مقالات

المسلمون في الهند أسوأ وضعاً من المنبوذين

المسلمون في الهند أسوأ وضعاً من المنبوذين

مقالات – نثار أحمد حصير القاسمي

قام رئيس الوزراء الهندي السابق الدكتور “منموهن سينغ”، بتشكيل لجنة لدراسة أوضاع المسلمين بقيادة “ساشر” وهو من قضاة المحكمة العليا سابقاً واللجنة هذه قامت بدراسة أوضاعهم التعليمية والمعيشية والاجتماعية بالأمانة والصدق والشفافية، وقدمت تقريرها إلى الحكومة في موعدها، وهناك تقارير أخرى من استفتاء “سيميبل” الوطني، ولجنة “غوبال سنغ” المقدمة إلى الحكومة قبل سنوات.

طائفة المنبوذين من المجتمع الهندوسي تعتبر أسوأ حالاً وأردأ وضعاً وأخس اجتماعياً من بين عامة الهندوس، وفي جميع التقارير والإحصاءات والاستفتاءات أشير إلى أمر واحد، وهو أن وضع المسلمين في الهند أسوأ من هؤلاء المنبوذين من الهندوس، وهي حقيقة لا تنكر.

وبالمقارنة بين مسلمي الهند وبين طائفة المنبوذين من هندوس المتخلفة المطرودة يتجلى واضحاً أن المنبوذين أحسن حالاً من المسلمين، والمسلمون أسوأ منهم في كافة المجالات من التعليم والمعيشة والاجتماع والتمثيل السياسي، والوظائف في القطاع الخاص والعام، وقد أشارت التقارير هذه إلى أن نسبة 34% من المسلمين يعيشون تحت خط الفقر، وهؤلاء الفقراء من المسلمين يشكلون نحو 5% من إجمالي سكان الهند.

وعلى سبيل المثال يستفيد 32% من المنتمين إلى طائفة المنبوذين من مياه شبكة التمديدات التي توفرها مصلحة المياه والصرف الصحي التابعة للحكومة في حين أن نسبة المستفيدين منها من المسلمين لا تتجاوز 19% ونسبة المستفيد من المنبوذين من مشروع الأغذية المرخصة تتجاوز 32% والمستفيد منها من المسلمين يقل من 22%، والمستفيد من الأدوية والعلاج المجاني بالمستشفيات والمراكز الصحيفة الحكومية ومشروع الإعانة لها من المنبوذين 47% والمستفيد منها من المسلمين لا يتجاوز 4% فقط.

وهكذا لو تتم المقارنة بين المسلمين وبين الطبقات الأخرى الهندوسية المتخلفة الأخرى منSC وOBC تتجلى رداءة وضع المسلمين إزاءهم، فوفق دراسة عام 1970 والإحصاءات بعده كانت طبقة OBCأقل فقراً وتخلفاً وسوء حال بالنسبة إلى الأخرى، وكان المسلمون دونها، وكانت طبقة SC بالدرجة الثالثة دون المسلمين في التخلف ورداءة الحال، والآن حل المسلمون محل SC بالدرجة الثالثة، وأصبحت الطبقتان الأخريان فوقهم، والآن نسبة التحاق أطفال المسلمين بالمدارس في المدن تقل نحو 10% من أطفال أي طبقة من الطبقات الهندوسية.

ولو سرحنا الأنظار إلى المجال التجاري والوظيفي يتجلى أن ما بين 25 إلى 45 من العمر من السكان يزاولون تجارة ذاتية متواضعة، يقل دخلها ولا يتمتعون بأي ضمانات ولا تأمينات ولا حماية من أي جهة، ويصعب عليهم الإنفاق على العائلة وسد حوائجهم التعليمية والمعيشية والأساسية، والمزاولون مثل هذه الأعمال التجارية معظمهم من المسلمين، أما الهندوس فهم مرتبطون بالتجارات النافقة الكبرى، جملة ومفرقة، وبالشركات والمؤسسات ولهم تسهيلات وضمانات والمرتبط من المسلمين بالتجارة المتواضعة نسبتهم 50% أما الطبقة   OBC  فنسبتها 28% ونسبة SC 8 % وأما الوظائف المستقلة الثانية فنسبة المسلمين فيها 18% ونسبة الهندوس من الطبقة الدنيئة 25%.

ولجنة القاضي “ساشر” قامت بدراسة أوضاع المسلمين، ففي المناطق التي تتجاوز فيها نسبة السكان المسلمين 5، 4% قد أشار الدكتور ساشر في تقريره أن نسبة المسلمين في كافة الوظائف الحكومية تقل من 7،5% ومن ناحية الكثافة السكانية يكثر عمران المسلمين نسبياً في بعض الولايات من “أترابراديش” و”بيهار” و”بنجال الغربية”، ونسبة توظيف المسلمين في هذه الولايات انخفضت إلى الربع من الكمية التي يفترض أن يشغلوها بالنسبة السكانية، وفي ولاية “مهاراشترا” تتراوح نسبة الوظائف الحكومية لديهم ما بين 5% إلى 4% وفي ولاية “كيرلا” تتجاوز نسبة السكان المسلمين 7،32 ولكنهم لا يشغلون الوظائف الحكومية إلى 4،10% وفي ولاية “بنجال الغربية” ترتفع نسبة المسلمين من 2،25% ولكن نسبتهم في الوظائف الحكومية تقل من 2.4% وهكذا الوضع في الشرطة والجيش والجهاز الأمني وسواها من المؤسسات الحكومية، ويعامل المسلمون معاملة الربائب في أنحاء البلاد.

ومنذ عام 1952م حتى عام 2004م اقتصر تمثيل المسلمين في البرلمان والمجالس التشريعية على 4،3 إلى 6،6% في حين أن نسبة السكان المسلمين في الهند يتراوح ما بين 13 إلى 18% وهكذا أي شعبة من شعب الحياة وأي مجال من المجالات من التعليم والمعيشة والاجتماع والسياسة والوظيفة لو لمسناها وتصفحنا وضعها يتبلور أن وضع المسلمين في كافة هذه النواحي والمجالات أسوأ من أخس الطوائف الهندوسية، رغم ذلك ترفع المنظمات الهندوسية المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين الأصوات أن المسلمين مدللون من الحكومة، ولاشك أن مثل هذه الكلمات والشعارات جزء من مشروع غرس النفور والكراهية في الأغلبية من المسلمين الذي تتبناها “عائلة سينغ” المتطرفة وفروعها، ولوسائل الإعلام الهندية دور فاضح في نشر مثل هذه النفور والكراهية لأنها قد بنت قواعدها على عدم عرض الحقائق والواقعية، وإنما سارت على منهج إهمال الواقعية والإغماض عنها وبث كل ما هو المفترض المختلق إن كان ضد المسلمين ولصالح الطوائف والمنظمات الطائفية المتطرفة المعادية التي تحاول اكتساب الشعبية عن هذا الطريق.

وحينما نالت الهند استقلالها عام 1977م ودخلت مرحلة صياغة الدستور ووضع بنية الحكومة وقوامها ونظامها، كانت هناك أصوات تطالب بتأسيس الهند دولة هندوسية محضة، ولكن الأصوات هذه كانت خافتة، وقوة المطالبين بها ضعيفة في وقتها، وكانت إزاءها أصوات تطالب بعدم تأسيس الدولة على أساس الدين والعقيدة الهندوسية، وكانت هذه الأصوات وقتئذٍ قوية مدوية، وكان أصحاب هذه الفكرة الصائبة في الأغلبية، فوضعت لبنتها الأساسية على قواعد العلمانية، ولكن اليوم قد تغير الوضع تماماً وأصبح أصحاب فكرة الدولة الهندوسية والاستكراه والنفور من وجود الإسلام والمسلمين بالهند في الأغلبية وبفضل هذه الإستراتيجية النكراء من اكتساب الشعبية والأصوات عن طريق معاداة الإسلام والمسلمين تمكنت منظمة RSSالمتطرفة وفروعها العسكرية والسياسية من أخذ زمام الحكم والتربع على عرش الدولة من خلال الانتخابات الأخيرة، وفوزها بالأغلبية الساحقة.

وكل من قفز إلى الحكومة من الأحزاب منذ الاستقلال رغم ادعائها بإيمانها بالعلمانية، سارت على المنهج الطائفي الديني، وهذا ما جعل المنظمات الهندوسية المتطرفة تتقوى وتتأصل.

أسست دولة باكستان على القواعد الدينية، ولم تتمكن تطبيق الإسلام، فانشقت إلى جزأين مضادين، ومن حسن الحظ أن الهند لم تنشق حتى الآن ولم ينفصل جزء من أجزائها، وإنما هي متماسكة لحد الآن، لأنها قائمة على أساس العلمانية دستورياً، وهذا ما أتاح الفرصة لأمثال الدكتور ذاكر حسين، والدكتور فخر الدين علي أحمد، والدكتور عبد الكلام من الأقلية المسلمة لرئاسة الجمهورية الهندية، ومنموهن سينغ من سيخ الأقلية لرئاسة الوزراء ولسواهم من المسحيين وغيرهم لشغل المناصب العليا الحساسة.

وطبقة الهندوس المنبوذة هي الأكثر عدداً من أي طبقة هندوسية أخرى، رغم ذلك وضعها أسوأ من سواها من الطبقات، ووضع المسلمين اليوم أصبح أسوأ وأردأ منها، في طول الهند وعرضها، والسبب في تحسن حالهم بالنسبة للمسلمين يعود إلى جهود قادتهم المتواصلة، فقيادة الدكتور “بابا صاحب أمبيدكر”، قد رفعتهم من الثرى إلى الثريا، وانتزع لهم الضمانات والحقوق في القانون، أما المسلمون فلم يجتمعوا على قيادة أحد، ولا يزالون يترددون في اختيار حزب من الأحزاب السياسية للانتماء إليها وتأييدها وبالتالي اكتساب الثقة منها، فالقادة السياسيون من المسلمين والمجتمع الإسلامي والعناصر السياسية والاجتماعية والناشطون موزعون، والنفعيون يستغلون وضعهم القائم ويستخدمونهم لكسب أصواتهم في الانتخاب للقفز إلى السلطة والحكومة، وبعد ما ينالون مرامهم يرمونهم في سلة المهملات ويتناسون قضاياهم ووضعهم المتردي.

وقد أشير في تقرير لجنة “ساشر” أن الشباب المسلمين يكثر عددهم في السجون والمعتقلات رغم عددهم بالنسبة للهندوس، ودب إليهم اتجاه اقتراف الجرائم بحرمانهم من الحقوق المضمونة، وبطالتهم، وابتعادهم عن المؤسسات التعليمية.

وقد وزعت الحكومة المسلمين على طبقات من عديم الدخل، والدخل الزهيد، والدخل الكافي، من SC وSt وOBC ومثل هذه الطبقات من ناحية الدخل توجد في الهندوس والسيخ والمسيحية والبوذية وسواها، ينبغي للمسلمين في الوضع الراهن أن يحاولوا لجذب قلوب هذه الطبقات المتخلفة من الهندوس، ويوحدوا كلمتهم ويتناسقوا معهم ويطالبوا جميعاً من الحكومة بإعطائهم الحقوق السوية في كافة المجالات.

والبند 15 و16 من الدستور الهندي يضمن للشرائح الفقيرة والطبقات المتخلفة اجتماعياً وعلمياً وسياسياً ومعيشياً ويوفر لها التسهيلات الخاصة دون النظر إلى ديانتها وانتمائها العقدي، ينبغي للمسلمين أن يواصلوا جهودهم من مختلف الجهات والأصعدة حكومياً وقضائياً لاكتساب هذه الضمانات والحقوق، كما عليهم أن يفكروا جدياً في رفع مستواهم العلمي والمعيشي دون الاتكال على المساعدات والمعونات الحكومية: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

المصدر: موقع “بوابة الشرق”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى