المسلمون و المنزلق الخميني!
بقلم د. عبدالله العربي
كان لسقوط الدولة العثمانية أثر بالغ في نفوس المسلمين ، ولا سيما العرب منهم ، وقد أدى ذلك إلى ظهور تيارات عدة أهمها ، تيار قومي متطرف يرى في القومية أساسا لوحدة العرب وقوتهم ، وتيار إسلامي مضاد يتوق الى وحدة إسلامية تجمع المسلمين في شتى بقاع الأرض على اختلاف الوانهم وقومياتهم ، وقد تطرف ذلك التيار أيضا في مجابهة التيار القومي ومحاربته ، وأرى ومن وجهة نظري الخاصة أن التيار الاسلامي لم يستخدم اللغة المناسبة للتعامل مع هذا التيار ولا يسع المجال للخوض في تفاصيل هذه المسألة.
إن الفترة الممتدة مابين سقوط الخلافة العثمانية إلى وصول الخميني الى سدة الحكم في إيران ، كانت فترة عصيبة مليئة بالاحداث والخيبات ، والتي جعلت المسلمين في البلدان العربية يتوقون إلى راية اسلامية توحدهم وتستعيد هويتهم وتكسبهم قوة ومنعة ، ومن أهم تلك الاحداث هو قيام وطن لليهود على أرض فلسطين ، وما تلاها من خيبات وانكسارات في الحرب التي نشبت عام ١٩٤٨ وما رافقها من تآمر وخيانة من قبل الانظمة العربية الحاكمة آنذاك ، والنكسة الكبرى التي حدثت عام ١٩٦٧ والتي أصيب بها العرب بهزيمة افقدتهم مزيدا من أراضيهم ناهيك عن الخسائر البشرية والعسكرية الفادحة ، بعد ان كان الحديث يدور عن ( القاهر والظافر) وعن أن إسرائيل ( سترمى في البحر) ، فشكلت تلك الظروف صدمة جديدة زادت من الإحساس بالحاجة إلى راية اسلامية توحد الصف وتلم الشعث وتستعيد مجدا كان قد فقد…
عند قيام ” الثورة الخمينية المفتعلة” أنجر كثير من المسلمين وللاسف بالتعاطف مع تلك الثورة ، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الشعور بان نصر الله قد أتى وأنهم قد وجدوا ضالتهم في تلك الثورة …فهناك راية اسلامية ستصلح ما تم افساده !
لقد هيأ “المعسكر الغربي” الأجواء للخميني للوصول إلى السلطة ، من افتعال ازمة اقتصادية خانقة في إيران اضطرت الجماهير الايرانية للخروج بمظاهرات عارمة اجتاحت إيران ، وقد لعبت الامكانيات الإعلامية التي وفرها الغرب للخميني دورا في تأجيج الاوضاع ضد الشاه ومداعبة مشاعر الايرانيين للتعاطف مع الخميني باعتباره قد جاء من رحم معاناة الايرانيين بعد ان سجنه الشاه ومن ثم نفاه الى تركيا ليغادر بعدها إلى العراق ليعيش فيه عقدا ونصف من الزمن تقريبا ليغادر بعدها إلى فرنسا استعداد للاطاحة بالشاه وتسليم السلطة للخميني!
يقول احد ضباط الموساد الاسرائيلي المتقاعدين أن الشاه قد دفع ثمن اتفاقية الجزائر التي أبرمها مع العراق عام ١٩٧٥ ، حيث أبدى الاميركيون انزعاجهم من تلك الاتفاقية وقد طلبوا منه الغائها ودفع الامور للحرب مع العراق لان استقراره يتضارب مع مصلحة الأمن القومي الأمريكي،(في تلك الفترة كانت اميركا منشغلة في حربها مع الاتحاد السوفييتي ولم يكن الوضع الدولي يسمح بتدخل مباشر أو شبه مباشر على طريقتها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي) إلا أن الشاه كان قد رفض ذلك الطلب ،واخبرهم بأن الوضع الداخلي الشعبي والاقتصادي لا يسمح بقيام حرب مع العراق ، وقد حضر كيسنجر ” والكلام لضابط الموساد” إلى إيران وحاول الضغط على الشاه للدفع نحو الحرب إلا أن الشاه أصر على موقف الرافض لها…..لتتأزم الاوضاع بعدها في إيران ، فأبلغ الأمريكان الشاه بضرورة مغادرة ايران مؤقتا لحين تهدئة الاوضاع ومن ثم العودة في وقت لاحق ، وكان الوقت قد فات لينفذ للأميركان مطلبهم ، فقد وجدوا في الخميني ضالتهم وان بامكانه أن ينجز في المنطقة ما لايمكن للشاه إنجازه ولو اقام في الحكم الف سنة….فأي ثورة هذه التي قام بها الخميني ليطيح بنظام حكم صارم ومحكم وقوي كحكم الشاه لولا المعسكر الغربي القائم آنذاك ، فهل سمعتم بقائد ثورة إسلامية يقيم في دولة تمثل عتاة الصليبية (فرنسا) ليهبط بطائرة مدنية في طهران ويعلن قيام الجمهورية الاسلامية!!
ولك أن تتخيل الخطر الذي يشكله العراق على وجود إسرائيل ، والامن الذي يوفره الخمينيون لها بحيث أعطيت لهم الفرصة لكل هذا التوسع والتمدد ، ومن ادلة توافق الخميني مع أمريكا ، هو أن أمريكا ماكانت لتفرط بايران لصالح الاتحاد السوفييتي آنذاك ، وللمقارنة والمفارقة في التعامل بين من يشكل خطرا وبين من يتوفر بوجوده الأمان ، عندما فرض الحصار على العراق كان حصارا خانقا وحقيقيا وقد منع العراق من استيراد حتى اقلام الرصاص ، في المقابل الحصار المفروض على إيران ، ما منع من الباب سمح به من الشباك ، فتسليم العراق لإيران كان كافيا لحل ازمتها الاقتصادية والتكنولوجية!
أود أن أبين ولكي يكون الأمر أكثر وضوحا للقارئ ، فإنني عندما أقول المسلمين أو الإسلام فإنني أعني مايسمى اليوم ( أهل السنة والجماعة) فهم في خندق والخمينيون في الخندق المقابل ، فإنني أرى بونا كبيرا بين الإسلام والتشيع متمثلا بقيادته الخمينية…
عند اندلاع حرب ( القادسية الثانية) والتي اندلعت عام ١٩٨٠ ، كانت الآلة الإعلامية الخمينية قد اخترقت صفوف المسلمين العرب إلى النخاع ، يقابل ذلك الاختراق سطحية في التفكير عند العقل العربي المسلم وللاسف ، الى الحد الذي جعله يؤمن بشعارات الخميني التي يدعي انها اسلامية ، ويقف بالضد من الخندق العراقي لأن ” صدام حسين” لم يرتد العمامة ، ولم يطلق لحيته ، واتخذ من الخطاب القومي شعارا له في تلك الحرب ، لان مجابهة التيار الخميني في الحرب تحت عباءة إسلامية ، يعني فقدان العراق لجزء كبير من قوته البشرية ، وإشعال المنطقة والعالم الاسلامي بحرب تهلك الحرث والنسل وتفضي إلى نتائج وخيمة كان يحلم بها الخميني ، اضافة الى ذلك ، فان صدام أراد تعرية النظام الخميني المتستر باللحية والعمامة من انه انما يشن حربه من منطلق قومي فارسي وليس من منطلق إسلامي كما يدعي…
لقد وصل الامر ببعض المؤمنين بما يدعيه الخميني من شعارات إسلامية ، وادعائه بمعاداة أمريكا وإسرائيل ، الى التصديق بان صدام قد شن الحرب على ايران بامر من الولايات المتحدة ، وانه ” أي صدام” قد وصل إلى الحكم بإرادة أمريكية لغرض إسقاط التجربة ” الاسلامية كما كان بعضهم يعتقد” في إيران ، ومما يؤلمني أن أذكره على سبيل المثال لا الحصر ، ما كان يصدح به الشيخ الراحل عبد الحميد كشك من على منبره ، من ان صدام اعتدى على إيران وأنه لم يطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل ، كان ذلك في فترة لم يكن قد مضى من الوقت طويلا على حرب عام ١٩٧٣ والتي شارك فيها العراق مشاركة فاعلة وانقذ مايمكن انقاذه بعد ان سلم حافظ الاسد أجزاء من سوريا لإسرائيل على طبق من ذهب….ثم يدور الحديث عن وصول صدام إلى السلطة ، ويلغى فيه تاريخ صدام والذي يمتد منذ عام ١٩٥٤ ،وحتى نجاح ثورة حزبة عام ١٩٦٨ ، تخللتها اعتقالات ومطاردات ومحاولات انقلاب ، اعتقل في إحداها ١٢ الفا من اقاربه وعشيرته….بينما الخميني ، والذي جاء على متن طائرة مدنية نزلت في طهران يسمونها ” ثورة إسلامية” جاءت بعد نضال وعناء ، ولكم ان تتخيلوا حجم التفكير السطحي للمسلمين آنذاك ، عندما يبتهل احدهم الى الله ان ينصر إيران على العراق!!
ان تتبعا بسيطا وسريعا للتاريخ ، سيطلعنا على حقائق مهمة ،ومنها ان الفرس ومنذ أن أباد عمر بن الخطاب دولتهم العظمى ، قد استخدموا كل الاساليب والالاعيب لاشعال الفتن والحروب للنيل من هذا الدين ومن معتنقيه ، وما تأسس الدين الشيعي إلا بناء على هذا الأساس ، فقد وجد دهاقنة الفرس أن هذا الدين لا يمكن مجابهته بالقوة ، بل بالولوج فيه وتخريبه وتمزيقه من الداخل ، وبالعودة إلى التاريخ ، فإن صلاح الدين الايوبي لم يتم له أمر تحرير بيت المقدس إلا بعد ان قضى على الدولة الفاطمية والتي تحالفت مع الصليبيين ضد السلاجقة ولم يتحركوا للحيلولة دون سقوط فلسطين بأيدي الصليبيين ، ذلك لأنهم وكعادتهم يتحالفون مع اي قوة كانت صليبية أو غيرها ضد اي كيان يرفع راية الاسلام ، وكذلك ماجرى على امتداد تاريخ الدولة العثمانية ، تجد أن الدولة الصفوية خنجرا في خاصرة هذه الامة على الدوام.
ان مراجعة التاريخ القديم والحديث والمعاصر وما عشناه من احداث جرت بعد احتلال العراق من قبل أمريكا وحلفائها وتسليمه لإيران ، عرت الخمينيين تماما ، وأظهرت وجوهم القبيحة ونواياهم السوداء ولم يعد اي من سوءاتهم مستورا او مخفيا عن احد …
لذا وعلى هذا الأساس لم يعد هنالك أي عذر او حجة او مبرر لاي فئة او جهة أو أي دائرة بشرية مسلمة للتعاون مع إيران أو قبول المعونة منها ، ذلك لأن الوقائع والأحداث قد أثبتت أن الخمينيين لن يقدموا مقدار ذرة من العطاء بلا مقابل ، وأن مصالح إيران لن تنجز إلا على حساب مصالحنا نحن…
حم،،اس حركة يكن لها معظمنا كل الاحترام والتقدير وكل التعاطف والود ، وان منهم رجالاً صدقوا ماعاهدوا الله عليه” وعلى رأسهم شيخ المجإهدين المغفور له بإذن الله الشيخ احمد ياسين والهامة العالية المغفور له عبد العزيز الرنتيسي ، وغيرهم ممن لا يسع المجال لذكرهم ، تلك القامات التي كانت مدركة و واعية لما يحيطها من المخاطر والأهوال ، ولهذا استهدف العدو هذا الخط ، ليظهر بعده خط آخر من القادة كهنية ومشعل ، والذين ساسوا الأمور على غير ماكانت عليه ، فمن قول الشيخ أحمد ياسين عن إيران والخميني عندما انبهر بثورته من انبهر ( ولكن يا أولاد هؤلاء شيعة) إلى قول مشعل رافعا يده بمعية احمدي نجاد( من هنا ستحرر القدس) من هذا الفارق يمكنك إدراك حجم الانحدار الذي وصلت إليه الحركة ، وفي الأحداث الأخيرة يخرج علينا هنية ليهدي تاج النصر للخامنئي الخميني شاكرا إياه على دعمه ، ومن ثم يخرج علينا مشعل بتبرير لو أنه سكت عنه لكان أفضل بقوله( شكرنا لإيران لانها قدمت لنا الدعم لا يعني أننا راضون عن سياساتها في المنطقة) ، ليعيد قضية فلسطين الاسلامية إلى قضية وطنية ضيقة تخص الفلسطينيين او اهل غزة لوحدهم ، ونسي ( مثل المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)…
هل يعقل أن القادة الجدد لا علم لهم عن صفقات السلاح بين ايران وإسرائيل وإيران وأمريكا في حرب القادسية الثانية عندما كان الخميني يرفع شعار الموت لأمريكا ، وأمريكا الشيطان الأكبر؟!
هل غفل قادة حماس عن حركة الصابرين التي تنشط اليوم في غزة بغطاء إيراني وغايتها نشر التشيع هناك؟ هل غفل هؤلاء عن التاريخ وعن أحداث معاصرة وكيف مهد الغرب لإيران لنشر التشيع في العديد من دول العالم واستبداله بالإسلام؟ هل غفل هؤلاء عن أن الحالة الاقتصادية الصعبة في غزة بيئة مناسبة لنشر التشيع هناك كما فعلت ذلك سابقا في سوريا ولبنان والعديد من الدول الأوروبية؟ثم أن حربنا مع اليهود حرب عقيدة فما جدوى الاستعانة بالعقيدة الخمينية والتي تنتشر كالسرطان في جسد الامة للدفاع عن عقيدة الاسلام ضد عقيدة اليهود؟!
الم يتساءل الاخوة هناك ، لماذا اعطت اميركا بل وحتى اسرائيل هذا الحيز الكبير لايران في المنطقة وغزة على وجه الخصوص؟
على العالم الاسلامي أن يمتلك الجرأة الكافية ، جرأة كجراة الخميني عندما يقول ان الله الذي نعبده ورسوله الذي نتبعه ليس هو الله الذي يعبده المسلمون ولا رسوله الذي يتبعونه ، عليهم التعامل مع ايران كدولة من دين اخر ، كالتعامل مع اي دولة صليبية او بوذية او غيرها…
إن بقاء الامور على النحو من الترنح وعدم الوضوح تجاه الخمينيين هو من اوقع بنا في منزلقهم ، لذا فيجب ان يحسم هذا الامر على نحو واضح وصريح ، فلا مجاملة في دين الله ، ولا مجاملة في العقيدة الحقة ،واستغرب من أحد المشايخ الكرام عندما يقول( لو نشبت حرب بين اميركا وإيران ساقاتل مع إيران) ، هذا التصريح دلالة حتمية على سطحية لا زالت تهمين على عقول الكثير من مشايخنا وعدم ادراكهم للغاية الحقيقية من زج الخميني للدين بالسياسة ولماذا منحه الغرب كل هذه السعة في التمدد…
فإن حربا ما بين أمريكا وإيران لن تندلع أبدا ، ومن ثم مالنا نحن وايران ، فيجب اعتبار الامر كحرب بين أمريكا وروسيا ، لا ناقة لنا بها ولاجمل ، ولسنا طرفا في حروب من هذا النوع سوى ان نسأل الله ان يجعلها سببا لان يهلك الكافرين بعضهم ببعض..
لقد بان ما كان قد اخفي سابقا ، ولم تعد الخديعة تنطلي على احد ، ان الاوان لكل ذي موقف أن يصحح موقفه تجاه هذه الغدة السرطانية ، ولقد استنفذت السبعين عذارا بل ويزيد ، وليعلم من يعلم ان الدفاع عن عقيدة ضد عقيدة اخرى لا يتم بالاستعانة بعقيدة فاسدة
وأخيرا ، أود الاشارة إلى نقطة مهمة ، وهي أن الكثير من المسلمين ممن لم يخالطوا الشيعة أو حتى علمائنا ممن اطلعوا على كتب من يسمونهم( المعتدلين) وخالطوا بعض العمائم التي تتستر بالتقية لا يعرفون الدين الخميني على حقيقته ،ويظن بعضهم ان الخلاف فقهي او ان عيبه انحراف بسيط في العقيدة ، بل البعض منهم يعتقد ان انحرافاتهم لا تعدو على انحرافات بعض الحركات الصوفية الحديثة ، وهنا يكمن جوهر المشكلة لاننا وهم في اختلاف وليس في خلاف ، حيث ان الاختلاف يكمن في جوهر الدين لا في قشوره..
(المصدر: رسالة بوست)