل أكثر أمنا، خاصة وأن الأقباط يمثلون 8 بالمائة فقط من المصريين، من الأوتوقراطيين الذين يحكمونهم؟
يعد هذا الأمر ملجأ الأقلية ومصيرها على حد السواء. بغض النظر عن مدى رغبة المسيحيين في العيش في مجتمع علماني أساسه الكرامة والعدالة، يجب عليهم الاعتماد على الحكام المسلمين الظالمين حتى يضمنوا لهم كرامتهم وتحقيق عدالتهم. على مدى العقود الماضية، كان العنف بين المسيحيين والمسلمين منحصراً إلى حد كبير في مصر العليا، أي في الجنوب، حيث كان شيوخ القرى يواجهون معارضة في الكثير من الأحيان من قبل رجال الدين الأقباط الذين يعتبرون على قدر كبير من الجهل. في الآونة الأخيرة وفي القاهرة، أصبح الأقباط يمثلون أهدافا سياسية واضحة، حيث تعرضوا للتقتيل بشكل جماعي من قبل تنظيم الدولة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، في إطار حملتهم للسيطرة على شبه جزيرة سيناء وتدمير نظام السيسي.
يقدر عدد المسجونين الآن في مصر بنحو 106 ألف سجين، تعتقد منظمة هيومن رايتس ووتش أن حوالي 60 ألف منهم من المساجين السياسيين
بناء على ذلك، كان السيسي يعمل بخطى حثيثة من أجل دعم مسيحيي مصر. ومن الضروري التنويه إلى إنجازاته، حيث تحرر السيسي من البعد الإسلامي للدولة الذي أقره أحد أسلافه، أنور السادات، عندما أعلن أنه رئيس مسلم “لشعب مسلم”. ولم يتوان السادات عن الدخول في صراع مع الأقباط، وقد بلغ به الأمر درجة سجن البابا القائم على الأقباط. على النقيض من الحكام السابقين، منح السيسي ما لا يقل عن خمسة تصاريح لبناء كنائس جديدة في مصر، في حين قصف الإسلاميين بحزم في ليبيا بعد أن ذبحوا 21 عاملا مصريا قبطيا على الشاطئ، وشيد كنيسة لتخليد ذكراهم في قريتهم. والأهم من كل ذلك، كان السيسي أول رئيس مصري يحضر القداس في عيد الميلاد.
عموما، تكمن المشكلة في أن المصريين المسلمين الذين يعارضون السيسي، ليسوا فقط من جماعة الإخوان المسلمين، الذين يعتبرون رسميا الآن إرهابيين، ولكن كل المسلمين. والأمر سيان بالنسبة للمسلمين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة، الذين سحقوا تحت عجلة “الإصلاح” الاقتصادي والتضخم الهائل في ظل حكم رئيس ألقى القبض على كل المعارضين الجادين وبعث الرعب في قلوبهم من أجل سحب ترشحهم في الانتخابات. وقد يعتبر هؤلاء المسلمين مواطنيهم المسيحيين جزءاً لا يتجزأ من نظام السيسي، وهذا للأسف ما أصبحوا عليه.
سيصوت الأقباط بولاء هذا الأسبوع لرجل تسيطر شرطته السرية الآن على الحياة السياسية في مصر، التي باتت تتبنى التعذيب مرة أخرى على اعتباره جزءا روتينيا في صلب الجهاز الأمني. فقد عمدت الشرطة إلى اعتقال وضرب المعارضين السياسيين والمدونين والطلبة والمحتجين القدماء، الذين خرجوا في سنة 2011 للتنديد بحكم حسني مبارك في ميدان التحرير، فضلا عن الصحفيين والسياسيين من ذوي الفكر الحر. ويعتبر الشنق والموت في معتقلات الشرطة والاختفاء، التي تعد تقريبا من الظواهر الطبيعية في جميع الدول القائمة على النظم الأمنية، جزءا لا يتجزأ من الحياة المصرية في الوقت الراهن. ويقدر عدد المسجونين الآن في مصر بنحو 106 ألف سجين، تعتقد منظمة هيومن رايتس ووتش أن حوالي 60 ألف منهم من المساجين السياسيين.
كان تدمير معارضي السيسي الانتخابيين قبل التصويت خلال هذا الأسبوع ليكون أمرا سخيفا إن لم يكن مأساويا بالنسبة لبلد كان أثناء الاحتلال البريطاني، على سبيل المثال، أكثر شجاعة إلى درجة الإصرار على المطالبة بالحرية الوطنية والديمقراطية على النمط الغربي. قد تشكل قائمة المرشحين الذين كان من المحتمل أن يخوضوا السباق الرئاسي ومصيرهم المثير للحزن، في عصور مختلفة، العمود الفقري للبرامج الكوميدية ضمن التليفزيون المصري المحبوب في جميع العالم العربي.
لن تحدث المقاطعة أي فرق. وفيما يلي، باستثناء الدعم المسيحي للسيسي
أعلن أحمد شفيق، المرشح المنتمي لنظام مبارك الذي تحدى مرسي بعد ثورة 2011، سحب ترشحه للرئاسة بعد “ضغوط” سلطت عليه من قبل نظام السيسي. من جانبه، اختار محمد أنور السادات، ابن شقيق الرجل العظيم، الذي يبدو في الواقع مثل عمه الرئيس المغتال، أن يتنازل عن قرار الترشح. وقد أخبرني محمد أنور السادات قبل أكثر من خمس سنوات، بأنه كان يدعم السيسي “المسلم المحافظ”. وقد أكد لي في مقابلة أن “الحل الأمني”، من خلال سحق الإسلاميين في صحراء سيناء، يمثل حلا مؤقتًا لا غير. في ذلك الوقت، أفاد محمد أنور السادات، أن “الأشخاص يصفون الإخوان المسلمين بالإرهابيين وبالتالي، فهم يضغطون على الحكومة. في الأثناء، تتبنى وسائل الإعلام التوجه ذاته، وهذا لا يفيد في أي شيء. باتت الحياة صعبة بالنسبة للأشخاص الذين يريدون التوصل إلى حل وسط والذين يبدون شيئا من المرونة. ينبغي علينا في مصر أن نتعلم كيف نعيش معا”.
لكن يبدو أن مفهوم “العيش معا” يتوارى خلف نظم الحكم بقيادة المشير الحكيم المجبول على حب الخير. بالإضافة إلى السادات، انسحب المحامي في مجال حقوق الإنسان خالد علي من السباق الرئاسي. أما بالنسبة للإسلامي السابق الذي كان مرشحا للرئاسة في سنة 2012، عبد المنعم أبو الفتوح، الذي جادل بأن الجيش لا يتحمل مسؤولية سوء حكم السيسي، فقد أعتقل ببساطة بعد عودته من لندن. حتى الجيش نفسه ليس بمنأى عن سيادة قانون السيسي. فقد سُجن الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق، بعد وقت قصير من إعلانه نيته في الترشح. ومنذ ذلك الحين، تم القبض على هشام جنينة أحد مساعديه، والرئيس السابق للوكالة الوطنية للمحاسبات.
أما الرجل الوحيد الذي نجا من الإذلال بعد أن قرر الترشح للانتخابات الرئاسية في الدقائق الأخيرة، فهو موسى مصطفى موسى، المؤيد المتشدد للسيسي نفسه. في مقابلة غير اعتيادية ومحرجة، تقريبا، أجراها في الأسبوع الماضي، ادعى موسى أنه لم يتم اعتقال أي شخص، وأن سامي عنان قد “انتهك القوانين العسكرية” في حين أن خالد علي ربما لم يكن لديه تواقيع كافية على أوراق ترشحه. من جانبه أورد خالد علي قائلا: “لا أعتقد أن هناك من تعرض للتهديد على الإطلاق”. كل ما يرغب فيه علي يتمثل في إعادة فتح المصانع وتوفير رواتب مناسبة للفقراء والمتعلمين. نُسبت للأشخاص الذين انسحبوا من السباق الانتخابي، الذين كانوا بمثابة هاجس للسيسي، تهمة تلقيهم لمبالغ مقابل ذلك من قبل “جهات خارجية”. بالتالي، لا عجب أن العديد من المعارضين له يدعون ببساطة لمقاطعة الانتخابات.
في الواقع، لن تحدث المقاطعة أي فرق. وفيما يلي، سأطرح رهانين بشأن الانتخابات المصرية، باستثناء الدعم المسيحي للسيسي. أولا، لدي حدس يخبرني بأن النتيجة ستكون بين 93.73 بالمائة و97.37 بالمائة من الأصوات لصالح الرئيس. أما رهاني الثاني الذي لن يخيب، فيكمن في أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيتصل بالسيسي بعد فوزه في الانتخابات لتهنئته، في حين سيصفه “بالرجل العظيم” وأنه “يقوم بعمل رائع”.
(المصدر: الإندبندنت)