مقالاتمقالات مختارة

المسلمون وثقافة النقد.. هل يجتمعان سويًا؟

المسلمون وثقافة النقد.. هل يجتمعان سويًا؟

بقلم معاذ يوسف

لمدة طويلة من حياتي، كنت أرى كيف يخشى الناس من التساؤلات، يظنون أنها قد تلقي بهم إلى الهاوية، فالسؤال سوف يفتح المجال نحو طريق من التخبط والتشتت. ولكنني على العكس من كل ما يظنه هؤلاء، كنت أجد في السؤال الطريق الذي أبحث عنه لمعرفة العالم من حولي، فكل سؤال أحصل على إجابته، أتطور درجة في الفهم. وما بين الاثنين، أجد نفسي أفكر؛ باحثًا عن إجابة حقيقية لهذا السؤال “هل يمكن لثقافة المسلمين في عالمنا الحالي أن تستجيب لثقافة النقد؟”، وهذا ما أحاول الإجابة عنه في التدوينة.

ما هو التفكير النقدي؟ وهل يمكن أن يصنع مشكلة بالفعل؟
توجد العديد من التعريفات التي تتحدث عن التفكير النقدي، في السطور القادمة سوف أضع اختصارًا يجمع بين هذه التعريفات، ويشمل الحديث عن صفات المفكر النقدي. التفكير النقدي يعني القدرة على التفكير بوضوح ومنطقية، وفهم الربط المنطقي بين الأفكار. التفكير النقدي يتطلب منك استخدام قدرتك على التفكير والإدراك، فتكون متعلم نشط أكثر منك متلقي للمعلومات والأفكار التي يتم تلقينها لك.

المفكرون النقديون يميلون إلى طرح الاسئلة والافتراضات أكثر من قبولهم للموجود، كما أنهم يحاولون معرفة هل الأفكار والحجج والنتائج الموجودة تعبر عن الصورة الكاملة، أم هناك أشياء أخرى غير موجودة. المفكر النقدي يقوم بحل المشكلة عن طريق تعريفها وتحليلها بمنهجية وموضوعية ثم إيجاد الحل المناسب، فهو لا يعتمد على الحدس أو الغريزة في هذا الأمر. من التعريف الذي وضعناه للتفكير النقدي، يمكننا أن نفكر في الأسباب التي يظن البعض أنها قد تصنع المشكلة.

السبب الأول: التفكير النقدي يعمل على البحث وطرح الأسئلة أكثر من قبول الموجود.
المشكلة: تلقي المعتقدات يعتمد في الأساس على النقل، فنحن نعرف المعتقد من خلال ما يُخبرنا به القرآن والسنة والأشخاص الذين لهم تأثير علينا كالأهل ورجال الدين. مع الميل للبحث أكثر من قبول الموجود، فإن ذلك في اعتقاد البعض قد يحدث خللًا لدى الباحث، تكون نتيجته هي رفض بعض المعتقدات؛ ظنًا منهم أنه لا بد وأن يحيد عن الطريق.

السبب الثاني: في التفكير النقدي نحن دائمًا نسعى للوصول إلى الصورة الكاملة.
المشكلة: يظن البعض أن هناك بعض الأشياء التي ينبغي علينا التسليم بها كما هي، وبالتالي فإن البحث عن الصورة الكاملة قد يؤدي إلى وجود مشكلة عند الباحث.

العقل يدعم الإيمان ويكمله

رغم ما تحدثنا عنه في الفقرة الماضية، أنا أؤمن تمامًا أنه لا يوجد أي تعارض بين الانتقاد والاعتقاد، بل إن الجمع بينهما شيء من الممكن حدوثه بسهولة. أؤمن بأن الله عندما يخبرنا بأي قصة في القرآن، فإن ذلك يكون له غرض قوي ومؤثر، لا سيما القصص التي تتحدث عن الرسل. دعونا نتوقف قليلًا عند قصة سيدنا إبراهيم، والتي هي أكبر دليل على أن النقد في بعض الأحيان يؤدي إلى بناء المعتقد.

فسيدنا إبراهيم رفض عبادة الأصنام مثل قومه، وظل يبحث في الأشياء من حوله، بدءًا من الكوكب، ومرورًا بالقمر، وختامًا بالشمس. حتى اهتدى في النهاية إلى وجود الله عز وجل. في هذا الوقت أصبح سيدنا إبراهيم يملك قناعةً راسخةً في داخله عن وجود الله، بعكس قومه الذين يفعلون الأشياء لأنهم يقلّدون أجدادهم. يمكننا بتطبيق هذه القصة على حياتنا، أن نفهم كيف يؤدي البحث بالتأكيد على المعتقد لا هدمه.

هل يعني ذلك أن النقد دائمًا سيؤدي إلى البناء؟ أم أنه قد يؤدي إلى الهدم أحيانًا؟ والإجابة هي أنه من الممكن أن يحدث الاثنين. الفيصل في هذه النقطة يعتمد على نقطتين: قوة الإيمان القابع بداخل الإنسان، ومن ثم رغبته في أن يهتدي إلى طريق الله سبحانه وتعالى، باستخدام عقله في بحث الحقائق الموجودة في الكون من حوله. في هذه الحالة سوف نجد الترابط بين الاثنين: القلب الذي يؤمن بالحقائق الإلهية، والعقل الذي يبحث محاولًا الوصول إلى إجابات على الأسئلة، ويعرف متى يتوقف ومتى يستمر.

يخبرنا الله في القرآن “فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ”. لذلك رغم تخوّف بعض المسلمين من مسألة البحث، لكنهم يجب أن يعرفوا بأن الأمر بيد الله، بناءً على طريقة تعاملنا مع البحث. فمن كان يبحث لأنه يرغب في هداية الله له للإسلام، فإنه سيصل إلى الطريق، وسيكون التفكير النقدي هنا وسيلة بناء لمعتقده. أما من كان يبحث رغبةً في التفنيد والتعرية، فإنه سيضل، وسيكون تفكيره وسيلة للهدم.

إذًا المشكلة ليست في التفكير النقدي، بل في الشخص الذي يقوم بتطبيقه في حياته، فإن فعل ذلك بصورة صحيحة، فإن عقله في هذه الحالة سيكون داعمًا لإيمانه ويكمله. ولهذا السبب سنجد أن الدعوة إلى التفكر تتكرر في القرآن أكثر من 15 مرة. أي أن الإنسان مطالب بالتفكير في العالم من حوله، لأنه بهذا سيدرك عظمة الله في خلقه. فقط المسألة في المنهجية التي نتبعها في تحقيق ذلك.

منهجية التفكير النقدي واستخدامه في التعلّم
يمكننا تلخيص منهجية التفكير النقدي في خمس مراحل متتالية:
1- وضع الأسئلة: في هذه المرحلة نقوم بوضع كل الأسئلة التي نحتاج إلى إجابة عنها “من؟ متى؟ ماذا؟ لماذا؟ كيف؟ أين”.
2- وضع الفرضية: بعد الانتهاء من الأسئلة، نبدأ في الإجابة، ومن ثم تكوين فرضية بناءً على الإجابات، هذه الفرضية لا تعكس قناعتنا أو رفضنا للفكرة، إنما فرضية تحتمل الصواب أو الخطأ.
3- البحث وجمع المعلومات: في هذه المرحلة نقوم بالبحث وجمع المعلومات عن كل شيء في الفرضية، ومعرفة الآراء التي تؤيد الفرضية، والآراء التي تعارضها، ونلتزم بمبدأ التفكير المحايد، حيث القرار يتم بناءً على المعلومات فقط.
4- اختبار الفرضية: بعد الانتهاء من المرحلة الثالثة، يمكننا أن نختبر فرضيتنا، ونسعى لمعرفة إن كانت قابلة للتصديق، أو أننا بحاجة لمزيد من البحث والتعديل.
5- الخروج بالرأي النهائي: في النهاية نخرج بالرأي الأخير لنا حول الفرضية.

بالطبع في حالة حدوث خلل في أي مرحلة، فإنه يجب علينا أن نعود خطوة إلى الخلف للتعديل سواءً بالحذف أو الإضافة. تطبيق هذه المنهجية بالخطوات التي ذكرناها يمكنه أن يساعدنا على أن نربط التفكير النقدي بالواقع الذي نحياه، ويمكننا أن نبدأ في استخدام التفكير النقدي في التعلّم، من خلال بعض السبل التالية:

1- تشجيع المناقشات بين الأفراد، وتوفير مساحة آمنة للطالب بأن يشارك برأيه.
2- مسابقات في البحث طبقًا لمنهجية التفكير النقدي.
3- تشجيع ورش عمل تعتمد على دراسة الحالة والمواقف الافتراضية.

الأمر يحتاج فقط إلى المعلم القادر على التوجيه، وأن يساعد الباحثين عن الإجابات في الوصول إلى الطريق الصحيح. في النهاية فإنني أرى أن ثقافة المسلمين يمكنها أن تتحمل النقد، فقط لو توفرت الأدوات اللازمة لفعل ذلك، من منهجية للتفكير الناقد، ومعلم قادر على التوجيه، وباحث يؤمن بالنقد كوسيلة للبناء لا الهدم.

 

 

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى