المستجَدَّات الفقهية ..إشكاليات المصطلح
بقلم مسعود صبري
المستجَدّات جمع لاسم المفعول: مستَجدّ، والمستجد مشتق من استجد الشيء،أي صار جديدا، وقد تكون اسم فاعل: مستجِد. فيكون معنى اسم المفعول: الأمور التي استجدها الناس؛ لأنها لم تستجد بذاتها، وإنما بفعل الغير، وفي اسم الفاعل يكون المعنى: الأمور التي استجدت، وصارت جديدة، ونسبة الفعل إليها من باب المجاز، كما نقول: طلعت الشمس، فهي لم تطلع وحدها، ولكن نسب الفعل إليها مجازا، لأنها ليست الفاعل على الحقيقة.
والمصدر استجداد، يقال: “استجد الموضوع”: صار جديدا، و”استجد القميص”: لبسه جديدا، “واستجد البيت”: صيره جديدا. ومن المعاني المتماثلة: جدد، يقال: جدد الثوب، صيره جديدا، فيكون المعنى واحدا بين جدد واستجد، فكلاهما يعني صار جديدًا ( ([1].
وعلى هذا، فالتجديد –أو الاستجداد- في أصل اللغة يأتي بمعان متعددة، منها:
- إعادة الشيء إلى سابق عهده وأصله، بعدما بلي.
- وهو – أيضا- يحمل معنى الإصلاح، فتجديد الشيء يعني إصلاحه وترميمه، وإكمال الناقص فيه، وإبدال التالف بشيء نافع.
- وهو أيضا يحمل معنى إدخال ما لم يكن في الشيء، فيكون التجديد إنشاء، وليس إكمالا فحسب.
وعلى هذا، فإن التجديد إما أن يكون إعادة الشيء على ما كان عليه، أو جلب شيء جديد لم يكن موجودا. غير أن التجديد في الدين لا يكون بإدخال شيء جديد عليه؛ لأن الله – تعالى – أتم لنا الدين وأكمله، كما قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)([2])، ولكن التجديد قد يكون في بعض الصور والهيئات، أو التجديد في أجزاء الشيء الكلي، من باب توليد المعاني والمفاهيم من خلال النص، أو فهمه على نحو جديد لم يكن معروفا في العصور السالفة، أو إسقاطه على نحو يتوافق مع الواقع بما لا يتصادم مع كليات الدين.
المستجدات في الاصطلاح:
وتطلق المستجدات الفقهية على:
- المسائل المستحدثة التي لم تكن موجودة من قبل، وتحتاج إلى بيان الحكم الفقهي، مثل: الاستنساخ، وتأجير الأرحام، وشركات “البيزناس”، و”البورصة”، وغيرها.
- المسائل التي لها حكم في الماضي، لكن تغير موجب الحكم عليها، لتغير الظروف والأحوال والأعراف، مما يستوجب إعادة النظر والاجتهاد فيها(([3].
- الصور الجديدة لأحكام قديمة، مثل: “الإحرام من جدة للقادم بالطائرة”، و”أخذ حبوب لمواصلة الصيام والحج”، و”زكاة صناديق الاستثمار”، و”استخدام البخاخة لمرضى الحساسية في الصيام”، وغيرها مما يعود لحكم سابق، ولكن بصورة لم تكن موجودة في الماضي، فوجب الاجتهاد فيها على نحو جديد، يتوافق وطبيعة الفتوى.
والإفتاء في المستجدات الفقهية هو جزء من رسالة التجديد في هذا الدين.
وقد أطلق الفقهاء على المستجدات أيضا بعض المصطلحات الأخرى كالنوازل، والواقعات، ويطلق عليها الفقهاء المعاصرون “القضايا المعاصرة”.
وقد تحمل هذه المصطلحات معنى واحدا في الاصطلاح، وهو الشيء الحادث الذي يحتاج إلى اجتهاد لبيان الحكم الشرعي، وإن كانت ثمة فروق بينها في المعنى.
القضايا الفقهية المعاصرة:
هي القضايا التي يختلف حولها الناس في زمانهم، وقد تكون هذه القضايا مستجدة؛ لأن من لوازم جدتها أن تكون في العصر المتكلم عنه، وقد تكون قديمة بحيث تستمر من العصر القديم إلى العصر الحديث، وقد تكون هذه الثانية لها خصوصية بحيث يكون لها انتشار في العصر مع كونها ليست محدثة؛ فالحجاب والنقاب والختان وتعدد الزوجات والبيع بالتقسيط ورمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال وغيرها من القضايا التي لا تعد من المستجدات الفقهية، وإن كان الناس لا يزالون يسألون عنها، وعن حدودها وضوابطها.
النوازل:
للنوازل عدة تعريفات: فقد يراد بها الشدائد التي تنزل بالناس، ومن ذلك كما يقال في جواز القنوت في النوازل أي في الشدائد.
وقد يراد بها الفتوى، وبها تكون النازلة هي: الأمر الذي وقع وحل، وعرض على المفتي ليبين حكم الإسلام فيه(([4].وقد يراد بالنازلة ما قد ينزل بالمفتي من المسائل التي يغيب عنه وجه الإفتاء فيها، بحيث تحتاج منه إلى اجتهاد ونظر. ولعل هذا هو المستفاد من قول الإمام ابن القيم: “إذا نزلت بالحاكم أو المفتي النازلة فإما أن يكون عالما بالحق فيها أو غالبا على ظنه بحيث إنه استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته أولا، فإن لم يكن عالما بالحق فيها ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي ولا يقضي بما لا يعلم”([5]).
وعليه، فلا ينحصر معنى النازلة في الفتوى بالمعنى العام، ولكنه يتحدد في المسألة التي لا يعرف المفتي الحكم الشرعي فيها، وتحتاج منه إلى اجتهاد للتوصل إلى ذلك الحكم الشرعي، وهذا يعني أن النازلة تتعلق بما ينزل بالمفتي من المسائل التي لا يعرفها وتحتاج إلى اجتهاد.
وهنا يظهر أن القضايا المعاصرة تختص بقضايا الاختلاف المنتشر في العصر، سواء أكان مستجدا أم لا، وأن النازلة ما تحتاج إلى اجتهاد سواء أكانت مستجدة أم لا، والمستجدات هي النوازل التي تحتاج إلى اجتهاد ولم يسبق أن قال فيها أحد برأيه، أو تناولها باجتهاد، فتكون المستجدات أخص من القضايا المعاصرة والنوازل.
([1]) – راجع: الوسيط، مادة، ج د د، والمحيط لأديب اللجمي وآخرين.
([2])– المائدة: 3.
(([3] راجع: ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، د. محمد عبد المجيد السوسوه، ص: 236-238، بحث منشور بمجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالكويت، العدد 62- السنة 20- شعبان 1426هـ= سبتمبر 2005م
(([4] – راجع: الأصول المنهجية لفقه النوازل، الدكتور مختار السلامي، ضمن: بحوث مؤتمر: الإفتاء في عالم مفتوح..الواقع الماثل والأمل المرتجى، ج1/414.
([5])– إعلام الموقعين عن رب العالمين، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي الشهير بابن القيم ج4/173 تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل – بيروت –طبعة: 1973
(المصدر: إسلام أونلاين)