المساواة في الإرث.. مخاض في تونس ونفاس علماني بالمغرب
بقلم نبيل غزال
مباشرة بعد أن صادق مجلس الوزراء التونسي برئاسة الباجي قايد السبسي على مسودة قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمن تبديل نظام الإرث المستمد من الشريعة الإسلامية، خرج من يرفع المطلب ذاته في المغرب من أجل تجديد تسويق طرحه المرفوض شعبيا ومجتمعيا.
فأعرب الناشط أحمد عصيد مباشرة بعد قرار حكومة السبسي بقوله “نعتبر في المغرب بأن تونس في هذا المجال هي التجربة الديمقراطية الرائدة في المنطقة، ونتمنى أن نسير على خطواتها، بعد أن نجحنا في فتح النقاش العمومي بالمغرب حول موضوع الإرث”.
وأضاف عصيد في تصريح إعلامي أنه ورفاقه “بصدد التوفير التدريجي للمناخ الملائم لإعادة النظر في النصوص الدينية على ضوء الواقع المغربي”.
الكاتب سعيد لكحل استغل الفرصة ليهاجم التشريع الإسلامي برمته من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم؛ وادعى أنه “على امتداد 1400 سنة، ظلت الدول الإسلامية تعتمد التشريعات المجحفة والظالمة للمرأة باسم الشريعة وأحكامها. وتونس، بمشروع قانونها هذا، تحدث قطيعة “حضارية” فتخرج من نمط ديني للدولة تؤول فيه المصادقة على “شرعية” القوانين إلى الفقهاء باعتبارهم الجهة الأسمى الممثلة للدين، إلى نمط مدني يكون فيه الدستور هو القانون الأسمى” (مقال له بعنوان: تونس تؤسس للدولة المدنية في العالم العربي).
كما تمنى الكاتب العلماني من أعماق قلبه “أن يصادق البرلمان التونسي على هذا المشروع ليفتح باب التاريخ الحديث أمام بقية المجتمعات العربية/الإسلامية ويضع حدا لأبشع أشكال العنف والتمييز ضد النساء باسم الخصوصية وباسم الشريعة“.
لقد حاول المنتمون لهذا الفصيل في المغرب غير ما مرة أن يرفعوا السقف ويطالبوا بمراجعة نظام الإرث جملة وتفصيلا، إلا أن جهودهم كانت تبوء بالفشل، وتصطدم بمرجعية المجتمع وتطلعاته التي ترفض مثل هاته المطالب المضللة، الصادرة عن أيديولوجية تعادي الدين، وتغفل المشاكل الكبرى التي تعاني منها المرأة.
ففي دجنبر 2013 طالب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر بتغيير نظام الإرث، وهو الأمر الذي حرك المجلس العلمي الأعلى ودفعه للتدخل بقوة، والإعلان بأن أحكام الإرث قطعية لا تجديد فيها، ولا مجال فيها للرأي.
إزاء هذا الموقف من مؤسسة دستورية، حاول التيار العلماني مراجعة أوراقه ودراسة الخطوة التي يمكنه الخروج بها، فحاول الاختراق عبر مؤسسة دستورية أيضا، فطالب المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الموضوعاتي بتاريخ 20 من أكتوبر 2015 بـ«تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل في ما يتصل بانعقاد الزواج وفسخه، وفي العلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث».
يومان فقط على هذه الخطوة المجلس العلمي الأعلى يؤكد عدم رضاه مجددا عن هذا المطلب.
وبعد عامين ونصف عن هذه الواقعة، وبالضبط في 21 من مارس 2018، سياسيون وحقوقيون وإعلاميون وفنانون يطلقون نداء من أجل إلغاء التعصيب من نظام الإرث.
في اليوم نفسه أطلق إعلاميون وسياسيون ومثقفون وهيئات مدنية، نداء مقابلا من أجل المحافظة على نظام الإرث الإسلامي كما شرعه الله تعالى، ليتفاعل عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين مع النداء العلماني، ويعتبروه محاولة للدخول من النافذة بعد عجزهم عن الدخول من الباب، وأنه خارج السياق والتطلعات، لأنه صدر عن جهة تعاني من فوبيا وكراهية للدين ومرجعية المجتمع، ولا تعكس مطالبها حاجيات المواطنين الذين يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة.
ولا زال الفصيل الاستئصالي في المغرب وإلى اليوم يروج لمفهوم “المساواة الميكانيكية” بين الجنسين؛ التي تلغي الاختلافات الخلقية والعضوية والوظيفية، ولا تعير اهتماما للعلاقة التكاملية بين الذكر والأنثى، ويطالب في تقليد أعمى باستيراد نظريات وأحكام خارجية دون مراعاة لخصوصية المجتمع الذي يعيشون بين أفراده، ولا للنتائج الكارثية لما يطالبون به داخل مجتمعات أخرى.
فمن المهم جدا كشف تهافت الطرح العلماني والوقوف مع ما يروجه في هذا الإطار وغيره؛ لكن الأهم هو المبادرة إلى كسر طابوهات اللادينيين وفتح نقاش جاد حول ما يعتبرونه مكتسبات، في المجال الإعلامي والفني والسياسي والاجتماعي والحقوقي..، والتي غيروا بواسطتها كثيرا من القوانين المستمدة من مرجعية هذا البلد، والمطالبة بإلغاء الاتفاقيات الدولية التي تتعارض مع ما جاء في تصدير دستور 2011 من كون “المملكة المغربية دولة إسلامية”، والمبادرة إلى رفع كافة أشكال التمييز ضد المرأة وفق المنصوص عليه في الإسلام الحنيف.
(المصدر: هوية بريس)