المسلمون في الهند: تعرف على قصتهم ولماذا يُقتلون؟
بقلم كرم الحفيان
مؤخراً تطالعنا الأخبار المؤلمة عن حملة كبيرة تستهدف وجودهم بالتهجير والقتل، لا سيما في ولاية آسام شمال شرقي البلاد، مع التلويح بمشروع نزع الجنسية عن ملايين المسلمين لتجريدهم من آخر حقوقهم ولتسهل استباحتهم على أوسع نطاق.
بدايةً قبل التطرق إلى الأحداث الأخيرة الملتهبة ومن أجل تصور أفضل لواقع المسلمين الهنود تَحسُن الإشارة إلى بعض المحطات الهامة في تاريخ الإسلام والمسلمين هناك. الانتشار الملحوظ للإسلام في الهند بدأ مع نهاية القرن الأول الهجري إثر حملة القائد محمد بن القاسم الثقفي ذي الثمانية عشر عاماً عام 93هـ، إلا أن المسلمين لم يحكموا كل الهند إلا بدءاً من القرن الرابع الهجري/الحادي عشر الميلادي إلى القرن الثاني عشر هجري/التاسع عشر الميلادي، واللافت أنه على الرغم من استمرار حكم الدول الإسلامية المتعاقبة للهند لثمانية قرون وازدهار حضارتهم هناك، إلا أن المسلمين ظلوا أقلية مقارنة بالغالبية الهندوسية ولم يسعوا لمحو هويتهم وثقافتهم كما تفعل السلطات الهندوسية الآن مع المسلمين!
ومع سيطرة الاستعمار البريطاني على الهند في القرن التاسع عشر سعى البريطانيون للتمكين للهندوس في مؤسسات الدولة وصادروا أوقاف المسلمين، وبدأوا برامج الهندسة الاجتماعية بعلمنة التعليم وإطلاق العنان لحملات التبشير.
خشي المسلمون من أندلس جديدة وسعوا للحفاظ على مرجعيتهم الدينية والاجتماعية بعد سقوط مرجعيتهم السياسية، فقاطعوا المجالات العامة التابعة للمحتل وحاولوا النهوض عبر حركة دينية قلبها التعليم والتربية الدينية، إضافةً إلى تعزيز تماسكهم الاجتماعي. ساعدت على ذلك إعادة تموضع علماء الدين قادةً ورعاةً للمجتمع في شتى مجالات الحياة، وهو ما يفسر مكانة العلماء الاجتماعية الكبيرة هناك إلى يومنا هذا.
قال أبو الحسن الندوي واصفاً علماء الهند: “أما علماء الدين فقد كانوا أقوى علماء العالم الإسلامي شخصية دينية، ومن أكثرهم رسوخاً في الدين وزهداً في الدنيا وإيثاراً للآخرة وغيرة على الإسلام”، ثم أشاد بدورهم في “تمسك الشعب الهندي الإسلامي بالدين وشريعة الإسلام وتفانيه في سبيله والتماسك أمام الحضارة الغربية الإلحادية تماسكاً لم يشاهد في بلد إسلامي آخر تَعرَّفَ بهذه الحضارة ووقع تحت حكم أجنبي”، وذكر شيئاً آخر هاماً للغاية، وهو تجانس المجتمع الهندي المسلم ثقافياً في جميع أنحاء البلاد الممتدة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، لدرجة تجعلهم أشبه ببعض في الأخلاق والعادات والتقاليد من أبناء مناطقهم وجيرانهم من الهندوس وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.
وبعد استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947، وانقسامها إلى دولتين: الهند وباكستان، الأولى تحكمها الغالبية الهندوسية مع وجود أقليات، أكبرها المسلمون (تقريباً 15%)، والثانية أُسست دولة للمسلمين. المسلمون الذين بقوا في الهند تحالفوا مع حزب المؤتمر الوطني الهندي بقيادة مؤسس الهند الحديثة غاندي لحماية أنفسهم، مع تشبثهم بخصوصياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية.
وعلى الرغم من وقوع أعمال عنف طائفية عديدة ضد المسلمين منذ قيام الدولة الهندية الديمقراطية الحديثة، فإن السياسات المتبعة في السنوات الأخيرة بعد صعود الحزب اليميني المتطرف بهاراتيا جاناتا عام 2014 بقيادة قائده ناريندرا مودي، تبدو غير مسبوقة. فقد انتقل الأمر من هجمات أو مجازر متفرقة كل عدة أعوام ترتكبها جماعات هندوسية متطرفة (خارج السلطة) بغض طرف أو تواطؤ من السلطات الحاكمة، إلى طرح الحكومة “قانون تعديل المواطنة” نهاية عام 2019.
هذا القانون تنزع بموجبه الجنسية عن ملايين المسلمين، ويهجَّرون من أرضهم في ولاية آسام شمالي شرقي الهند التي يسكنونها منذ عشرات السنين، وتجهز لهم معسكرات الاعتقال الجماعية بعيداً عن أسرهم وأطفالهم، بحجة أنهم ليسوا هنوداً أصليين ووافدين من دولة بنغلاديش، ما لم يثبتوا قدومهم إلى إقليم آسام قبل 24 مارس/آذار 1971 (تاريخ قيام دولة بنغلاديش). ولتبدأ مرحلة استباحة حقوق الإنسان بالقانون في دولة الهند الديمقراطية، بصورة شبيهة بالنماذج الغربية التي ذكرها الفيلسوف الإيطالي الشهير جيورجيو أغامبين في كتابه الهام للغاية “الإنسان المستباح” homosacer.
وضّح أغامبين أنه وفقاً لفلسفة الحداثة ودولتها القومية فالإنسان صاحب الحقوق القانونية ليس ذاك الإنسان البيولوجي المجرد الذي خلقه الله، إنما هو المواطن البيولوجي السياسي الحامل للجنسية والداخل ضمن العقد الاجتماعي الذي حدده صانعو الدستور، وبالتالي ففي عُرف الدولة القومية الحديثة إسقاط الجنسية عن فئة من المواطنين يجعلهم بلا حقوق قانونية.
بالعودة إلى “قانون تعديل المواطنة” الهندي فكما ذكرنا أنه صدر في نهاية عام 2019، ولكنه لم يطبق لاندلاع مظاهرات واحتجاجات كبيرة على امتداد الجغرافيا الهندية، قادها المسلمون لثلاثة أشهر قبل أن تطل على العالم كورونا وتفرض السلطات الهندية الإغلاق التام بالقوة في مارس/آذار 2020. والآن تعيد حكومة رئيس الوزراء مودي الكرَّة وتبدأ في محاولة فرض هذا القانون على أرض الواقع عبر تهجير المسلمين من أهل ولاية آسام وقتلهم.
ويبدو أن ما حدث في أفغانستان من انتصار حركة طالبان على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وإسقاطها لحكومة أشرف غني، قد شكل ضربة قوية للعمق الاستراتيجي الهندي ولنفوذها الكبير الذي بنته خلال عشرين عاماً من العلاقات مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة، مما أفقدها صوابها وجعلها تسرع في سياساتها العنصرية تجاه مسلمي الهند.
تعوَّد المسلمون على أن يتجاهل العالم المدعي لحماية حقوق الإنسان قضاياهم، بصورة انتقائية واضحة. ورغم ذلك فالمسلمون في الهند أدرى بإمكاناتهم وطاقتهم وأساليب المقاومة المجدية لديهم، وقد رأينا كيف نجحت مظاهراتهم العارمة مع بعض المتعاطفين من أبناء وطنهم قبل سنة ونصف بتعطيل “قانون تعديل المواطنة” العنصري الجائر، والحفاظ على دينهم وهويتهم على مر التاريخ.
أدت حادثة القتل الوحشي لمسلم هندي بواسطة قوات الشرطة إلى تعاطف المسلمين حول العالم مع مسلمي الهند، وتعالت الدعوات عبر وسائط التواصل الاجتماعي للمقاطعة الاقتصادية للمنتجات الهندية التي أثبتت فاعليتها مع فرنسا وكبدتها خسائر كبيرة، وهي أقوى اقتصادياً من الهند. وسيكون لهذه المقاطعة فاعلية إذا جرى الانخراط فيها بجدية وإصرار، بخاصةً من شعوب دول الخليج العربي الذي تكثر فيه المنتجات والشركات والكوادر الهندوسية الهندية. هذا فضلاً عن أن الكثير من أسواق الدول المسلمة تعتبر منافذ لبيع المنتجات الهندية المختلفة.
المصدر: موقع TRT عربي